خلال شهر آب/أغسطس من العام 2018، اعترف مسؤولون في كلية الطب بجامعة طوكيو بالتلاعب بدرجات اختبار القبول في الكلية بشكل ممنهج ضد المتقدمين من الإناث في سبيل زيادة التمييز ضد الطبيبات. فمنذ العام 2006، عملت الجامعة على طرح درجات من جميع نتائج الامتحانات، ثم إضافة 20 درجة لصالح المتقدمين الذكور، وذلك لهدف واضح، وهو تخفيض نسبة الإناث اللواتي يدخلنّ كلية الطب. (إذ بلغت نسبة الإناث الملتحقات بالكلية 40% وذلك في العام 2010، أما في العام 2018 فتبلغ النسبة حوالي 30%).
سلبيات التمييز الممنهج ضد الطبيبات
إنّ هذا التمييز الممنهج ضد المتقدمات للدراسة في كلية الطب لا يعتبر عملاً مخزياً وتحيزاً ضد المرأة فحسب (ناهيك عن آثاره المدمرة بالنسبة للنساء اللواتي حُرمن من الوصول إلى المهنة التي يرغبنّ بها)، بل يشكل تهديداً محتملاً لسلامة المرضى والصحة العامة.
تظهر الكثير من الأدلة أنّ النساء تقدمنّ رعاية أفضل، فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على أكثر من 1.5 مليون مريض بحاجة إلى رعاية طبية أنّ أولئك الذين تلقوا العلاج من قبل طبيبة كانوا أقل عرضة للوفاة أو العودة إلى المستشفى خلال 30 يوماً من خروجهم منها، مقارنة بأولئك الذين تلقوا العلاج على يد طبيب. ووجدت دراسة منفصلة أجريت على أكثر من 100,000 مريض بحاجة إلى عملية جراحية نفس التأثير: فالمرضى الذين أجريت لهم عمليات من قبل طبيبات جراحة كانوا أقل عرضة للوفاة خلال الأيام الثلاثين التالية للعمليات.
وأظهرت بحوث أخرى أنّ هذه التباينات في النتائج قد تكون ملحوظة، لاسيما بالنسبة للمرضى من الإناث. أثبتت دراسة حديثة أجريت على أكثر من 500,000 مريض من الذين تعرضوا لنوبة قلبية مفاجئة أنّ "كل" مريض تمت معالجته من قبل طبيبة كان بقاؤه على قيد الحياة أكثر احتمالاً مقارنة مع أولئك الذين تمت معالجتهم على يد طبيب. وقد أثبت الباحثون أيضاً أنّ التأثير كان واضحاً بشكل خاص بالنسبة للمرضى من الإناث.
ما الذي يفسر تلك التباينات في النتائج التي حققها الأطباء الإناث والذكور؟ في الحقيقة، ما زلنا بحاجة إلى استكشاف كامل الآليات الكامنة وراء ذلك، ولكن تشير الأدلة إلى أنّ الطبيبات تتمكنّ من إضفاء وجهات نظر فريدة خلال ممارستهنّ للطب من شأنها أن تحسّن الرعاية الطبية. على سبيل المثال، تميل الطبيبات إلى تطبيق رعاية طبية وقائية أكثر، واتصالاً أكثر فاعلية بينهنّ وبين المريض. كما وجدت البحوث أنّ الطبيبات يملنّ إلى ممارسة رعاية مستندة أكثر على الأدلة ويحصلنّ على درجات أعلى في امتحانات كليات الطب، مقارنة بزملائهنّ الذكور، وهي عوامل من شأنها أن تؤدي إلى تقديمهنّ لنتائج أفضل.
ولكن هناك أمور أخرى يجب ملاحظتها، إذ كشفت دراسة حديثة أجريت على جراحين وأعضاء آخرين من فريق غرف العمليات؛ أنّ ارتفاع نسبة النساء ضمن فريق غرفة العمليات يرتبط ارتباطاً مباشراً بوجود سلوك تعاوني أكثر (وهو الأمر الذي يعتبر هاماً بما يتعلق بأداء الفريق الفعال والذي يركز على السلامة)، مع انخفاض كبير في التعاون عندما تجاوز عدد الرجال نسبة 50%.
بناء على هذه الأدلة، يمكن أن نخلص إلى أنّ أي ممارسة أو تحيز أو تعامل يحول دون دخول المرأة إلى مجال الطب والتطور فيه يعتبر في الواقع بمثابة حرمان للمرضى من حقهم في الحصول على رعاية أفضل. وفي حين أنّ التمييز الصريح ضد المرأة مثل ذلك الذي لوحظ في كلية الطب بجامعة طوكيو هو سلوك غير شائع، إلا أنّ هناك ممارسة واضحة للسلوكيات المؤذية والضغوط الممنهجة في قطاع الطب بشكل عام تمنع إدماج الطبيبات الإناث وتطورهن.
يعتبر انخفاض تمثيل المرأة في قطاع الطب حالة موثّقة، حيث تشكل النساء أكثر من نصف عدد الملتحقين بكلية الطب، إلا أنّ نسبتهنّ تبلغ أقل من 35% من بين جميع الأطباء الذين يشتغلون بالمهنة في الولايات المتحدة (وهناك نسبة أقل بكثير من ناحية التمثيل في المناصب القيادية العليا). وما يقود نقص التمثيل هذا هو مجموعة من العوامل، مثل التفضيلات المتباينة والسلوكيات المتحيزة ضد المرأة بما يتعلق ببعض التخصصات الطبية، بالإضافة إلى فجوة الأجور والتحيزات في قرارات التعيين أو الترقية.
أماكن بروز قضية التمييز ضد الطبيبات
ويمكن ملاحظة تلك التحيزات التي تضر بالمرأة ضمن مكونات التدريب الطبي السريري، والذي يؤدي إلى تفاوت الخبرات بين الذكور والإناث أثناء فترة الدراسة والتدريب من أجل التخصص (فترة الامتياز). على سبيل المثال، من الضروري حصول المتدربين على استقلالية أثناء فترة التخصص بالجراحة من أجل تطوير مهاراتهم والتحضير لمستقبل مهني ناجح. وخلال دراسة أجريت على المتدربين في تخصص جراحات الصدر، لاحظ شاري ميرسون وزملاؤه وجود تباينات من ناحية الاستقلالية الممنوحة للمتدربين من الذكور والإناث. إذ قام الباحثون بإرسال تنبيهات بوجود حالة طارئة إلى كل من المتدربين وجراحي الكلية، وذلك مباشرة بعد الانتهاء من عملية جراحية، وطلبوا منهم إرسال تقارير مستقلة عن درجة الاستقلالية المقدمة للمتدربين في هذه الحالة. وقد أظهرت النتائج وجود توافق بين الكلية والمتدربين يوضّح أنّ المتدربات الإناث تم منحهنّ استقلالية أقل بكثير في غرفة العمليات، حتى بعد ضبط الباحثين لمجموعة متنوعة من العوامل المتعلقة بالحالة، وصلاحيات جراحي الكلية، ومستوى خبرة المتدربين.
ونستنتج من تلك الدراسات ضرورة العمل على إزالة تلك الحواجز التي تقيد وصول المرأة وتطورها في مهنة الطب، وقد دعا إلى ذلك الكثيرون من قبل. إنّ المرأة في هذا المجال لا تحصل على الترقية والمكافأة والدعم والتدريب الكافيين، ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود هذه الحواجز الضمنية والممنهجة، تستمر الطبيبات بالمثابرة وتحقيق نتائج أفضل من زملائهنّ الذكور.
وهناك أمر آخر لا بد من ذكره، وهو أنه يمكن للأطباء الذكور التعلم من زملائهم الإناث. ففي دراسة للمرضى الذين تعرضوا لنوبة قلبية وتحدثنا عنها سابقاً، كان الأطباء الذكور الذين عملوا إلى جانب زملائهم الإناث أكثر قدرة على علاج المرضى الإناث. ويشير هذا إلى أنه ليس فقط النساء من يستفدنّ من تمثيل المزيد منهنّ في المناصب القيادية، بل سوف يستفيد الرجال أيضاً من فرصة التعلم من زميلاتهم الإناث.
إنّ السماح للأمور بالاستمرار على هذا النحو بالنسبة للنساء في مجال الطب، يعتبر بمثابة قبول لنظام يحرم المرضى من الحصول على رعاية أفضل وذلك بسبب التمييز بين الذكور والإناث والسلوكيات السيئة المتبعة في التمييز ضد الطبيبات. في الواقع، إنّ الفرق في معدل وفيات المرضى، الذي لوحظ في الدراسات التي أجريت على الأطباء الذكور والإناث يساوي تقريباً حجم التحسن في انخفاض معدل الوفيات الذي يمكن أن ينسب إلى العقد الأخير من التحسن العلمي في مجال رعاية المرضى. وهذا يعني أنّ استبعاد الطبيبات عن نظام الرعاية الصحية يعيد مجتمعنا خطوات إلى الوراء، ليس فقط من ناحية المساواة بين الذكور والإناث، ولكن أيضاً من حيث التقدم الذي يجب علينا إحرازه في مجال الرعاية الطبية.
اقرأ أيضاً: