ترسيخ ثقافة العمل الجماعي في المؤسسة

3 دقيقة
ثقافة العمل الجماعي في المؤسسة
shutterstock.com/grmarc

قد يبدو ترسيخ ثقافة العمل الجماعي في المؤسسة الصحيحة، في عصر تتسارع فيه وتيرة أداء فرق العمل، حيث يعمل الناس في مجموعة مختلفة من المشاريع مع مجموعة مختلفة من الزبائن، أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. لكن تجربتي تقول: "إن العمل الجماعي هو الثقافة السائدة في أكثر الشركات ابتكاراً في العالم".

ثقافة العمل الجماعي

يعتمد العمل الجماعي على تحديد الأشخاص المتعاونين والتعرف بسرعة على مهاراتهم ومعارفهم بحيث يمكنهم العمل معاً لإنجاز المطلوب منهم. يتزايد هذا الأسلوب الأكثر مرونة في العمل الجماعي في العديد من الصناعات والقطاعات الاقتصادية، لأن أي عمل، مهما كان، وسواء تعلق بالعناية الطبية بالمرضى، أو بتطوير أحد المنتجات، أو باتخاذ قرارات استراتيجية، ينطوي على عمليات معقدة من الاتكال المتبادل بين الأشخاص المعنيين على بعضهم البعض، ويتعيّن التعامل مع هذه العمليات المعقدة على الفور. كما أننا نشهد تقلصاً متزايداً في الزمن الفاصل بين ظهور قضية ما ومدة الحل المخصصة لها. لذلك فإن التمهل قليلاً لتكوين الفريق المثالي وتهيئته لإنجاز المهمة والتصدي للقضايا المتحركة بسرعة ليس بالأمر العملي دائماً، بينما العمل الجماعي بروح الفريق هو المخرج الدائم والصالح أبداً.

يتعيّن على قادة اليوم إرساء ثقافة تعتمد على توقع الجميع لأداء عملهم بصورة جماعية وشعورهم بأن ذلك هو الوضع الطبيعي، وهذا الأمر يبدأ مع تشجيع كل الأشخاص على التمتع بالفضول، والشغف، والقدرة على التعاطف مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: أسرار العمل الجماعي الناجح

فالفضول هو ما يدفع المرء إلى محاولة استكشاف ما يعرفه الآخرون وما الذي بوسعهم تقديمه للعمل. أما الشغف فإنه يلهب الحماسة ويشكل الدافع لبذل أقصى جهد ممكن. بينما تعتبر القدرة على التعاطف مع الآخرين، ملكة تستند إلى تفهّم شعور الآخرين والإحساس بهم، وهذا أمر حساس للغاية من أجل التعاون الفعال أثناء العمل تحت الضغوط.

دور القادة في ترسيخ ثقافة العمل الجماعي

تكمن مهمة القائد الحقيقي في تجسيد نموذج يحتذى لهذه السلوكيات. فعندما يطرح هؤلاء القادة أسئلة صادقة ويصغون بإمعان إلى الإجابات عنها، ويبدون حماسة عميقة لإنجاز أهداف الفريق، ويُظهرون مدى انسجامهم مع الآراء المتنوعة لكل شخص، مهما كانت مرتبته الوظيفية، فإن الفضول، والشغف، والقدرة على التعاطف مع الآخرين تبدأ في الترسخ في ثقافة المؤسسة. فعندما تنضم إلى فريق غير مألوف بالنسبة لك أو تبدأ تحدياً لمشروع جديد، فإن حماية الذات هي غريزة طبيعية. ومن غير الممكن أن تبدو شخصاً جيداً أو أن تكون على حق دائماً عند التعاون لإنجاز مشروع محصلاته غير معلومة بدقة. ولكن عندما تهتم بنفسك فقط، فإنك تميل عادة إلى إبداء قدر أقل من الاهتمام بالآخرين، وإلى إظهار شغف أقل بالقضية المشتركة، ولن تكون قادراً على فهم مختلف وجهات النظر.

اقرأ أيضاً: متى يكون العمل الجماعي ضرورياً؟

لذلك يحتاج تغيير هذه الثقافة إلى عمل قائم على الوعي. لنأخذ، على سبيل المثال، حالة جولي موراث (Julie Morath)، وهي الرائدة في إطلاق مبادرة للعناية بسلامة المرضى في مستشفى الأطفال في مينيسوتا، قبل فترة طويلة من انتشار هذا الأمر على نطاق واسع في القطاع الطبي. ولجذب انتباه الموظفين، لجأت جولي إلى إلقاء خطابات حول سلامة المرضى، واجتمعت شخصياً مع أصحاب الرأي في المؤسسة.

ومع ذلك، أبدى الموظفون مقاومة للجهود الرامية إلى التغيير، وكانوا واثقين تماماً أن لا مشكلة فعلياً في المستشفى. وعوضاً عن أن تستغل جولي منصبها لمجادلة الآخرين بقناعاتها بقوة أكبر، عمدت دوماً إلى الرد على الموظفين من خلال طرح أسئلة من قبيل: "ما أهم تجربة مرّرتم بها مع المرضى هذا الأسبوع؟ هل كانت الأمور على درجة الأمان التي كنتم ترغبون فيها؟".

أدت هذه الاستفسارات البسيطة إلى تحول في العلاقة، وبدأت تتغير ثقافة المؤسسة نحو ثقافة تعتمد على العمل الجماعي لتحسين درجة الأمان. فالأسئلة التي طرحتها موراث جعلت الموظفين يدركون أن معظمهم كانوا في قلب نظام للرعاية الصحية يواجه مشكلة في مكان ما، وأن المستشفى قادر بالتأكيد على تحسين أدائه. وقد تابعت موراث عملها لتقود 18 مجموعة عمل سمحت لهؤلاء الناس بالتعبير عن مخاوفهم وطرح أفكارهم. وبعد أن ناقش الجميع كل الحوادث التي واجهوها، بات من الواضح تماماً أن تجربتهم لم تكن فريدة؛ فالعديد منهم لديه قصص مشابهة.

إظهار موراث للفضول ساعد الآخرين على اكتساب فهم شخصي أعمق لطريقة عمل المؤسسة. كما أنها أبدت شغفاً بسلامة المرضى، وتحول هذا الشغف إلى مشاعر مُعديِة مسّت الجميع. أخيراً، هذا الإحساس بشعور الآخرين، والذي كان واضحاً للجميع، لم يمتد ليشمل المرضى الذين كانت الرعاية الأفضل ستنقذ حياتهم فحسب، وإنما دفع الموظفين إلى العمل الجماعي المبدع رغم ظروف العمل اليومي الضاغط. وذلك بسبب ترسيخ ثقافة العمل الجماعي في المؤسسة مهما كانت الظروف.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي