ملخص: قد يكون المسؤولون التنفيذيون أكثر اعتياداً على رؤية دراسات الجدوى وحسابات العائد على الاستثمار التي تعدها فرق التسويق والمبيعات، لكنهم باتوا مُطالَبين بتمكين إقسام إدارة المواهب من إعداد دراسات الجدوى الخاصة بها. لماذا؟ لأن القائمين على إعداد هذا البحث وجدوا أن الإيرادات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالموظفين الذين يتعاملون مع العملاء وجهاً لوجه. فقد أثبت بحثهم أن المتاجر التي تتميز قاعدة موظفيها المتعاملين مع العملاء بالاستمرارية في العمل لمُدَد زمنية أطول وتتمتع بخبرة أكبر في المناصب الوظيفية السابقة وتمتلك مهارات أكبر وتميل أكثر نحو العمل بدوام كامل، استطاعت رفع الإيرادات بنسبة 50%.
يعتقد الكثيرون، مستندين إلى أبحاث مثبتة، أن تجربة العميل الرائعة تؤدي إلى نمو الإيرادات. لكن مَنْ يحق له أن ينسب لنفسه الفضل في هذه النجاحات؟ تدّعي أقسام التسويق أن الفضل يعود إلى الحملات الإعلانية وجهود التوعية بالعلامة التجارية التي تتزامن مع نمو المبيعات بمعدلات تفوق المعتاد. وقد تزعم فرق تطوير المنتجات أن الفضل يرجع إلى إضافة ميزات معينة وأثرها على رضا العملاء أو زيادة الإيرادات. كما أن فرق المبيعات تعتبر نفسها بالطبع أهم المجموعات المسؤولة عن جلب الإيرادات إلى خزائن الشركة. لكن ماذا عن أقسام الموارد البشرية؟
يبدو أن الموظفين، خاصة الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء وجهاً لوجه، يؤدون دوراً مركزياً في تجربة العميل. وقد يبدو لنا في حياتنا اليومية كمستهلكين أن هذه العلاقة بديهية: يؤدي التفاعل الفردي مع الموظف إلى إنجاح تجربتك أو تدميرها في المتجر أو عيادة الطبيب أو خلال إجراء المكالمات الهاتفية أو حتى عبر التفاعلات الافتراضية، مثل الدردشة أو وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المسؤولين التنفيذيين الذين يقودون الشركات يرون أن الدور الذي يؤديه الموظفون في خلق تجربة عملاء رائعة، أو رفع الإيرادات بشكل عام، غالباً ما يكون أقل وضوحاً لأن تحديده قد يكون من الصعوبة بمكان.
شرعت الأبحاث الحديثة في استكشاف حقيقة هذه العلاقة، وأثبتت أن الشركات التي تتميز بحسن مستوى أدائها على مقاييس تجربة الموظف غالباً ما تتميز أيضاً بحسن مستوى أدائها على مقاييس تجربة العميل، وتشير إلى أن التحسن في رضا الموظفين يؤدي إلى التحسن في رضا العملاء. لكن نتائج هذه الدراسات غير مطلقة، ولها حدود معينة لا تتخطاها عند محاولة التوصُّل إلى العلاقة السببية. ونظراً لأن النتائج تستند إلى البيانات على مستوى المؤسسة، فلا يمكننا أن نجزم على وجه اليقين بأن مقاييس الموظفين تؤثر منفردةً على نتائج الأعمال، وليس التشهير الصحفي، مثلاً، أو طرح منتج جديد ورائع يؤثر على كل من الموظفين والعملاء.
ولقد أردنا أن نخطو خطوة إلى الأمام ونرى ما إذا كان بإمكاننا الاقتراب أكثر من تحديد وقياس التأثير السببي للموظفين على تجربة العميل ونتائج الأعمال، مثل الإيرادات والأرباح. ولا يشكّل إثبات هذا التأثير دليلاً جديداً ودامغاً على أهمية الاستثمار في الموظفين فحسب، ولكنه يُظهر أيضاً للمسؤولين التنفيذيين قوة قياس العائد على الاستثمار في مؤسساتهم.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، احتجنا إلى الحصول على بيانات داخلية من مؤسسة تعتمد أعمالها بشكل كبير على الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء وجهاً لوجه. ووقع اختيارنا على علامة تجارية عالمية للبيع بالتجزئة وافقت على مشاركة بياناتها لاستخدامها في الأغراض البحثية، دون الكشف عن هوية أصحابها. ولحصر جهودنا في تأثير الموظفين على قرارات العملاء، ركزنا على قسم داخل المتجر يهتم بخدمة العملاء بصورة مكثَّفة، يعمل به موظفون يتفاعلون مباشرة مع العملاء ويزودونهم بمنتجات مُعدَّة حسب الطلب، ومن المتوقع عموماً أن يكونوا على دراية بالمنتجات المقدّمة للعملاء وراغبين في مساعدتهم. وحصلنا في النهاية على ما يوازي 3 سنوات من بيانات الموظفين والبيانات المالية التفصيلية المستمدَّة من أكثر من 1,000 متجر منتشر في كافة ربوع الولايات المتحدة.
كان سؤالنا هو: هل تؤثر شخصية الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء وجهاً لوجه في هذه المتاجر، في حال تحييد كافة العوامل الأخرى، على الإيرادات والأرباح؟
وكانت النتائج مذهلة. إذ لم نتمكن من التوصل إلى علاقة واضحة بين الموظفين والإيرادات فحسب، ولكننا وجدنا أن تأثيرهم كان حاسماً أيضاً. في الواقع، إذا كان بإمكان متجر متوسط الانتقال من الربع السفلي إلى الربع الأعلى على كلٍّ من مقاييس تجربة الموظف التي درسناها، فإن إيراداته ستزداد بنسبة تتجاوز 50%، وستزداد أرباحه بالقدر نفسه تقريباً.
وإليكم كيفية توصلنا إلى هذه النتيجة:
التحليل: كسر الحواجز بين الموظف والبيانات المالية
أولاً: أخذنا بيانات الإيرادات والأرباح الشهرية من كلٍّ من هذه المتاجر. وعملنا على توحيد هذه النتائج المالية من خلال قسمة الناتج على إجمالي ساعات عمل الموظفين في كل متجر كل شهر. وتمثل المتغيرات الناتجة؛ أي الإيرادات والأرباح لكل ساعة، مقياساً لإنتاجية الموظف أو العمالة التي يمكن مقارنتها عبر المتاجر ذات الأحجام المختلفة.
ثم أردنا تحديد الجانب الذي يخص الموظف في هذه المعادلة، فاخترنا عدداً قليلاً من المقاييس التي كانت متاحة بسهولة في نظام معلومات الموارد البشرية الداخلي القياسي للشركة، بما في ذلك طول مدة عمل الموظف في الشركة وما إذا كان يعمل بدوام كلي أو جزئي والمناصب التي شغلها في الشركة ومستوى المهارة. بطبيعة الحال، لم نكن نقصد من وراء ذلك إعداد كتالوج شامل لتجربة الموظف بشكل عام. فهناك الكثير من المكونات الأخرى لتجربة الموظف التي قد تؤثر على حجم المبيعات وجودة الخدمة، مثل رفاهة الموظف المستمدة من الإبلاغ الذاتي أو التنوع داخل الفريق أو مستوى التدريبات الرسمية أو استخدام تكنولوجيا التواصل مع الموظفين أو تحسين إنتاجيتهم. وعندما تتوافر بيانات عن هذه العوامل الأخرى، يمكن بسهولة دمجها في إطار عمل التحليل الذي نشير إليه. (في الواقع، من المرجح أن يكشف اتخاذ هذه الخطوة أن تأثير الموظفين على رضا العملاء والنتائج المالية أكبر مما نعتقد). وعلى الرغم من ذلك، فإن مقاييسنا تشكل الجوانب الأساسية لتجربة الموظف، وكما سنرى فإنها تؤثر بقوة على المبيعات والربحية.
ومن خلال دمج البيانات المالية مع بيانات الموظفين، وهما مصدران للمعلومات غالباً ما يجري الفصل بينهما في أقسام مختلفة ونادراً ما يتم دمجهما معاً، استطعنا الإجابة عن سؤالنا المركزي: هل تؤثر شخصية الموظف في بداية كل شهر على المبيعات المتحققة في هذا المتجر على مدار ذلك الشهر؟
ولعزل تأثيرات الموظفين على الإيرادات، استخدمنا الانحدار المتعدد المتغيرات وضبطنا عوامل مثل الموسم التجاري والتركيبة السكانية ومستوى الدخل في المناطق المحيطة ومعدلات الطلب على المستوى المحلي. ونعود ونكرر أن دراستنا لوحدات عمل متعددة في شركة واحدة وعلامة تجارية معروفة على المستوى الوطني أمرٌ بالغ الأهمية. إذ يمثل هذا الأمر متغير الضبط بصورة قوية، لأننا استطعنا تحييد العوامل الثابتة، مثل قوة العلامة التجارية وسمعتها بمرور الوقت وجودة التجهيزات والموقع الإلكتروني وطبيعة العمل. وبالمقارنة بالدراسات التي تستخدم البيانات الخارجية فقط على مستوى الشركة، فقد مكننا ذلك من عزل التأثيرات السببية لمقاييس الموظفين على قرارات العملاء والإيرادات بشكل أكثر فاعلية.
وإلى جانب متغيرات الضبط والطبيعة الحيادية للبيانات، كنا على ثقة بأن تقديراتنا لتأثير مقاييس الموظف ستمثل علاقة سببية؛ بمعنى أن تجربة الموظف تؤثر على تجربة العميل والتي تؤثر بدورها في نمو الإيرادات.
النتائج: تجربة الموظف تؤثر بقوة في الإيرادات
وجدنا أن التغيُّرات في هذه المقاييس المرتبطة بتجربة الموظف كانت عنصراً فاعلاً في التأثير على مستوى الإيرادات اللاحقة. فقد ثبت ببساطة أن المتاجر التي تتميز قاعدة موظفيها المتعاملين مع العملاء بالاستمرارية في العمل لمُدَد زمنية أطول وتتمتع بخبرة أكبر في المناصب الوظيفية السابقة وتمتلك مهارات أكبر وتميل أكثر نحو العمل بدوام كامل، استطاعت تحقيق مبيعات أكبر بكثير للفرد في الساعة. في الواقع، إذا كان بإمكان متجر متوسط الانتقال من الربع السفلي للأداء إلى الربع الأعلى في كلٍّ من المحاور الأربعة، فسوف ينتقل من تحقيق 57 دولاراً للفرد في الساعة إلى 87 دولاراً للفرد في الساعة. تمثّل هذه الزيادة زيادة في الأرباح بنسبة تزيد على 50%. ولم تكن هذه الزيادات في الإيرادات مصحوبة بارتفاع هائل في النفقات. في الواقع، أظهر تحليل موازٍ لأرباح التشغيل أن تحولاً مشابهاً في تجربة الموظف من شأنه أن يؤدي إلى زيادة في أرباح الفرد في الساعة بنسبة 45%، من 41 دولاراً إلى 59 دولاراً.
لقد كانت هذه الفوارق هائلة. ويمكنك إجراء عملية حسابية بسيطة لحساب العائد على الاستثمار في نقل متجر من الربع السفلي إلى الربع الأعلى. ينفق المتجر حالياً 16 دولاراً لكل موظف في الساعة ويحقق أرباحاً قدرها 41 دولاراً. وباستثمار 12 دولاراً إضافياً في الساعة للوصول إلى الربع الأعلى لتجربة الموظف، سيحصل المتجر على ربح إضافي قدره 18 دولاراً لكل ساعة. وبذلك فإن العائد على الاستثمار يبلغ 150%!
من المؤكد أن حساب العائد على الاستثمار في هذا المثال مبسَّط وربما يكون طموحاً للغاية بحيث لا يعكس الاستراتيجيات الواقعية. وقد يكون تحسين مقاييس الموظفين بشكل كبير أمراً غير ممكن بين عشية وضحاها، ولا يتضمن منطقنا المحاسبي التقريبي أي تكاليف أخرى ذات صلة (كاستحداث تكنولوجيا مصممة لتوفير سبل الراحة للموظفين وتقليل معدل دورانهم) ولا يأخذ في الحسبان أيضاً الآثار الديناميكية للوقت لإدراك التأثير. وقد حرصنا في بحثنا أيضاً على دراسة سيناريوهات أكثر واقعية وصممناها ضمن أطر محاسبية أكثر تعقيداً. يفترض أحد الأمثلة أن الرئيس التنفيذي لشؤون الموارد البشرية حدد أهدافاً لكل متجر، بحيث ترفع المتاجر الموجودة في النصف السفلي على كل مقياس من مستوى أدائها إلى المستوى المتوسط، فيما ترفع المتاجر الموجودة في الربع الثالث مستوى أدائها إلى الربع الرابع، وإذا نجحت في تحقيقها، فسوف تتوافق مع رفع إجمالي الإيرادات السنوية على مستوى الشركة ككل بنسبة 6%. ومع بعض الافتراضات الأساسية حول معدلات الخصم والوقت اللازم لتحقيق التأثير والتكاليف الأولية الإضافية، نجد أن العائد على الاستثمار لمدة 5 سنوات لهذا الاستثمار في الموظف سيبلغ نحو 30%، والعائد على الاستثمار لمدة 10 سنوات سيتجاوز 80%.
وهذا مجرد مثال توضيحي، ولسنا هنا بصدد مناقشة خيارات محددة حول استراتيجيات إدارة المواهب أو معايير المحاسبة القابلة للتنفيذ. نترك هذه القرارات لمدراء المتاجر على أرض الواقع وخبراء التقييم المالي، ففكرتنا في غاية البساطة. وتتمثّل في إنشاء علاقة واضحة بين مقاييس تجربة الموظف والنتائج المالية وتحديد أطر هذه العلاقة لتمهيد الطريق أمام كلٍّ من استراتيجيات المواهب المستندة إلى البيانات وحسابات العائد على الاستثمار الملموسة للاستثمارات المتعلقة بالأفراد.
الخلاصة: تمكين الموارد البشرية لتقديم دراسة الجدوى الخاصة بهم
الأرقام التي نستعرضها ها هنا تخص الشركة التي تناولتها دراستنا بطبيعة الحال. لكننا نعتقد أن التأثيرات التي اكتشفناها واضحة بما يكفي لإقناع المسؤولين التنفيذيين بأنهم بحاجة إلى التعرف على تأثير موظفيهم على تجربة العميل والإيرادات. ويجب على أي مؤسسة لديها موظفون يتعاملون مع العملاء وجهاً لوجه أن تدرك أنهم مهمون للغاية لنجاح أعمال المؤسسة. فهي ليست مجرد تكلفة يجب ترشيدها، وهي النظرة التي تسيطر على عقول المسؤولين التنفيذيين تجاه موظفي التجزئة ومراكز الاتصالات وموظفي خدمة العملاء، ولكنها تعتبر بمثابة استثمارات عالية التأثير في معظم الأحيان. فما هي القيمة التي تستحقها مؤسستك لتقليل معدل الدوران الوظيفي لأفضل المواهب بنسبة 20%؟ وماذا عن تحسين مستويات رضا الموظفين بنسبة 10%؟ وما هي الخسائر التي ستتكبدّها مؤسستك نتيجة عدم معرفتها لهذه الإجابات؟
قد يكون المسؤولون التنفيذيون أكثر اعتياداً على رؤية دراسات الجدوى وحسابات العائد على الاستثمار التي تعدها فرق التسويق والمبيعات، لكنهم باتوا مُطالَبين بتمكين إقسام إدارة المواهب من إعداد دراسات الجدوى الخاصة بها. ولك أن تتخيل أحد قادة الموارد البشرية يقدم أرقاماً مثل هذه في المرة المقبلة التي يسعى فيها لتخصيص بند في الميزانية لتمويل برنامج تدريبي أو برمجيات رفاهة الموظفين.
ومن خلال رصد البيانات الصحيحة وربط بعضها ببعض، سيبدأ المسؤولون التنفيذيون برؤية العلاقة بين الموظفين والعملاء والإيرادات. قد تلهمهم النتائج حتمية إلقاء نظرة مختلفة على الدور الذي يلعبه الرؤساء التنفيذيون لشؤون الموارد البشرية في نمو الشركات. في الواقع، توحي دراسات الجدوى الماثلة أمامنا بقدرة قسم الموارد البشرية أخيراً على التخلص من سمعته التي التصقت به منذ الأزل بأنه "مركز للتثمين" واحتلال المكانة اللائقة به، باعتباره قسماً يؤدي وظيفة استراتيجية تؤثر في كلٍّ من تجربة العميل والإيرادات. وسيتم عندئذٍ تهيئة الأجواء لما نعتقد أنه سيشكل الجيل التالي من الحلول؛ أي التقنيات التكنولوجية التي لا تتكامل فقط عبر الصوامع المنعزلة بين بيانات الموظف والعميل والأعمال، ولكنها تفككها بشكل أساسي، وتبني هذا النوع من الذكاء في كل إجراءات العمل، وتقدّم حلولاً لتحقيق التآزر بين المظف والعملاء من البداية.