هل الحوافز وحدها تدفع الموظفين للابتكار؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

واحد من أكثر النقاشات سخونة فيما يخص الابتكار يدور حول الطريقة الفضلى لتحفيز الموظفين كي يطوّروا أفكاراً جديدة ويطبّقوها. فقد توصلت الأبحاث المتعلّقة بهذه القضية إلى مجموعة واسعة من الخلاصات. على سبيل المثال، يشير واحد من أحدث التقارير البحثية التي وضعها أوليفر باومان، من جامعة جنوب الدنمارك، ونيلز ستيغليتز من كلية فرانكفورت للمالية والإدارة في ألمانيا، إلى أنّ تقديم الحوافز المالية فقط لم يؤدّ إلا إلى رفع عدد الأفكار العادية والبسيطة، ولم يكن له تأثير كبير على الابتكارات الخارقة.

ومن جهة أخرى، خلصت دراسة قام بها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) إلى أنّ الحوافز الجماعية والمكافآت البعيدة المدى تترك أثراً إيجابياً على الابتكار. وإضافة إلى ذلك، فقد كشف مسح شمل 20 شركة تغطّي قطاعات مختلفة أنّ 90% من المشاركين فيه اعتقدوا بأنّ تقديم الحوافز والمكافآت هو “أمر يجب أن نقوم به بصورة أفضل”.

يُعتبر العامل الأساسي الكامن وراء هذا النقاش هو الخوف من أنّ الموظفين لن يطوّروا طرقاً مبتكرة ويقومون بطرحها بهدف تحسين عمل الشركة، ما لم يمنحوا بالمقابل شيئاً “إضافياً”، مثل الوقت، أو الموارد، أو الملكية، أو المال. على سبيل المثال، أخبرني أحد المدراء مؤخراً عن موظفة رفضت عرض حل مبتكر توصلت إليه على زملائها في الشركة، إلا إذا قاموا بتوقيع اتفاقية تلزمهم بعدم إفشاء المعلومات، خشية أن يسرق أحد الزملاء هذه الفكرة ويهرب بها، بينما وصف أحد المدراء التنفيذيين في شركة أخرى حالة رفض فيها أحد الأشخاص المالكين لقاعدة بيانات بأن يسمح لقسم آخر في الشركة باستعمالها، ما لم يحصل فريقه على قسم من الإيرادات.

إنّ تقديم حوافز مالية مقابل الابتكار لا يمنع بالضرورة حصول هذا النوع من القضايا. فالحال أنّ التركيز الزائد على تقديم أموال نقدية مقابل الأفكار قد يفتح المجال أمام عدد لا متناه وغير معلوم من التبعات غير المقصودة، مثل الناس الذي يقومون بالابتكار لفائدتهم الشخصية عوضاً عن فائدة الشركة، ونشوء المنافسة بين الأفراد أو الأقسام، وفقدان الموظفين لتركيزهم على العمل الحالي، وهكذا دواليك.

هذا لا يعني القول بأنه لا مكان للحوافز المالية في الابتكار، وإنما المقصود هو ضمان أن تكون هذه الحوافز منصفة وفعّالة، وهو أمر يحتاج عادة إلى بذل الكثير من الجهد.

وبالتالي، فإنّ معظم الشركات يجب أن تركّز في المقام الأول على إنشاء ثقافة تعزّز الابتكار وتشجعه. على سبيل المثال، في حالة الموظفة التي طالبت باتفاقية عدم إفشاء للمعلومات قبل عرض فكرتها، قد لا يكون السبب الحقيقي الكامن وراء طلبها هذا هو المال، وإنما الالتزام والثقة. إذ إنه لسبب ما، لم تشعر هذه الموظفة بأنّ جزءاً من واجبها يكمن في مساعدة الشركة على التوصّل إلى طرق جديدة في العمل، ولم تشعر بسعادة كبيرة تجاه فكرة المساعدة على تحسين الشركة؛ فهي لم تُقدم على الابتكار إلا لأنّ ذلك كان يُسعدها شخصياً. ولكن في الوقت ذاته، لم تثق بمديرها أو زملائها فيما يخص استكشاف فكرتها أو تطبيقها، لأنها كانت تخاف بألا تجد من يقدّر لها إسهاماتها. وعلى الأرجح فإنّ دفع المال لها لم يكن ليحل هذه القضايا؛ وإنما كان سيرسّخها أكثر.

وبصورة مشابهة، في المثال المتعلق بملكية قاعدة البيانات، بدا وكأن المدير يشعر بأنّ قاعدة البيانات كانت ملكاً له وتخصّه (هو والقسم التجاري التابع له) وليست ملكاً للشركة. لذلك فهو شعر بأنّ فريقه يجب أن يتقاضى تعويضاً لقاء استعمال قسم آخر لها، والرضوخ إلى هذا الطلب عن طريق تقديم مكافأة مالية يمكن أن يرسّخ اعتقاده، ويسهم في المزيد من التقييد للتبادل والتعاون في المستقبل.

لسوء الحظ، وعلى الرغم من سهولة الحديث عن إنشاء ثقافة تشجع على الابتكار، إلا أنّ وضع هذه الفكرة موضع التطبيق الفعلي هو أمر صعب، وإن كان هناك ثلاث طرق للبدء بالأمر.

أولاً، حاولوا أن تشرحوا لموظفيكم ما الذي يعنيه الابتكار بالنسبة للشركة، وتحديداً في الشركات التي مرت بسنوات من إدارة الكفاءة، حيث يمكن أن يُنظر للابتكار على أنه مجرّد طريقة أخرى لتخفيض التكاليف وتسريح الموظفين، ما يمكن أن يُفاقم سلوك “أنا أولاً” والذي يقف على طرفي نقيض مع الابتكار الحقيقي. لذلك من المهم أن تخصّصوا الوقت للحديث حول أهمية إيجاد حلول جديدة للزبائن، والمنافسة مع الشركات الناشئة، وزيادة النمو الداخلي، أو أي سبب منطقي آخر يناسب شركتكم.

ثانياً، ادمجوا الابتكار كجزء من عملية وضع الأهداف وإدارة الأداء، بأكبر قدر ممكن من التحديد. فإذا أردتم من الموظفين والمدراء العاملين لديكم بأن يقدّموا الابتكارات، فيجب أن توضحوا لهم ما الذي يعنيه ذلك، وكيفية قياسه، وكيف يجب أن يكون ذلك جزءاً من وظيفتهم – وليس شيئاً “إضافياً” يقومون به في أوقات الفراغ.

أخيراً، حاولوا العثور على أمثلة سابقة على الابتكار، قام فيها الموظفون بفعل الأشياء الصحيحة، إما حققوا نتائج جيدة أو تعلّموا من أخطائهم بسرعة. حاولوا نشر هذه القصص على الملأ، وسلّطوا الضوء على الأشخاص المعنيين، وأوضحوا بأنّ هذا هو النوع المطلوب والمرغوب من السلوك.

إنّ تحويل شركة تقليدية إلى آلة لصناعة الابتكار الدائم هو أمر لن يحصل بين عشية وضحاها. ولكن إذا ركّزتم على الثقافة ضمن الشركة وليس على الأموال النقدية، فإنكم ستكونون على الأرجح أمام فرصة أكبر للنجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .