عند اختيار مجالس الإدارة لشخص ما ليشغل منصب الرئيس التنفيذي، فإنها عادة ما تأخذ بحسبانها الظروف الخاصة التي تواجهها الشركة: هل هي بحاجة إلى من يقلبها رأساً على عقب، مثلاً، أم أنها بحاجة إلى زيادة حجمها بما يتوافق مع نموها المحتمل؟ وفي حالة الرئيس التنفيذي تحديداً، قد تطرح هذه المجالس السؤال التالي: هل نحن على وشك إجراء اكتتاب أولي على أسهم الشركة، أم أننا ننوي النمو من خلال عمليات الاستحواذ؟ في مثل هذه الحالات، تفضل مجالس الإدارة عموماً المرشحين الذين يمتلكون خبرة في إدارة المؤسسات في ظروف مشابهة للظروف الحالية. ولكن عند توظيف أشخاص أو ترقيتهم لشغل مناصب قيادية على مستوى أدنى، فإن الشركات عادة لا تولي اهتماماً كافياً للتحديات المرتبطة بسياق هذا المنصب أو هذا الدور. فهي تميل إلى تفضيل المرشح الذي يجيد فعل كل شيء، ويمتلك خلفيات متنوعة، وهي مقاربة تتبعها أقسام الموارد البشرية في الكثير من الشركات.
تشير دراسة كمية جديد على مستوى واسع أجرتها شركة الأبحاث والاستشارات "سي إي بي" (CEB) ومقرها واشنطن (استحوذت عليها مؤخراً شركة غارتنر (Gartner) إلى أن الشركات ستحقق نجاحاً أكبر فيما لو أخذت بالاعتبار السياق الخاص بكل منصب قيادي وعلى كل المستويات. فعوضاً عن تعيين شخص حاصل على مؤهلات عامة تساعده في تجاوز أي اختبار إدارة، يجب على الشركات استعمال نظام تقييم يحدد المرشحين الذين يتمتعون بالصفات والخبرات الشخصية التي تناسب التحديات المرتبطة بالمنصب المعني.
تستند هذه الخلاصة إلى دراسة استمرت على مدار ثلاثة أعوام وشملت 9,000 شخص قيادي في 85 شركة على مستوى العالم. وقد أجرى الباحثون تقويماً للصفات الشخصية للقائد، ودرسوا الخبرات ذات الصلة التي يتمتع بها، واستمعوا إلى آراء المشرفين والمدراء المباشرين بخصوص سلوك هذا القائد، وأدائه، وفعاليته. كما استعملوا في الدراسة 60 متغيراً متعلقاً بالسياق، مثل ما إذا كانت الوظيفة تنطوي على درجة عالية من عدم اليقين، أو تحتاج إلى إدارة فريق منتشر على نطاق جغرافي واسع، أو تستدعي إجراء خفض للتكاليف. وعندما تبحّروا في البيانات، وعملوا على فهم أسباب نجاح بعض القادة، والأداء الضعيف للبعض الآخر، تبين بأن العامل الأكبر الذي برز كان مدى تناسب شخصية القائد ومهاراته وخبرته مع التحديات الخاصة بالمنصب الذي يشغله. وبعد أن كانت القائمة الأولية للتحديات السياقية تشمل 300 عنصر، حددت الشركة 27 عنصراً منها بوصفها الأهم. ويشمل بعضها تنمية الحصة السوقية وقيادة عمليات الاستحواذ والاندماج، والوضع التنافسي الخارجي. في حين يرتبط البعض الآخر، بإدارة محفظة واسعة من المنتجات والخدمات، وقضايا واستراتيجيات تخص الشركة بأكملها. أخيراً، قد يتعلق بعض هذه التحديات بفريق العمل، مثل السعي إلى تغيير ثقافة العمل داخل الشركة والتي قد تتسم بقدر كبير من التصادم. وفي حالات معينة قد يقتصر بعض هذه التحديات على المنصب بحد ذاته.
تقول جين مارتن، مسؤولة وضع الحلول الخاصة بتوظيف الأشخاص الموهوبين في شركة (CEB): "لقد كانت عملية توظيف وتطوير المدراء في الشركة تشبه الاستعانة بحصان عادي في وقت كانت فيه بأمس الحاجة إلى حصان هجين يمتلك نقاط قوة تناسب مضماراً معيّناً للسباقات". تقول الشركة بأن الحاجة إلى قادة يمتلكون صفات أكثر ملاءمة للمؤسسة ينجم عن تزايد التعقيد في الشركات، واتساع نطاق مسؤولياتها، وتنامي وتيرة التغيير فيها مقارنة مع ما كان يحصل في الماضي.
وكانت (CEB) قد استوحت فكرة الدراسة من آراء تقويمية كانت قد حصلت عليها قبل خمس سنوات، حيث كانت الشركات والجهات المعنية بالتوظيف قد لجأت وبصورة متزايدة إلى استعمال أدوات تقييم وبرامج تحليل للبيانات بهدف جعل عملية التوظيف أكثر اعتماداً على البيانات والموضوعية، وأقل اعتماداً على الآراء الذاتية للمدراء. لكن (CEB) بدأت تسمع بأنه عندما كان الأمر يتعلق باتخاذ القرار النهائي بخصوص مرشح معين، فإن المدراء كانوا يتجاوزون نتائج التقييم، ويعودون إلى حدسهم الشخصي. وعندما سألتهم (CEB) عن سبب تجاهلهم لنتائج تحليلهم للبيانات، فإن البعض منهم كان يقول بأن النتائج كانت مفرطة في عموميتها ولم تكن تثبت توافق المرشحين مع التحديات التي كانت ستواجههم فعلياً. تقول مارتن: "لقد كان هناك تفاوت بين ما كانت عملية التخطيط تظهره على أنه الجواب الصائب، وبين ما كان صاحب القرار يشعر بأنه هو الصائب".
وبناءً على هذا الرأي، بدأ الباحثون في الشركة في إلقاء نظرة دقيقة لمعرفة ما إذا كان السياق مهماً فعلاً. وقد توصلوا إلى أنه عامل مهم في تقرير نجاح القادة، وهو لا يحظى بحقه من الاهتمام. في الحقيقة، إن اتباع المقاربة التي تعتمد على خصوصية السياق تسمح بالتوصل إلى تنبؤات تُعتبر أدق بثلاثة أضعاف، وسطياً، مقارنة بالمقاربة القائمة على نموذج موحد يطبَق في كل الحالات. إن تحديد 27 تحدياً أساسياً له علاقة بالسياق يساعد المدراء المعنيين بعملية التوظيف على تحديد أكبر الاختبارات التي من المرجح أن يواجهها شاغلو منصب معين. وهذا الأمر يسمح لهؤلاء المعنيين بالتوظيف بالبحث عن المرشحين الذين يتمتعون بالمزيج من المناسب من الخصال الشخصية (التي تقيسها أدوات التقويم) والخبرة.
كورتني أبراهام
لقد تحوّلنا من اتّباع عملية تعتمد على الإحساس الداخلي إلى استعمال لغة مشتركة.
قبل نحو ثلاثة أعوام، بدأت مجموعة أديكو (Adecco Group)، وهي شركة مقرّها زيورخ وتوفّر حلولاً في مجال القوى العاملة، بتطبيق مشروع تجريبي في أميركا الشمالية يعتمد على استخدام بحث شركة (CEB) لملء المناصب الشاغرة بالمدراء التنفيذيين. وقد شرحت المديرة العالمية لاستراتيجية إدارة المواهب وتطويرها كورتني أبراهام دافع الشركة لاتخاذ تلك الخطوة والنتائج التي تمخّضت عنها في لقاء أجرته معها هارفارد بزنس ريفيو. وفيما يلي بعض المقتطفات من تلك المقابلة.
لماذا بدأت أديكو باستعمال هذا البحث؟
كما هو حال معظم الشركات الأخرى، كان لدينا عملية رسمية ومنظمة لمراجعة وضع الأشخاص الموهوبين، حيث كنا ندرس قدرات الناس، ونقاط قوّتهم، والفجوات الموجودة لديهم. لكن الأمر لم يكن يعدو كونه نظرياً وعلى الورق، ولم نكن نطبّقه إلا على جزء من المؤسسة. وعندما تعلّق الأمر باختيار شخص معيّن لمنصب ما، فإن الاختيار كان يجري بطريقة ذاتية بحتة، وكان يستند إلى حدس القائد. وكان الاختيار قد وقع علي أنا شخصياً قبل ثلاثة أعوام لإدخال إصلاحات جذرية على هذه العملية.
متى بدأتم؟
أجرينا مراجعة للممارسات الفضلى السائدة وما كانت تقوم به الشركات الأخرى لحلّ المشكلة، فقد كان الهدف هو أن نحوّل العملية الذاتية إلى عملية قائمة على البيانات وتتضمن خطوات عملية ملموسة. كنا بحاجة إلى أسباب مقنعة من الناحية تجارية: أي المحرّكات المالية والأسباب التجارية المنطقية لإيجاد أصحاب المواهب وتطوير الناس تحضيراً لخطواتهم التالية في مسارهم المهني. لقد كان الجزء الأهم والأكثر حساسية في النظام الجديد هو أنه يعتمد على السياق. فنحن نراجع أهم ستّة تحدّيات سيواجهها الشخص في منصبه الجديد، ونقارنها بمهارات المرشّح وكفاءاته ودوافعه. بعد ذلك يمكننا أن نركّز على ما يحتاج إليه لتحقيق التحوّل الناجح. "لقد تحوّلنا من اتّباع عملية تعتمد على الإحساس الداخلي إلى استعمال لغة مشتركة".
ما هي احتمالات اختيار المرشّح ذاته ضمن النظامين القديم والجديد؟
إما هي احتمالات ضئيلة أو معدومة. فضمن النظام القديم، كنا عادة نميل إلى دراسة وضع الشخص التالي ضمن التراتبية، وإذا كنا نعتقد بأنه غير جاهز بعد لتولّي المنصب المعني، كنا نعيّن شخصاً من خارج الشركة. لطالما كنا نلجأ إلى الخارج كثيراً. أما الآن فقد بتنا أكثر ميلاً إلى ترقية شخص من الداخل، ولكن بعيون مفتوحة. فبما أننا نطوّر الناس في وقت أبكر خلال العملية، وبما أننا نمتلك تصوّراً أفضل عن الفجوات الموجودة في مهاراتهم والتحدّيات التي سيواجهونها في مناصبهم، بوسعنا استعمال بعض التقنيات مثل فترة تعريف الشخص على الوظيفة الجديد وكذلك التطوير من أجل توفير الإشراف الفعّال والدعم لهذا الشخص في منصبه الجديد. فالتوظيف من خارج أروقة الشركة هو أمرٌ ينطوي على خطرٍ أكبر، لأننا لا نملك القدر ذاته من البيانات حول المرشّحين. كما اكتشفنا بأن الموظفين الذين نعيّنهم من داخل الشركة أميل إلى النجاح وتحقيق مكاسب مبكّرة، لأنهم يفهمون الشركة، وموظفيها، ووضعها التنافسي.
هل هناك خطورة ينطوي عليها هذا النظام وتتمثّل بتحوّل القرارات الخاصّة بالمواهب إلى خوارزمية؟
لحسن الحظ، الإجابة هي كلا. ففي نهاية المطاف، لا تزال العملية عبارة عن محادثة. فنحن نراجع البيانات ونأخذ كل المعطيات بالحسبان، لكن القرار النهائي يظل في يد فريق القيادة.
بطبيعة الحال، تنطوي المناصب القيادية، وخاصة المناصب الرفيعة، على مجموعة من التحديات المتعددة. فقد وجد الباحثون بأن عدد التحديات يؤثر مباشرة على احتمالات نجاح شخص قيادي جديد: فالمناصب القيادية تنطوي وسطياً على سبعة من بين التحديات السياقية السبعة والعشرين، ومع ارتفاع هذا الرقم، تزداد احتمالات عدم تمكن الشخص من تقديم الأداء المطلوب أيضاً (عندما يكون عدد التحديات 10 أو أكثر، فإن فرص الفشل تبلغ 40%). وبطبيعة الحال، يبدو واضحاً بأن الوظائف التي تنطوي على تحديات أكبر سوف تشكل تحدياً أكبر لشاغليها. لكن وجود قائمة تضم الأشياء المحددة التي سيواجهها القائد – وقيام مدراء التوظيف بتحديد هذه الأشياء والتعامل معها – هما أمران قد يكونان مفيدين.
على سبيل المثال، قد تلجأ الشركات إلى هذه القائمة بهدف تعديل المسؤوليات، أو تبسيط الأهداف والغايات، أو محاولة حل مشكلة معينة (ربما من خلال نقل الأشخاص الموهوبين إلى الفرق التي تواجه متاعب) قبل أن يتولى القائد الجديد مسؤولية منصبه.
لكن تبعات النتائج التي توصل إليها هذا البحث تتجاوز موضوع التوظيف. فعلى سبيل المثال، إذا كان النجاح في منصب قيادي يرتبط بالسياق الذي يعمل هذا القائد فيه، وإذا كان السياق يتغير بسرعة ضمن بيئة عمل تشهد تحولات سريعة، فإن الشركات قد تحتاج إلى إدخال المدراء إلى هذه المناصب وإخراجهم منها بسرعة. كما أن إدراك التحديات السياقية يمكن أن يغيّر أيضاً الطريقة التي تنظر بها الشركة إلى موضوع التطوير. تقول مارتن: "عندما تدرك مدى تناسب القادة مع السياق الذي هم على وشك أن يوضعوا فيه، بوسعك الاستفادة من هذه المعلومات لتقديم المزيد من الاستثمارات بهدف التطوير وإيجاد طرق لتقديم المشورة إلى هؤلاء القادة في المجالات التي يفتقرون فيها إلى المهارات التي يتطلبها السياق".
