غالباً ما تشكو كلية إدارة الأعمال من كيفية تركيز طلابها على الدورات الاقتصادية والمالية وعدم إعطاء نفس القدر من الاهتمام للدورات التي تركّز أكثر على المواد الإنسانية، مثل إدارة الموارد البشرية. فحوى الشكوى هو أن ثمة نظرة دونيّة مضلّلة وشائعة عن تلك الدورات. بحسب تعليق روزابث موس كانتر على خبرتها مع خريجي ماجستير إدارة الأعمال بكلية "هارفارد"، "بعد مرور خمس سنوات، يقولون إنهم يتمنون لو أنهم تلقوا عدداً أقل من الدورات المالية والمزيد من الدورات المهتمة بالموارد البشرية".
كان هذا هو التحدي الذي واجه فورتمولر (Furtmüller)، عندما كُلف بمهمة إعادة تشكيل دورة تمهيدية مطلوبة في إدارة الموارد البشرية لأكبر كلية أعمال في أوروبا، جامعة "فيينا للاقتصاد والأعمال" (WU). عادةً ما يختار معظم الطلاب دراسة الدورة التدريبية عبر الإنترنت، حيث لا يوجد أي تفاعل مباشر وجهاً لوجه مع المدربين. وغني عن القول أن حملهم على الانخراط بجدية في المواد التعليمية هو أمر مرهق. هناك أقلية صغيرة فقط هي التي تولي اهتماماً حقيقياً بالمادة، في حين يرى معظمهم أنها مجرد عقبة في طريقهم للحصول على الدرجة العلمية. وكان التحدي هو قلب هذه النظرة رأساً على عقب.
نما التعلم عبر الإنترنت بشكل مذهل في السنوات الأخيرة، وفي معظم الحالات، يُتوقع من المتعلمين التعامل مع محتوى الدورة التدريبية بأنفسهم. هذا النوع من التعلم القائم على اختيار الدارس يصبح أكثر فاعلية عندما يكون مستقلاً - أي عندما يكون سبب الاختيار هو الاهتمام بموضوع الدراسة نفسه وليس فقط لمجرد الحصول على مردود خارجي. من المرجح أن التعلم الذاتي يحدث، بحسب البحث، عندما يتم تحفيزه من خلال تهيئة مناخ تعليمي داعم في الفصل، على سبيل المثال، تشجيع الطلاب على الانفتاح وطرح الأسئلة في أثناء الدراسة، وتقوية الشعور بالثقة. هذه الطرق التقليدية لتأسيس ذلك المناخ التعليمي تكون غائبة إلى حد كبير عبر الإنترنت.
كيف تستحث تفاعل الدارسين عبر الإنترنت إذن؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو ببساطة مكافأة ذلك التفاعل. لكن تأثير المكافآت على كفاءة التعلّم الذاتي أقل ما يُقال فيه إنه كان مثيراً للجدل. في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن المكافآت المتوقعة تعرقل كفاءة الدافع الذاتي، حيث يعزو الأفراد سلوكهم إلى المكافآت الخارجية بدلاً من القيمة الملازمة للمادة نفسها.
لقد أجرينا بحثاً توصلنا من خلاله إلى طريقة للخروج من هذه المعضلة: المكافآت الصغيرة مهما تكن قليلة القيمة، يمكن أن تعزّز، بدلاً من أن تقوّض، الدوافع الذاتية في الفصول الدراسية عبر الإنترنت. نتائجنا نُشرت في عدد مارس/آذار (2015) من مجلة "أكاديمية التعلم والتدريب الإداري" (Academy of Management Learning and Education).
جدوى المكافآت الصغيرة حاز اهتمام الباحثين لأكثر من نصف قرن، كوسيلة لتحفيز الدارسين دون التنازل عن ثراء عملية التعلم الذي ينبع من طلب العلم بدافع الاهتمام الصادق به. وعلى الرغم من كل الأبحاث النظرية والتجريبية في هذه الظاهرة، لم يتم توظيفها في بيئة حقيقية. نحن نؤمن بأن بحثنا هو أكبر اختبار لمدى فعالية المكافآت الصغيرة في العالم الحقيقي.
