أن تكون لطيفاً أهم من أن تكون ذكياً

3 دقائق
الذكاء واللطف في العمل
shutterstock.com/Skoles

إليك هذه القصة عن الذكاء واللطف في العمل تحديداً. من القصص الأكثر عاطفية المنتشرة على الإنترنت هذه الأيام، قصة شاب وجدّته التي تحتضر ووعاء من الحساء من مطعم اسمه "بانيرا بريد". إنها قصة صغيرة فيها دروس كبيرة عن الخدمة والعلامات المميزة والجانب الإنساني للأعمال. إنها قصة تؤكد لماذا يجب ألا تكون أبداً الكفاءة على حساب الإنسانية.

تجري أحداث القصة على النحو التالي كما جاءت في مجلة "أدويك" (AdWeek): كان براندون كوك، من بلدة ويتلون في هامشاير، يزور جدته في المستشفى. كانت الجدة مصابة بالسرطان في مراحله المتقدمة، وشكت لحفيدها أنها تتوق كثيراً إلى وعاء من الحساء، وأن الحساء الذي يقدمه المشفى لم يكن صالحاً للأكل (استخدمت مصطلح أقسى لوصف طعام المستشفى). وكانت تتمنى لو أنها فقط تحصل على وعاء من حساء المحار المفضل لديها من "بانيرا بريد". لكن المشكلة كانت أن "بانيرا" كان يبيع هذا النوع من الحساء يوم الجمعة فقط. لهذا اتصل براندون بمطعم "بانيرا" المجاور وتحدث إلى مديرة المحل سوزان فورتير. إذ لم تقم سوزان فقط بصنع الحساء خصيصاً لجدة براندون، بل وضعت في الطلبية أيضاً علبة من الحلويات هدية من الموظفين.

كان ذلك تصرفاً بسيطاً لطيفاً لا يصل عادة إلى عناوين الأخبار، باستثناء أن براندون نشر القصة على صفحته في "فيسبوك"، وكذلك فعلت أمه، جايل كوك، بإعادة نشر القصة في صفحة المعجبين بـ "بانيرا". وحصل منشور جايل على 5 ملايين إعجاب وأكثر من 22 ألف تعليق على صفحة المعجبين بـ "بانيرا" على "فيسبوك". في هذه الأثناء حصل "بانيرا" على شيء لم يكن يستطيع شراءه بأي كم من الدعاية التقليدية، إنه شعور صادق بالتضامن والتقدير من الزبائن حول العالم.

وبينما كنت أقرأ قصة براندون وجدته، عدت بالذاكرة إلى محاضرة قدمها منذ حوالي سنتين جيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" أمام كبار الخريجين في جامعتي الأم، جامعة "برينستون". أقل ما يقال عن بيزوس أنه كان أستاذاً في التقنية. إذ بنى شركته وثروته مستفيداً من صعود الإنترنت ومن فطنته. لكنه في ذلك اليوم لم يتحدث عن قوة الحواسيب أو القوة الذهنية، بل تحدث عن جدته وما تعلمه عندما جعلها تبكي.

إذ تبيّن أنه كان لدى بيزوس عقل قوي وشغف للعمل على الأرقام حتى عندما كان لا يزال في العاشرة من عمره. فخلال رحلة صيفية بالسيارة مع جدّيه، سئم جيف من تدخين جدته في السيارة وقرر أن يفعل شيئاً حيال ذلك. من المقعد الخلفي، قام بعدّ السجائر التي تدخنها جدته في اليوم، وكم نفخة كانت تأخذ من كل سيجارة، والخطر الكامن في كل نفخة، وأعلن لها بقوة "لقد أخذت من حياتك تسع سنوات".

أهمية الذكاء واللطف في العمل

ربما كانت حسابات بيزوس دقيقة، لكن ردة الفعل لم تكن كما توقع. فقد اندفعت جدته للبكاء. وتوقف جده بالسيارة إلى جانب الطريق وطلب من جيف الشاب أن يخرج، ومن ثم علّمه درساً قرر هذا الذي أصبح اليوم مليارديراً أن يشاركه مع صف عام 2010: "نظر إليَّ جدي، وبعد بعض الصمت، قال لي بهدوء ورقّة: جيف، سوف تفهم يوماً أن التحلي باللطف أصعب من التحلي بالذكاء".

ذلك هو الدرس الذي أتمنى أن يفهمه أصحاب الأعمال اليوم، درس تؤكده ردة الفعل هذه نحو تصرف لطيف وبسيط من "بانيرا بريد". وعشت أنا في الواقع تجربة مماثلة قبل فترة ليست بالبعيدة، وأثرت هذه الفترة في شخصيتي كثيراً لدرجة جعلتني أخصص منشوراً لها في "هارفارد بزنس ريفيو". في ذلك المنشور، ذكرت قصة والدي، وبحثه عن سيارة جديدة، وعن حالة صحية طارئة حدثت في منتصف ذلك البحث، وعن مجموعة من اللفتات الفريدة (والإنسانية بحق) من إحدى تجار السيارات التي خففت عنه وجعلته يمنح التاجر ثقته.

"ماذا عن الأعمال التي تُصّعب علينا كثيراً أن نكون لطيفين؟"، سألت حينها: "وأي نوع من أصحاب الأعمال نحن عندما تُصبح تصرفات لطيفة كهذه نادرة الحدوث؟".

هذا ما فاجئني فعلاً في قصة "بانيرا بريد"، ليس فقط أن سوزان فورتير فعلت ما بإمكانها للقيام بشيء لطيف لامرأة مريضة، بل أيضاً أن مبادرتها البسيطة حازت انتباهاً وتقديراً على مستوى العالم.

وعليه، شجِّع العاملين لديك بكل تأكيد على تبني التقنية والحصول على تحليلات رائعة للأعمال وجعل الكفاءة نصب أعينهم في كل ما يفعلونه. لكن احرص ألا تكون الكفاءة على حساب إنسانيتهم: هناك مبادرات بسيطة ترسل رسائل كبيرة عن أنفسنا، وما نهتم به، ولماذا سيودّ الناس التعاون معنا. أخيراً، أن تكون لطيفاً أصعب (ولو أنه أهم) بكثير من أن تكون ذكياً وهذا ما نرجوه من مقال الذكاء واللطف في العمل تحديداً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي