إليكم هذه القصة التي تتحدث عن الموازنة بين الشركة والموظفين بطريقة صحيحة. كانت عميلتي، هناء، تواجه تحدياً رئيساً يتعلق بالزبائن في شركتها. وقد عقدت هي ورؤساء الأقسام اجتماعاً لوضع استراتيجية حول كيفية التعامل مع ذلك التحدي. وبمجرد انتهائهم من وضع خطة طموحة، تنفس زميلها بعمق، قائلاً: "علينا أن نكون حذرين في كيفية نقل هذه الخطة إلى فِرقنا. نحن نطلب منهم القيام بالكثير من العمل الإضافي. جميعهم لن يكونوا سعداء إزاء هذا الأمر". تعرضت نتائج المشاركة في الشركة لانخفاض في وقت سابق من ذلك العام، وخشي زميلها من أنّ هذا التحدي سيزيد الطين بلة.
اقرأ أيضاً: ما مدى انخراط فريقك في العمل؟
وعلى الرغم من أنّ هناء حافظت على هدوء أعصابها خلال الاجتماع، إلا أنها صارحتني بذلك بعد فترة قصيرة. وقالت "أحاول المساعدة في تجاوز أزمة هنا، وهو يريد مني أن أقلق إزاء شعور الموظفين بالسعادة؟".
يثير سؤال هناء مشكلة شائعة لدى أغلب التنفيذيين وهي الموازنة بين الشركة والموظفين بشكل فعال. فغالباً ما يمتلك كبار الموظفين القوة لاتخاذ قرارات من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على الخبرة العملية الجماعية للأشخاص ذوي المراتب الأدنى منهم، ولكن في الوقت ذاته، فهي غير موجودة في هؤلاء الأشخاص. ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى أنّ مسؤوليات الموظفين عند الارتقاء داخل مؤسساتهم تتحول من مراعاة كيفية شعور فريقهم إلى الاهتمام بتشكيل الروح التنظيمية. إنّ القيام بما هو مناسب لشركتهم وما يجعل موظفيهم أكثر سعادة لا يتناقض دائماً.
يمكن لهذه المفارقة أن تصعّب اتخاذ قرارات واضحة ظاهرياً. ففي أحوال كثيرة، يحصل المسؤولون في المستويات العليا على آراء مبالغ فيها تأخذ منحنى قصصي حول شعور الموظفين في المستويات الدنيا إزاء أي قضية معينة. فمثلاً، من الأرجح أنّ عبارة "جميعهم لن يكونوا سعداء" غير صحيحة. وما يزيد من تعقيد المسألة هو أنّ الاستطلاعات المتعلقة بمشاركة الموظفين تكدّس الآراء التقويمية في مجموعات كبيرة، ما يصعّب على التنفيذيين مهمة أخذ بيانات دقيقة بعين الاعتبار في قراراتهم.
كيفية الموازنة بين الشركة والموظفين
يخاف الكثير من كبار القادة من أن يُنظر إليهم على أنهم غير مهتمين. ومع سيطرة هذا الخوف عليهم، يمكن أن يصبحوا شديدي الحساسية ويبدؤوا بتحميل عدم سعادة الآخرين طابعاً شخصياً. ولتجاوز هذا الخوف والتحسن كقادة، يجب على العاملين في مراكز السلطة إيجاد توازن بين اتخاذ قرارات تخدم المصلحة العامة لمؤسستهم بالتزامن مع الاستمرار في الاهتمام بما يكفي بالرفاهة العاطفية لمن هم أدنى منهم رتبة. وبحكم خبرتي في تقديم الاستشارات للتنفيذيين حول إيجاد هذا التوازن، فقد تبيّن لي أنّ القيام بالتحولات التالية في العقلية مهمة على نحو خاص.
من السعادة الفردية إلى الهدف الجماعي:
يأخذ الكثير من كبار القادة الأمر على محمل شخصي عندما يعلمون أنّ الموظفين في مؤسستهم غير سعداء. وينسى هؤلاء القادة أنّ المشرفين ومدراء الإدارة الوسطى لديهم تأثير مباشر أكبر على العوامل التي تنعكس على رضا الموظفين، وهم الأكثر قدرة على معالجتها. عندما يرتقي القادة في السلم الوظيفي ويصبحون أكثر بعداً عن هذه المسؤوليات، يكون استخدام سلطتهم لتعزيز إحساس أعمق بالهدف على مستوى قسمهم أو إدارتهم بمثابة المساهمة الأكبر التي يستطيعون تقديمها. وتظهر الكثير من البحوث أنه عندما يمتلك الموظفون القدرة على ربط هدف مؤسستهم بهدفهم كأفراد، فإنهم يكونون أكثر سعادة ومشاركة في العمل. ويعتبر كبار القادة في مكان مميز يسمح بمساعدة الموظفين في تحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: كيف تحقق الانخراط في العمل وليس مجرد الرضا الوظيفي
الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، هو نموذج يُحتذى به في ذلك. إذ عقد هو وفريقه جلسة نقاش ودية تحدث فيها كل واحد منهم عمّا يريد تحقيقه من خلال عملهم. وتمثّل هدف المحادثة في مساعدتهم على تحديد الطريقة التي تساعدهم بها منصة مايكروسوفت على تحقيق الأهداف المرسومة نصب عينيهم. وقد حدثتني رئيسة قسم الموارد البشرية بالشركة، "كاثلين هوغان"، قائلة:
"القدرة على ربط هدفنا الخاص برسالة المؤسسة تضمن بقاءنا. يمكننا النظر من بعيد ورؤية الطريقة التي نُحدث من خلالها فارقاً، وذلك يشحذ الهمّة في وجه التحديات اليومية. مع تطور الاستراتيجية، يتعين أن تكون ثقافتك وإحساسك بالهدف طويلة الأمد. الجمع بين الثقافة والرسالة المرتكزة إلى الهدف يسمح لموظفيك باستخدام نمط شركتك لتحقيق طموحاتهم الخاصة وشغفهم".
تجعل "مايكروسوفت" من ذلك أولوية بالنسبة لها من خلال توفير الأدوات والعمليات التي تضمن قيام 18,000 من قادتها بإشراك الفِرق التابعة لهم.
من المشاركة إلى الملكية:
لجأت الكثير من الشركات إلى أمور مثل وجبات الغداء المجانية أو صالات اللياقة الداخلية أو مراكز الرعاية اليومية أو غرف التأمل للتعبير عن اهتمامها بموظفيها. وفي الوقت الذي قد تؤدي فيه بعض هذه الفوائد بالتأكيد إلى تحسين خبرة الموظف، إلا أنها لا تفعل سوى القليل لرفع مستوى المشاركة لدى الموظفين، ومن ثم سعادتهم.
ويتعين على كبار القادة إنشاء بيئات عمل شمولية يأخذ فيها الجميع فرصة للمساهمة بإمكاناتهم الكاملة، بدلاً من الاعتماد على المزايا. وتتمثل الخطوة الأولى في طريق تحقيق ذلك بالتأكد من أنّ أنظمة الحوكمة تسمح للموظفين بحل المشاكل التي يتعاملون معها بشكل مباشر. فعندما يمتلك الموظفون القدرة على المشاركة في اتخاذ قرارات تؤثر بشكل مباشر في عملهم، يزيد إحساسهم بالملكية، وبالتالي تزيد مشاركتهم.
خذ إحدى المؤسسات التي عملتُ فيها مثلاً. كشف تقييم على مستوى الشركة أنّ أغلبية الموظفين شعروا بالتناقض والعجز والتشاؤم إزاء عملهم. اقترحت القائدة الكبيرة التي كنت أتشاور معها حلاً، حيث أرادت تحديد مواعيد لسلسلة من اللقاءات المفتوحة ومآدب الغداء لإعادة تنشيط موظفيها. وعلى أي حال، حذرتُها من أنّ خطتها ستفشل. لم يكن موظفوها بحاجة إلى الاستماع إلى خطاب تحفيزي. بل احتاجوا إلى انحياز فريق القيادة فيما يتعلق بالمبادرات الرئيسة وتقديم رسائل منسجمة. ومن أجل تحقيق ذلك، كان عليها التوقف عن الإدارة التفصيلية وتقديم المزيد من الملكية للأشخاص الأدنى منها رتبة.
وبدلاً من اللجوء إلى حلها السريع الأولي، فقد فعلت ما يستطيع كبار القادة وحدهم ممن يمتلكون السلطة أن يفعلوه، حيث أعادت تشكيل المؤسسة لتحسين خبرات موظفيها وأدائهم. وأطلقت "جلسات تواصل مباشر" يقوم على تيسيرها مدراء الإدارة الوسطى، ويمكن للعمال أن يناقشوا من خلالها مشاكل حقيقية وأن يقوموا بالعصف الذهني لإيجاد طرق لحل هذه المشاكل. ثم قامت بمراجعة أنظمة الحوكمة. وأصبحت عمليات اتخاذ القرارات ممكنة في مستويات أدنى في المؤسسة، وحصل المشرفون على موارد كانوا يحتاجونها لتطبيق الحلول. وأخيراً، قامت بتدشين مجموعات للنقاش يشارك فيها الزبائن، وسُمح فيها للموظفين بالاستماع إلى النجاحات والفشل داخل أسواقهم الخاصة. وقد ساعد ذلك تدريجياً على استعادة الإحساس بالفخر والملكية الشخصية في قسمها بأكمله.
من قابلية الترقية إلى الظهور:
وظيفة بلا مستقبل، أو امتلاك شعور بأنك تعمل في وظيفة كهذه، تمثل مصدراً مهماً لعدم سعادة الموظفين. فعندما يشعر الموظفون أنّ مسارهم المهني قد وصل إلى طريق مسدود، عندها يفترضون في أغلب الأحيان أنّ القيادة العليا تمتلك القدرة على إصلاح ذلك. وفي الحقيقة، فإنّ مجرد فرصة التعبير عن مخاوفهم لكبار القادة يمكن أن تؤدي إلى توقعات غير واقعية تتمثل في أن تأخذ الأمور اتجاهاً آخر. وتميل حلول مثل اجتماعات إلغاء مستويات إدارية معينة، حيث يلتقي كبار القادة بالموظفين في مستويات أقل منهم بكثير، إلى تضخيم المشكلة. وغالباً ما يسمع التنفيذيون عن إحباطات حول عدم القدرة على معالجة ذلك دون تجريد القادة الموجودين بينهم وبين الموظفين الذين يتحدثون معهم من قوتهم أو تجاوزهم.
هذا لا يعني أنّ الاجتماع بالموظفين في مكان وجودهم ليس له قيمة. فالجهود من قبيل اجتماعات حذف مستوى إداري وزيارات محطات التصنيع يمكن أن تؤدي إلى فرص إرشاد وتعلم مهمة للعمال المبتدئين. وعندما يتعلق الأمر بمشاكل التطور الوظيفي، يتعذر على كبار القادة في أحوال كثيرة التعامل معها بجدية.
اقرأ أيضاً: بحث: التحول للإدارة يزيد مستوى الرضا الوظيفي لدى الرجال وليس النساء
لكنهم في وضع فريد يمكّنهم من تحقيق الظهور لهؤلاء الموظفين الذين قد لا يُلاحظون بطريقة أخرى. ولهذا السبب يتعين على القادة التركيز بدلاً من ذلك على إعطاء المساهمين الأفراد فرصة لإظهار إنجازاتهم للموظفين الأعلى منهم رتبة. ويكمن أحد الحلول القويمة في دعوة المواهب من المستوى الأدنى إلى اجتماعات المستوى الأعلى. وهذه طريقة رائعة تسمح للتنفيذيين في المستويات العليا بالالتقاء والاستمتاع بوجهات النظر والمساهمات التي يقدمها موظفون لم يكونوا ليعرفوهم بطريقة أخرى.
وقد قام أحد الرؤساء التنفيذيين الذين عملت معهم بذلك تماماً. إذ كان لديه معرض للمواهب مدرجاً على جدول أعمال فريقه التنفيذي. وفي كل شهر، يدعو عضوان من فريقه شخصاً من الإدارة التي تتبع لهم إلى محادثة غير رسمية مع الفريق القيادي ليتحدثوا فيها عن مشاريع يشعرون ويفتخرون بها كثيراً، إضافة إلى التحديات التي تواجههم بشكل يومي. ويغادر الموظفون الجدد الاجتماع مع شعور بتقدير كبير يوليه لهم القادة الأبرز في الشركة. وقد بدأ هذا التقليد بعد العملية السنوية لمراجعة المواهب في الشركة قبل بضعة أعوام، عندما قال الرئيس التنفيذي: "إذا كنا سنتحدث عن هؤلاء الموظفين، يتعين علينا أن نقابلهم بترحاب ونتعرف على عملهم، حتى يستطيعوا مباشرة سماع لماذا هم مهمون بالنسبة لنا".
يريد القادة بشكل طبيعي رؤية هؤلاء في مؤسساتهم بحالة من السرور والازدهار. وكلما ارتقيت في منصبك، يجب أن تتغير الطريقة التي تتصرف بها بناء على تلك الرغبة بتحقيق الموازنة بين الشركة والموظفين بشكل صحيح. وبينما يمكنك تلبية احتياجات مرؤوسيك المباشرين، عليك ترك التجارب الفردية للجميع لهم. وبدلاً من ذلك، تعلم كيفية الاستمتاع بالفرصة الفريدة التي تمتلكها لتشكيل الرفاهة الجماعية لمؤسستك من خلال تعزيز الهدف وتعميق الملكية وتحسين الظهور.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الحوافز على مشاركة الموظفين ورضاهم الوظيفي وثقتهم في الإدارة؟