ملخص: يبدو أن الأحداث التي نمر بها أسبوعاً تلو الآخر تذكرنا بأن القادة لا يستطيعون السيطرة على درجات التغيير والغموض والتعقيد التي نواجهها. يقدم المؤلفان 6 استراتيجيات من أجل القيادة في فترات الغموض ولتحسين قدرة القائد على التعلم والنمو والتعامل بفاعلية أكبر مع التعقيد المتزايد في عالمنا. تتمثل الخطوة الأولى في تقبل الشعور بعدم الراحة كجزء طبيعي ومتوقع من عملية التعلم. وبحسب وصف الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، يجب على القادة الانتقال من عقلية "معرفة كلّ شيء" إلى عقلية "تعلم كلّ شيء". يمكن لتغيير العقلية بهذا الشكل المساعدة في تخفيف الشعور بعدم الراحة عن طريق تخفيف الضغط عن القائد وعدم إلزامه بمعرفة جميع الأجوبة المطلوبة.
اجتاح "كوفيد-19" العالم في عام 2020، ووضح بما لا يترك مجالاً للشك أهمية قدرة القائد على التعامل مع التغيير وحالة الغموض والزعزعة. وفي حين يرجو الجميع أن نتمكن من تفادي انتشار أي جائحة أخرى في المستقبل، فثمة أمر واحد مؤكد وهو أننا لن نتمكن من تفادي التعقيد الذي يتزايد بلا توقف.
وغالباً ما يشتكي القادة الذين نعمل معهم من شعورهم بالعجز وعدم الاستعداد والارتباك أمام التحديات المتنامية التي يواجهونها في أدوارهم. ومن السهل أن نشعر بهذه الطريقة مع تفوق تعقيد عالمنا على تعقيد أدمغتنا، بحسب ما وصفه كلّ من روبرت كيغان وليزا ليهي في كتابهما "المناعة ضد التغيير" (Immunity to Change). خذ مثلاً قوة الحوسبة التي تضاعفت أكثر من تريليون مرة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، في حين بقيت أدمغتنا كما هي.
استراتيجيات للقيادة في فترات الغموض
ومن أجل قيادة الآخرين بفاعلية في ظل التعقيد المتزايد يجب على القادة أولاً تعلم طريقة قيادة أنفسهم. وعلى الرغم من أن كل قائد يواجه ظروفه الخاصة والفريدة، فقد لاحظنا 6 استراتيجيات تسرّع قدرتك على الاستمرار بالتعلم والتطور والتعامل مع تحديات أكثر تعقيداً على نحو تدريجي.
تقبل شعور عدم الراحة الناجم عن عدم المعرفة
على مدى حياتنا المهنية نتكيف مع الحاجة إلى تقديم الجواب الشافي الصحيح الوحيد. وبما أن أدمغتنا مثبتة على النظر إلى الغموض على أنه خطورة أو تهديد، فمن الطبيعي من الناحية الفلسفية أن نشعر بالتوتر عندما نواجه موقفاً غير مألوف. وهذا ينطبق على القادة المتفوقين الذين بنوا حياتهم المهنية على معرفة الجواب "الصحيح" أو التوصل إليه. وعلى الرغم من أن تفادي هذه المشاعر غير المريحة هو نزعة بشرية طبيعية فإنه يتحول إلى عائق كبير في وجه التعلم والنمو المستقبلي وبالتالي يعيق الأداء.
لذا، وبدلاً من تفادي هذه المشاعر المزعجة يجب علينا أن نتعلم كيف نعترف بها ونتقبلها بوصفها جزءاً طبيعياً متوقعاً من عملية التعلم. وبحسب وصف الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، يجب على القادة الانتقال من عقلية "معرفة كلّ شيء" إلى عقلية "تعلم كلّ شيء". يمكن لتغيير العقلية بهذا الشكل المساعدة في تخفيف الشعور بعدم الراحة عن طريق تخفيف الضغط عن القائد وعدم إلزامه بمعرفة جميع الأجوبة المطلوبة.
التمييز بين العسير والمعقّد
كثيراً ما نخلط بين المعقد والعسير في وصف ظروف مختلفة بدرجة كبيرة. مثلاً، قانون الضرائب عسير، بمعنى أنه ذو طبيعة تقنية بدرجة عالية ويصعب فهمه، لكن يمكنك تفكيك المسألة إلى أجزاء مفهومة واستشارة خبير أو عدة خبراء للتوصل إلى حلّ عموماً.
وبالمقابل، فإن التحديات المعقدة تحتوي على العديد من العناصر المترابطة فيما بينها، وقد يكون بعضها غير معروف وقد يتغير مع مرور الوقت بطرق غير متوقعة. إلى جانب أن الإجراء أو التغيير الذي يتم في أحد أبعاد الأمر المعقد قد يؤدي إلى نتائج غير متناسبة وغير متوقعة. خذ مثلاً السياسات الخارجية والتغير المناخي، هذه تحديات معقدة. وعلى الرغم من عدم الافتقار إلى الآراء حول هذه المسائل فالحلول الواضحة غير متوفرة. وبالنتيجة نرى أن حلول التحديات المعقدة تظهر عادة من خلال التجريب والخطأ وتتطلب العزم والتواضع والقدرة على العمل والتعلم والتكيف.
تخلّ عن السعي إلى الكمال
في البيئة المعقدة يتغير السياق باستمرار، ولذلك يكون السعي إلى الكمال غير مجدٍ. لذا، يجب أن تسعى إلى إحراز تقدم وتتوقع ارتكاب الأخطاء وتدرك أنك تملك القدرة على تصحيح مسارك باستمرار حسبما تقتضيه الحاجة. يمكن أن يشكل كلّ من الغرور والهوية المرغوبة، أي رغبة القائد في أن يعتبر ناجحاً أو خبيراً، عائقاً في وجه القادة المتفوقين الذين يسعون إلى الكمال. وللتخلي عن السعي إلى الكمال، احرص على أن تحدد مخاوفك الأساسية التي تثيرها حالة الغموض وتقرّ بها، مثل الخوف من الفشل أو اكتساب صورة سيئة لدى الآخرين أو اتخاذ قرار خاطئ. تكمن وراء هذه المخاوف غالباً افتراضات ضمنية غير مؤكدة تقول إنه "إذا تحقق أي من هذه المخاوف فلن أتعافى منها".
عملنا مع عدة عملاء على مدى أعوام لمساعدتهم في دحض هذه الافتراضات من خلال دفعهم للتحدث إلى أشخاص ممن يحظون بالاحترام عن دور الأخطاء أو الفشل في حياتهم المهنية، فسمع عملاؤنا منهم الكثير عن التعلم والفرص الجديدة والنمو المهني الذي شهدوه نتيجة لها، لكن لم يسمعوا قطّ عن نهاية الحياة المهنية الكارثية التي يتخيلونها. يمكن للتخلي عن هذه الافتراضات مع مرور الوقت أن يتيح لك التخلي عن السعي إلى الكمال والقبول بأن الأخطاء والفشل هي أمور متوقعة في كلّ خطوة.
قاوم النزعة إلى المبالغة في التبسيط والمسارعة في الاستنتاج
قد تشعر بميل إلى المبالغة في تبسيط التحديات المعقدة كي لا تبدو شاقة بدرجة كبيرة. مثلاً، سيساعدك تفكيك التحدي إلى مكوناته الأساسية في الشعور بقدرة أكبر على التحكم به، لكنه أيضاً يحدّ رؤيتك للتحدي ويحجب العلاقات الترابطية الحرجة فيه، ما قد يؤدي إلى إحساس زائف بالأمان. وبالمثل فإن استخلاص التشبيهات من التحديات التي واجهتها في الماضي قد يكون مفيداً لكنه أيضاً قد يحجب عنك التفاصيل الدقيقة الفريدة في التحدي الحالي.
ينحاز كثير من القادة المتفوقين إلى العمل وسرعان ما يشعرون بالاستياء عند مواجهة التحديات التي لا يرون لها حلولاً ومسارات عمل واضحة. وبدلاً من الإذعان للرغبة في الحلول السريعة يجب على القادة تعلم طريقة لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى العمل من جهة واتباع نهج مدروس لفهم المشكلة الأساسية وفهم تحيزاتهم من الجهة الأخرى. على سبيل المثال، لن يكون تعيين قائد للتنوع والمساواة والشمول الاجتماعي في المؤسسة كافياً إذا لم تتم معالجة مشكلات منهجية مثل العمليات القديمة المتبعة في التوظيف والترقية والتطوير والتعويضات.
لا تخض هذه التجربة وحدك
يقول كثير من القادة الذين نعمل معهم إنهم يشعرون بالانعزال عند مواجهة التغيير المستمر والغموض في التحديات التي يتعاملون معها. ويعود هذا الشعور جزئياً إلى اعتقادهم الداخلي بأن عليهم حلّ جميع المشكلات بمفردهم، ومع تزايد تعقيد عبء العمل وحجمه يميلون بصورة طبيعية إلى مضاعفة تركيزهم وجهودهم الفردية. قد تكون هذه الاستراتيجية ناجحة عند مواجهة تحديات قصيرة الأجل نسبياً ولها حلول معروفة، لكن عندما نواجه تحديات يلفها الغموض فيما يتعلق بجميع أجزائها والعلاقات الترابطية بينها، ناهيك بحلولها، ستكون نتيجة اتباع هذه الاستراتيجية كارثية. ففي مواجهة هذه التحديات يكون الأهمّ هو تنمية ممارسات التواصل مع الآخرين ضمن شبكة المعارف وخارجها وطلب المعلومات ووجهات النظر.
كلّ منا لديه قيود متأصلة فيما يتعلق بما يمكن أن يعرفه وقدرته على امتلاك وجهة نظر موضوعية حول أي موضوع. ومع ذلك، يمكننا توسيع معارفنا ووجهات نظرنا بدرجات مضاعفة عن طريق تنمية شبكة معارف من أقراننا وزملائنا والتواصل معهم، إذ إن كلاً منهم يملك مجموعته الخاصة من الخبرات ووجهات النظر. وكما قال أحد الرؤساء التنفيذيين من عملائنا: "عندما أحاول فهم مشكلة معقدة أول ما أفعله هو التواصل مع الأشخاص الذين أثمن آراءهم عالياً والذين يتمتعون بخبرات مختلفة عن خبراتي، وأطلب منهم آراءهم ووجهات نظرهم حول المشكلة وأسألهم عمن يجب عليّ التحدث إليه. لا أتوقع الحصول منهم على أجوبة كثيرة، لكني أرغب في التعرف على طرق تفكيرهم ومصادرهم".
وسّع دائرة التركيز
يجد القادة أنفسهم عاجزين في مواجهة التحديات لأنهم شديدو الانغماس فيها. و"توسيع دائرة التركيز" أو الانتقال من منتصف الميدان إلى نقطة مشرفة عليه من مسافة أبعد يساعدك في النظر من زاوية أوسع ويمنحك نظرة منهجية إلى المشكلات ويسلط ضوءاً على الافتراضات غير المؤكدة التي قد لا تراها إن لم تفعل ذلك. ومن هذه النقطة المشرفة أو الموقع المتميز المهم تصبح العلاقات الترابطية والأنماط الأوسع مرئية، ما يحتمل أن يكشف عن عوائق غير متوقعة وحلول جديدة. يتيح لك هذا المنظور الأوسع قدرة أكبر على التكيف وتصحيح مسار العمل عند الحاجة، والتدرب بصورة دائمة على الانتقال من وسط الميدان إلى النقطة المشرفة سيساعدك في بناء القدرة على رؤية الصورة الأكبر وزيادة مرونتك.
يبدو أن الأحداث التي نمر بها أسبوعاً تلو الآخر تذكرنا بأن القادة لا يستطيعون السيطرة على درجات التغيير والغموض والتعقيد التي نواجهها. لكن، عن طريق اتباع هذه الاستراتيجيات الستة للقيادة في فترات الغموض سنتمكن من تحسين قدرتنا على الاستمرار بالتعلم والنمو والتعامل مع التعقيد المتزايد في عالمنا بفاعلية أكبر.