سمّها ثورة العمل المستقل أو اقتصاد الأعمال المستقلة – لا شك أنها ظاهرة سريعة النمو. في الوقت الذي أدرك فيه قادة المؤسسات اعتمادهم المتزايد على المهارات الخارجية المؤقتة في مجال التقنية والكثير من المجالات الأخرى، اختار عدد متزايد من المحترفين في مجموعة واسعة من المجالات أن يسلكوا مساراً مهنياً آخر وهو مسار "المواهب المرنة"، ولهذا فإنهم يحتاجون للنصح والإرشاد عن التفاوض على مهام جديدة.
يعتبر هؤلاء المحترفون، أن التفاوض على سعر مناسب والعلاقات كفاءة مهمة لعملهم، فالأمر لا يتعلق بالمال فحسب. حتى عندما يحدث التفاوض أو "ينظّم" عبر وكالة أو منصة للمهارات مثلما يحصل في بعض الأوقات، تظل المواهب المرنة بحاجة إلى بصيرة ذاتية ومعرفة ومهارة للتفاوض بنجاح على علاقات مع المؤسسات العميلة تحقق النفع لكلا الطرفين.
نصائح للمستقلين للتعامل مع المهام الجديدة
ماذا يقول مؤسسو شركات التوظيف المرن والمسؤولون التنفيذيون في الشركات العميلة عن المتطلبات الأساسية لإتمام التفاوض بنجاح؟ فيما يلي نصائح حكيمة منهم حول ما يجب فعله، وما يجب تجنبه، وما يجب مراعاته أثناء التفاوض:
1- تذكر أن محور العمل هو المرونة. الجانب الفريد في المهارات المرنة أنها ليست وظيفة دائمة. إنها مختلفة، لأن توقعات الأداء أكثر إلحاحاً وعجلة، وفقاً لجودي ميلر، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ "بزنس تالنت غروب" (Business Talent Group) التي ترى أن "المهارات المرنة يجب أن تبدأ في التفاوض بعقلية مختلفة عن عقليتك في الوظيفة التقليدية".
ففي الوظيفة التقليدية، لديك الوقت لتعلم الثقافة والمواكبة، لكن المهارات المرنة مختلفة، إذ يتوقع منها المساهمة منذ اليوم الأول في منجزات أو أهداف محددة. لذا، ينبغي أن يعتمد تفاوضك على خطة محددة وواقعية وموضحة لما يمكنك تحقيقه والموعد والكيفية".
2- أدِّ واجبك. هناك شكوى شائعة لموظفي الموارد البشرية ومسؤولي الشراء، وهي أن المستقلين لا يعرفون المؤسسة ولا يبذلون جهداً للاستعداد مقدماً، مما يعيق فَورية مساهمتهم. تشدد رانا ستريليس، النائبة الأولى لرئيس الشركة في قسم الاتصالات في "باكسالتا" (Baxalta)، على أن قيمة معرفة المؤسسة شرط أساسي لتفاوض فعال: "عندما أتأمل المواهب المرنة وأؤلئك الذين حققوا أكبر قدر من النجاح في المفاوضات وأداء العمل، أجد أنهم الأفراد الذين أمضوا وقتاً في معرفة المؤسسة مقدماً ونشاطها واستراتيجيتها وقيمها والأخبار المتعلقة بها، والذين استخدموا رؤى ثقافية ومؤسسية حقيقية في التفاوض".
3- حدد قيمتك. الفكرة الثالثة التي نسمعها كثيراً هي تأسيس قيمتك بوضوح مبكراً. يوضح بريندن بينيشوت، المؤسس المشارك في "توبتال" (Toptal): "عليك أن تتفاوض من مركز قوة. هذا يعني إما أن هناك أسماء معروفة بالفعل في سيرتك الذاتية، أو أنك أعددت مقدماً بعض العمل الذي يمكن اعتباره رسالة توصية رائعة أثناء التفاوض. إذا استطعت أن تثبت بوضوح أنك رائد في مجالك وستنجز أعمالاً عظيمة، فسيكون لديك الدعم الذي تحتاج إليه للتفاوض".
4- اعرف قيمة العمل للمؤسسة ذكر العديد من المؤسسين والرؤساء التنفيذيين للشركات الناشئة من شركات المواهب المرنة، أهمية فهم قيمة المشروع أو العمل المرن للمؤسسة. يذكر بيتر ليمان من "سيركومفرنس لخدمات الأعمال والتقنية" (Circumference Business and Technology Services) في كندا، أن المتفاوضين الأذكياء يعرفون النجاح الذي سيفيد الشركة والفشل الذي سيكلفها: "هناك القليل جداً من المؤسسات التي ستنفق مالاً فقط لأنها لديها المال. يركز عمل المواهب المرنة على النتائج، وتحتاج المواهب المرنة إلى القدرة على تبرير تكلفتها وشرح لماذا ستحقق قيمة ملحوظة. ففي بيئة عمل اليوم، يعد وجود كل مهارات التفاوض التي تتطلبها الشركة تهوراً من الناحية المالية. ولهذا من المهم أثناء التفاوض تذكر أن المؤسسات التي تتحدث إليها تحتاج إليك تماماً مثلما تحتاج إليها، ولكن عليك توضيح أنك تعرف قيمة العمل الممتاز لديهم".
5- عندما تقع في أزمة، جرب منهجاً مبتكراً. غالباً ما تكون المفاوضات شائكة. عندما تثور المشكلات بين البائع والمشتري، تقترح لورين هوليداي، مؤسسة "فريلانشيب" (Freelanship)، حلاً مبتكراً. حيث تقترح على سبيل المثال: التفاوض على "يوم مميز" (VIP Day). عندما يصر العملاء على ميزانياتهم دون زيادة، أوصي المستقلين باتباع منهج يعتمد على تقديم عرض يعرف بـ"يوم مميز". عندما يشتري العملاء "يوم كبار الشخصيات"، ستعمل معهم في المكتب (أو افتراضياً) لمدة خمس أو ست ساعات يحصلون فيها على المنجز المتفق عليه في نهاية اليوم. وهكذا، يساعد "اليوم المميز" العملاء في حل تحدٍ معين خلال مدة قصيرة. وغالباً ما يرغب العملاء في اختيار "اليوم المميز" لبدء علاقة، لأنهم يفضلون المدد القصيرة وفرصة التعرف على مستقل ومهاراته، بالإضافة إلى أن "اليوم المميز" لا يلقي على عاتقهم أي التزامات في المستقبل".
6- رحّب بالترتيبات البديلة. هناك حكمة خالدة تقول: "ما كل ما يتمناه المرء يدركه". مايكل سولومون، المؤسس المشارك في "تن إكس مانجمنت" (10x Management)، يذكّر المواهب المرنة أن هذا يسري أيضاً على التفاوض في العمل المستقل: "تقبّل الترتيبات المختلفة. فاضل وتنازل على أساس ما يفي باحتياجاتك. فإذا لم تتمكن من الحصول على السعر الذي تريده، هل يمكنهم منحك شيئاً آخر ذا قيمة لك (حصة أو ترشيحات أو المزيد من العمل أو إسناده إليك وما إلى ذلك)؟ هناك دائماً طرق لجعل التفاوض في صالحك. لكن بالتأكيد الشيء الأكثر أهمية هو أنه عليك معرفة ما تريده وما تود مقايضته".
7- أسس علاقات. ينصح معظم قادة المواهب المرنة المستقلين بإنجاز أعمالهم على المدى القصير، مقابل أن يكون تفكيرهم على المدى البعيد. فيجب أن يكون هدفهم بناء علاقة تقدم فرصة تكرار العمل. يقول بونام ماتيس مؤسس "ستيلث فورس" (StealthForce): "ركز على المدى البعيد. هدفك هو العديد من العملاء المترددين عليك. العميل الذي يكرر العمل معك هو عميل راضٍ، ما يعني آراء أفضل في عملك، وأن تكون احتمالية اختيارك للعمل القادم مع هذا العميل أو غيره أكبر، وهكذا تصبح مورداً مهماً في شبكة خبراء ضمن مجال محدد. ويمكنك تطبيق ذلك في التفاوض باقتراح مشاريع متعددة المراحل تسمح للعميل بفرصة الانسحاب أثناء العمل. هذا يثبت ثقتك في قدرتك على الإنجاز".
8- أحياناً، يجب عليك سلك طريق للوصول إلى طريق آخر. نصيحة امتياز باتل، مؤسس الشركة الناشئة "آي كيو وورك فورس" (IQ Workforce)، تذكّر المستقلون أن المهام فرص لبناء الخبرة والتسويق الشخصي كذلك: "يرى المستقلون الأذكياء أنفسهم شركة لا شخصاً يبيع وقته فحسب. ونتيجة لذلك يستفيدون من التفكير في علامتهم التجارية وكسب الفرص على المدى البعيد. ففي بعض الحالات، قد تفيدك الموافقة على سعر أقل إذا كان هذا العمل سيعزز مهاراتك ومركزك لتحقيق مزيد من العمل في مجال محدد، مما يسمح لك بالحصول على أسعار أعلى في المستقبل. فمتى أسست نفسك، سيمكنك التفاوض من مركز قوة أكبر".
9- تذكر: هذا عمل تجاري. آخر نصيحة يجدر ذكرها هنا، هي أن تعرف دائماً أن المؤسسات تقرر بشأن المهارات المرنة بناء على رأي قادتها في مدى ملاءمة المستقل مع احتياجاتهم المتعلقة بالأداء، إلى جانب قيمة العمل ومعقولية سعر المستقلين الأفراد. يقول جان بيرغستران، المؤسس والرئيس التنفيذي في "كول كومباني" (Cool Company): "لا تأخذ الأمور على محمل شخصي. فالعمل هو العمل، ورغبة العميل في الدفع تعتمد على عدة أمور نادراً ما تتعلق بشخصك. فاحرص على المهنية والاحترافية".
فما أهم رسالة نستنتجها من رواد الأعمال المؤسسين لفئة المهارات المرنة؟ التفاوض كفاءة لا غنى عنها. وقد أوضح برنامج هارفارد للتفاوض مراراً، أنه عندما يجمع الأفراد بين مهارة التفاوض بعقلية منفتحة والسعي وراء علاقة تحقيق النفع للطرفين، ستزداد احتمالية نجاحهم.
ويوضح هذا أنتوني هولر، الشريك في "بلانك روم" (Blank Rome) والمحامي الريادي في مجال التوظيف: "على المواهب المرنة أن تتفاوض لأجل العلاقات لا العمل فحسب. قد يستمر العمل لمدة شهر أو سنة، إلا أن العلاقات ستدرّ ربحاً على صاحب المهارة المرنة طيلة حياته المهنية. والمفاوضات الناجحة هي حجر أساس العلاقات طويلة المدى"، وبهذا نجد أن المفاوضات الناجحة ضرورية جداً بالنسبة للمستقلين عند البدء بالمهام الجديدة.