إليكم هذه القصة التي تتحدث عن المرأة القائدة في إحدى الشركات. تعرضت ماريسا ماير الرئيسة التنفيذية لشركة "ياهو"، والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون لتجارب صعبة حتى اليوم. فالنقاد يرون أنه من المفروض طرد ماريسا ماير من منصبها بسبب سوء إدارتها لشركة "ياهو"، بينما تطلق سهام الانتقادات على هيلاري كلينتون لأنها استخدمت خادم بريد إلكتروني للقطاع الخاص لتبادل رسائل سرية، وحصلت على أجور ضخمة من شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) مقابل إلقاء بعض الكلمات.
والحقيقة أن كلاً من "ياهو" و"غولدمان ساكس" ارتكبا بالفعل كثيراً من الأخطاء، فمنذ أن اعتلت ماير منصة قيادة "ياهو" أنفقت الشركة 2.5 مليار دولار على عمليات استحواذ شركات أخرى لكنها لم تحقق النجاح، بالإضافة إلى أنها وقعت في مجموعة من الأخطاء الاستراتيجية وأخطاء التوظيف. وكان لقرارات كلينتون تأثير عكسي عليها وفتحت عليها أبواب الجحيم من سياسي اليمين واليسار خلال السباق الرئاسي الأميركي.
اقرأ أيضاً: بحث: تخلي الرؤساء التنفيذيين الذكور عن الثقة عند انضمام المرأة إلى مجالس الإدارات
ومع ذلك، اتخذت ماير وكلينتون أيضاً قرارات صحيحة كثيرة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يكونا في موقعهما الحالي. وحينما تنظر النساء المحترفات إلى هاتين القائدتين لا بد أن يخطر ببال كل واحدة منهن السؤال التالي: لو كانت هاتان القائدتان؛ الرئيسة التنفيذية لشركة تقنية تعمل في مجال يزيد فيه عدد القادة الرجال عن القادة النساء بنسبة 4 إلى واحد، والمرأة الوحيدة حتى الآن التي اقتربت إلى هذا الحد من منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لو كانتا رجلين فهل سيحكم عليهما حكماً مختلفاً عما يحدث لهما اليوم؟
المرأة القائدة
تشير الأبحاث التي أجرتها فيكتوريا برسكول إلى أن ذلك صحيح. تعمل برسكول طبيبة متخصصة في علم النفس الاجتماعي لدى جامعة "ييل" (Yale University) للإدارة، التي تدرس الصور النمطية للجنسين، وأرادت معرفة كيف يقيّم الجمهور النساء اللواتي يخطئن أثناء العمل في المهن التقليدية للذكور. نسجت برسيكول وزملاؤها قصة خيالية عن قائد للشرطة في مدينة كبرى تستعد لمسيرة احتجاجية كبيرة. وبعد عدة ساعات من انطلاقتها تصاعدت الأحداث فخرج الاحتجاج عن السيطرة، وأرسل رئيس الشرطة سيارات مكافحة الشغب. لكن في إحدى سرديات القصة التي تروى للمشاركين لم يرسل ذلك القائد عدداً كافياً من العناصر، وكانت النتيجة تدافع وإصابة 25 شخصاً بجروح خطيرة.
ليس هناك شك في أننا إذا فكرنا بالمنطق السليم فلا أهمية هنا سواء أكان قائد الشرطة الذي اتخذ قراراً خاطئاً كهذا، رجلاً أم امرأة، أليس كذلك؟ لكن الواقع مغاير لهذا الاعتقاد النظري. لقد تسبب قائد الشرطة الرجل بخمسة وعشرين إصابة خطيرة بين المدنيين جعلت المشاركين في الدراسة يخفضون تقييمه بصفته قائداً فعالاً بنسبة 10% فقط، بينما عندما تحدثت الرواية عن رئيسة للشرطة ارتكبت الخطأ نفسه، هبط تقييمها بنسبة 30% تقريباً حسب رأي المجموعة الثانية المشاركة في الدراسة، بل أرادوا فوق ذلك تخفيض رتبتها أيضاً، بينما لم يرغب بذلك نظرائهم الذين أخبروا بقصة قائد الشرطة الرجل. وهكذا، في هذه القصة المتخيلة اتخذ كلا الرئيسين قراراً عالي المخاطرة أدى إلى نتائج عكسية، لكن أثره السلبي كان أكبر على سمعة المرأة وتقييمها.
في نسخة أخرى من القصة، قال المشاركون إن الشرطة تمكنت من إخماد الاحتجاجات بنجاح بعد أن أرسل القائد سيارات كافية لمكافحة الشغب. ولم يُصب أحد بأذى، ولم يخرج الاحتجاج عن السيطرة. وعندها منح المشاركون كلا القائدين تقييماً عالياً، ما يعني أنهم لم يروا تلقائياً أن المرأة لا تناسب هذا العمل، بل حكموا عليها بذلك بعد أن تصرفت بطريقة خاطئة تماماً.
درست برسكول وفريقها منصبين وظيفيين آخريين يتمتعان بسلطة كبيرة لكن يتولاهما عادة الرجال، وهما الرئيس التنفيذي لشركة هندسية، ورئيس قضاة المحكمة العليا في ولاية أميركية. ولاحظت برسكول استمرار نمط الحكم ذاته، إذ أدت القرارات التي ارتدت بنتائج عكسية إلى الحكم بصرامة أكبر على القادة النساء مقارنة بالرجال.
اقرأ أيضاً: عندما توظف المؤسسات الطبية قادة لها... تصطدم المرشحات الخارجيات من النساء بعقبة إضافية
لكن هل توجد حالة يُحكم فيها بقسوة أكبر على الرجل من المرأة نتيجة لقرارته السيئة؟ نعم، إنها الحالة التي يتولى فيها أحد الرجال منصب رئيس كلية للنساء. فهذا الدور القيادي تشغله المرأة عادة، ويدفع الرجال هنا ثمناً أكبر نتيجة لاتخاذ قرارات غير موفقة. إذاً، هل توجد مناصب أخرى ذات سلطة قوية تتمتع فيها المرأة باحترام كبير، لأنها ترتبط عادة بالنساء؟ اهتمت برسكول بالإجابة عن هذا السؤال أيضاً، فبحثت عن المناصب القيادية الأخرى التي ينظر إليها على أنها عالية المكانة، وتشغلها النساء في المقام الأول. لكنها لم تجد شيئاً، وكان منصب رئيس جامعة للنساء الاستثناء الوحيد وقالت: "هذا يسبب نوعاً من الاكتئاب فعلاً".
وخلص فريق برسكول إلى أن الناس يجدون أنه من الأسهل قبول قرار خاطئ لقائد عندما يكون جنسه مفضل في المنصب المعني، فمجالات خبرته ليست متبادلة مع مجالاتها، ويُحكم على خطأ القادة بقسوة أكبر عندما يخطئون في مجالات تعد من اختصاص الجنس الآخر.
اقرأ أيضاً: ما هي الضغوط الخفية التي تدفع النساء إلى ترك العمل بمجال الهندسة؟
لكن ما حجم تلك المجالات التي ينظر إليها على أنها للرجال؟ إنها ضخمة فعلاً. وتلك ليست مجرد مشكلة لماريسا ماير في قطاع التقنية، أو مشكلة لهيلاري كلينتون في السياسة. فالقطاعات المالية، والقانونية والرياضة والجيش وسوق الأسهم، مجالات يهيمن عليها حضور الرجال، ويحدث في جميع تلك المهن أخطاء بطبيعة الحال. وهكذا، لأن الحكم على أخطاء النساء أقسى بكثير من الرجال، فليس من المستغرب أن توصف المديرات بأنهن يعملن بطريقة "الإدارة الميكروية" أو أنهن "الساعيات للكمال" أو اللواتي "ينفرن من المخاطر"؟ فالسعي للحد من الأخطاء مهما كان الثمن هو رد فعل منطقي لتصورات الآخرين المتحيزة.
إذا تحدثنا عن المرأة القائدة مثل ماريسا ماير أو هيلاري كلينتون، فقد نجد أن تقييمهما انخفض قليلاً بتقديرنا، لكنه ربما لم ينخفض كثيراً. ومع ذلك، حتى نتحدث عن مناصب قيادية مقترنة بالمرأة، ستظل الأخطاء أعلى تكلفة بكثير فيما يخص موضوع المرأة القائدة مقارنة بالرجال. إنه عالم غير مثالي، أليس كذلك؟
اقرأ أيضاً: الجوانب الإيجابية من حياة الأم العاملة