بات تقديم حزمة وفيرة من المزايا في سوق التوظيف أمراً ضرورياً اليوم، وذلك لجذب المواهب والكفاءات المتميزة والحفاظ عليها. وحسب استطلاع أجراه موقع "غلاسدور" في العام 2015 حول كسب ثقة العمالة، أفاد حوالي 60% من الناس بأنّ توفر المزايا والامتيازات في العمل يشكّل بالنسبة لهم عاملاً أساسياً في قبول أو رفض وظيفة ما. كما أظهر الاستطلاع أنّ نسبة 80% من الموظفين يفضلون المزايا الإضافية في وظائفهم على زيادة الأجور.
وتشتهر شركة "جوجل" في تقديم أكثر المزايا تميّزاً وفرادة في العمل، ومن بين تلك المزايا الوجبات المحضّرة من قبل طباخين ماهرين، وجلسات التدليك، ودروس اليوغا وحلاقة الشعر المجانية مرة كل أسبوعين. ويتمتّع الموظفون لدى موقع "تويتر" بثلاث وجبات فاخرة يومياً، ويتلقون علاج الوخز بالإبر ضمن مكان العمل، ويتعلمون دروساً في الارتجال المسرحي. كما تقدّم شركة "ساس" برنامج منح دراسية لأبناء الموظفين لديها. وثمة العديد من الشركات الأصغر تميزت من خلال ما تقدمه من مزايا غير معهودة مثل تعويض نفقات الإجازات وتقديم كتب مجانية.
لكن ماذا عسى الشركات أن تفعل إذا لم تكن تمتلك مقدرة "جوجل" على تقديم المزايا؟ لست مضطراً إلى سرقة مصرف لتقدم العروض والمزايا الإضافية التي تجتذب الباحثين عن العمل. فحسب استطلاع جديد أجراه فريقي على موقع "فراكتل"، يولي الموظفون تقديراً كبيراً في المراتب التالية للضمان الصحي، ولمزايا لا تُكلّف المدراء أموالاً باهظة، مثل المرونة في ساعات العمل، وقدر أكبر من الإجازات مدفوعة الأجر، وإمكانية العمل من المنزل. فضلاً عن ذلك، وجدنا أنّ الباحثين عن فرص عمل إنما يفضلون الوظائف التي توفّر مزايا محددة على حساب عمل آخر بأجر مرتفع ومزايا قليلة.
وكجزء من دراستنا، أعطينا 2,000 موظف أميركي ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 عاماً و81 عاماً، قائمة مدوّناً عليها 17 ميّزة، ثم طلبنا منهم تحديد أولوية كل ميزة في حال كان لهم أن يختاروا بين وظيفة بأجر مرتفع وأُخرى بأجر منخفض، لكن مع مزايا إضافية أكثر.
تصدّرت ميزة التأمين الصحي وعلاج الأسنان والعيون قائمة المزايا بنسبة 88% من المستجيبين الذين أفاد بعضهم ويُشكلون نسبة (34%) أنهم يولون "بعض الاهتمام" لهذه الميزة أثناء اختيارهم لوظائفهم، في حين أفاد البعض الآخر، ويشكلون نسبة (54%)، أنهم "يهتمون كثيراً" بتوفّر تلك الميزة. ويُعدّ التأمين الصحي من أكثر المزايا تكلفة على الشركات، إذ تُقدّر تلك التكلفة بحوالي 6,435 دولاراً للموظف الواحد بالنظر إلى التأمين الصحي الذي يُغطي الأفراد، وحوالي 18,142 دولاراً بالنسبة للتأمين الصحي الذي يُغطي الأُسر.
أما المزايا التي حصدت المراتب التالية على القائمة فكانت المرونة في ساعات العمل، وتوفر إمكانية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة. وأفاد غالبية المستجيبين بأنّ توفر المرونة في ساعات العمل وقدر كبير من الإجازات وخيارات العمل من المنزل وإجازات غير محدودة يساعد في إعطاء الوظيفة ذات الأجر المنخفض أفضلية على الوظائف ذات الأجور المرتفعة ولكن بمزايا أقل. علاوة على ذلك، تحتل كل من ميزتي المرونة في ساعات العمل وإمكانية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة أعلى مكانة على سلّم الأهمية والأولوية بالنسبة إلى شريحة كبيرة من القوى العاملة: إذ يفضّل الموظفون الذين لديهم الأولاد توفر هاتان الميزتان في وظيفة ما على الأجر المرتفع والتأمين الصحي اللذين توفرهما وظيفة أُخرى دون هاتين المزيّتين. وذلك حسب استطلاع جديد أجراه موقع "فلكس جوبز".
إلى جانب ذلك، أفاد 88% من المستجيبين أنهم يولون بعض الاهتمام أو الاهتمام الكبير للوظيفة التي توفّر مرونة في ساعات العمل، في حين أفاد 80% بأنهم ينجذبون إلى الوظيفة التي تُتيح لهم إمكانية العمل من المنزل. إنّ هاتين المزيّتين، أي توفر المرونة في ساعات العمل وإمكانية العمل من المنزل، تبدوان ممكنتين من حيث تكاليفهما بالنسبة للشركات التي تسعى إلى تقديم مزايا جذابة للموظفين دون أن تتحمّل أعباء مالية باهظة. فلا تُكلفان المدير شيئاً يُذكر، بل غالباً ما توفران عليه المال من خلال تخفيض التكاليف العامة في شركته.
ولاقت ميزة توفّر قدر أكبر من الإجازات اهتمام المستجيبين بنسبة 80%. وتُعدّ الإجازة مدفوعة الأجر نفقة مركبة، كونها لا تتشكّل ببساطة من تكلفة أجر الموظف الواحد عن الأيام التي يقضيها خارج العمل، بل تتضمن أيضاً الالتزامات المستحقة تجاه الموظف. ولعلّ الموظفين الأميركيين مشهورون بسوء الاستفادة من كامل إجازاتهم، إذ إنهم يتركون في كل عام ما قيمته 224 مليار دولار من إجازاتهم غير المستفاد منها، ما يخلق مسؤولية هائلة على عاتق المدراء الذين غالباً ما يُضطرون عند انتهاء خدمة الموظفين إلى تسديد الالتزامات المستحقة الناتجة عن تلك الإجازات المتراكمة. وتمثّل ميزة الإجازة غير المحدودة سياسة "رابح- رابح" بالنسبة للطرفين معاً، المدير والموظف (إذ أفاد ما يفوق الثلثين من المستجيبين بأنهم يقبلون العمل بأجر منخفض، لكن مع توفّر ميزة الإجازة غير المحدودة). على سبيل المثال، فإن مؤسسة "ماموث" الاستشارية في مجال الموارد البشرية تنظر إلى سياستها في توفير ميزة الإجازة غير المحدودة لموظفيها بوصفها سياسة ناجحة، ليس بفضل ما تحقّقه من نتائج ملموسة فحسب، بل أيضاً بفضل الرسالة المعنوية التي تبثّها حول طابع الشركة وثقافتها: وهي أنّ الموظفين في هذه الشركة يُعاملون كأفراد جديرين بالثقة ويتحملون مسؤولية إنجاز مهامهم بغض النظر عن عدد أيام إجازاتهم.
يُعتبر التحوّل إلى اتباع سياسة الإجازة غير المحدودة فرصة لمعالجة موضوع الالتزامات المستحقة، فشطب تلك الالتزامات يوفّر على الشركات 1,898 دولاراً عن كل موظف، وذلك وفق بحث أجراه فريق مبادرة "بروجكت تايم أوف". ومع أنّ نسبة الشركات التي تتّبع هذه السياسة حالياً تتراوح فقط بين 1% و2%، غير أنه من الواضح، حسب جمعية إدارة الموارد البشرية، أنّ لتوفّر هذه الميزة دوراً أساسياً ومهماً في جعل هذه الشركات أكثر جاذبية.
وخلافاً لما يتوقعه أرباب العمل، لا تخفض الإجازة غير المحدودة بالضرورة إنتاجية موظفيهم ولا تزيد من فترات غيابهم خارج مكاتبهم. فقد أظهر استطلاع أجرته "المجموعة الخلاقة" أنّ نسبة 9% فقط من المدراء التنفيذيين يعتقدون بأنّ الإنتاجية تنخفض بشكل ملحوظ إذا ما استفاد الموظفون من الإجازات. وظهر في بعض الحالات، حيث اتُبعت سياسة الإجازة غير المحدودة، أنّ الموظفين يستفيدون من القدر ذاته من الإجازات الذي كانوا يستفيدون منه قبل اتباع تلك السياسة. وقمنا في موقعنا "فراكتل" بتبنّي سياسة الإجازة غير المحدودة منذ سنة تقريباً، ولم نشهد أي أثر سلبي على إنتاجية الموظفين. وحسبما أفاد "ريان ماكغونغيل" مدير العمليات في الشركة، لم يحدث ارتفاع كبير في طول الفترات التي يقضيها الموظفون خارج مكاتبهم، بل كان هنالك تحسّن مستمر في جودة أدائهم لعملهم.
إضافة إلى ذلك، كان ترتيب ميزتي المساعدة في تسديد القروض والتكاليف الدراسية متقدّماً أيضاً على قائمة المزايا المرغوبة تلك، إذ أفاد أقل من نصف المستجيبين بقليل أنّ هاتين الميزتين الإضافيتين من شأنهما الدفع نحو القبول بوظائف ذات أجور منخفضة. وأظهر استطلاع لمزايا الوظائف، أجرته جمعية إدارة الموارد البشرية، أنّ 52% من الشركات توفّر للخريجين ميزة المساعدة في تسديد التكاليف الدراسية. وبالرغم من أنّ منح تلك الميزة يبدو مكلفاً، غير أنّ بمقدور الشركات الاستفادة من الحسم الضريبي، إذ بإمكان المدراء منح الموظف الواحد حتى 5,250 دولاراً سنوياً على شكل تكاليف دراسية ويشطبها من الضرائب.
ولاقت مزايا الوظائف التي لا تؤثر مباشرة على نمط حياة الفرد ووضعه المالي نسبة اهتمام أقل لدى المستجيبين، ومن بين تلك المزايا: المشروبات والوجبات الخفيفة المجانية كالقهوة على سبيل المثال. وكذلك الأمر بالنسبة للّقاءات التي ترعاها الشركات، كأنشطة وفعاليات تعزيز الروابط بين أفراد فريق العمل، فقد حظيت أيضاً بأهمية صغيرة على قائمة المزايا. لكن هذا لا يعني أنّ هذه المزايا لا تلقى تقدير الموظفين، بل إنها ربّما ليست مهمة بالقدر الكافي لكي يقتنع المرشّح بالوظيفة التي تُتيح له تلك المزايا.
ولاحظنا وجود اختلاف بين الرجال والسيدات من ناحية درجة اهتمامهم في مزايا محددة. ومن أبرز ما أثار انتباهنا هو أنّ السيدات يُفضّلن المزايا التي تتعلق بشؤون الأسرة مثل إجازات الأمومة مدفوعة الأجر، وخدمات رعاية الأطفال النهارية المجانية. فقد حظيت ميزة إجازة الأمومة تقديراً كبيراً لدى الموظفات: إذ إنّ نسبة 25% من السيدات أفَدن بأنهن يهتممن كثيراً بإجازة الأمومة في أثناء اختيارهن للوظيفة (في حين كانت نسبة الرجال ممن أفادوا بذلك فقط 14%). وبالمقابل فاق اهتمام الرجال اهتمام النساء بمزايا توفّر أنشطة تعزيز الروابط بين أفراد فريق العمل، والاستراحات ووجبات الطعام المجانية. ومع أنّ الرجال والنساء على حد سواء أولوا اهتماماً بتوفر مزايا ترتبط بالرشاقة واللياقة في وظائفهم، إلا أنّ أنواع تلك المزايا المرغوبة تختلف بين الرجال والسيدات. فالسيدات غالباً ما يفضلن دروس الرشاقة واليوغا، بينما يميل الرجال أكثر إلى توفّر ناد رياضي داخل مبنى الشركة واشتراك مجاني بعضويته.
تخلص نتائج استطلاعنا إلى أنّ توفير المزيج الصحيح من المزايا غير المكلفة والمفضّلة عند معظم الباحثين عن العمل، من شأنه أن يمنح ميزة تنافسية للشركات التي لا يمكنها تحمّل أعباء الأجور المرتفعة والمزايا المكلفة.