مع أن هناك نظرة إلى المدراء التنفيذيين الأفضل بأنهم عصبة تتحلى بالثقة، إلا أنهم في الواقع ليسوا أقل عرضة للتوتر من أي أحد منا. فلديهم قرارات مهمة يتعين عليهم اتخاذها تحت ظروف تتسم بعدم اليقين في معظم الأحيان وتؤثر على عدد لا يحصى من الأشخاص والمنظمات والصناعات، ولهذا فإن القلق لدى الرئيس التنفيذي أمر شائع جداً.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
تأثير القلق على أداء الرؤساء التنفيذيين
الأمر الذي لا يزال غير واضح إلى الآن، هو ما يعنيه هذا القلق من حيث كيفية أدائهم لعملهم. أظهر بحث في علم النفس أن التوتر يؤثر على اتخاذ القرار. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التوتر في العمل إلى جعل الناس يركزون على المخاطر المحتملة، مما يضيّع عليهم فرصاً كبيرة. يجعلنا هذا نتساءل ما إذا كان على مجالس الإدارات أو الموظفين القلق بشأن تأثير التوتر على اتخاذ القرار الاستراتيجي لدى موظفيهم بطريقة يمكن أن تعيق تقدم شركتهم.
أجرينا مقابلات مع 84 رئيساً تنفيذياً ومع أهم التنفيذيين من كبرى الشركات لمعرفة ذلك، وقد وصفوا لنا بعضاً من أصعب القرارات التي واجهوها في أدوارهم. تمكنّا بالمجمل من جمع بيانات عن 174 قراراً كبيراً، مثل تلك المتعلقة بالاستحواذات وإطلاق منتجات مهمة والدخول إلى أسواق أجنبية جديدة وإعادة الهيكلة المعقدة.
حللنا نصوصاً لتقييم ما إذا كانت لغة التنفيذيين تركز على الفرص أو على التهديدات. ومن ثم استطلعنا آراء الأشخاص الذين نعرفهم أفضل المعرفة-وآراء شركائهم (الزوجات غالباً، لكن الأزواج في بعض الأحيان) وأصدقائهم المقربين وعائلاتهم وأهم مساعديهم (رؤساء شؤون العمليات، والمستشارين العامين، وغيرهم)- للحصول على معلومات عن حياتهم الشخصية وعن كيفية تعاملهم مع القرارات الصعبة. دمجنا هذه مع بيانات تاريخية عن أعمالهم ومنافسيهم وصناعاتهم. وفي النهاية أجرينا استبيان متابعة مع الموظفين في المستويات الدنيا من المنظمة للنظر في مستويات القلق لديهم مقارنة بكبار التنفيذيين.
وجدنا أن القادة الأكثر قلقاً، (أولئك الذين وُصفوا بأنهم يمرون بتوتر في عملهم "إلى حد ما" أو "إلى حد معقول" أو "إلى حد كبير") قد أقدموا على مخاطر استراتيجية أقل من نظرائهم الأقل قلقاً، وذلك بغرض تجنب أي خسائر محتملة. وقد قلل التوتر في العمل من جاذبية المراهنات الاستراتيجية الكبيرة في الشركة على الرغم من قدرتها على الدفع بمكاسب كبيرة.
ليس هذا أمراً سيئاً بالضرورة بما أن المخاطرات المبالغ بها قد تقود الشركات إلى الهلاك (التوضيح أ: أزمة الرهن العقاري غير المضمون)، لكن المخاطرات الذكية هي عادة مفتاح لدفع نمو الشركات، وعلى هذا الأساس ترى نتائج دراستنا أن التنفيذيين الذين لديهم قلق ورغبة طاغية بتجنب التهديدات قد يضيعون فرصاً استراتيجية إيجابية، ويحدّون بذلك من النمو.
على أي حال، وجد الباحثون أن التنفيذيين الذين يواجهون ظروف خسارة (على سبيل المثال، عندما يكون أداء الشركة أقل من المعتاد مقارنة بنظرائهم) يميلون أكثر إلى القيام برهانات استراتيجية كبيرة على أمل أن تعكس أثر الخسارة إن نجحت. بالمقابل، يتجنب التنفيذيون الذين يمرون في ظروف من تحقيق المكاسب (على سبيل المثال، عندما يكون أداء الشركة أفضل من نظرائها) المراهنات الخطرة وذلك لصالح البدائل الأكثر أماناً التي توفر عوائد يمكن التنبؤ بها، حتى ولو كانت أقل.
بالتالي، حتى لو كان القلق هو الذي يدفع التنفيذيين لتجنب المبادرات الاستراتيجية التي تشتمل على مخاطر، يمكن عكس مثل هذه الميول عندما يواجه التنفيذي ظروف خسارة تتطلب منه تصرفاً جريئاً. وجدنا أن للقلق في العمل تأثيراً أضعف على الإقدام على المخاطر في ظروف الخسارة، أما ظروف المكاسب فتُفاقم من حدة الميول نحو تقليل المخاطر لدى التنفيذيين القلقين.
على سبيل المثال، خذ حالة رئيس تنفيذي في شركة تقنية من عيّنتنا كان قد وصفه زملاؤه وعائلته بأنه يعاني من قلق "معقول" في العمل. كان هذا الرئيس التنفيذي يواجه قراراً استراتيجياً مهماً لشركته يتعلق بنموها المستقبلي، وقد اتخذ قراراً ببيع الشركة إلى شركة منافسة أكبر بدلاً من السعي للاستفادة من الفرص الأكثر إيجابية المتمثلة في النمو كشركة مستقلة.
كيف يدير الرؤساء التنفيذيون قلقهم؟
بطبيعتهم التي تميل للبقاء في بر الأمان، يميل التنفيذيون القلقون بشكل خاص للحذر من إغضاب أحد عندما تكون الأمور على ما يرام. قد يكون الميل نحو التحفظ أمراً معقولاً، ويستحق الإعجاب حتى، إلا أن الأسواق قد ترى في ذلك تهديداً جدياً لمصالح حملة الأسهم إذا تسبب في جعل الشركة تفوّت فرصاً واعدة من شأنها أن تحفز النجاح.
أظهرت نتائجنا أيضاً أن النجاح يقود بعض التنفيذيين لتجميع الأتباع. كان بحث سابق قد أظهر أن من بين الطرق التي يتعامل بها الأشخاص القلقون مع هواجسهم، تكون بالاعتماد على آخرين موثوقين للحصول على الدعم والحماية، وهي ظاهرة معروفة باسم "التخزين الاجتماعي". وبالمثل، وجدنا أن التنفيذيين القلقين هم أكثر عرضة لتجنيد مرؤوسين مواليهم لهم يعرفونهم ويثقون بهم في فريقهم.
يحصل هذا بشكل خاص في ظروف الخسارة التي تلقي تهديداتها بثقل كبير، لهذا ترى التنفيذيين القلقين مندفعين نحو توحيد الصفوف ضمن فرقهم وتكديس الموالين في حلقة اتخاذ القرار المحيطة بهم. يختفي هذا التأثير في ظروف المكاسب حيث يكون التنفيذيون القلقون أقل اضطراراً لخلق درع حامٍ ضد التهديدات المتوقعة.
أهم ما يمكن استخلاصه هو أنه حتى أهم التنفيذيين يتأثرون بتوتر العمل مثل أي شخص منا، ولكن نظراً لأن تحيزاتهم لها عواقب سلبية جدية قد تؤثر في النهاية على آلاف الموظفين وحملة الأسهم وأصحاب المصالح، فإن على القادة أن يسألوا:
ما الثمن الذي يدفعه المصابون بالقلق من أجل نجاتهم؟ معروف عن أندرو "أندي" غروف، الرئيس التنفيذي لشركة "إنتل"، قوله: "إن الارتياب قد يكون جيداً للتنفيذيين عندما يرغمهم على إبقاء أعينهم مفتوحة على بيئتهم. تقترح نتائجنا على أي حال أن التنفيذيين المبالغين في القلق (وربما المصابين بالارتياب) قد يكونون أقل رغبة بالإقدام على مراهنات استراتيجية كبيرة يمكنها الارتقاء بالشركة إلى النجاح على المدى البعيد".
ومع أنه من الضروري جداً إمعان النظر في الإيجابيات والسلبيات المحتملة على حد سواء من أجل التوصل لتقييم واضح عن استراتيجية الشركة، إلا أن القلق قد يتسبب في جعل التنفيذيين قصيري النظر حيال وجهات النظر المتوازنة كهذه.
من يسأل الأسئلة الصعبة؟ بالكاد يمكن لأحد لوم التنفيذيين القلقين لاعتمادهم على مرؤوسين يمكنهم الثقة بهم. ومع ذلك، فإن لذلك مساوئه إن كان حس الولاء يمنع المرؤوس من توجيه الأسئلة الصعبة أو من الدخول في نقاش صحي مع القادة. أفضل نصيحة يمكن توجيها للتنفيذين هي تشكيل فريق من أفراد لا يخشون تحدّيهم عندما يتطلب الأمر ذلك.
ما الذي بإمكان مجالس الإدارة فعله؟ قد لا يكون سهلاً على مجالس الإدارة تقييم القلق لدى التنفيذيين، لكن عليهم أن يعرفوا أن القلق يلعب دوراً مهماً في حظوظ شركاتهم. على سبيل المثال، قد تتعارض النظرة الاستشرافية الكارهة للمخاطر لدى التنفيذي مع تطلعات مجلس الإدارة (أو حملة الأسهم) نحو استراتيجيات جريئة.
من غير المحتمل أن يبلغ رئيس تنفيذي مجلس إدارته بشعوره بالقلق في عمله، لهذا، بإمكان مجالس الإدارة التحلي بالمبادرة والبحث عن أعراض للتوتر قد تتسبب في تحيز القرار التنفيذي، ومن ذلك مثلاً، خوض نقاش غير رسمي مع المقربين إلى التنفيذيين.
كما يمكنهم أيضاً توفير دعم وتشجيع اجتماعي للمساعدة في التقليل من التأثيرات الأكثر تعطيلاً التي قد تنجم عن القلق لدى الرئيس التنفيذي، ومن أجل تجنب أن يحيط التنفيذيون القلقون أنفسهم بموالين، يمكن لمجلس الإدارة حماية الشركة بالطلب من الرؤساء التنفيذيين تقديم خيارات استراتيجية متعددة قبل اتخاذ القرارات الكبرى، أو عن طريق الطلب من أشخاص غير الرئيس التنفيذي تقديم خيارات معارضة.
اقرأ أيضاً: