ملخص: عندما يتم اقتراح تغيير مؤسسي لأول مرة، يريد معظم الناس معرفة 3 أشياء على الفور: ماذا يعني هذا التغيير بالنسبة لي، ولماذا يحدث، وكيف سيبدو الأمر عندما يتم إجراء التغيير؟ ولا يبدأ المرء بالانفتاح على هذا التغيير وقبوله وتنفيذه إلا عندما تبدأ عقليته بالتحول من فكرة "هذا التغيير سيكون صعباً ومكلفاً ومستهجَناً" إلى فكرة "يمكن أن يكون هذا التغيير سهلاً ومفيداً وطبيعياً". وتقدّم كاتبة المقالة 4 طرق مباشرة يمكن للقادة اتباعها لتغيير عقلية موظفيهم بالشكل اللازم، والوصول إلى الكتلة الحرجة من الأفراد الذين يتفهمون التغيير ويقبلونه ويتبنونه بسرعة معقولة.
ما من قائد إلا ومرّ بتجربة الكشف عن تغيير مؤسسي، إما بالإعلان عن طرح نظام جديد أو آليات عمل جديدة أو إعادة هيكلة الشركة أو إجراء تغيير في نموذج العمل، وتلقى استجابة غير إيجابية من أعضاء فريقه. وتأتي ردود الفعل في صورة سلوكيات يمكن ملاحظتها بقليل من التدقيق أحياناً، كإسبال العيون أو زمّ الشفاه أو الصمت. وفي حال وجود أعضاء فريق أكثر ثقة في أنفسهم أو أجرأ رأياً، قد تتلقى أسئلة حول ما إذا كان التغيير ضرورياً، وتسمع شكاوى حول "استيائهم من التغيير الجديد" واستدلالهم بالكثير من الأسباب التي ترى أن هذا الوقت غير مناسب لإجراء تحول كبير.
لماذا يعد التغيير صعباً للغاية بالنسبة لنا؟
تقع اللائمة على تاريخنا كبشر. فقد ظلت حياة معظم الناس على حالها إلى حد كبير منذ نعومة أظفارهم إلى مماتهم، واستمرت الحال على هذا المنوال حتى الأجيال القليلة السابقة، فقد نشأ الناس حيث نشأ آباؤهم، وظلوا يؤدون الأعمال التي كان يؤديها آباؤهم، وآمنوا بما آمن به آباؤهم، وعرفوا ما كانت الأجيال السابقة تعرفه. وعندما يأتي التغيير، كان يشكّل بصورة عامة انحرافاً عن المسار المتعارف عليه ويمثّل خطراً يهدّد الحياة.
لكن العالم بات مختلفاً هذه الأيام. فقد صرنا نشهد حدوث تغيُّرات جذرية لحظة بعد أخرى على كافة الأصعدة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياسية والمؤسسية. ونحتاج في ضوء كل هذه المعطيات إلى إعادة برمجة عقولنا حتى تكون أكثر انفتاحاً على التغيير وتتقبله بصدر أكثر رحابة، إننا نحتاج إلى أن نصبح أكثر قدرة على التغيير.
تغيير عقليتنا
لقد كنت مفتوناً بالتغيير واستجابتنا البشرية له طوال حياتي المهنية. وفي عام 1990، عندما أسست شركة "بروتيوس إنترناشونال" (Proteus International) للتدريب والاستشارات وتطوير القدرات القيادية، كانت مهمتنا تركز على التغيير، حتى إننا رفعنا شعار "نحن نساعد العملاء على رسم معالم المستقبل المنشود والمضي قدماً نحو تحقيقه". لا تزال هذه رسالتنا حتى يومنا هذا، وقد لاحظت أنا وزملائي في شركة "بروتيوس" من خلال العمل مع العملاء على مر السنين لإجراء تغييرات كبيرة وصغيرة في مؤسساتهم أن هناك نمطاً بسيطاً يمكن التنبؤ به وقوياً يتكرر بصورة دائمة عندما يتبنى الفرد تغييراً مقترحاً. وقد أطلقنا على هذا النمط مسمى "منحنى التغيير".
وعندما يبدأ الناس بطرح هذه الأسئلة، فإن عقليتهم الأولية عادة ما توحي إليهم بأن التغيير صعب ومكلف ومستهجَن (استناداً إلى عدة آلاف من السنين من النظر إلى التغيير باعتباره خطراً يهدد حياة الإنسان). وتعني صعوبة التغيير هنا أن المرء قد يقول: "لا أعرف كيف أفعل هذا، أو سيجعل الآخرون فعله صعباً عليَّ". أما كُلفة التغيير فتعني أن المرء قد يقول: "سيسلبني هذا الإجراء أشياء أعتز بها". قد تكون هذه الأشياء وقتاً أو مالاً، ولكنها قد تتضمن أشياء ثمينة ذات قيمة جوهريّة وإن كانت غير مرئية لمَنْ ينظر إلى الأمور نظرة سطحية، مثل الهوية أو القوة أو السمعة أو العلاقات. ويعني الاستهجان أن التغيير قد يبدو أمراً غريباً وغير طبيعي، ما قد يدفع المرء إلى أن يقول مستنكراً: "ليست هذه الطريقة التي نفعل بها الأشياء هنا".
ومن خلال مراقبة هذا النمط لدى عملائنا ولدينا نحن شخصياً، لاحظنا أن المرء لا يبدأ في الانفتاح على التغيير وقبوله وتنفيذه إلا عندما تبدأ عقليته في التحول من فكرة "هذا التغيير سيكون صعباً ومكلفاً ومستهجَناً" إلى فكرة "يمكن أن يكون هذا التغيير سهلاً ومفيداً وطبيعياً". وبمجرد أن يبدأ أحدهم الاعتقاد بأن تنفيذ التغيير يمكن أن يكون سهلاً (أو على الأقل قابلاً للتنفيذ) وبأن مكاسب تنفيذ التغيير تفوق تكاليفه وبأن التغيير يمكن أن يصبح طبيعياً؛ أي يمكن أن يكون "الطريقة التي نؤدي بها الأشياء"، فسيبدأ هذا الشخص في الاستعداد للعمل بالطرق الجديدة التي يتطلبها التغيير، بمعنى أنه سيتعلم السلوكيات الجديدة ويطبقها، وعندئذٍ سيحدث التغيير.
وللأسف، فغالباً ما "يتعثر" المرء بسبب عقليته السلبية الأولية حول التغيير، ويرفض دعمه (سراً أو علانية). وتفتقر المؤسسات وقادتها إلى المهارة في مساعدة العاملين بها على تغيير عقليتهم. وهناك إحصائية مشهورة من شركة "ماكنزي أند كو" تفيد بأن 70% من جهود التغيير التنظيمي تبوء بالفشل الذريع وأن الأسباب الرئيسية لهذا الفشل تتمثّل في الافتقار إلى الدعم الإداري وعدم تأييد الموظفين للتغيير المنشود. وقد لاحظنا أن غياب الدعم والتأييد هو نتيجة تفكير الأفراد بعقلية "التغيير صعب ومكلف ومستهجَن"، وعدم مساعدتهم على رؤية التغيير بطريقة أكثر حيادية أو حتى إيجابية.
كيف يدعم القادة عقلية "التغيير سهل ومفيد وطبيعي"؟
كيف يمكنك إذاً أن تدعم موظفيك على نحو أفضل بحكم منصبك كقائد لتغيير عقليتهم بطريقة تسمح لهم بتبني فكرة التغيير ذاتها، حتى يصبحوا أكثر قدرة على التغيير؟ يمكنك تحقيق هذه الغاية باستخدام "رافعات التغيير". وِشأنها شأن الرافعات المادية، تعتبر رافعات التغيير أدوات تسهم في مضاعفة قوة الدفع بطريقة تساعد على تسريع إقبال الأفراد على الترحيب بالتغيير من خلال تغيير عقليتهم. وتتصف هذه الأدوات بقوتها وقدرتها على دعم موظفيك من خلال منحنى التغيير لديهم بسرعة وسهولة أكبر، ما يسمح بتبني التغيير بنجاح. ونستعرض فيما يلي 4 طرق مباشرة يمكنك اتباعها:
تعزيز الفهم
تعتبر المعلومات الأساسية عن التغيير أول ما يريد الأفراد معرفته. إذ تحرص المؤسسات في كثير من الأحيان على الإعلان عن التغيير بطريقة احتفالية وسطحية ("سنطبق نظاماً جديداً لإصدار الفواتير.. إنه رائع!") لا توفر معلومات عمّا يحتاجه الأفراد، وقد تؤدي في الواقع إلى زيادة إحساسهم بالخطر. ومن المفيد جداً أن تعمل على إعداد ملخص بسيط حول التغيير ونشره بحيث يوضح ما يلي:
- طبيعة التغيير
- دواعي تنفيذه
- المستقبل الأفضل الذي ينتظركم بعد التغيير
على سبيل المثال، بدلاً من الرسالة السطحية الموضَّحة أعلاه، قد يبدو هذا الملخص كما يلي:
"سنطبق نظاماً جديداً لإصدار الفواتير يعتمد على منصة تعمل بسلاسة مع نظام إدارة علاقات العملاء المطبَّق لدينا في الوقت الحالي. وقد أقدمنا على إجراء هذا التغيير استناداً إلى الملاحظات الواردة من عملائنا ومندوبي مبيعاتنا حول سلبيات النظام الحالي الذي يستغرق وقتاً طويلاً للغاية ويتسبب في وقوع الكثير من الأخطاء. وبمجرد الانتهاء من المرحلة الانتقالية التي نعتقد أنها ستستغرق نحو 4 أشهر، شاملة التدريب الذي سنقدمه لجميع مستخدمي النظام وكافة الأعمال التحضيرية لنقل المعلومات، ستكون عملية إصدار الفواتير أبسط وأسرع بكثير وأكثر دقة، كما طلب العملاء ومندوبو المبيعات".
ومن المهم أن يكون هذا الملخص واقعياً وأن يراعي الوقت والجهد اللذين سيتطلبهما التغيير وأن يتيح للأفراد معرفة طريقة دعمك لهم (بالمعلومات والتدريب وما إلى ذلك) لتنفيذ التغيير. وبمجرد إعداد "ملخص مقنع للتغيير"، توقَّع طرح أسئلة حول هذا الموضوع (وكن مستعداً للإجابة عنها). ولأنه قد استقر في أذهاننا كبشر أن معظم أشكال التغيير تمثّل خطراً يهدد حياتنا، فإننا لا ننتقل إلى تصوُّر أكثر حيادية أو إيجابية إلا عندما نحصل على المعلومات والقصص والخبرات اللازمة لمساعدتنا على وضع صياغة مختلفة للتغيير.
إيضاح الأولويات وتعزيزها
حينما يعرف الموظفون الأشياء التي لن يطولها التغيير وكذلك الأشياء التي سيطولها التغيير، فإن هذا سيخلق في نفوسهم حالة من الطمأنينة. ولن تتأثر الأولويات الرئيسية للأفراد بالتغيير في كثير من الأحيان، حتى إن كان هذا التغيير جذرياً.
لنفترض أنك تعيد هيكلة فرق المبيعات بحيث ترتكز على المجالات التخصصية في قطاع العمل، بدلاً من التركيز على المناطق الجغرافية. ومن خلال التأكيد أن الأدوار والمسؤوليات المنوطة بمدراء الحسابات والمخزون والتخطيط وموظفي دعم المبيعات ستظل كما هي دون تغيير ملموس، وأن أهداف المبيعات الإجمالية لن يطولها التغيير أيضاً، يمكنك مساعدة الموظفين في التركيز على ما يجب تغييره، بدلاً من تركهم فريسة للقلق بشأن أشياء ستبقى كما هي دون تغيير يُذكَر.
لذا فبدلاً من قول شيء على غرار: "لا داعي للقلق، فلن يطول التغيير كل شيء!"، يمكنك قول شيء أكثر تحديداً لتوضيح الأولويات: "على الرغم من أننا سنعيد هيكلة فرق المبيعات الحالية للتركيز على العمل في المجالات التخصصية وستكون أهداف مبيعاتكم مرتبطة بقطاع العمل، فإن أولوياتكم الأساسية لا تزال هي بناء علاقات عملاء رائعة والحفاظ عليها مع تحقيق مستهدفاتكم المالية".
منح السيطرة
قد يشعر الموظفون بأنهم يرزحون تحت نير قوى لا يملكون السيطرة عليها أو لا يستطيعون إبداء رأيهم فيها، ويتنامى هذا الشعور عند التعرُّض لتغيير مؤسسي واسع النطاق. ومن خلال منح موظفيك أكبر عدد ممكن من الخيارات في أثناء التغيير، يمكنك التخفيف من حدة مخاوفهم وتقليل شعورهم بعدم الارتياح وزيادة فرص المشاركة في تنفيذ التغيير وتأييده.
قبل بضع سنوات، كنا نعمل مع شركة متعددة الجنسيات يقع مقرها في الولايات المتحدة كانت قد استحوذت للتو على شركة أخرى يقع مقرها الرئيسي في أميركا اللاتينية. كانت رئيسة الموارد البشرية للشركة المستحوَذ عليها قلقة بشأن التغيير، فقد افترضت أن الشركة المستحوِذة ستفرض أنظمتها وأن صلاحياتها ستتضاءل وأنهم قد لا يفهمون بعض سياسات الموارد البشرية التي تراعي خصوصية منطقتها الجغرافية، وقد لا يحترمونها. لقد افترضت أن التغيير سيكون صعباً ومكلفاً ومستهجَناً.
فما كان من مديرها الجديد إلا أن منحها السيطرة بعدة طرق. فقد عمل معها للتوصل إلى الموعد المناسب للانتقال إلى الأنظمة الجديدة، وطلب منها وضع خطة للتواصل حول كيفية وزمان إبلاغ أعضاء فريقها بالتغييرات المرتقبة. كما دعاها أيضاً إلى تحديد ممارسات الموارد البشرية التي تراعي خصوصية أميركا اللاتينية والتي قد تحتاج إليها هي وفريقها لمواصلة عملهم في منطقة لم تكن جزءاً من عمليات الموارد البشرية للشركة الأم. وقد أسهم منحها بعض السيطرة بهذه الطريقة في تغيير طريقة تفكيرها من اتخاذ موقف سلبي إلى موقف أكثر دعماً للتغيير، وبدأت التركيز على كيفية جعل التغيير أسهل وأكثر فائدة لفريقها وبقية موظفي الشركة المستحوَذ عليها.
تقديم الدعم
أخيراً، وليس آخراً، يحتاج موظفوك إلى دعم متسق خلال أي عملية تغيير تؤثر عليهم بشكل مباشر. إذ يحاول القادة في كثير من الأحيان إقناع مرؤوسيهم بخطأ شعورهم أو يكتفون بتجاهله، مفترضين أنهم "سيتأقلمون مع البرنامج" في النهاية.
ومن الأهمية بمكان أن تتذكر كقائد أنك حينما تعلن لموظفيك عن التغيير المنشود، فإنك قد أخذت ما يكفيك من الوقت للمرور بكافة مراحل منحنى التغيير، لكننا غالباً ما نتوقع من موظفينا أن يقبلوا التغيير من تلك اللحظة كما قبلناه نحن بعد شهور من التفكير والتساؤل وتغيير عقليتنا.
امنحهم القليل من الوقت لإبداء القلق والتردد وطرح الأسئلة والرغبة في معرفة تأثير هذا التغيير عليهم، بل واسمح لهم بإبداء حزنهم أو خوفهم. كُنْ مستمعاً جيداً. لخِّص مخاوفهم واسأل عما يمكنك فعله لمعالجتها. وبدلاً من اعتبارها "مقاومة"، اعلم أنهم يمرون بالمنحنى نفسه الذي مررت به، فهم بحاجة إلى فهم التغيير المقترح ومعالجته ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة من خلال تغيير فكرتهم عن التغيير.
وإذا قدمت الدعم لمرؤوسيك في الأيام الأولى للتغيير من خلال الإصغاء بصدق لمخاوفهم وأسئلتهم، دون إبداء الرفض أو المبالغة في طمأنتهم، فسيشعرون بأن صوتهم مسموع وبأنهم يلقون الدعم المناسب. يمكنك أن تقول: "أعلم أنكم قلقون بشأن مقدار الوقت الذي ستستغرقونه لتعلم هذا النظام الجديد، وبالنظر إلى كل المهمات التي تنتظرنا، فلكم كل الحق في أن تقلقوا". وإذا استوعبت مخاوفهم ولخصتها بهذه الطريقة، بكل صدق وحيادية، فسيكونون أكثر انفتاحاً على التعرف إلى الدعم الملموس الذي يمكنك تقديمه من خلال التدريب أو الأدوات أو العروض التوضيحية أو المحاكاة أو الموجهين أو مجموعات التقارب.
إذا كان بإمكانك كقائد فهم أن الخوف المبدئي والتردد حول التغيير أمرٌ طبيعي، بدلاً من افتراض أنه يعني أن الموظفين "يقاومون التغيير" أو يتعاملون معه بـ "سلبية"، ودعم موظفيك من خلال تغيير عقليتهم بالشكل اللازم، فستكون كذلك أكثر قدرة على بناء كتلة حرجة من الأفراد الذين سيتفهمون التغيير ويقبلونه ويتبنونه بسرعة معقولة. والأهم من ذلك أنك ستساعد موظفيك في أن يصبحوا أكثر قدرة على التغيير بشكل عام من خلال تعزيز المهارات والعادات الذهنية اللازمة للتعامل مع التغيير بطريقة أكثر حيادية وانفتاحاً، وبالتالي يكونون أكثر قدرة على التعامل مع كافة أوجه التغيير التي ستنشأ في هذه الحقبة الجديدة.