لماذا لا تتمكن الشركات التي لم تعتمد الذكاء الاصطناعي بعد من اللحاق بالركب؟

5 دقائق
تأثير التخلي عن الذكاء الاصطناعي

في حين تتبنى بعض الشركات الذكاءَ الاصطناعي بصورة قوية، مثل أغلب البنوك الكبيرة وشركات السيارات مثل فورد وجنرال موتورز وشركات الأدوية مثل فايزر ومعظم شركات التقنية تقريباً، إلا أن العديد منها لم تقم بهذه الخطوة بعد، حيث تنتظر الشركات نضوج التقنية وتوافر الخبرة على أوسع نطاق. وهي بذلك تخطط لأن تكون "تابعاً سريعاً"، وتلك استراتيجية ناجحة عند تبني معظم تقنيات المعلومات. فما هو تأثير التخلي عن الذكاء الاصطناعي في الشركات؟

عند سماع هذه الخطة يخطر في بالنا أنّها فكرة سيئة، ولكن قد لا تكون كذلك. لا شك أن بعض التقنيات تحتاج إلى المزيد من التطوير فعلاً ولكن بعضها الآخر (مثل تعلم الآلة التقليدي) ناضج جداً ومتاح منذ عقود بشكل أو بآخر. كما أنّ بعض التقنيات الحديثة مثل التعلم العميق مبنيّ على أبحاث أُجريت في ثمانينيات القرن الماضي. بمعنى أنّ إجراء الأبحاث مستمر دائماً، إلا أنّ الأساس الرياضي والإحصائي لتقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية يبقى ثابتاً.

مرحلة تطوير النظام

بعيداً عن مسألة النضج التقني، هنالك العديد من المشاكل الأخرى حول الفكرة التي تصوّر أنه بمجرد تطور التقنيات ستكون الشركات قادرة على تبنيها بسرعة. أولاً، هنالك الوقت اللازم لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومن المرجح أن تضيف مثل هذه الأنظمة قيمة ضئيلة إلى شركتك. فإذا كانت هذه الأنظمة مطروحة بشكل عام أو غير محددة الملكية فستحتاج إلى وقت لتكييفها وتهيئتها لتناسب المجال المعرفي في شركتك. إذا كان تطبيق الذكاء الاصطناعي الذي تريد تبنيه يوظف تعلم الآلة سيكون عليك جمع كمية كبيرة من البيانات التدريبية لتدريب الآلة. أما إذا كان الذكاء الاصطناعي يتضمن معالجة للغات مثل تطبيقات معالجة اللغات الطبيعية، قد يصعُب إعداد الأنظمة وتشغيلها. كما يتطلب الأمر دمج الكثير من المعرفة المحلية وبيانات التصنيف بنظام الذكاء الاصطناعي، وهو ما يشبه النشاط القديم المسمى "هندسة المعرفة" المرتبط بالأنظمة الخبيرة. لا يعد الذكاء الاصطناعي من هذا النوع مجرد مسألة تكويد برنامج، بل هي مسألة تكويد المعرفة والتي تتطلب الكثير من الوقت لاكتشافها وإزالة الغموض حولها ونشرها.

إذا لم يكن هناك نموذج مُعد للمجال المعرفي الخاص بشركتك من قبل مورديك أو مستشاريك، قد يتطلب التصميم في هذه الحالة عدة أشهر وخاصة في المجالات المعرفية المعقدة. على سبيل المثال، يعمل مركز السرطان ميموريال سلوان كيتيرينغ (Memorial Sloan Kettering) مع شركة آي بي إم لاستخدام نظام واتسون لمعالجة أنواع معينة من السرطان منذ أكثر من 6 أعوام، وعلى الرغم من توافر المواهب عالية المستوى في مجالي رعاية السرطان والذكاء الاصطناعي إلا أن النظام ما زال غير مؤهل للاستخدام على نطاق واسع. مع توافر هندسة المعرفة الضرورية للعديد من المجالات ومشاكل الشركات، ما زلنا بحاجة إلى معالجتها لتتوافق مع السياق المحدد لعمل الشركة.

مرحلة الدمج

بعد انتهاء مرحلة بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي تأتي مسألة دمج هذه الأنظمة بالمؤسسة. ما لم تكن إمكانات الذكاء الاصطناعي التي ترغب بتوظيفها مدمجة في أنظمة التطبيقات الجاهزة المستخدمة فعلياً في شركتك (مثل خصائص سيلز فورس آينشتاين الموجودة في نظام إدارة علاقات العملاء الخاص بك)، سيتطلب تكييف النظام مع أنشطة العمل وبنية تقنيات المعلومات الخاصة بشركتك الكثير من التخطيط والوقت. كما قد يكون التحول من النماذج الأولية أو المنتجات التجريبية إلى أنظمة إنتاج خاصة بالذكاء الاصطناعي عملية صعبة ومستهلكة للوقت.

حتى وإن كانت مؤسستك متمرسة في نقل النماذج الأولية أو المنتجات التجريبية إلى مرحلة الإنتاج، إلا أنك ستبقى بحاجة إلى إعادة هندسة أنشطة العمل كي تؤثر بصورة كاملة على الشركة والقطاع. يدعم الذكاء الاصطناعي غالباً المهام الفردية لا أنشطة العمل بأكملها ولهذا يجب عليك إعادة تصميم أنشطة العمل والمهام البشرية الجديدة المرتبطة بها. إذا كان نشاطك المستهدف هو التأثير في مشاركة العميل على سبيل المثال، سيكون عليك تبني عدة تطبيقات للذكاء اصطناعي أو تطويرها بالإضافة إلى مهام متعلقة بجوانب مختلفة للتسويق والمبيعات وعلاقات الخدمات.

مرحلة التفاعل البشري مع الذكاء الاصطناعي

وأخيراً، تتعلق بعض تحديات تبني الذكاء الاصطناعي بالبشر؛ إذ إنّ قلة من أنظمة الذكاء الاصطناعي ذاتية التشغيل تماماً بل هي مركزة بدلاً من ذلك على زيادة العاملين البشر ومشاركتهم؛ حيث تقترن أنظمة الذكاء الاصطناعي عادة بأدوار جديدة ومهارات متعلقة بالأشخاص الذين يعملون إلى جانب هذه الأنظمة، وسيتطلب الأمر وقتاً طويلاً لإعادة تدريب العاملين على العمليات والنظام الجديد. على سبيل المثال، حاولت الشركات المختصة بتقديم الاستشارات الاستثمارية، والتي تقدم "استشارات آلية"، إلى عملائها أن تستعين بمستشارين بشريين لتحويل تركيزهم إلى "المالية السلوكية" أو تقديم استشارات أو "دفعات معنوية" لتشجيعهم على اتخاذ القرارات والإجراءات السليمة في مجال الاستثمار. هذا النوع من المهارات مختلف جداً عن تقديم استشارات حول الأسهم والسندات التي يجب شراؤها، وسيأخذ بعض الوقت لكي يترسخ.

حتى وإن كان الهدف هو أن يصبح نظام الذكاء الاصطناعي ذاتياً تماماً، فمن المرجح أن تستلزم مرحلة زيادة أعداد البشر المشاركين المذكورة أعلاه بعض من الوقت. نلاحظ أثناء هذه الفترة جزءاً مهماً من تعلم الآلة وهو الجزء المتعلق بالتفاعل بين النظام والبشر مثل المستخدمين والمشرفين؛ وهو ما يسمى بالتعلم عن طريق التفاعل والذي يعد خطوة مهمة جداً للمؤسسة لفهم كيفية تفاعل النظام مع المنظومة البيئية المتكاملة بالشركة، حيث يستطيع هؤلاء جمع مجموعة بيانات جديدة أثناء هذه المرحلة ودمجها بالخوارزميات، وهو ما يتطلب عادة أشهر أو أعوام.

مرحلة إدارة تطبيقات الذكاء الاصطناعي

بما أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي موجهة نحو تقديم خدمات على نطاق واسع وتوقعات متسارعة، فإنها ستحتاج إلى نهج إداري أوسع بكثير من النهج القائم على الضوابط الكلاسيكية والاختبارات. وتتضاءل فاعلية خوارزميات الذكاء الاصطناعي مع مرور الوقت لأنها مبنية على بيانات تاريخية ومعرفة حديثة بالأعمال. ويمكن تحديث الخوارزميات مع تعلم الآلة من أنماط البيانات الجديدة، إلا أنه سيكون من الضروري مراقبتها من قبل خبراء مختصين للتأكد من تفسير الآلة للتغير الحاصل في سياق العمل تفسيراً صحيحاً. كما يجب مراقبة الخوارزميات باستمرار للكشف عن تحيز ربما يحصل؛ على سبيل المثال إذا دُرب نظام ذكاء اصطناعي على ابتكار توصيات لمنتجات بناء على الخصائص السكانية للعملاء التي تتغير كثيراً في البيانات الجديدة، قد يؤدي هذا إلى توصيات متحيزة.

تتضمن إدارة تطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضاً الكشف عن احتيال العملاء؛ فمع تزايد ذكاء الأنظمة، يزداد كذلك ذكاء المستخدمين. قد يحاولون التلاعب بالأنظمة من خلال بيانات وأنشطة زائفة. وتتطلب مراقبة هذه الاحتيالات ومنعها أجهزة متطورة ومراقبة بشرية ضمن سياق عمل الشركة.

الفائز يأخذ كل شيء

كنتيجة لكل ما سبق، قد يتطلب تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي وتنفيذها بصورة كاملة وقتاً طويلاً وهناك بضع طرق مختصرة للوصول إلى الخطوات الضرورية التي إذا نُفذت بنجاح قد يحدث التوسع سريعاً، وخاصة إذا كانت لدى الشركة وفرة في البيانات إلى جانب إتقان الهندسة المعرفية. في الوقت الذي تنتهي فيه الشركة التي تتبنّي الذكاء الاصطناعي متأخراً من جميع التحضيرات اللازمة ستكون الشركات التي تتبناه مبكراً قد حصلت على حصة سوقية مهمة وستكون قادرة على تشغيل الأنظمة بتكلفة منخفضة وأداء أفضل. باختصار، إنّ الفائز قد يحصل على كل شيء، كما قد لا يتمكن المتبنّون المتأخرون من الالتحاق بالركب أبداً. فكر مثلاً بحجم الإمكانات والمعارف التي راكمتها شركة مثل فايزر، والتي تملك أكثر من 150 مشروع ذكاء اصطناعي قيد التنفيذ بحسب أحد قادة التحليلات ومختبر الذكاء الاصطناعي في الشركة. لقد تفوقت الشركات التقنية مثل ألفابت في موضوع التعلم أيضاً، حيث تملك 2,700 مشروع ذكاء اصطناعي قيد التنفيذ منذ عام 2015.

في الحقيقة يمكن تسريع بعض الخطوات إذا كانت الشركة مستعدة للتنازل عن معارفها الفريدة وطرقها الخاصة لإجراء العمل. يطور منتجو تقنيات الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الرسوم البيانية والنماذج المعرفية التي تستخدم تقنيات تتراوح من معالجة اللغات الطبيعية والرؤية بمساعدة الكمبيوتر. إذا توافرت إحدى هذه التقنيات لمعالجة مشاكل شركتك وكنت على استعداد لتبنيها مع إجراء بعض التعديلات عليها، فإن هذا سيسرع عملية تبني الذكاء الاصطناعي. ولكنك قد تخسر كفاءتك المميزة أو ميزتك التنافسية إذا لم تعدّل التقنية لتتناسب مع ظروفك الخاصة.

إذا كنت ترغب في أن تكون ناجحاً في مجال الذكاء الاصطناعي وتعتقد أنك مهدد من الشركات المنافسة القائمة على الذكاء الاصطناعي أو حتى الشركات التي انضمت حديثاً، ينبغي عليك إذاً أن تبدأ بتعلم كيفية تبني الذكاء الاصطناعي عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأساليبه العديدة والمختلفة. لقد أنشأت بعض الشركات الرائدة مجموعة ذكاء اصطناعي مركزية للقيام بهذا الأمر على نطاق واسع. تركز مثل هذه المجموعات على تأطير المشاكل وإثبات فرضيات العمل ونمذجة أصول الذكاء الاصطناعي لتكون مهيأة لإعادة الاستخدام وابتكار تقنيات لإدارة مسار البيانات والتدريب عبر الشركة بأكملها. يتمثل أحد الاحتمالات الأخرى في الاستحواذ على شركة ناشئة استطاعت مراكمة الكثير من إمكانات الذكاء الاصطناعي، ولكنك ستبقى بحاجة إلى تكييف هذه الإمكانات بما يتناسب مع شركتك. باختصار، عليك أن تبدأ فوراً إذا لم تكن قد بدأت بمعرفة تأثير التخلي عن الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي