عندما يُطلب من الأفراد إدارة مشاريع ضخمة أو الإشراف المباشر على موظفين أو المشاركة في التخطيط الاستراتيجي، فإنهم يحتاجون إلى تطوير مجموعة جديدة من المهارات بسرعة- مثل البراعة في التعامل مع الناس والرشاقة العاطفية والتواصل الذكي والهدوء. ومثلما تُعدّ هذه المهارات مهمة للدور الانتقالي إلى القيادة، من المهم أن يتخلى القائد الجديد عن طريقته القديمة في التفكير، وأن يعرف مدى ارتباط الهدوء والنجاح في توليه لمنصبه الجديد.
قد يكون هذا الانتقال مثيراً للتوتر، لكن استخدام أسلوب منظم ومجرّب سيساعد المدراء الجدد على اكتساب مهارات جديدة وهجر العادات القديمة. إليك هنا الطريقة التي استخدمها في الدورة التدريبية للمدراء التنفيذيين:
تحوُّل في العقلية
يعتمد الانتقال القيادي الناجح إلى حد كبير على إعادة هيكلة فكرية جريئة. عندما يتولى القادة المُعيّنون حديثاً مناصب جديدة يتمسك الكثير منهم بنظام من المعتقدات يشدد على "المهارات المهنية" وعلى عقلية "الانكباب على العمل". لكن هذه العقلية تجلب مجموعة من المعتقدات المقيّدة للمدير في وقت يحتاج فيه إلى "مهاراته الناعمة" التي ستحدد ما إذا كان سينجح ويزدهر. هناك أسباب عديدة تصعّب على القادة تحديث نظام معتقداتهم، منها على سبيل المثال، خشيتهم خسارة ما يميزهم في مجال خبرتهم التقنية. سيفيدهم للتغلب على هذه المشكلة أن يبادروا اختيارياً لتبني فكرة أنه من الممكن الموازنة بين أدوارهم وأن كل دور سيدعم الآخر. وقد أظهر بالفعل أحد بحوث علم النفس تأثير هذا النوع من إعادة التقييم الفكري على ضبط العواطف. المدراء الفاعلون صارمون في زرع الأفكار الإيجابية، وهم في النهاية يملؤون موقعهم دون أدنى شك بالنفس. هذه العقلية الإيجابية نقطة انطلاق محورية.
مهارات التيقّظ
العقلية والتيقظ أمران متلازمان. عندما يختار المدراء الإيمان بضرورة تطوير مقدراتهم القيادية وتجنب الإفراط في استخدام مهاراتهم التقنية، سيكون بإمكانهم تقبل المهمة الصعبة وهي الحفاظ على الهدوء والاتزان في المواقف غير المألوفة. يمكن لاستراتيجيات التيقّظ المُجربة مثل التأمل والتحكم بالتنفس أن تمنح المدراء الجدد الصلابة اللازمة لتخطي مختلف التحديات بما فيها تقديم العروض التقديمية المهمة أو إدارة الاجتماعات الخلافية أو اتخاذ قرار استراتيجي ينطوي على مخاطرة. يصف إدوارد سلينغرلاند في كتابه "حاول ألا تحاول" (Trying Not to Try)، مفاهيم من مبادئ الطاويّة "Taoism" وعلم الأعصاب المعاصر، ترتبط بتحقيق التوزان الفعال بين التأهب والعفوية. تصف فكرة "وو وي" (Wu Wei) الطاوية، التي يمكن ترجمتها تقريباً "عدم الفعل"، بأسلوب جميل، هذا التحدي التناقضي الذي يواجهه كل مدير جديد.
الرفاهية الصحية
لا يمكن للمدراء تكوين عقلية قيادية واكتساب مهارات التيقظ ما لم تعمل عقولهم جيداً. النوم العميق، والتمرينات الرياضية المنتظمة، والتغذية الجيدة، والسلوكيات الصحية الأخرى كلها أمور جوهرية. الاهتمام بالصحة أساسٌ لإيجاد الطريق عبر المرحلة الانتقالية العصيبة إلى المنصب الإداري الجديد. لذا إذا كان موعد فحصك الطبي السنوي قريباً أو كنت تفكر في استشارة معالج فلا تؤجل الأمر. الاهتمام بصحتك الجسدية والعقلية أساس الأداء العالي في الأدوار الإدارية.
البُنى الدلالية
على المدير أيضاً مراعاة غاية ومعنى عمله. ما الذي يدفع شخصاً للانتقال من مساهم فردي إلى دور إداري؟ يحتاج من يختارون هذا الانتقال لأن يروا بوضوح لماذا عليهم التوسع نحو تطوير عقلية ومهارات جديدة في حين أنهم أصلاً في منتصف مسار مهني ناجح وراسخ. أظهر البحث أن القادة الناجحين ماهرون في "إدامة الرؤية" الخاصة بشركاتهم بتبني نموذج يعتمد على التفاؤل والمرونة حيال الأهداف وطريقة تحقيقها. هذا ما يتحدث عنه أيضاً سيمون سينك في كتابه "ابدأ مع لماذا" (Start with Why)، والذي يقدم فيه برهاناً مقنعاً عن الكيفية التي تقود بها الإدارة والقيادة اللتان تتمتعان بالرؤية النجاح. كن واثقاً من أن التأمل الذاتي المدروس في قيمك ورسالتك وإرثك سيعود عليك بصفاء عقلي وتغييرات سلوكية تحتاجها للنجاح في الأدوار القيادية.
أحد عملائي في دورة التدريب القيادي طبيبة وعالمة معروفة رُقيّت إلى منصب إداري رفيع في شركتها (شركة صيدلة متوسطة الحجم)، استخدمت لتحقيق أهدافها نظاماً يعتمد على النقاط الأربع التي سردتها أعلاه. كان الطريق وعراً أحياناً بينما كافحت لتحويل عقليتها من التركيز كلياً على العلم إلى الاهتمام بالعلاقات مع الزملاء والمسوقين والمستثمرين وحملة الأسهم. مع تبنيها تدريجياً لعقلية قيادية تجاوزت شكوكها حيال فعالية التأمل، وقد وظفت استراتيجيات التيقظ وتناولت دواء مضاداً للتوتر في بعض الحالات العصيبة، مثل حالات تقديم العروض التقديمية أو قيادة اجتماع مهم. بعد فترة قصيرة تمكنت من الاستقرار على رؤية مُرضية والإعلان عنها: علاج مرضٍ أودى بحياة رفيق طفولتها. كان صعودها الناجح إلى دور قيادي نعمة لشركتها ولها أيضاً من حيث جودة الحياة والإحساس بالغاية.
لا شك أن الاضطلاع بمنصب قيادي للمرة الأولى من اللحظات الأكثر إرهاقاً في مسار حياة الإنسان. هي عادة اللحظة التي يُسجَّل فيها الفشل الأول للكثير من الموظفين اللامعين في الشركة. امنح نفسك وقتاً للتفكير في النواحي المهمة الأربعة التي ذكرتها آنفاً، وتذكر أن الهدوء والنجاح متلازمان دائماً.
اقرأ أيضاً: