توظيف مندوبي المبيعات اللامعين ليست الطريقة المثلى للنمو

7 دقائق
توظيف مندوبي المبيعات اللامعين
ديف ويلر لمجلة هارفارد بزنس ريفيو

لعلك ترى أن مبدأ "باريتو" (Pareto) ينطبق على المبيعات طوال الوقت: أبرز 20% من مندوبي المبيعات يحققون 80% من إيرادات الشركة وهوامش أرباحها - ولعل هذا المبدأ يسري في العديد من القطاعات. وفي سياقات التعامل التجاري بين الشركات مثلاً، غالباً ما يتفاوت أداء مندوبي المبيعات في مجالات متشابهة بنسبة 300% بين الشرائح الخمسية الأعلى والأدنى، وفي متاجر البيع بالتجزئة، تتباين إنتاجية البيع عادةً بمُعامل ثلاثة إلى أربعة. ومن ثم، فليس غريباً أن تكون استجابة الشركة التقليدية للنمو المعطل هي عبر توظيف مندوبي المبيعات اللامعين.

ولكن، هناك مشكلات قليلة تتعلق بأسلوب توظيف مندوبي المبيعات اللامعين. أولاً، بما إن الجميع يتقاتلون من أجل الاستحواذ على المرشحين أنفسهم، فعدد مندوبي المبيعات البارعين محدود. ثانياً، حتى لو استطعتَ توظيف مندوبي مبيعات لامعين، فربما تكتشف أن مجموعة مهاراتهم الفريدة من الصعب استنساخها. تشير الأبحاث إلى وجود احتمال كبير بأن الموظف البارع في الشركة "س" لن يكون نجماً ساطعاً - أو حتى كذلك من الناحية الإنتاجية - في الشركة "ص". والسبب الثالث يتعلق بمسألة رياضية بسيطة. على الرغم من أن 80% من المبيعات ربما تنبع حالياً من 20% من مندوبي المبيعات، فالتحسينات التراكمية في أداء الغالبية العظمى سيكون لها في المجمل أثر أكبر بكثير على النمو من أثر مندوبي المبيعات اللامعين.

إننا لا نزعم أن مندوبي المبيعات اللامعين ليسوا على قدر من الأهمية، فهذا ليس صحيحاً بلا شك. ولكن، في الوقت ذاته يتعين على الشركات ألا تعتمد على مندوبي المبيعات اللامعين إذا أرادت أن تُحسن الأداء الإجمالي للمبيعات.

والشركات التي تبنت نموذج "البرمجيات كخدمة" (SaaS) مثال رائع في هذا الصدد. في السنوات الأولى لمشروع نموذج "البرمجيات كخدمة"، حقق مندوبو المبيعات اللامعون عادةً القسم الأكبر من الإيرادات، وغالباً ما تعامل معهم مَن حولهم في الشركة باحترام وهيبة بسبب العلاقات التي أقاموها والسلطات التي مارسوها. ولكن، بينما يصل المشروع لمرحلة النضج، ويستمر هؤلاء في إبرام صفقات سنوية ضخمة قليلة، من الممكن أن يحدوا من النمو طالما أن نموذج "البرمجيات كخدمة" يتطلب حجم أعمال أكبر.

وعلى الرغم من أن إنشاء شركة ترتكز على نموذج "البرمجيات كخدمة" أصبح أسهل من أي وقت مضى، فمن الأصعب تطوير تلك الشركات والارتقاء بها. هناك منافسة محتدمة تتسبب في تقييد الأسعار وزيادة تكاليف استقطاب زبائن جدد. أجريت استبانة حديثة على 159 شركة عاملة بنموذج "البرمجيات كخدمة"، تبلغ إيراداتها على الأقل 2.5 مليون دولار، كشفت عن أن 55% منها تقريباً تنفق أكثر من دولار لتحصل على ما يوازي دولاراً من قيمة التعاقدات السنوية. وهذه أيضاً سوق تندر فيها المواهب، خصوصاً في ميدان المبيعات.

وإذا أرادت الشركة التطور، فعليها أن تُحسّن عمليات مبيعاتها، وينطبق ذلك خصيصاً على الشركات العاملة بنموذج "البرمجيات كخدمة". وهذه المسألة لا تقل أهمية عن المنتجات والخدمات التي تبيعها، والزبائن الذين تبيعها لهم، وهي محورية للميزة التنافسية للشركة.

تصميم عملية مبيعات قابلة للتطوير

إليكم 3 عناصر مفصلية لتصميم عملية مبيعات قابلة للتطوير:

استيعاب مهام المبيعات

عندما يتعلق الأمر بكفاءة المبيعات، على المدراء البحث في المهام التي يجب على مندوبي المبيعات أداؤها، لا شخصياتهم ومهارات البيع العامة لديهم فقط. سوف تعتمد هذه المهام على استراتيجية شركتك والزبائن المستهدفين بهذه الاستراتيجية ونموذج العمل الذي وضعته لاستقطاب هؤلاء الزبائن والحفاظ عليهم.

خذ بعين الاعتبار إحدى خدمات "البرمجيات كخدمة" مثل مشاركة المستندات أو أدوات الاتصالات العديدة، مثل برمجيات التعاون أو الاجتماعات. إن هذه التطبيقات ليست حيوية عادةً للزبائن، وتباع بأسعار اشتراك شهرية منخفضة نسبياً، ويستطيع المشترون جمع معلومات كثيرة قبل البيع عن طريق البحث على شبكة الإنترنت، ما يسمح لهم بالتصرف بشكل أسرع وأكثر حسماً. ومن جهة البائع، تُعتبر "المكالمات الهاتفية العشوائية" بالغة الأهمية، ويُجري الباعة عروضاً تجريبية إلكترونية، ويمنحون العملاء المرتقبين عرضاً شبه مخصص لهم ببضع نقرات على موقع الويب لإبرام الصفقة المبدئية. غير أن توسعة نطاق هذا النوع من الأعمال يتطلب عادة مهام مبيعات "لاستقطاب الزبائن وتوسعة نطاق المبيعات" مثل البيع البديل (إقناع الزبون بشراء نسخة أعلى من المنتج)، والبيع المتقاطع (إقناع الزبون الأول/الزبائن الأوائل بإحالة زبائن جدد لمندوبي مبيعات آخرين في المؤسسة). على سبيل المثال، أسست شركة "سكريبت لوجيك" (ScriptLogic)، التي تبيع أدوات تشخيص بسيطة لتقنية المعلومات لمدراء النظم في أقسام تقنية المعلومات في الشركات متوسطة الحجم، أعمالاً قوية بأسلوب المبيعات هذا، وقيمتها المقدّمة المعروفة باسم "التأشير والنقر والانتهاء".

ومن ناحية أخرى، تتطلب خدمة منصة "البرمجيات كخدمة"، مثل نظام إدارة علاقات الزبائن، أو خدمة أتمتة التسويق تكاملاً متطوراً لتثبيت عقود سنوية أو عقود لعدة سنوات. وهذه صفقة بيع أولية معقدة ذات دورة بيع أطول من الصعب إنجازها عبر شبكة الإنترنت أو عبر الهاتف. وفضلاً عن ذلك، غالباً ما يتعين على مندوبي المبيعات إشراك مهندسي المورِّد في عملية البيع.

لدى مندوبي المبيعات الذين يبيعون خدمات نظام إدارة علاقات الزبائن مهام مختلفة تماماً عن مندوبي المبيعات الذين يبيعون أدوات الاتصال؛ فيتحتّم عليهم التركيز على ضمان تجديد العقود الحالية، وزيادة السعر عن طريق إضافة قدرات وظيفية جديدة، وبيع مجموعة خدمات راقية لمختلف صناع القرار والحد من فقدان الزبائن، ويجب عليهم أيضاً التعامل مع عملية صناعة قرار مختلفة، وإجراءات وضع الميزانية للحسابات. إن النهج نفسه الذي حقق نتائج إيجابية جداً لشركة "سكريبت لوجيك" في شريحة الشركات الصغيرة والمتوسطة لم يكن فعالاً في بيع منتجاتها لمؤسسات كبرى، وفي نهاية المطاف استحوذت عليها شركة "كويست سوفتوير" (Quest Software) التي تبنت أسلوب مبيعات مختلفاً كلياً في شريحة المؤسسات الكبرى.

ومن المهم أيضاً أن نضع نصب أعيننا أن مهام المبيعات عادة ما تتغير على مدار دورة حياة المنتج في السوق. وعموماً، نجد أن تثقيف الزبون وتطوير التطبيقات مهمتان محوريتان عادة في المراحل الأولى. غير أن السوق تتطور والمعايير تنشأ وتنبثق، ويمضي مندوبو المبيعات وقتاً أطول في البيع بمواجهة علامات تجارية مكافئة من ناحية القدرات الوظيفية أو تطوير علاقات مع الغير. إذا لم تواكب عملية مبيعاتك هذه التغيرات، فسيبوء تنفيذ الاستراتيجية والنمو بالفشل.

المضاهاة بين عملية المبيعات والموارد من ناحية وعملية الشراء من ناحية أخرى

تنفق غالبية مؤسسات المبيعات وقتاً طويلاً وأموالاً طائلة على مراقبة التطور المحرز (أو عدم التطور) عبر "أقماع" المبيعات. لكن البيع يتعلق بالمشتري أكثر مما يتعلق بالبائع، وغالبية مسيرات الشراء للزبائن تشبه مساراً متعرجاً لا قمعاً مستدقاً بشكل تدريجي. يميل المشترون في سياق التعامل التجاري بين الشركات مثلاً إلى العمل عبر 4 مسارات متوازية لاتخاذ قرار الشراء. ومن ثَم، فمن الأهمية بمكان استيعاب المرحلة التي بلغها الزبائن في رحلاتهم، وكيفية التفاعل معهم على نحو لائق في مرحلة بعينها.

تبدأ المرحلة الأولية عادة في "البرمجيات كخدمة" عندما يدرك الزبون المحتمل وجود مشكلة يمكن حلها أو فرصة سانحة تلوح في الأفق. يستطيع البائع مساعدة المشتري على بلوغ هذا الإدراك بعدة سبل، بما في ذلك إطلاق حملة تسويق للمحتوى أو حملة تحسين محرك البحث بهدف استقطاب عملاء محتملين وافدين، وتشجيع الزبائن الحاليين على الإحالة، وإجراء مكالمات هاتفية بغرض البيع، والتخطيط لعقد المؤتمرات، وإرسال رسائل بريد إلكتروني لزيادة التوعية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج شفهياً.

ومرة أخرى، تعتمد المراحل اللاحقة على سلوك المشتري والاستراتيجية. ولدى غالبية الشركات العاملة بنموذج "البرمجيات كخدمة" 3 مستويات: مستوى للخدمة الذاتية يسمح بالتقييم التجريبي، ومستوى ثان يسمح لصانع قرار منفرد أو صانع قرار تابع لقسم ما بالمشاركة والتجربة، ومستوى ثالث يتطلب البيع للعديد من أصحاب المصلحة لدى الزبون.

وعلى الرغم من أن بعض مندوبي المبيعات اللامعين يستطيعون التنقل عبر المستويات جميعها، فإن غالبية مندوبي المبيعات ليس بوسعهم ذلك. ولذا، لتحسين إنتاجية فريق مبيعاتك، يجب عليك تحديد المَواطن التي يتعين على مندوبي المبيعات المختلفين الانخراط فيها في العملية. وغالباً ما تكون الإنتاجية الداخلية لمندوبي المبيعات الذين يتحلون بسرعة عالية إنتاجية قوية في المستوى الأدنى، غير أن أداءهم يشوبه قصور من ناحية الإنتاجية في المستويات الأعلى التي تنطوي على وحدة صناعة قرار شمولية وأكثر تعقيداً.

استخدام أدوات لتحويل البيانات إلى معلومات

ولأن الشركات الأميركية التقليدية لديها بالفعل قدر أكبر من البيانات في نظام إدارة علاقات الزبائن الخاص بها مقارنة بمكتبة الكونغرس بأكملها، فالأرجح أن البيانات الكبيرة تشعرك بالارتباك. ولذلك، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن دور البيانات هو مساعدتك على اتخاذ قرارات أفضل، ولكي تستطيع التمييز ما بين المؤشرات الحقيقية والزائفة، عليك أن تعرف ما أنت بصدد قياسه، وتستخدم الأدوات السليمة لقياسه.

فكر في التوقعات

تضع غالبية الشركات معلومات تدفقات المبيعات داخل نظام إدارة علاقات الزبائن إما أسبوعياً أو شهرياً، ثُم تبادر بمراجعة حجم الزبائن المحتملين وقيمتهم في تلك التدفقات. وللتنبؤ بالشهر أو الفصل المقبل، عادةً ما تستقرئ تلك الشركات الأداء المستقبلي من تلك اللقطة "حقق بوب مبيعات بقيمة 200 ألف دولار الفصل الماضي، لنرصد له مبيعات بقيمة 250 ألف دولار للفصل التالي إذاً"، وهكذا دواليك.

لكنّ مسارات الشراء، خصوصاً لنموذج "البرمجيات كخدمة"، أشبه بفيلم رسوم متحركة منها بلقطة فوتوغرافية، ما يعني أنه ينبغي عليك قياس التدفقات على غرار "ما نسبة بوب من الإيرادات الشهرية المتكررة إلى العملاء المحتملين للمبيعات؟" أو "ما نسبة سالي من الزبائن الملتزمين بالشراء في مقابل العملاء المحتملين للمبيعات؟" سوف تساعدك هذه الأسئلة على اتخاذ قرار مهم: توظيف مندوبي مبيعات أكثر مثل بوب؟ أم الكشف عن طبيعة ما تنجزه سالي ببراعة؟

يتضمن الحد الأدنى من تدفقات البيانات الفئات الموضحة أدناه:

باستخدام هذه البيانات والأدوات التحليلية ذات الصلة، يمكنك تحديد الفوارق التي سوف تساعدك على تأسيس عملية مبيعات قابلة للتطوير والتوسعة. على سبيل المثال، يُمكنك النظر إلى كل - أو أي - مما يلي، وفقاً لنموذج عملك، واستغلال ميزانيتك للتسويق والمبيعات على نحو أفضل:

بيانات الحجم: مقاييس ترصد حجم الأعمال بواسطة رصد الصفقات الرابحة من عدد العملاء المؤهلين للتسويق والعملاء المؤهلين للمبيعات.

بيانات التحول: نِسب ترصد مثلاً عدد العملاء المؤهلين للتسويق الذين تمخض عنهم عملاء مؤهلين للمبيعات.

تكاليف الفرص الضائعة: أفكار مستخلصة عبر العديد من المقاييس. على سبيل المثال، يجوز أن تقارن ما بين التكلفة والإيرادات الشهرية المتكررة المترتبة على حملة تسويقية في 30 يوماً في مقابل استخدامات بديلة لهذه الأموال، وتكاليف جذب الزبائن لفريق مبيعاتك الإلكتروني في مقابل فريق مبيعاتك الميداني، ونِسب البيع البديل إلى العملاء في مقابل نِسب فقدان العملاء، وغير ذلك.

وكثيرٌ من جهود المبيعات تحتاج إلى هذه العملية لأنّ الأعمال تتبدل وتتغير حالياً بكثرة وبوتيرة سريعة، صحيح أن أي عملية ترتهن جودتها ببراعة القائمين على إدارتها، غير أن توظيف عمليات مبيعات أو غير ذلك من "تحليلات البيانات" دون وضع عملية تكرارية هي وصفة أكيدة لخيبة الأمل والفشل الذريع المكلف. والفشل لا يقاس.

وفي المقابل، احرص على ألا تتتبع عمليتك بأفق محدود أو بطريقة روتينية. وتذكر أن تتطلع إلى السماء: ففي الأفق نجوم ساطعة. ولكن لا تنسي أنك لا تحتاج إلى حث الجميع على بلوغ الشريحة المئوية التسعينية. إن التحرك لشريحة ربعية أعلى هو أمر شاق، وهذا هو دور عملية المبيعات وثيقة الصلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي