تعزيز ابتكار الموظفين في شركة عمرها 150 عاماً

5 دقائق
تعزيز ابتكار الموظفين

تتمثل رسالة شركة باير (Bayer) بمقولة "العلم لحياة أفضل". نحن نرغب في تمكين الاكتشافات للارتقاء بالصحة وتأمين الإمدادات الغذائية. ولكن، حتى تتحقق هذه الغاية، لا يتعين علينا الابتكار في إطار العلم والبحث والتطوير فحسب، بل في الطريقة التي ندير بها شركتنا أيضاً. وهذا يعني إحداث تحول في الطريقة التي نعمل بها كي نتمكن من مواكبة وتيرة التغيير الجارية في العالم الأوسع من حولنا. وفي وجود ما يربو على 100 ألف موظف وتاريخ يمتد إلى 150 عاماً، هناك حدود لما يمكن أن نتعلمه من الشركات النموذجية التقليدية في وادي السيليكون. يقول كمال مالك عضو مجلس إدارة الشركة المسؤول عن الابتكار: "ليس بوسعنا أن نكون مثل شركة جوجل، إلا أننا لا نود أن نكون مثلها أيضاً. نحن بحاجة إلى رسم مسارنا الخاص".

وكان حلنا الذي يمكن نقله إلى المؤسسات الأخرى الساعية إلى الابتكار هو تأسيس شبكة رشيقة من السفراء والمدربين المتطوعين في شتى أقسام الشركة والذين تحملوا مسؤولية جماعية عن تنفيذ الابتكار وتوجيه ثقافتنا المؤسسية في الاتجاه الصحيح.

أجندة الابتكار

يمكن اقتفاء أثر أصول شبكتنا الرشيقة من خلال منتدى الأفكار الإلكتروني المعروف باسم "وي سولف" (WeSolve) الذي أطلقناه عام 2014 كوسيلة لتحدي موظفي شركة باير من أجل المساهمة بحلول لمشاكل فنية أو تجارية. وللمساعدة في تنفيذ هذا المنتدى، قمنا بتعيين 40 مدرباً لمنتدى الأفكار "وي سولف" من مكاتب مختلفة حول العالم ممن تحمسوا للمبادرة، وأعدوا العدة لتخصيص بعض وقت فراغهم لها. وفي غضون 12 شهراً، استقطب منتدى "وي سولف" 1,650 مساهماً، وزار موقعه 23 ألف موظف من شركة باير.

وأكد نجاح المنتدى على قوة أثر الشبكة غير الرسمية في تغيير السلوكيات في شركاتنا الكبرى. وعليه، ففي أغسطس/آب عام 2015، حصلنا على اعتماد المجلس على تشكيل لجنة للابتكار قوامها 14 تنفيذياً كبيراً، وتكوين فريق لاستراتيجية الابتكار بدوام كامل قوامه خمسة أشخاص بغية تنسيق محفظة مبادرات محددة من شأنها خلق طريقة جديدة للابتكار في شتى أرجاء الشركة. وكانت الأولوية الأولى إلهام الموظفين بقصص المبتكرين الناجحين داخل شركة باير. وبعد ذلك، أتحنا للموظفين فرصة تعلم منهجيات ابتكار جديدة وتطبيقها على تحديات أعمال حقيقية. وكانت الأولوية الثالثة تتمثل في إنشاء المزيد من المنصات على غرار "وي سولف" لمساعدة الموظفين على التعاون فيما بينهم وتبادل المعلومات عبر أقسام المؤسسة. والأهم من كل هذا أننا أنشأنا شبكة من كبار وأواسط المدراء، بحيث تتقاطع مع كل تلك المبادرات، بغية تعزيز ابتكار الموظفين وخلق الصلة بينهم.

اقرأ أيضاً: مشكلة مسابقات الابتكار: المنافسة الشديدة تؤدي إلى تلاشي الحماس وتقويض الإبداع.

تأسيس شبكة رشيقة

في عام 2016، طُلب من رؤساء الفروع الدولية والأقسام تحديد سفراء الابتكار لجميع الأسواق التي تعمل فيها بواقع 80 مسؤولاً كبيراً بما يكفي لربط الابتكار بالاستراتيجية وإنجاز الأمور. وبعد ذلك، ساعدونا على تعيين مدربي الابتكار الذين سيتحملون مسؤولية إحياء الأفكار في وحدات الأعمال ذات الصلة. ووقع الاختيار على أكثر من 600 شخص. وباستلهام نموذج الهيكل التشغيلي الثنائي لجون كوتر، فقد طلبنا من كل هؤلاء الموظفين الحفاظ على "وظائفهم النهارية" في إطار الترتيب الهرمي المعترف به، مع استغلال ما بين 5% و10% من وقتهم للعمل على مشروعات إبداعية غير رسمية ذات دورة تشغيل سريعة عبر الوحدات المنفصلة عن بعضها البعض.

كما قدمنا لهم برنامج دمج الموظفين الجدد لمدة ثلاثة أيام على هيئة نظرة عامة على الأجندة إضافة إلى أفكار ثاقبة حول أسلوب وحيد (يُعرف باسم التفكير الإبداعي الممنهج) يستطيعون استخدامه على الفور لدعم زملائهم. ولقد وفرنا أيضاً ندوات عبر الإنترنت ومحادثات هاتفية جماعية لتفسير عروضنا الأخرى ومشاركة التعلم. ما الذي يقوم به مدربو الابتكار حقاً؟ ثمة نشاط مشهور يتمثل في الجلسة السريعة؛ وهي عبارة عن ورشة عمل قصيرة ومنظمة للتعامل مع مشكلة بعينها. قد يكون هناك مدير يعاني من عملية بالغة التعقيد أو منافس رقمي جديد. في هذه الحالة، يسارع المدرب بتشكيل فريق من أربعة إلى ستة أشخاص، وباستخدام أدوات من التدريب الذي حصلوا عليه، يعقدون ورشة عمل بسيطة للتعاطي مع المشكلة. في عام 2018، أحصينا عدد الجلسات السريعة في أرجاء الشركة، فوجدنا أنها بلغت 5,000 جلسة. ووضعنا منهجاً تدريبياً متقدماً إضافياً للمدربين النشطين جداً (الذين أداروا على الأقل 10 جلسات سريعة)، وإلى الآن انتقل 49 مدرباً إلى المستوى الإضافي.

وفي تلك الأثناء، يشرف سفراء الابتكار على المدربين، فيتأكدون من أنّ المبادرات في دول كل منهم متوافقة مع أولويات كبار قادة شركة باير، ويشجعون على الابتكار التآزري.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تمويل الابتكار في المؤسسات غير الربحية؟

توسعة نطاق الشبكة

بإقامة شبكة المتطوعين هذه، استطعنا أن نحقق تقدماً كبيراً فيما يخص تعزيز ابتكار الموظفين وتطوير جوانب أخرى لأجندة الابتكار الخاصة بنا.

على سبيل المثال، في عام 2017 أنشأنا صندوق كاتاليست؛ وهو يمزج ما بين الدعم المهني (باستخدام مبادئ الشركات الناشئة الرشيقة) والمال الذي يُستغل لاستكشاف فرص مزاولة الأعمال الأكبر في شتى أقسام الشركة. وبسؤال سفراء الابتكار، استطعنا تحديد 120 تحدياً خاصاً في غضون أسبوعين. وقد خصصنا 50 ألف يورو للتعاطي مع 28 منها، وبحلول أوائل عام 2018 كان لدينا ثلاثة مشروعات تجريبية: نموذج عمل جديد في مجال الرعاية الصحية بالحيوان وحل رقمي للعمليات السريرية وتطبيق تعليمي مصمم على هيئة لعبة. كما بنينا أيضاً على الشبكة الرشيقة وعززناها عبر أنشطة أخرى، مثل تكليفهم بإدارة فعاليات إبداعية محلية وإشراكهم في منصة تمويل الابتكار المفتوحة الخاصة بنا والمراكز الحية للعمل المشترك في بوسطن وبرلين وسنغافورة التابعة لنا.

إنّ النقطة المحورية هي أنّ الشبكة بلغت الآن مرحلة الكتلة الحرجة، ما يسر عملنا في المركز كثيراً. ولدينا قائمة انتظار قوامها 200 شخص تقريباً يريدون أن يصبحوا مدربي ابتكار. ويسمح لنا ذلك بحرية انتقاء الأشخاص الذين يشغلون هذا الدور. إننا نُشركهم بشكل غير رسمي في البداية، ونتبادل أطراف الحديث مع مدرائهم المباشرين لضمان قدرتهم على إضافة هذا العمل إلى قائمة مسؤولياتهم الراهنة.

ولدينا الآن حوالي 80 سفيراً و700 مدرباً في 70 دولة، وأكثر من 80% منهم مشاركون فاعلون، ولو أنّ عملهم الإبداعي يتجاوز وظيفتهم الرسمية. ولقد حشدوا بدورهم آخرين غيرهم: فقد شارك ما يربو على 5,000 في فعاليات الابتكار والتحق 5,000 آخرون بندوات عبر الإنترنت وفعاليات للتدريب الإبداعي، ويستخدم أكثر من 38 ألف شخص "يونيفيرس" (Youniverse) الآن، ذاك المركز الإلكتروني المخصص لجميع أنشطتنا الإبداعية.

اقرأ أيضاً: نظرة على نهج شركة "رينو" القائم على المشاركة الجماعية للابتكار.

ثلاث أفكار رئيسة ثاقبة

لقد منحتنا خبرتنا في تغيير الطريقة التي نعمل بها لتعجيل الابتكار ثلاثة أفكار رئيسية ثاقبة:

الابتكار نشاط اجتماعي، والتواصل أصل ثمين. وصورة المبتكر الوحيد مغرية، غير أنها تقريباً صورة خاطئة دائماً. فالابتكار يحدث في واقع الأمر داخل فرق العمل، وفي ورشات العمل ذات التخصصات المتقاطعة، وعبر مشاركة كثيرين. والابتكار أيضاً معد جداً. فبعد أن استحدثنا مفهوم الجلسة السريعة، انطلق الابتكار بسرعة في بعض الدول، حيث عُقدت جلسات سريعة أسبوعياً، وأعرب الجميع عن رغبتهم في المشاركة. ولم يتحقق ذلك نتيجة توجيه مركزي، وإنما بسبب جهود ومهارات عدد محدود من الأفراد المحوريين.

إنّ نموذج السرعة الثنائية بحاجة إلى عقلية جديدة. وفكرة أنّ الموظفين ينبغي أن ينفقوا ما بين 5% و15% من وقت عملهم على مشروعات ذات دورة تشغيل سريعة، بينما يُنجزون بقية أعمالهم بوتيرة أبطأ، لهي فكرة جذابة غير أنها تتطلب كثيراً من التعديل والضبط. والعمل الذي يتميز دورة تشغيل سريعة يتعلق في جوهره بالتجريب واحتمال الغموض وتقبل الفشل، وهذه الخصال لا يكتسبها بالفطرة الذين عملوا لدى شركة باير طوال مشوارهم المهني. وهذا ليس بالتحدي الذي حسمناه بالكامل. فما زلنا نعمل على تعريف المقاييس الصحيحة، ووضع القائد الصحيح في المكان الصحيح، وتكوين المستوى الضروري للفهم في شتى أرجاء الشركة.

إنّ المتطوعين بحاجة إلى إنعاش قدراتهم وتعزيزها. والآن، بعد أن أنشأنا الشبكة الرشيقة وخلقنا محفظة من الأنشطة لدعمها، ننتقل إلى الخطوة التالية، والأصعب على الأرجح، والتي تنطوي على إضفاء الطابع المؤسسي على السلوكيات الجديدة في أرجاء الشركة. ولكي يتحقق ذلك، فإننا بحاجة إلى تجديد شبكتنا الرشيقة بفعالية. ويشجعنا على ذلك العدد المتزايد للموظفين الذين يتقدمون بطلبات المشاركة، غير أننا سنحتاج إلى مواصلة العمل على توسعة حجم الفريق للحفاظ على أثره بمرور الوقت.

اقرأ أيضاً: هل الحوافز وحدها تدفع الموظفين للابتكار؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي