كيف تنمّي البراعة الرقمية بين أفراد قوة العمل بشركتك؟

7 دقائق
تنمية البراعة الرقمية

ملخص: في حين يتأهّب العالم للانتقال إلى المرحلة التالية من جائحة فيروس كورونا، يخطط أكثر من 90% من المؤسسات المتوسطة الحجم للانتقال إلى نموذج العمل الهجين وتطبيقه على بعض موظفيها على الأقل. وتُبرِز بيئة العمل الهجينة أهمية الاستثمار في التقنيات التكنولوجية من أجل تنمية البراعة الرقمية لدى الفرق العاملة. إذ يفاضل الموظفون بين العمل من المقرات المكتبية والعمل من المنزل، وهو ما يعطي أهمية كبيرة للاستثمار في الحلول الجديدة للاجتماعات وخدمات التعاون والتواصل وأدوات الإنتاجية الشخصية بطريقة تعزّز أداء الموظفين. وعلى الرغم من ذلك، سيفشل الكثير من هذه الاستثمارات في إحداث تأثير كبير على العمل. ويعتبر العنصر المفقود في معظم مبادرات التحول الرقمي هو التركيز المستمر والناجح على تحسين البراعة الرقمية لدى الموظفين والقادة، ممثلاً في الطموح والقدرة على استخدام التكنولوجيا لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. ويستعرض كُتَّاب المقالة الخطوات الرئيسية التي يمكن للمؤسسات اتخاذها للبدء في تشكيل الطموحات والقدرات الرقمية للموظفين.

 

عندما باتت الحقائق الماسة بجائحة "كوفيد-19" واقعاً ملموساً في مارس/آذار 2020، استجاب معظم المؤسسات بطريقتين: من خلال إلزام الموظفين بالعمل عن بُعد وإيجاد طرق لخفض الإنفاق. وقد كشفت أبحاث شركة "غارتنر" (Gartner) أن 93% من المؤسسات المتوسطة الحجم خفّضت تكاليفها، وعلى الرغم من حدوث هذا الخفض في التكاليف على كافة الأصعدة، فقد تباينت الاستراتيجيات، حيث لجأ 49% منها إلى إيقاف تعيين أي موظفين جدد، في حين لجأ 27% منها إلى تسريح العمال بنسب كبيرة، وعلّق 35% منها كافة البرامج التدريبية، وجمّد 27% منها كل الترقيات.

وعلى الرغم من القيود الكثيرة المفروضة على التكاليف، فإن التكنولوجيا الرقمية للموظفين كانت أحد الجوانب التي لم تشهد انخفاضاً في الإنفاق، بل شهدت زيادة ملموسة في واقع الأمر. فقد عمل أكثر من نصف الشركات المتوسطة الحجم في الواقع على زيادة إنفاقها في هذا المجال، ويخطط 69% منها لزيادة إنفاقها على الأدوات الرقمية في عام 2022.

في حين يتأهّب العالم للانتقال إلى المرحلة التالية من جائحة فيروس كورونا، يخطط أكثر من 90% من المؤسسات المتوسطة الحجم للانتقال إلى نموذج العمل الهجين وتطبيقه على بعض موظفيها على الأقل. وتُبرِز بيئة العمل الهجينة أهمية الاستثمار في التقنيات التكنولوجية. إذ يفاضل الموظفون بين العمل من المقرات المكتبية والعمل من المنزل، وهو ما يعطي أهمية كبيرة للاستثمار في الحلول الجديدة للاجتماعات وخدمات التعاون والتواصل وأدوات الإنتاجية الشخصية بطريقة تعزّز أداء الموظفين. وعلى الرغم من هذه الزيادة في الإنفاق، سيفشل الكثير من هذه الاستثمارات في إحداث تأثير كبير على العمل.

ويعتبر العنصر المفقود في معظم مبادرات التحول الرقمي هو التركيز المستمر والناجح على تحسين البراعة الرقمية لدى الموظفين والقادة، ممثلاً في الطموح والقدرة على استخدام التكنولوجيا لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. وإذا لم يتمكن الأفراد من استخدام التكنولوجيا، فسيتم إهدار الاستثمارات، بل إنها قد تؤدي في الواقع إلى زيادة إجهاد الموظف الناجم عن التغيير.

أهمية البراعة الرقمية

منذ طرح حواسيب "آي بي إم" في عام 1980، شهدت عصور الحوسبة تقدماً مطرداً، وكان لكل منها تأثير كبير على كيفية إدارة الأعمال. فقد أفسح عصر الكمبيوتر المجال أمام عصر الإنترنت الذي تطور بدوره إلى عصر الهواتف الذكية. ودخلنا في الفترات الأخيرة عصر البرمجيات كخدمة القائم على السحابة الإلكترونية، وهو ما أدى إلى تصعيد وتيرة التغيير التكنولوجي بسرعة فائقة، فبدلاً من أخذ 3 سنوات لتطوير إصدار جديد ونشره، انتقلت شركات البرمجيات إلى نموذج التغيير المستمر للتقنيات التي يستعملها الموظف. وبعد أن شارفنا الآن على عصر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، سيكون هناك تغيير أكثر عمقاً في كيفية إنجاز العمل.

وتعد البراعة الرقمية الآن عنصراً أساسياً في نجاح الأعمال، ولكن كيفية بناء القدرة الرقمية مسألة غير واضحة. إذ يركّز ميثاق قسم تكنولوجيا المعلومات في معظم المؤسسات على الملاءمة التشغيلية لأنظمة الأعمال، في حين يركّز قسم الموارد البشرية على مسؤوليته عن تنمية مهارات قوة العمل. وقد عانت أقسام الموارد البشرية كثيراً لمواكبة المهارات المطلوب تغييرها، وبالتالي غالباً ما تسقط مسؤولية تحقيق البراعة الرقمية لقوة العمل من حساباتها.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أثبتت الجائحة أن البراعة الرقمية هي أحد المفاتيح اللازمة للازدهار، إن لم تكن أهم مهارات قوة العمل على الإطلاق. فقد فشلت التفاعلات المباشرة وجهاً لوجه والإجراءات الورقية والمهمات التناظرية في أثناء الجائحة، وتم استبدال البُنى الرقمية بها. وشكّلت مجموعات تطبيقات الإنتاجية الشخصية والجماعية القائمة على البرمجيات كخدمة حجر الأساس للانتقال السريع إلى نموذج العمل من المنزل. وعندما ننظر إلى المستقبل القريب، سنجد أن مهارات الموظفين حول تطوير التطبيقات المنخفضة الشفرة البرمجية وأتمتة الإجراءات وتعلم الآلة والتحليل الذكي للأعمال ستكون مفيدة في استمرار التحول الرقمي بالمؤسسات.

وقد أجرت شركة "غارتنر" استقصاء حول البراعة الرقمية في عام 2018 شمل أكثر من 3,000 موظف، توصّلت من خلاله إلى أنه بالإضافة إلى المهارات الفنية المطلوبة لاستخدام التكنولوجيا، فإن السمات السلوكية، مثل العقلية المنفتحة وطرق العمل المرنة ضرورية لتحسين البراعة الرقمية (انظر الشكل أدناه). وتزيد البراعة الرقمية العالية في المؤسسة من احتمالية نجاح التحول الرقمي بمقدار 3.3 مرة. ولكن هذا التعريف الفضفاض للبراعة الرقمية يقتضي تمتع 16% فقط من كل القادة بمهارة رقمية عالية.

البراعة الرقمية

ولوضع الأساس لهذه القدرة الجديدة، يجب على القادة إظهار حاجة المؤسسة إلى البراعة الرقمية وأن يكونوا هم أنفسهم أمثلة يُحتذى بها في سلوكات إتقان التكنولوجيا الرقمية. يجب عليهم أيضاً التأكد من قدرة سير العمل والحوافز والميزانيات والسياسات على تعزيز البراعة الرقمية، وليس عرقلتها. الأهم من ذلك، أن المؤسسات بحاجة إلى بناء القدرات الرقمية بين أفراد قوتها العاملة. إذ لا يكاد يخلو دور وظيفي من الحاجة إلى البراعة الرقمية في أي مؤسسة، حيث يحتاج كل من العاملين في المقرات المكتبية والعاملين بعيداً عنها إلى الكفاءات الأساسية في التعاون مع الآخرين ومحو الأمية بالبيانات وسير العمل وإنشاء المعلومات واستعادتها.

وليس من المستغرب أن يكون لدى الموظفين نقاط انطلاق متنوعة عندما يتعلق الأمر بتطوير البراعة الرقمية. فقد حددت شركة "غارتنر" خمس شخصيات رقمية تعكس السلوكات المختلفة تجاه التكنولوجيا والمراحل المهنية المختلفة للموظف (انظر الشكل التالي). ويمكن للمؤسسات استخدام هذه الشخصيات (أو تطوير شخصيات مماثلة خاصة بها) لإعداد استراتيجية تطوير مصمَّمة بما يلائم احتياجات كل شخص. ويمكن أيضاً إعدادها بما يلائم أدواراً ومسؤوليات محددة.

الأنماط الخمسة لمستخدمي التكنولوجيا

وتتمثل نقطة الانطلاق لأيٍّ من برامج تطوير البراعة الرقمية في تلخيص البراعة الرقمية في الكفاءات المهمة واكتساب فهم واسع النطاق حول التطبيق الذي يجب استخدامه وتوقيت استخدامه، وكذلك الحد الأدنى من مستوى الكفاءة المتوقع. وقد يشترك فريق الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات في رعاية الجهود المبذولة لإنشاء "مركز عمل جديد"، وهو مجموعة من تطبيقات الإنتاجية الشخصية والجماعية التي تشكل جوهر كيفية إنجاز العمل. ويتم بعد ذلك مواءمة ما يتم استخدامه في المركز بناءً على مزيج الشخصيات الموجودة داخل المؤسسة. وقد يتكوّن هذا المزيج من أدوات تعاون غير متزامنة، مثل البريد الإلكتروني وأداة التحرير المشتركة، مثل المحرك السحابي المشترك. ويمكن إضافة أداة لإدارة المشاريع غير المهمة إلى القائمة، إلى جانب أدوات التعاون المتزامن للاجتماعات والدردشة. وتهدف هذه الخطوة إلى تحقيق الشفافية التامة مع قوة العمل بشأن استخدام الأدوات المناسبة والمهارات الرقمية المتوقعة منها. وتحرص المؤسسات على تدوين توقعاتها للكفاءات التكنولوجية للموظفين في وصف الوظائف ومراجعات الأداء والتأكيد عليها في عملية إعداد الموظفين الجدد.

كيفية تنمية البراعة الرقمية لدى قوة العمل

كيف يمكنك تنمية البراعة الرقمية لدى قوة العمل بعد معالجة قضايا الشفافية والمساءلة الأساسية في ظل تمتع 16% فقط من كل القادة، و9% فقط من الموظفين، بالمهارات الرقمية الرفيعة؟ لقد حددنا الخطوات الرئيسية التي يمكن للمؤسسات اتخاذها للبدء في تشكيل الطموحات والقدرات الرقمية للموظفين.

إظهار مدى أهمية البراعة الرقمية للموظفين

قد لا تتمثل نقطة الانطلاق بالنسبة لبعض الموظفين في تحديد ضعف المهارة الرقمية، لكنها تتمثل في تخليصهم من عدم الاعتداد بأهمية تحسين مهارات التحول الرقمي. فعند مطالبة الموظفين بالتغيير، تركّز المؤسسات في كثير من الأحيان على احتياجات العمل. وعلى الرغم من أهمية هذه المسألة، فإن الموظفين يُبدون اهتماماً أكبر بتطوير مهارة معينة عندما يرون أن هذه المهارة تساعدهم على النمو الشخصي وتحقيق أهدافهم المهنية، أو عندما تضع مؤسستهم احتياجات المهارة في سياق وحدات العمل الخاصة بهم.

ويمكن أن يؤدي إظهار هذه القيمة أيضاً إلى زيادة معدلات استبقاء الموظفين. فقد أثبت استقصاء "عرض قيمة الموظفين" لعام 2021 الذي أجرته شركة "غارتنر" أنه عندما تعمل المؤسسات على تمكين النمو الشخصي، فإن رغبتهم في البقاء ستزداد بنسبة 6%. ويُعد تسليط الضوء على العلاقة بين تطوير المهارات الرقمية والتأثير الشخصي الذي يجلبه التحول الرقمي أمراً بالغ الأهمية لضمان اندماج كافة الموظفين.

وتساعد شركة "أجيس" (Ageas)، وهي شركة تأمين دولية من أصول بلجيكية مدرجة على قوائم سوق الأسهم، قادتها على فعل ذلك من خلال التأمل الذاتي. فقد صممت الشركة "رحلات السفاري الرقمية" الخارجية التي توفر للقادة إمكانية التعرض للتكنولوجيا الحديثة. ويتمثل الهدف الرئيسي من هذه المحاولات في تعريف القادة على كيفية تعامل فرق القيادة في الشركات الأخرى وكيفية اتخاذهم للقرارات الرقمية. وعندئذٍ يستخدم قادة "أجيس" نموذجاً للتأمل الذاتي لوضع التعلم في سياقه. وتشجّعهم الشركة على تحديد ما سيحتاجون إلى فعله لمحاكاة ما رأوه، وتطلب منهم وضع خطة لبدء ممارسة السلوكات التي يريدون اعتمادها.

استثمار خبرات التطوير من أجل تنمية البراعة الرقمية

لا يوجد بديل للتعلم من خلال التجربة. وعلى الرغم من ذلك، فقد لا توفر الوظائف الحالية للموظفين فرصاً كافية للتعلم في أثناء العمل من أجل اكتساب مهارات جديدة، خاصة الآن حيث يعمل الكثير من المؤسسات على تحديد خطط العمل الهجينة المناسبة لها. لذلك، فإن ربط الموظفين بالأشخاص أو المشاريع التي ستساعدهم على بناء مهارات جديدة بطرق عملية أمرٌ أساسي. ويمكن للمؤسسات التي تستغل وظيفة التعلم والتطوير لديها للاستثمار في زيادة قدرات التعلم لدى الموظفين أن تزيد الاستعداد لتنمية المهارات بنسبة تصل إلى 28% مقارنة بتطوير المهارات بالطرق الذاتية.

وقد استطاع فريق الخدمات المهنية بإحدى شركات التكنولوجيا اتخاذ هذه الخطوة من خلال إنشاء أداة تتيح سهولة تبادل المهارات وفرص تطويرها في مختلف التخصصات. حيث ينشئ المدراء قوائم على الأداة عندما تتاح لهم فرصة التطوير، ويمكن للموظفين استعراض كافة الفرص المتاحة ومتابعة تلك التي تهمهم أكثر.

تحديد "المترجمين" ذوي الخبرة الرقمية وتسخيرهم لدعم القادة

لمساعدة القادة على وجه الخصوص في صقل مهارتهم الرقمية، يمكن للمؤسسات تخصيص موظفين محددين للعمل كـ "مترجمين رقميين" للإسهام في توجيههم خلال مبادرات الأعمال الرقمية. وقد اتخذت شركة "إنجي" (ENGIE) هذه الخطوة من خلال تعيين موظفين من خارج قسم تكنولوجيا المعلومات لديهم خبرة في المجالات الرقمية أو على اطلاع واسع بهذا المجال (مثل علم البيانات أو تقنية "البلوك تشين") لتقديم المشورة للقادة بشأن فرص الأعمال الرقمية وربطهم بأصحاب المصلحة المعنيين.

تطوير "ناشري المهارات" لتدريب الآخرين على أداء مهمات الوظيفة

ترتبط فكرة المترجمين الرقميين بفكرة "ناشري المهارات"، وهم الموظفون الذين يمكنهم تدريب الآخرين على المهارات الرقمية الأساسية في الوظيفة المحددة. وتتجسّد الخطوة الأولى في تحديد الموظف الذي يستوفي عدة معايير رئيسية، ممثلةً في رغبته في التعلم والتعليم وانفتاحه على الفرص الجديدة وقدرته على التأثير في شبكته المحلية. ثم يتولى قسم الموارد البشرية تدريب هذا الموظف على المهارات المطلوبة (أو صقل مهاراته الحالية) وتجهيزه لتدريب الآخرين.

ولأن ناشري المهارات يشغلون الخطوط الأمامية في العمل، فإنهم أفضل مَنْ يستطيع تحديد المهارات المطلوبة في العمل وموعدها، ويمكنهم تقديم التدريب الشخصي في الوقت المناسب لزملائهم. وقد يكون العثور على ناشري المهارات الرقمية المحتملة أسهل مما نظن، حيث تتوافر المهارات الرقمية على نحو متزايد في الجوانب غير التقليدية من المؤسسات. ووفقاً لتحليل شركة "غارتنر"، في الفترة من يوليو/تموز 2019 إلى يونيو/حزيران 2020، فإن 39% من إعلانات الوظائف الشاغرة الجديدة التي تتطلب توافر مهارات رقمية كانت من أقسام لا علاقة لها بتكنولوجيا المعلومات. وهكذا، بات من الواضح أن قسم تكنولوجيا المعلومات لم يعد المكان الوحيد للعثور على المواهب الرقمية.

ومع استمرار تحسن الاقتصاد وزيادة ارتياح الشركات المتوسطة الحجم للعمل الهجين، يمكن للمسؤولين التنفيذيين التخلي عن متطلبات البقاء في السوق والعودة إلى متطلبات ضمان ازدهار الأعمال؛ أي تنمية البراعة الرقمية تحديداً. ولا يقتصر أثر التركيز على البراعة الرقمية على تزويد الموظفين بالتطوير المطلوب (واللازم) فحسب، بل يوفر أيضاً الدعامة اللازمة لتسريع التحول الرقمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي