"ما أسهل الإقلاع عن التدخين، فقد قُمت بذلك آلاف المرات"؛ هي مقولة ساخرة للكاتب الشهير مارك توين تحمل في طياتها سؤالاً شهيراً أسال الكثير من الحبر: "لماذا يفشل معظم الناس في الالتزام بالعادات الجديدة التي تُغيّر حياتهم للأفضل؟". فالكثير من الإحصائيات تُثبت صعوبة الالتزام بالتغيير على المدى البعيد، إذ على سبيل المثال، ينجح 9% فقط من الأشخاص في تحقيق أهداف السنة الجديدة المنوطة بعادات صحية مثل ممارسة الرياضة بانتظام. وحتى إذا استخدمنا تطبيقات العلوم السلوكية الحديثة التي تساعد على بناء عادات جديدة بأقل تكلفة ممكنة، فهي الأخرى أثبتت أنها لا تدوم، أو على الأقل تبدو بعض العادات الصحية مُحترمة ومُطبقة لكن فعلياً هي غير ذلك، وقد أثبت الكثير من الدراسات العلمية ذلك، نذكر منها دراستين مشهورتين: الأولى دراسة منشورة في مجلة الصحة العامة من أوكسفورد، استخدم فيها فريق من الباحثين أدوات الترغيب وهندسة الخيار لحث الأفراد على تناول وجبات خفيفة صحية، ووضعوا الفواكه والخضروات في أماكن تسهل رؤيتها والوصول إليها. لكن النتيجة أوردت أن مصير الوجبات الصحية تلك كان سلة المهملات في أغلب الحالات؛ معناه أنهم اختاروا الفواكه والخضروات بالفعل، لكنهم لم يأكلوها بل تخلصوا منها؛ أي أن الترغيب يزيد من احتمال تبنّي الخيار (مثل انتقاء تفاحة) ولكنه لا يزيد احتمال ممارسة السلوك المرتبط به (تناول التفاحة).
الدراسة الثانية قادتها شركة أوباور (Opower) وشملت عشرات الآلاف من الأُسر التي أُرسلت إليها رسائل (شهرية أو ربع سنوية) تُبيّن مدى استهلاك الطاقة المنزلية، مع استهداف خاص للأُسر التي لا تستخدم الطاقة بكفاءة، وذُكر في الرسالة معدل استهلاك الجيران الذين لا "يُبذرون" للطاقة (تأثير المعايير الاجتماعية)، وكانت النتائج مدهشة إذ خفّضت آلاف العائلات استهلاكها فقط لإحساسها أنه لا يتوافق مع معايير الحي الذي تقطنه. لكن اللافت هو تغيّر نتائج الدراسة بعد انقطاع الرسائل التذكيرية، فقد تضاءلت جهود الحفاظ على الطاقة المنزلية بنسبة تراوحت بين 10 و20% بالنسبة للعيّنة التي توقفت عنها التذكيرات، وكان هذا بعد إرسال التذكيرات بانتظام مدة عامين كاملين، فلك أن تتخيل مقدار التراجع الذي كان سيحدث لو أن هذه العيّنة حصلت على التقارير مدة شهر واحد فقط.
ما هو الحل لاستدامة العادات الجديدة؟
إذا بحثتم عن إجابة عن السؤال المذكور أعلاه، فستجدون الكثير من التقنيات والنصائح التي تركز على كيفية بناء عادات جديدة مستدامة والفترة اللازمة لبنائها، مثل معلومة "تكوين عادة جديدة يستغرق ما بين 18 و254 يوماً (وليس المعلومة الشائعة 3 أسابيع فقط)"، أو التركيز على بناء عادات "ذرية" أو متناهية الصغر، أو الالتزام أمام أصدقائك بتحقيق أهداف محددة لبناء عادة جديدة، أو غيرها الكثير من تطبيقات أدوات العلوم السلوكية، مثل التوقيت المثالي لإرسال الإشعارات للتغلب على مشكلة النسيان، واستخدام أدوات الالتزام للتخلص من مشكلة التسويف والتأجيل؛ لكن جذر المشكلة يكمن في نظرتنا لاستدامة العادات على أنها "مرض عابر" يستلزم دواء بسيطاً أو مرهماً موضعياً في حين أنها تُمثل مرضاً مُزمناً يتطلب تناول الدواء مدى الحياة. يقول الطبيب وخبير العلوم السلوكية كيفن فلوب: "عندما نشخّص حالة مريض مصاب بداء السكري، لا نصفُ له الأنسولين مدة شهر واحد ثم نتوقع أن يُشفى، والأمر نفسه بالنسبة للعادات الجديدة"، فأعراض مثل الكسل والنسيان والاستسلام للمغريات هي من طبيعة البشر، وتُمثل أعراض مرض مُزمن يمنع استدامة العادات الجديدة لذا فإن اليقظة المستمرة ضرورية. تقول خبيرة علم النفس والسلوك كايتي ميلكمان في هذا الصدد: "لقد أظهرت دراسة تلو الأخرى (بما في ذلك دراساتي) أن تحقيق تغيير سلوكي مستدام يشبه علاج مرض مزمن أكثر من علاج طفح جلدي، لا يمكنك وضع القليل من المرهم عليه وتوقع أن يزول إلى الأبد".
عندما تستخدم أدوات الاقتصاد السلوكي للتغلب على أي عقبات داخلية تواجهها في رحلتك لإحداث التغيير، فتيّقن أنك لن تستخدمها لمرة أو لمرتين أو لشهر أو لعام أو لعامين، ولكن على نحو دائم، أو على الأقل حتى تفقد الرغبة في تحقيق الهدف الذي كنت تريد تحقيقه في المقام الأول. على سبيل المثال، جدول الإشعارات التذكيرية في هاتفك المحمول بحيث تصلك آلياً حتى توقفها أنت، أو "استخدم تأثير البداية الجديدة" كلما تسنت لك الفرصة لتجديد شعورك بالحماس والتفاؤل ولا تقصره على بداية السنة الجديدة.
العودة خطوة إلى الوراء
أحياناً قد تضع خطة واضحة لبناء عادة جديدة وتُجهز الأدوات الملائمة لتحقيق الهدف، لكن تجد نفسك تراوح مكانك مثل مارك توين ومشكلته في التخلص من التدخين، ففي هذه الحالة، يجب التراجع والعودة إلى الوراء خطوة وإعادة تقييم الموقف والتفكير في الصورة الكبرى، فغالبية الأهداف كما تقول كاتي ميلكمان هي مجرد وسيلة لتحقيق غاية أكبر. على سبيل المثال، إذا أردت تحسين حالتك الصحية من خلال ممارسة الرياضة، واشتركت في قاعة رياضية واستخدمت أداة سلوكية مثل "تجميع الإغراءات" (Temptation Bundling) لجعلها أكثر متعة، لكن مع هذا كله ما زلت تتكاسل عن الذهاب وتجد الأمر صعباً للغاية، فيمكنك النظر إلى القاعة الرياضية على أنها مجرد وسيلة واحدة لتحقيق اللياقة البدنية وليست هدفاً في حد ذاتها. يمكنك استخدام جهاز المشي في أثناء العمل في المكتب، أو الانضمام إلى فريق لكرة القدم أو أي رياضة تهواها، أو ممارسة نزهة سريعة في أثناء استراحة الغداء أو الذهاب إلى المكتب مشياً أو بدراجة هوائية، أو ممارسة الرياضة في المنزل باستخدام أحد التطبيقات الإلكترونية. ربما التمرن في قاعة الألعاب الرياضية ليس أفضل أداة لتحسين لياقتك البدنية، لكنه بالتأكيد ليس الأداة الوحيدة التي تضمن النجاح. يعرف الأطباء هذا جيداً، فهم لا يلتزمون بدواء محدد وجرعات ثابتة لأصحاب الأمراض المزمنة بل يكيّفون النظام العلاجي وفقاً لتطور الحالة الطبية للمريض.