الفكرة الأساسية بسيطة. عندما تكون المكافآت كبيرة بما يكفي للتأثير على السلوك ولكنها أصغر من أن تبرر السلوك نفسه بالكامل، فإن الأفراد سيبحثون عن مبرّر آخر لبذل جهودهم. من المفترض أن تلقّي مكافآت هزيلة يخلق شعوراً بعدم الانسجام (لماذا أفعل هذا؟)، وهو ما يمكن تخفيفه إما عن طريق إيقاف النشاط بالكامل أو عن طريق تنمية الاهتمام وإيجاد المتعة فيه. باختصار، تزيد المكافآت الصغيرة من الدوافع الذاتية للتعلم بدلاً من مزاحمتها، على عكس النتيجة المتوقع حدوثها من المكافآت الأكبر.
كانت الدورة التمهيدية حول إدارة الموارد البشرية هي الإعداد المثالي شبه التجريبي لاختبار فعالية المكافآت الصغيرة. تم تقديم الدورة مرتين في الفصل الدراسي، وكانتا متطابقتين من حيث الهيكل والمحتوى. كان الاختلاف الوحيد هو أن الطلاب في القسم الأخير حصلوا على زيادة صغيرة جداً تتمثل في رصيد إضافي لاستكمال ثمانية واجبات منزلية اختيارية مدة كل منها 30 دقيقة، في المقابل لم يحصل الطلاب في القسم الأول على ذلك. عدد الطلاب في كل قسم كان حوالي 650.
ولكي نتأكد أن المكافآت تعتبر حقاً تافهة، أجرينا دراسة منفصلة مع مجموعة مختلفة مكونة من مئات الطلاب، وسألناهم عن أقل مقدار من نقاط المكافآت التي قد يحتاجون إليها للقيام بواحدة من تلك الواجبات الاختيارية. أدنى رقم مذكور (بغضّ النظر عن أولئك الذين كانت إجابتهم صفر) هو 0.75 نقطة، لذلك وضعنا رصيداً إضافياً من النقاط أقل قليلاً مما ذكره الطلاب، وهو 0.70.
على الرغم من هذا الكم الضئيل جداً من النقاط الإضافية، فإن متوسط عدد الواجبات المنزلية التي قدّمتها المجموعة الحاصلة على تلك النقاط بلغ أربعة أضعاف ما كانت عليه المجموعة الأخرى. والأهم من ذلك هو أن الطلاب في قسم المكافآت الصغيرة أظهروا دليلاً على السلوك المفعّل بدوافع ذاتية: حيث أجابوا عن 923 سؤالاً من التمارين الموجودة في الجزء الأساسي من الدورة - كان ذلك باختيارهم تماماً، لأن أسئلة التمارين تلك لم تكن مطلوبة ولم تحمل درجات إضافية عند أي من المجموعتين. هذا العدد يزيد بقيمة الثلث تقريباً عن عدد الأسئلة التي أجاب عنها الطلاب في القسم الذي لم يوضع له مكافآت، وهو 698 سؤالاً. قدّمت مجموعة المكافآت الصغيرة أيضاً إجابات صحيحة بنسبة 46.6%، مقارنة بنسبة 40.5% للمجموعة الأخرى.
ما الذي يبرهن على هذه النتائج؟ نعلم أن المكافآت قد تعيق الدوافع الذاتية عندما يكون سبب القيام بالمهمة نابع من الرغبة في مكافأة خارجية بدلاً من الاهتمام الحقيقي بالمهمة ذاتها. أما في حالة المكافآت الصغيرة، فيكون التأثير معكوساً، حيث ينخفض ذلك التأثير جداً لدرجة لا يمكن معها ربط السلوك بالمكافأة، ما يدفع الناس لافتراض أن الدافع الحقيقي يستند إلى شيء آخر. بمعنى آخر، لا يعتقد الطلاب أن مقداراً ضئيلاً من النقاط الإضافية هو ما يدفعهم إلى القيام بعمل إضافي؛ فيعتقدون بدلاً من ذلك أنهم قاموا بذلك لأسباب داخلية (كالأهمية الشخصية أو المتعة أو الاهتمام الحقيقي). بالإضافة إلى ذلك، تعمل المكافآت أيضاً كوسيلة للتقييم. نظراً لأن المكافآت تتوقف على الأداء، فإنها تُعلم الطلاب بمدى تفوقهم الحالي مما يزيد من تحفيز عملية التعلم الذاتي لديهم.
هذه النتائج لها آثار تعليمية وثيقة الصلة بالحالات التي ينعدم فيها التفاعل الشخصي، كما في حالة التعلم عبر الإنترنت. أحد أسباب ذلك هو أن المكافآت الصغيرة تشجع الطلاب على القيام بمهام لم يكونوا ليعملوا عليها لولا توفّر هذا المناخ - والقيام بذلك دون الشعور بالضغط لتأدية الواجب، حيث أن الأداء في هذه الحالة يؤثر بشكل طفيف على الدرجة النهائية للطالب. والسبب الثاني هو أن المكافآت الصغيرة تعمل بمثابة أداة للتقييم، مما يعطي قوة دفع إضافية للتعلم الذاتي. يمكن أن تؤدي هذه الحوافز وظيفة مماثلة لوظيفة المدرب الذي يجري بالتقييم بهدف التطوير في الفصل الدراسي التقليدي - وهو أمر يصعب تحقيقه في حالة التعلم عبر الإنترنت عندما يكون لدى المدرس مجموعة ضخمة من الطلاب يفصلهم الزمان والمكان. مع ظهور الدورات التدريبية الشاملة المتاحة عبر الإنترنت (MOOCs)، ستزداد أهمية هذه الطرق لتحفيز الطلاب دون الحاجة إلى التفاعل الشخصي المباشر مع الدارسين.
استخدام المكافآت الصغيرة يمكن أن يحفز التغيير السلوكي حتى خارج التعليم عبر الإنترنت. لدى المعلمين الذين يعملون عبر الإنترنت العديد من الصفات المشتركة مع قادة الأعمال في المؤسسات الكبيرة، على سبيل المثال، يتعيّن على القادة في كثير من الأحيان تشجيع التغيير دون الحاجة إلى التفاعل الشخصي.
حالة جيدة لاستخدام المكافآت الصغيرة لتشجيع التكيّف الثقافي قد تكون مثلاً في الشركات التي حققت نجاحاً سابقاً وتمر بموجة من التغيير المزعزِع. الأنماط السلوكية للعاملين في مثل تلك المؤسسات غالباً ما تكون على درجة كبيرة من الثبات، وهو ما يوضح سبب نجاحهم في الماضي. تقدير التغيير - الذي هو أمر ضروري - يصير مفتقَراً عندما يختل سير العمل. في مثل هذه الظروف، قد توفر المكافآت الصغيرة وسيلة لدفع الموظفين إلى تبني التغيير، تماماً مثلما دفعت المكافآت الصغيرة في دورتنا الطلاب إلى التفاعل مع مواد لم يكن معظمهم مهتمين بها في البداية. عندما يبدأ الموظفون في تغيير سلوكهم دون عزو السبب لهذه التغييرات إلى المكافآت الخارجية، تكون تلك هي الخطوات الأولى نحو التغيير السلوكي المستدام.
باختصار، يمكن أن تساعد المكافآت الصغيرة على تعزيز الحافز الذاتي والعمل كأداة لتغيير السلوك في الظروف التي يكون التفاعل الشخصي فيها محدوداً.