إن هذه المقاربة المستعملة في إدارة المواهب قد تقود الشركات أيضاً إلى إدراك نقاط قوتها الموجودة لدى مدرائها الجالسين على دكة الاحتياط، وخاصة عندما تسعى الشركات الكبيرة إلى وضع هذا البحث موضع التجريب. فالتركيز على الأشخاص الذين سوف يتفوقون في سياقات محددة قد يجعل الشركة تدرك بأن لديها العديد من المدراء التنفيذيين الذين يمتلكون المهارات في إطلاق المنتجات الجديدة أو المنافسة على الحصة السوقية، لكنها لا تمتلك إلا قلة من المدراء البارعين في خفض التكاليف أو إدارة التحولات الجذرية في الشركة. وعليه فإن إدراك هذه الفجوات يمكن أن يكون مفيداً عند توظيف الشركات لمدراء جدد أو عند التخطيط لتطوير المدراء التنفيذيين. تقول شركة (CEB) بأن فهم مدى التوافق بين مختلف أنماط المدراء ومختلف التحديات، سيدفع الشركات إلى التفكير بالتقليل من الاتكال على المقاربة التي تعتمد على تهيئة صف من المدراء تختار الأول بينهم لشغل المنصب الشاغر التالي، بينما ستلجأ أكثر إلى تهيئة "تجمع" من المدراء تختار الأنسب بينهم بحسب الوظيفة المعنية.
يشكك بحث شركة (CEB) في جدوى برامج التعليم والتطوير ذات النطاق الواسع والتي تعمل على تكوين قادة يمتلكون قدرات شاملة ويستطيعون التكيف مع أي وضع والنجاح فيه. تقول مارتن: "يشكل هذا البحث تشكيكاً مباشراً في فكرة تكوين المدير القادر على التكيف مع كل الأوضاع". وقد تبين في واقع الأمر بأن ثلثي القادة الأبرز أداء في الدراسة لم يكونوا بالضرورة من الملمين بكل شيء، بل كانوا، بحسب رأي الباحثين، من النوع الذي أظهر تفوقه في عدد من القدرات المحددة لكنهم لم يكونوا بالضرورة فوق المعدل الوسطي في جميع القدرات. وخلص الباحثون إلى أن "السعي الحثيث وراء الرشاقة في الإدارة في كل شيء عوضاً عن السماح بالتخصّص هو أمرٌ غير فعّال".
حول البحث: "قوّة السياق في دفع القائد نحو النجاح" (ورقة بحثية بيضاء من CEB).
التوريد الجماعي
دفع المال ثمناً لمراجعات الأماكن والمنتجات على الإنترنت قد يرتد عليك سلباً
تعتمد مواقع مثل يلب (Yelp)، وتريب أدفايزور (TripAdvisor)، وأمازون على المراجعات التي يضعها المستخدمون للمساعدة في توجيه عمليات الشراء، لكن الآراء التي يجري تجمعيها وفق مبدأ التوريد الجماعي من الناس قابلة للتلاعب بها: فالمطاعم تقدّم في بعض الأحيان حسومات للناس الذين يكتبون آراء إيجابية عنها على موقع يلب، كما أن بعض الشركات تدفع مبالغ صغيرة لقاء هذه المراجعات. تم إجراء بحثٌ جديد لاختبار مدى فعالية هذه الحوافز. وقد درس الباحثون ما الذي حصل عندما عرضت شركة صينية 25 سنتاً مقابل الرأي الواحد. لكنها فوجئت بحصول "تراجع" في أعداد الآراء التقويمية بواقع 30% في الشهر التالي الذي بدأ فيه برنامج الدفع. وقد وجد الباحثون بأن الناس الذين لديهم الكثير من المعارف على الإنترنت كانوا أقل ميلاً إلى المشاركة، لأنهم كانوا يخشون من ردود الأفعال الاجتماعية السلبية، أو من التعرّض إلى التشكيك في دوافعهم. كما أن هؤلاء المستخدمين كانوا قد كتبوا في السابق مراجعات أكثر من الناس الآخرين، لذلك فإن التغيّر في سلوكهم تسبّب بحصول تراجع غير متناسب في الآراء التقويمية، في حين أن الأشخاص "المنفردين" الذين ليس لديهم معارف لم يسجّلوا إلا زيادة طفيفة في نسبة مشاركتهم في تقديم الآراء التقويمية. يقول أحد الباحثين: "لا أحد يريد أن ينظر إليه أصدقاؤه على أنه يقبض المال في مقابل كيل المديح للعلامات التجارية". وبالتالي فإن الشركات التي تحاول التلاعب بموضوع حشد الآراء الجماهيرية لخدمة مصالحها يجب أن تتوخّى الحذر عندما تلجأ إلى هذا الخيار".
نبذة عن البحث: "الدافع وراء المحتوى الذي يولّده المستخدمون: الترابط الاجتماعي مع الآخرين عن طريق الانترنت يخفف من آثار المكافآت النقدية" للباحثين ياتشينغ سون، وشياوجينغ جونغ، وشيلبي مكلنتاير (البحث سيُنشر في عدد مقبل من مجلة "علم التسويق" (Marketing Science).
الإدارة
عندما يتعارض التعاطف مع الصراحة
لنفترض أن أحد المرؤوسين لديك أنجز المهمة المطلوبة منه دون المستوى المحدّد. وبصفتك مشرفاً عليه، فإن واجبك يقتضي تقديم نقد بنّاء له، لكنك تشعر بأن أموره لا تسير على ما يُرام في ذلك النهار. مما يدفعك إلى التخفيف من نبرة تقويمك لأدائه. من الناحية التقنية، يُعتبر ذلك بمثابة كذب، لكنه كذب مدفوع بالتعاطف والرغبة في تجنّب إيذاء مشاعر شخص آخر. هذا مثال على "الكذب الاجتماعي" أو ما يسمى "الكذب الأبيض" وهو عبارة عن سلوك معقّد منتشر على نطاق واسع ويتّصف بالغموض من الناحية الأخلاقية. وفي أوّل ورقة ترمي إلى دراسة الجذور العاطفية لهذا النوع من الكذب، أجرى الباحثون ثلاث تجارب لرؤية الكيفية التي يؤثر بها التعاطف على الميل إلى الانخراط في الكذب الاجتماعي. وقد وجدوا بأن المشاركين في التجربة، وعندما كان يجري التلاعب بهم لكي يشعروا بالتعاطف (في إحدى الحالات، كان قد قيل لهم بأنهم يجرون تقويماً لشخص كان قد عانى للتو من وفاة أحد أفراد أسرته، وفي حالة أخرى كانوا قد شاهدوا فلماً عن الأطفال الجياع)، أو عندما كانوا قد وصفوا أنفسهم بأنهم يتمتعون بدرجة عالية من التعاطف طوال الوقت، كانوا أميل إلى ممارسة الكذب الاجتماعي. إن إدراك الرابطة بين التعاطف والكذب الاجتماعي هو أمر يمكن أن يكون مهماً بالنسبة للمدراء، لأن هذا السلوك يمكن أن يتدخّل في تقديم رأي تقويمي مباشر مطلوب لمساعدة الناس على تقديم أفضل أداء لديهم.
نبذة عن البحث: "أن نكذب لأننا نهتم: التعاطف يزيد من الكذب الاجتماعي" للباحثين ماثيو لوبولي، وليلي جامبول، وكريستوفر أوفيس (في مجلة علم النفس التجريبي، 2017).
المسارات المهنية
كيف يسهم علم البيانات في زعزعة سوق العمل
لا يخفى على أحد أن الوظائف التي تشمل علم البيانات وتحليلها تشهد تنامياً سريعاً، الأمر الذي يقود إلى نقص في الأشخاص الموهوبين. لكن هناك فروقاً ضمن هذه الفئة الواسعة وفقاً لدراسة أجراها كل من آبي بي إم، وبيرنينغ غلاس (Burning Glass)، ومنتدى التعليم العالي للأعمال (Business–Higher Education Forum). فقد وضع الباحثون الألقاب الوظيفية في مصفوفة من محورين (كما في الشكل البياني أدناه) بحسب مدى صعوبة ملء كل منصب وعدد المناصب الجديدة المتوقعة في الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الخمس المقبلة. وقد تبين بأن مناصب عالم بيانات، ومهندس بيانات، ومدير تحليل البيانات هي الأسرع نموّاً والمناصب الأصعب من حيث إمكانية العثور على من يشغلها (علماً بأن ملأها مكلف للغاية). ويأمل الباحثون أن يسهم عملهم في تعزيز الوعي بين صفوف أصحاب العمل ومسؤولي التعليم ومسؤولي تطوير القوى العاملة بخصوص "الفجوة الوشيكة في القدرات التحليلية"، بحيث يسهم هذا الوعي في تشجيع هؤلاء الناس على تدريب المزيد من الأشخاص ليكونوا جاهزين لملء هذه المناصب التي تشهد أكبر طلب عليها.
تحليل البيانات
كيف تستعمل الشركات البيانات الضخمة فعلياً
تستثمر الشركات مبالغ طائلة في البيانات الضخمة، لكن السؤال هو: هل تحقق أي عوائد من ذلك؟ وللإجابة عن هذا السؤال، تجري شركة الاستشارات نيو فينتدج بارتنرز (NewVantage Partners)، ومنذ العام 2012، مسحاً شمل كبار المدراء التنفيذيين في الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن 1000" لأكبر 1000 شركة . وفي هذا العام، وللمرّة الأولى قال نصف المشاركين في المسح تقريباً – 48% – بأن شركاتهم تحقق نتائج ملموسة من مبادراتها في مجال البيانات الضخمة؛ واعتبر 81% من المشاركين مشاريعهم "ناجحة". وتشير الإجابات الأخرى التي أظهرها المسح ونوردها أدناه إلى أن أسرع المكاسب المتحققة تتمثّل في خفض التكاليف؛ كما أن عدداً كبيراً من الشركات تستعمل البيانات الضخمة بنجاح لتوجيه الابتكارات وإطلاق منتجات أو خدمات جديدة. لكن معظم هؤلاء المدراء التنفيذيين يقولون بأنهم لازالوا بعيدين عن خلق ثقافة تعتمد بمجملها على البيانات.
الرضا الوظيفي
المنافع التي تحصل عليها من كونك موظفاً محورياً في شركتك
دعونا نأخذ مثالين عن موظفين يعملان في مجال البستنة وصيانة الحدائق. أحدهما موظف لدى شركة بستنة كبيرة، والآخر يهتم بحدائق المكتب الرئيسي لشركته الدولية الكبيرة. من حيث المبدأ، يؤدّي هذان الشخصان المهام ذاتها، لكن أحدهما يعمل في الوظيفة الأساسية لشركته، في حين أن الآخر هو موظف هامشي. وقد توصّل بحث جديد إلى وضع مقياس يحدّد طبيعة المناصب الأساسية والهامشية، وهو عبارة عن أداة لمساعدة الناس في تحديد ما إذا كانوا يشغلون وظيفة محورية، أي وظيفة تتعلق بالاختصاص الأساسي لشركتهم (والتي عرّف الباحثون من يشغلها بأنه أساسي وحرج وغير قابل للاستبدال، وهو شخص مطلوب ويجب أن يكون حاضراً على الدوام). كما تراجع هذه الأداة أيضاً تأثير موقع الموظف على هذا المقياس على مدى تفاعله مع العمل، والمعنى المستوحى من العمل، والأمان الوظيفي، وحال الاحتراق النفسي. فقد يفهم الموظفون بحدسهم بأن الانخراط المباشر في إنتاج منتجات الشركة أو خدماتها الأساسية أفضل من ملء منصب داعم، لكن هذا البحث يمثّل محاولة صارمة لتعريف وقياس المعنى الحقيقي لذلك، وتحديد المنافع التي يحصل عليها المرء من كونه محورياً في شركته. فالموظفون غير الأساسيين بالتحديد عرضة للمشاكل التي تمس صحتهم النفسية، بحسب الباحثين، ويجب على المدراء الانتباه إلى هذه الحقيقة واتخاذ الخطوات الضرورية لزيادة رضى العمال وسعادتهم.
نبذة عن البحث: " ما الذي يعنيه أن تكون موظفاً محورياً في شركتك: وضع مقياس لتحديد المناصب الأساسية والهامشية والتثبّت من صلاحية هذا المقياس" للباحثين ليشينغ شيانغ، وتوماس تريب، وطاهرة بروبست (مجلة علم النفس المهني والمؤسسي، 2017).
القرارات
لماذا نكره تغيير رأينا
يميل الناس عادة إلى عدم الرغبة في تغيير قراراتهم، واتخاذ قرارات معاكسة لها، حتى مع وجود أدلّة حاسمة تؤكد أن قرارهم ذاك خاطئ. ويسعى بحث جديد إلى تكوين فهم أفضل لجذور هذا العزوف عن تغيير الرأي. فقد توصّل الباحثون في سلسلة مؤلفة من ستة أبحاث إلى أن الناس ينظرون إلى الأشخاص، الذين يلتزمون بما صدر عنهم بعد أن تكون قد عُرِضت عليهم معلومات مقنعة بأنهم كانوا مخطئين، على أنهم أكثر ثقة بالنفس، وإن كان ذلك يأتي على حساب النظر إليهم بوصفهم غير قادرين على الحكم على الأمور بطريقة سليمة. وقد كتب الباحثون قائلين: "إن تحاشي التراجع عن قرارك قد يكون خطوة صائبة جزئياً؛ فهي الخطوة المنصوح بها إذا كانت تعزز النظرة إليك بوصفك شخصاً واثقاً من نفسه، لكنها لن تساهم في تعزيز التصوّرات لدى الناس بأنك شخص قادر على إطلاق الأحكام السليمة على الأمور".
أما تحديد الاستراتيجية الأنفع بالنسبة لك، فيتوقّف جزئياً على المجال والسياق. فعلى سبيل المثال، أظهرت تجربة بأنه عندما يكون القرار مستنداً إلى رأي وليس إلى حقائق، فإن تغييرك لرأيك يقود إلى تقويمات أقل بخصوص طريقتك في الحكم على الأمور. وفي تجربة أخرى، طُلِبَ من المشاركين تخيل إما سياسيين أو قضاة عُرِضت عليهم أدلّة تشير إلى أن قرارهم الأولي كان خاطئاً. وأظهرت النتائج بأن الناس قد نظروا إلى القضاة الذين غيّروا رأيهم في هذا الظرف على أنهم يمتلكون حساً سليماً في الحكم على الأمور، وهذه شيمة تحظى بأهمية كبيرة في مجال القضاء. ونظروا إلى السياسيين الذين تمسكوا بمواقفهم (غير الصحيحة) بوصفهم يتمتعون بثقة عالية بالنفس، مما يشير إلى أن العناد يمكن أن يكون استراتيجية فعّالة في مجال يتعرض فيه المتقلبون في آرائهم وأهوائهم عادة للسخرية. لكن الموازنة بين حسنات تغيير القرار وسلبياته تسلط الضوء على حقيقة هامة، ألا وهي أنك إذا أردت أن تتجنّب هذه المعضلة، فالأفضل لك هو أن تتخذ القرار الصائب في المقام الأول.
نبذة عن البحث:"التراجع: التجنّب الخاطئ جزئياً لتغيير آرائنا" للباحثة ليزلي جون وآخرين (ورقة عمل).
التشريعات والأنظمة
التبعات غير المرغوبة لتوظيف مدير تنفيذي للمخاطر
بعد فضيحة شركة إنرون التي وقعت عام 2001، وإصدار قانون ساربانس أوكسلي عام 2002، بدأت بنوك عديدة بتوظيف مدير تنفيذي للمخاطر في مسعى منها للتجاوب مع المطالب المتزايدة للجهات الناظمة. ففي العام 2000، كان أقل من 1% من المصارف الكبرى يمتلك مديراً تنفيذياً للمخاطر. وبحلول العام 2006، ارتفعت النسبة إلى الربع. وقد توصّلت دراسة بحثت في مقتنيات المصارف من عقود المشتقات المالية في 157 بنكاً كبيراً بين العامين 1995 و2010 إلى أن تعيين مدير تنفيذي للمخاطر قد قاد إلى تأثير مفاجئ؛ فقد دفعت هذه الخطوة البنوك إلى انخراط "أكبر" في التداول بالمشتقات المالية الخطرة، وليس إلى انخراط أقل. وقد أورد الباحثون عدّة أسباب لتفسير هذه الظاهرة، لكن أكثر الأسباب إقناعاً يشير إلى أن تعيين مدير للمخاطر في نادي كبار المدراء التنفيذيين هو شكل من أشكال "الرخصة الأخلاقية". وقد كتب الباحثون قائلين: "عندما لجأت البنوك إلى تعيين مدراء تنفيذيين للمخاطر، فإنها بعثت إلى مدراء مكاتب التداول فيها رسالة مفادها بأنهم يعلمون في شركة "تتجنّب المخاطرة"، وبأن إدارة المخاطر هي وظيفة تقع على عاتق شخص آخر. وهذا، برأينا، قلل من الإدارة الذاتية للسلوك الخطر لدى المدراء ومنحهم إحساساً كاذباً ومغرياً بالأمن، وروّج بالضبط للسلوكيات التي كانت الجهات الناظمة تريد الحيلولة دون وقوعها".
نبذة عن البحث: "مخاطر سيطرة الخبراء: المدراء التنفيذيون للمخاطر والمشتقات المالية الخطرة" للباحثين كيم بيرنيل، وجيووك جونغ، وفرانك دوبين (المجلة الأميركية لمراجعة الأبحاث النفسية، 2017).
المفاوضات
يمكن أن تكون خياراتك الكثيرة زائدة عن اللزوم
واحد من أوائل المفاهيم التي يتعلّمها الناس في دورات المفاوضات هو مفهوم يسمى باللغة الإنجليزية اختصاراً (باتنا) (BATNA)، والذي يعني "أفضل بديل للاتفاق الذي يجري التفاوض عليه". أي بعبارة أخرى، "من الأفضل بالنسبة لك أن تمتلك خطة بديلة في حال الفشل في التوصّل إلى صفقة". نظرياً، يعزّز امتلاكك لعدّة عروض- سواء كنت تبحث عن عمل أو تحاول بيع السيارة –من موقفك التفاوضي. لكن بحثاً جديداً فجّر مفاجأة: ففي خمس دراسات شملت 1,527 طالباً، تبيّن بأن أداء الناس الذين دخلوا المفاوضات وهم لديهم خيارات عديدة كان أسوأ من أداء الناس الذين لم يكن لديهم سوى خيار واحد. لماذا؟ في بعض الحالات، كان امتلاك عدّة خيارات ضعيفة سبباً في تقليل الناس من شأن الشيء الذي كانوا يبيعونه. يقول الباحثون: "إن وجود عروض إضافية كوّن فكرة في أذهان الناس عن الشكل "المناسب" للعرض الأول"، الأمر الذي ثبّط هممهم وحدّ من قدرتهم على انتظار الحصول على صفقة أفضل. ويمكن للمفاوضين استعمال المعلومات المتاحة عن السوق للوصول إلى تحديد قيمة معيّنة للشيء قبل دراسة أي عروض. فوجود عرض قوي وحيد على المائدة عوضاً عن عدد من العروض غير المرغوبة، يمكن أن يغرس شعوراً بالقوّة والثقة مما يسمح بتبني استراتيجيات تفاوض أكثر جرأة.
نبذة عن البحث: "تشوّه منطقة المساومة في المفاوضات: القوّة الوهمية للخيارات المتعدّدة." للباحثين مايكل شيرر، وديفيد لوشيلدر، ورودريك سواب (السلوك المؤسسي وعمليات اتخاذ القرارات البشرية، 2016).
المال
السبب المنطقي للتركيز على النمو وليس على الربحية
يأمل كل مدير في تحقيق زيادة في النمو والأرباح في الوقت ذاته. ولكن إذا كنت مضطراً إلى منح الأولوية لواحد منهما فأيهما تختار؟ يُظهرُ بحث أجرته شركة بين (Bain) بأن عصر رأس المال الوفير الذي يشهد انخفاضاً كبيراً في تكاليف التمويل، يسمح للشركات في معظم القطاعات (وخاصة القطاعات التي تزيد فيها النسبة المتوقعة للعائد على حقوق المساهمين عن 4%) بتحقيق قيمة أكبر إذا ما ركزت على النمو. لكن فعل ذلك يتطلب تغييراً في طريقة التفكير. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، عندما كانت تكاليف التمويل مرتفعة، ركّزت الشركات وبشكل صائب على تحقيق الربحية، باستعمال طرق مثل إعادة الهندسة و "6 سيغما" بهدف خفض التكاليف. ورغم أن تكاليف التمويل قريبة من المستويات المتدنية تاريخياً، إلا أن الكثير من الشركات لاتزال تركّز وزيادة عن اللزوم على خفض التكاليف، بسبب ندرة الأفكار المبتكرة، والمقاربة الضعيفة لتخطيط الاستثمارات الاستراتيجية، ونقص الموهبة والقدرات. يقول مايكل مانكينز، الشريك في بين "في جميع المقابلات التي يجريها الرؤساء التنفيذيون لشرح النتائج المالية تقريباً نجدهم يذكرون رهاناً واحداً، أو رهانين اثنين في أحسن الأحوال، على النمو، في حين أنهم يخصصون جلّ وقتهم لإظهار نتائج إعادة الهيكلة، أو التعهيد الخارجي، أو غير ذلك من المبادرات التي تركّز على التكاليف." يقارن الجدول التالي الارتفاع في قيمة حقوق المساهمين والناجم عن زيادة بنسبة 1% في النمو البعيد المدى مع الزيادة المشابهة في الأرباح التشغيلية قبل احتساب الضرائب في كل القطاعات.
اقرأ أيضاً: صفات الشخص المفاوض