كان والدها يصفها دوماً بأنها منخفضة الذكاء، ففاجأته يوماً بحصولها على منحة علمية مخصصة لأعلى الناس ذكاءً على مستوى العالم. هذا مختصر قصة الدكتورة أنجيلا داكوورث، التي ألّفت بعد ذلك كتاباً باسم "العزيمة- قوة الشغف والمثابرة" (Grit: The Power of Passion and Perseverance)، ومنذ صدوره عام 2009، يعتبر من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، فقد كان العالم يعلم الكثير عن تطوير الذات والإنتاجية وضبط الوقت وبناء العادات، ولكن البحث المعمق الذي قامت به في طرق بناء قدرة الإنسان على قوة التحمل والمثابرة في متابعة الهدف، قدّم فتحاً جديداً للعالم في مجال جديد، فهو يعلمك كيف تساعد نفسك وأولادك وأصدقاءك ومن حولك لتكون لديهم القوة العقلية أو ما يسمى "Mental Toughness". إنها عملية تحتاج إلى التدريب وتشبه في جزء منها بناء العادات، فهي تبدأ بحجم صغير ثم تتطور. وعندما تبني قدرتك على التحمل والعزيمة، فإنك تعوّد نفسك على المثابرة وتحمل الظروف غير التقليدية، وتكون بذلك مستعداً للأزمات أكثر من غيرك.
هنالك فلسفة يونانية قديمة بدأت قبل الميلاد بـ 300 عام تسمى "الرواقية"، وما زالت إلى اليوم تحظى بالاهتمام وصدور كتب تتناول الجوانب التي تدعو إليها ومتابعين لأفكارها. وأكثر ما يلفت فيها هو دعوتها إلى بناء العزيمة، حيث يدعو فلاسفتها إلى حرمان النفس من كثير من الأمور المعتادة لأيام ثم العودة إليها ثم الحرمان حتى لا يعتاد الإنسان على حالة واحدة من الرخاء. وبالطبع تتفق هذه الأفكار مع الكثير مما ورد في معظم الأديان من الدعوة لجهاد النفس وعدم الانجرار وراء مغرياتها.
ما يهمنا في عالم الأعمال وتطوير الذات، هو التوضيح أن بناء القدرة على التحمل وتطوير قوة العزيمة، يعتبران اليوم أساساً في عزيمة المؤسسات وإنتاجيتها، لأن العصر الحالي حمل الكثير من المشتتات التي جلبتها التكنولوجيا مثل الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي والتي أدت إلى تقصير قدرة الإنسان المعاصر على الانتباه وتقصير قدرته على الصبر، فأصبح قصير الانتباه وقليل التحمل في كل نواحي الحياة وعلى رأسها العمل.
ولذلك، فإنك ترى أن الكثير من المقالات والأبحاث باتت تتحدث اليوم عن كيفية مساعدة الناس على زيادة قدرتهم على التحمل، ومنها هذا المقال المهم الذي نشرناه في هارفارد بزنس ريفيو "سر بناء القدرة على التحمل". ففي هذا المقال تكتشف أن بناء العزيمة يتطلب تعاوناً وبيئة محيطة من الأصدقاء أو فريق العمل لمساعدة بعضهم على بنائها، حيث أجرى الباحثون الذين كتبوا المقال مقابلات شخصية معمقة مع 150 قائداً (بواقع 5 رجال و5 نساء في 15 مؤسسة مختلفة يُعتبرون من القادة "الأكثر نجاحاً")، حددوا من خلالها كيفية إسهام التواصل مع الآخرين في مساعدتهم ليصبحوا أكثر قدرة على التحمل عند مواجهة التحديات الحياتية أو المهنية الجسيمة. ووجد البحث أن شبكة العلاقات حسنة البنيان يمكن أن تساعد على التعافي من الانتكاسات من خلال:
* مساعدتنا على توزيع أعباء العمل أو إدارة الزيادة المفاجئة في مهماته.
* مساعدتنا على فهم متطلبات الآخرين أو السياسات المتخذة في موقف معين.
* مساعدتنا على اكتساب الثقة في النفس للتصدي للصعاب والدفاع عن النفس.
* مساعدتنا على رؤية المستقبل بوضوح.
* تقديم الدعم العاطفي حتى نتمكن من التخلص من المشاعر السلبية.
* مساعدتنا على تذليل المواقف الصعبة وتهوينها على أنفسنا.
* تذكيرنا بالغاية الأسمى أو الهدف الأكبر في عملنا.
* وضع الأمور في نصابها الصحيح لكيلا نهوّل الصعاب عند حدوث انتكاسات.
إذاً، يساعدنا المحيط الذي نتواصل معه في الأسرة أو العمل على بناء العزيمة وبناء قدرتنا على التحمل والصلابة، كما تساعدنا الخبرة التي نبنيها مع الزمن على الثقة بالنفس والشعور بالقوة لنكون مستعدين أكثر من غيرنا لتقبل التغيير. وهذه فكرة مهمة كشفها مجموعة من الباحثين ونشرناها عبر هذا الفيديو في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "العلاقة بين الثقة بالنفس والاستعداد للتغيير".