كيف تؤثر قصص النجاح المشوّهة على المسار المهني للشباب الراغب في النجاح؟

5 دقيقة
هارفارد بزنس ريفيو، تصميم الصورة: إيناس غانم

ملخص: تمتلئ المكتبات والمواقع الإلكترونية بالكتب والمقالات التي تتحدث عن قصص نجاح رواد أعمال ومؤسسي كبريات الشركات العالمية، ولكن دراسة حديثة نشرتها مجلة "الحكم واتخاذ القرار" بينت أن كثيراً من قصص النجاح التي تروى عن رواد الأعمال تقدم بطريقة مشوهة ومقتطعة لا تقدم النموذج الكافي ليتعرف القارئ على التحديات الحقيقية والخطوات التي يجب اتباعها لاتباع مسارهم، حيث تركز قصص النجاح المشوهة على النتائج النهائية دون المرور بالتحديات ودور الحظ في كثير من الأحيان. يسّلط كاتب المقال الضوء على مجموعة من المزالق التي يمكن أن يقع فيها الشاب الطموح الذي يقرأ أو يشاهد عن قصص النجاح، ويذكر 4 خطوات عملية لتفادي فخ قصص النجاح التي لا تعبّر عن الواقع: 1.التقييم النقدي لقصص النجاح، 2. التحليل المتوازن، 3. اتخاذ القرارات بناءً على البيانات، 4. الوعي بالتحيز الانتقائي.

يسود اعتقاد عند الكثيرين بأن أسباب نجاح بعض كبار رواد الأعمال مثل بيل غيتس وستيف جوبز هو أنهم تركوا الدراسة في سن مبكر وتفرغوا للعمل الريادي الحر. وقصة الربط بين ترك الدراسة والنجاح الريادي ما هي إلاّ إحدى نتائج قصص النجاح المشوهة والتي سُردت بطريقة تضر بالأجيال الناشئة من الشباب الراغبين بالنجاح والتميز. وهذا جزء من قصص النجاح التي تصل مشوهة للقاريء عندما تركز على النتائج السريعة دون ذكر التحديثات ودون ذكر الظروف الاستثنائية أو دور الحظ في مسار بعض الناجحين، فالخوض في ريادة الأعمال والعمل الحر دون دراية كافية ولا فكرة إبداعية عليها طلب حقيقي في السوق مآله الفشل المحتّم، ولعّل انجذاب الشباب لهذا النوع من القصص "المجتزأة" هو الاستجابة العاطفية التي تُثيرها القصة نفسها، حيث على عكس قوائم البيانات التي تذكر الحقائق فقط، فإنّ القصة مصممة لخلق التشويق وإشراك المستمعين وحثهم على اتخاذ إجراء معين. يقول الأستاذ من جامعة كاليفورنيا بيتر غوبر في هذا الصدد: "يمكن لأجهزة الكمبيوتر تذكر الحقائق والأرقام بسهولة، ولكن ليس من السهل على البشر تذكرها، فالأبحاث التي أجريت على الذاكرة تُظهر قطعياً أن المستمع يعالج جميع التفاصيل والبيانات والتحليلات المهمة ويستوعبها بفعالية أكبر عندما تكون مضمّنة في قصة، ويصبح تنفيذها أسهل إلى حد كبير"، وحتى الفيلسوف أرسطو يقول: "يسهل خداع الشباب لأنهم يستعجلون الأمل".

هذا ما يفسّر تأثرنا بقصص الأشخاص الذين برزوا فجأة وحققوا إنجازات غير متوقعة، ولا نتذكر سوى نجاحاتهم وتعابير الفرح التي تعلو مُحياهم أثناء تكريمهم، حتى ولو عرفنا أنهم عانوا من الفشل والرفض مرات عديدة قبل أن يصلوا إلى القمة، مثل قصة جاك ما صاحب منصة علي بابا الذي تحوّل من مجرد مدرس لغة إنجليزية إلى أحد أثرياء العالم؛ فالإنسان بطبعه، كما يقول خبير المسارات الوظيفية جون ليز "يتأثر بقصص الناس الذين نجحوا بطريقة غير متوقعة، ولا يريد أن يسمع إلا قصة ريادة عظيمة تتحقق"؛ ويعود هذا إلى مجموعة من العوامل الفطرية التي يتسّم بها البشر سمّاها علماء النفس "انحيازات سلوكية"، ويُقصد بها العيوب التي تشوب التفكير الإنساني خلال مواقف معينة تؤدي إلى استخلاص استنتاجات غير دقيقة، ويمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير سليمة لأنها توجه الدماغ البشري نحو التركيز بشكل مفرط على بعض المعلومات دون غيرها من المعلومات المتاحة. مثل أمثلة هذه الانحيازات التي تعزز تركيزنا على الجانب المشرق للأحداث انحياز الإيجابية الذي يصف ميل الفرد إلى الاكتفاء بسرد وجهات النظر الإيجابية حول موضوع ما، وتذكر الآراء والذكريات الإيجابية فقط، و"تأثير النعامة" الذي يصف الميل نحو تجاهل المعلومات الخطيرة أو السلبية عن طريق تجنب سماعها أو التظاهر بعدم وجودها.

على صعيد القرارات المهنية التي يتخذها رواد الأعمال الشباب، فقد ينجذب الكثير منهم خاصة ممن يريدون إطلاق مشاريعهم الخاصة إلى قصص النجاح التي تقدمها كتب شهيرة مثل "البحث عن التميز" (In Search of Excellence) و"من جيد إلى عظيم" (Good to Great)، وينظرون إليها على أنها مبادئ "مقدسة" لا يمكن تحقيق النجاح الريادي، فيقعون في انحياز "التوافر الإرشادي" ويبنون على تلك الصورة "الوردية" قراراتهم واستراتيجياتهم الوظيفية، والدراسة الحديثة التي نشرتها مجلة "الحكم واتخاذ القرار" (Judgment And Decision Making) تشير إلى وجود خطر كبير متعلق بالانحياز تجاه قصص النجاح التي قد تكون مُضلِّلة، وتؤدي في نهاية المطاف إلى قرارات غير فعالة أو حتى سيئة. في هذا المقال نستعرض تأثير بعض قصص النجاح المتحيزة ونقدم بعض النصائح للحد منها.

مشكلة سرديات قصص النجاح

سلّطت ذات الدراسة التي قادها الباحث جورج ليفتشيتس الضوء على تأثير قصص النجاح الانتقائية على معتقدات القرّاء وقراراتهم، وركّزت على مسألة مهمة يغفل عنها الكثير من رواد الأعمال الشباب والمستثمرين؛ إذ غالباً ما تعتمد سرديات النجاح على مجموعة صغيرة منتقاة بعناية من الأمثلة المطروحة، ما يخلق تصوراً مشوهاً لما قد يدفع إلى تحقيق النجاح فعلياً.

عرض الباحثون على المشاركين في الدراسة أمثلة لشركات ناجحة أسسها أشخاص بعضهم أكمل دراسته الجامعية والبعض الآخر لم يكملها. ثم طلبوا منهم تقديم رهانات متوافقة مع دوافع نجاح شركة جديدة بناءً على الأمثلة التي عرضوها عليهم، وكانت النتائج مذهلة؛ فالمشاركون الذين عرض عليهم الباحثون أمثلة لمؤسسين تركوا الدراسة كانوا أكثر احتمالاً بنسبة 55% للمراهنة على شركة أسسها شخص ترك الدراسة مقارنةً بأولئك الذين عرض عليهم الباحثون نماذج لمؤسسين حاصلين على ماجستير في إدارة الأعمال. وذلك على الرغم من علمهم بأن الأمثلة جرى اختيارها لدعم افتراض معين. كان التأثير كبيراً لدرجة أنه يثير تساؤلات حول قوة سرديات النجاح في تكوين معتقداتنا، حتى عندما ندرك تحيّزها.

خطر التحيز الانتقائي

يحدث التحيز الانتقائي عندما تكون الأمثلة المختارة للتحليل لا تمثل الأغلبية عموماً. وفي سياق قصص النجاح، يعني هذا التركيز على قلة من الأشخاص حققوا نجاحاً استثنائياً مع تجاهل الكثير من الأشخاص الآخرين الذين فشلوا على الرغم من اتباع استراتيجيات وأساليب مشابهة.

وركزت الدراسة على الطريقة التي يُحرّف بها التحيز الانتقائي نظرتنا وفهمنا لقصص النجاح والعوامل الحقيقية الكامنة وراءه. على سبيل المثال، قد يؤدي التركيز فقط على القلة من المؤسسين الذين تركوا الدراسة وأصبحوا أثرياء إلى الاعتقاد الخاطئ أن ترك الدراسة هو مؤشر على النجاح الريادي، مع تجاهل العديد من المؤسسين الذين تركوا الدراسة ولم يحققوا مستوى النجاح نفسه.

من المثير للاهتمام أن معظم المشاركين أبلغوا عن مستوى متوسط إلى عالٍ من الثقة في رهاناتهم أو اختياراتهم، بغض النظر عن الأمثلة التي عرضها عليهم الباحثون. حتى إن العديد منهم قدموا تفسيرات تدعم تحيّزهم لتبرير قراراتهم، مثل الاعتقاد أن المؤسسين الذين تركوا الدراسة قد يكونون أكثر إبداعاً أو استعداداً للمخاطرة. وهذا مؤشر على أن قصص النجاح المتحيزة لا تؤثر فقط على اختياراتنا، بل تكوّن أيضاً تبريراتنا وتعزز معتقداتنا السابقة وهو ما يُسمى في علم السلوك "الانحياز التأكيدي".

كيفية الحد من تأثير سرديات النجاح المتحيزة

يؤدي التحيز الخفي إلى اتخاذ قرارات خاطئة، لكن الوعي بوجود هذه التحيزات والطريقة التي تعمل بها، قد يقلل من تأثيرها، ويتطلب ذلك التريُث قبل اتخاذ القرار وجمع المعلومات اللازمة كماً ونوعاً واستشارة الخبراء المتمرسين.

يمكن لرواد الأعمال الشباب التغلب على التحيز الانتقائي في قصص النجاح عبر اتباع هذه الخطوات:

  1. التقييم النقدي لقصص النجاح: انظر إلى قصص النجاح بعين ناقدة. اعترف بأن هذه السرديات غالباً ما تُبرز الحالات الشاذة وقد لا تمثل الشريحة الواسعة من الناجحين والفاشلين.
  2. التحليل المتوازن: اعتمد نهجاً أكثر منطقية للتعلّم من النجاحات والإخفاقات. يمكن أن يوفر تضمين مجموعة متنوعة من الأمثلة فهماً أكثر توازناً ودقة لما يدفع النجاح.
  3. اتخاذ القرارات بناءً على البيانات: عزز ثقافة تقدّر التحليل الدقيق القائم على البيانات عوضاً عن الأدلة القصصية. شجع نفسك على التشكيك في هذه القصص وابحث عن معلومات تدعم الافتراضات المزعومة قبل تبنّي استراتيجيات جديدة.
  4. الوعي بالتحيز الانتقائي: كن واعياً بالتحيز الانتقائي وتأثيره على معتقداتك وقراراتك. ابحث باستمرار عن الأمثلة المعاكسة وتعلّم منها لتحدي السرديات السائدة.

تتمتع قصص النجاح بجاذبية قوية؛ إذ تقدم طرقاً واضحة على ما يبدو لتحقيق إنجازات عظيمة. ومع ذلك، كما تكشف الدراسة التي أجراها ليفتشيتس وزملاؤه، يمكن لهذه السرديات أن تؤدي إلى معتقدات خاطئة وقرارات مضلِّلة؛ وفي مجال ريادة الأعمال وإطلاق الشركات الناشئة حيث تكون المعلومات وفيرة ولكنها متحيزة في كثير من الأحيان، فإن القدرة على التقييم النقدي لسرديات القصص والنجاح المتحيز ليست مجرد مهارة، بل هي ضرورة لأي شخص يتطلع إلى تحقيق نجاح حقيقي ومستدام في عالم سريع التغيّر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي