ملخص: يمرّ العديد من الأشخاص بتجربة أن يُطلب منهم أداء مهمة ما لكنهم يعرفون بكل وجدانهم أنه يجب عليهم رفضها، ثم تجدهم يقنعون أنفسهم في غضون ثوانٍ بالسبب الذي يدفعهم إلى تلبية تلك الطلبات في النهاية، فيقبلون أداءها، ثم يتساءلون بعد 6 أسابيع عن سبب عدم امتلاكهم الوقت الكافي لأداء الأعمال التي تثير اهتمامهم. في الواقع، ازداد العمل التعاوني بنسبة 50% أو أكثر خلال العقد الماضي، إذ أصبح الوقت الذي يقضيه الأفراد في الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية والهاتف ومكالمات الفيديو يستهلك 85% أو أكثر من أسابيع عمل معظمهم، ثم اتخذ ذلك الرقم منحنى صعودياً حاداً بعد جائحة "كوفيد-19". لكن في الواقع، العبء التعاوني الزائد غير المرئي يضر بجهود المؤسسات في مسعاها لتصبح أكثر مرونة وابتكاراً. وقد تؤدي إلى انحراف الموظف عن مساره المهني وتتسبب في شعوره بالاحتراق الوظيفي وفي تدهور رفاهته الجسدية والنفسية. لكن توجد الكثير من الخطوات التي يمكن للمؤسسات اتباعها لتمكين موظفيها من العمل بكفاءة أكبر في ذلك السياق، ولتحسين رفاهتهم وإنتاجيتهم وزيادة معدل استبقائهم في وظائفهم في النهاية.
ازداد العمل التعاوني بنسبة 50% أو أكثر خلال العقد الماضي، إذ أصبح الوقت الذي يقضيه الأفراد في الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية والهاتف ومكالمات الفيديو يستهلك 85% أو أكثر من أسابيع عمل معظمهم. ثم تسببت جائحة "كوفيد-19" في اتخاذ تلك النسبة منحنى تصاعدياً حاداً، حيث أصبح الموظفون يقضون وقتاً أطول كل أسبوع في حضور اجتماعات قصيرة ومجزأة، وتضاعف عدد مكالمات الصوت والفيديو وازدادت حركة الرسائل الفورية بنسبة 65%. وما زاد الطين بلة أن مطالب العمل التعاوني أصبحت تمتد إلى وقت المساء وتبدأ في وقت مبكر من الصباح.
في الواقع، تضر تلك المطالب الخفية عن المدراء بجهود المؤسسات في مسعاها لتصبح أكثر مرونة وابتكاراً. وقد تؤدي إلى انحراف الموظف عن مساره المهني وتتسبب في شعوره بالاحتراق الوظيفي وفي تدهور رفاهته الجسدية والنفسية.
واستجابة لذلك، بدأت المؤسسات التي تستشرف المستقبل اتخاذ إجراءات لحماية موظفيها من حجم طلبات التعاون من خلال استخدام تحليل الشبكة التنظيمية (ONA). على سبيل المثال:
- استخدمت مؤسستان رئيسيتان متخصصتان في علوم الحياة تحليل الشبكة لتحليل بيانات جداول المواعيد بشكل منهجي وتحديد طرق لتقليل الوقت الضائع في الاجتماعات.
- وركزت إحدى مؤسسات البرمجيات العالمية على البريد الإلكتروني لتقليل حجم الرسائل وطولها والنسخ البريدية المتكررة.
- واستخدمت إحدى مؤسسات التأمين المعترف بها عالمياً تحليل الشبكة لتحديد هوية الموظفين الأكثر إجهاداً وتعليمهم بعض الممارسات لتقليل العبء الزائد.
- وعلى صعيد أكثر مدعاة للشك، وضعت إحدى مؤسسات الخدمات العالمية زر الوقت المستقطع مدته 60 ثانية، حيث يمكن للموظفين بعد مرورهم بوقت عصيب الضغط على الزر الذي يتيح للآخرين معرفة أنهم يأخذون استراحة اليقظة الذهنية. يمارس الموظفون في 60 ثانية من التأمل بعض جوانب اليقظة الذهنية. وقد يتساءل المرء مع ذلك عما إذا كان الضغط على الزر أشبه بتقديم الإسعافات الأولية لمريض.
هذا التركيز على حجم طلبات العمل التعاوني يغفل عن وجود عاملين مهمين يُسفران عن عبء العمل التعاوني، ألا وهما: 1) أوجه القصور وتكاليف التحوّل المعرفي اللاحقة في الثقافات التي تتبنى نهج "التواصل الدائم". 2) الدوافع الشخصية التي تقودنا جميعاً إلى قبول العمل التعاوني بسرعة كبيرة.
الحد من أوجه القصور في الثقافات التي تتبنى نهج "التواصل الدائم"
لا تقتصر مشكلة العبء التعاوني الزائد على حجم الطلبات فقط، بل تخفي بين طياتها مشكلة خفية ولكنها مضرة تتمثّل في تكاليف التحوّل المعرفي الناجمة عن تنوع المطالب. وكما قالت كاتبة العمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، جينيفر سينيور: "خلقت جائحة "كوفيد" سلسلة لا تنتهي من طلبات الدقيقتين غير المترابطة" في العمل والمنزل التي يكافح الكثيرون من أجل إدارتها. وأظهر اختصاصيو علم النفس المعرفي أن مجرد الاستجابة لنص ما قد يتطلب ما يصل إلى 64 ثانية من وقت التعافي للعودة إلى مسار العمل مجدداً. كما أظهرت غلوريا مارك، أستاذة نظم المعلومات في جامعة "كاليفورنيا" بمدينة إيرفين، في بحوثها، أن مواصلة مهمة ما قد تستغرق ما يصل إلى 23 دقيقة بعد فترة مقاطعة عن العمل دامت طويلاً بعض الشيء. في الواقع، تتطور قدرة الأفراد على التكيف مع فترات المقاطعة عن العمل تلك من خلال الممارسة؛ من جهة أخرى، قد تسفر قدرتهم على التكيف تلك عن آثار جمة، إذ يتحمّل أولئك الذين يتعرضون للمقاطعة في أثناء العمل عبء عمل أعلى، وتزداد لديهم مشاعر التوتر، ويسيطر عليهم الإحباط، ويتعرضون لمزيد من ضغوط الوقت، ويضطرون إلى بذل مزيد من الجهود.
لسوء الحظ، زادت جائحة "كوفيد" من تكاليف التحوّل المعرفي؛ حيث تقلّصت مدة الاجتماعات من ساعة إلى 30 دقيقة مع محاولة العديد من الموظفين حشر مزيد من الأعمال التعاونية في يوم معين. وأصبحت الرسائل الفورية المصدر الأكثر تكراراً لتكاليف التحوّل المعرفي، خاصة بعد تبادل تلك الرسائل في ساعات الليل، على سبيل المثال، شهدت إحدى الشركات زيادة بتبادل الرسائل الفورية بنسبة 52% بين الساعة السادسة مساءً والثانية عشرة مساءً.
ويُظهر بحثنا في شركة "كونكتيد كومنز" (Connected Commons)، الذي أجريناه على مدار العقد الماضي حول العبء التعاوني الزائد أن المتعاونين الأكثر كفاءة؛ أي أولئك الذين يؤثرون في شبكاتهم المهنية ولا يأخذون من وقت زملائهم إلا القليل، يتميزون بقدرتهم على تنظيم أعمالهم بهدف تقليل التكلفة الفادحة لثقافة "التواصل الدائم"؛ إذ يمكن لأولئك الموظفين أن يكونوا أكثر كفاءة بنسبة تتراوح من 18% إلى 24% مقارنة بزملائهم من خلال اتباع عدة خطوات مثل:
- تخصيص ساعات محددة للوقت التأملي استناداً إلى تفضيلاتهم الشخصية المثلى. قد يعني ذلك بالنسبة للبعض الرد على رسائل البريد الإلكتروني صباح اليوم، ومن ثم تخصيص ساعتين متواصلتين للعمل المركز. أما بالنسبة للآخرين، فقد يعني ذلك أداء العمل الإبداعي في وقت مبكر من اليوم، وتخصيص 3 أوقات على مدار اليوم مدة 30 دقيقة للرد على رسائل البريد الإلكتروني.
- استخدام قواعد الفرز في البريد الإلكتروني. يولد كل بريد إلكتروني بريداً آخر، ونميل جميعاً إلى الرد على الطلب السريع الذي يجعلنا نشعر بالرضا عند الإجابة عنه. في حين يميل الأشخاص الأكثر كفاءة إلى فرز رسائل البريد الإلكتروني في فئات مختلفة للرد عليها في أوقات معينة، بدلاً من التعرض للمقاطعة عن العمل على الدوام.
- استخدام الاجتماعات التي تُعقد "وقوفاً" لجعل عملية حل مشكلات الفريق أسرع. يستخدم القادة الأكثر كفاءة نقاط التماس الأسبوعية لمناقشة القضايا لمرة واحدة، بدلاً من السماح لحالات المقاطعة تلك أن تحدث بشكل ظرفي. كما ينشر أعضاء الفريق مشكلاتهم على منصات التعاون مثل "سلاك" أو "مايكروسوفت تيمز" لتشجيع بعضهم لبعض على حل أكبر قدر ممكن منها قبل الاجتماعات. ومع إدراك أعضاء الفريق هوية الأشخاص الذين يلجؤون إليهم لحل مشكلاتهم، يجد القادة أن عدد القضايا التي تجري مناقشتها لمرة واحدة يتراجع بشكل كبير.
الإجراءات المؤسسية التي تقلل من تكاليف التحوّل المعرفي
يوجد الكثير من الخطوات التي يمكن للشركات اتباعها على المستوى المؤسسي للحد من أوجه القصور في تكاليف التحوّل المعرفي وتمكين الموظفين من تحقيق النجاح. على سبيل المثال، عندما بدأت جائحة "كوفيد"، تزايدت أهمية أدوات مثل "زووم" و"سلاك" بصفتها أساليب تواصل تعاونية. وقد تتبعت شركة "أوبر" استخدام تلك الأدوات بالفعل ووجدت ما يلي: 1) زيادة بنسبة 40% في الاجتماعات وزيادة بنسبة 45% في متوسط عدد المشاركين في كل اجتماع؛ 2) وزيادة أكثر من 3 أضعاف في اجتماعات "زووم" ورسائل "سلاك". أسفرت تلك التفاعلات عن انخفاض بنسبة 30% في وقت التركيز (ساعتان أو أكثر في اليوم من الوقت غير المنقطع الذي يمكن تخصيصه لمهمة أو مشروع ما). وفي الوقت نفسه، اكتشف الفريق في شركة "أوبر" علاقة قوية بين مقدار وقت تركيز الموظفين وإنتاجيتهم، وذلك بحسب استقصاءات الموظفين. كما أظهرت البيانات وجود "فخ" العبء التعاوني الزائد الذي يدفع الموظفين إلى جدولة مزيد من الاجتماعات والمشاركة فيها ليكونوا أكثر إنتاجية. لكن قد يترتب على تلك الاجتماعات تعطيل وقت التركيز الذي قد يجعل الموظفين أقل إنتاجية.
كما وجدت شركة "أوبر" أن امتلاك الموظفين الرؤى الثاقبة والأدوات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح مكّنهم من التحكم في أعباء أعمالهم ومن تحسين إحساسهم بالرفاهة. وعالجت الشركة مشكلة العبء التعاوني الزائد من خلال نهج ذي شقين قائم على المعلومات والتمكين. على سبيل المثال، أجرت الشركة تجربة في أواخر عام 2020 حيث شاركت مع مجموعة من موظفيها تأثير وقت التركيز على الإنتاجية (إضافة إلى نصائح حول كيفية زيادتها) ثم قارنت وقت تركيز أولئك الموظفين بزملائهم الذين لم يحصلوا على تلك المعلومات. وتحسّن وقت التركيز بشكل معتدل لدى المجموعة المستنيرة. وفي تجربة أخرى، نشرت الشركة تطبيقاً ساعد الموظفين على تحديد مقدار وقت التركيز الذي يحتاجون إليه، ثم عدّلوا جداول مواعيدهم من خلال تغيير أوقات الاجتماعات وإدارتها وفقاً لذلك (حيث اعتُبر التطبيق بمثابة المساعد التنفيذي الافتراضي)، وهو ما أدى إلى زيادة بحوالي 20% في وقت التركيز لدى مجموعة التجربة.
وعلى الرغم من أن تجارب شركة "أوبر" لا تزال قائمة، أظهرت لنا أن الأمر يتطلب كلاً من المعلومات والتمكين لمواجهة العبء التعاوني الزائد. في الواقع، تُعد الرؤى الثاقبة ضرورية لتزويد الموظفين بسياق العمل، ولكنها ليست كافية في حد ذاتها لأنها لا توفر قناة للعمل. وعلى الجانب الآخر، تمكّن بعض التدخلات الموظفين من التعاون بفاعلية، مثل تطبيقات وقت التركيز وتصميم مساحة العمل، لكن قد لا يحقق الموظفون أي استفادة من تلك التطبيقات في حال لم يعوا أهميتها. وبالتالي، يتطلب الأمر كلاً من الأدوات والسياق لإحداث فارق حقيقي.
ومع تقدم شركة "أوبر" في عام 2021، أصبحت تدمج المعلومات بالتمكين لمساعدة قوى عملها في التعاون بشكل أكثر فاعلية بهدف زيادة أدائهم وتحسين رفاهتهم، بمعنى أنها تدمج بعض الرؤى الثاقبة والنصائح حول التعاون (مصدرها تحليلات الموظفين والفرق الأخرى) في الاجتماعات والتواصلات على مستوى الشركة، وموارد تطوير المدراء، ونشرات الموظفين الإخبارية. كما أنها تستثمر في الوقت نفسه في تمكين فرقها وتزويد أعضائها بالأدوات والتطبيقات.
العدو موجود أيضاً في المرآة
لا تعتبر حالات المقاطعة عن العمل وتكاليف التحوّل المعرفي المحرك الوحيد للعبء التعاوني الزائد الذي تغفل عنه الشركات عندما تركز على حجم الطلبات التعاونية فقط، بل يأتي مصدر مهم آخر للعبء الزائد من الدوافع الشخصية الكامنة التي تتجاوز ما ندركه أو نرغب في الاعتراف به، والتي تدفعنا إلى قبول الطلبات التي تخلق بدورها مشكلات العبء التعاوني الزائد. غالباً ما يلقي الموظفون اللوم على المتهمين الذين يفترضون أنهم السبب وراء ذلك العبء، مثل البريد الإلكتروني الخارج عن السيطرة، والاجتماعات المتتالية، والعملاء المتطلبين، والمدراء غير المنطقيين. لكن أظهر بحثنا قدرة الموظفين على تحديد المتهم الرئيسي لعبء التعاون الزائد بنسبة 50% من خلال النظر في المرآة فقط.
بمعنى آخر، نسارع جميعاً إلى قبول طلبات التعاون التي تُعرض علينا في أوقات حرجة أو عندما تظهر أمامنا فرصة نؤمن فيها بقدرتنا على تقديم المساعدة، حتى عندما نعلم يقيناً أنه لا يجب علينا قبولها. ويمرّ العديد من الأشخاص بالفعل بتجربة أن يُطلب منهم أداء مهمة ما لكنهم يعرفون بكل وجدانهم أنه يجب عليهم رفضها، ثم تجدهم يقنعون أنفسهم في غضون ثوانٍ بالسبب الذي يدفعهم إلى تلبية تلك المطالب في النهاية، فيقبلون أداءها، ثم يتساءلون بعد 6 أسابيع عن سبب عدم امتلاكهم الوقت الكافي لأداء الأعمال التي تثير اهتمامهم.
ويُظهر الاستقصاء الذي أجريناه على مدار العقد الماضي أن ذلك هو أهم محفز للعبء التعاوني الشخصي الزائد، وأصعب ميل للتغيير. ما يعني أننا محفزون للقبول نتيجة دوافعنا العميقة وطرق العمل التي تعلمناها منذ أن كنا طلاباً في المدارس الابتدائية. لكن الحقيقة هي أن العبء التعاوني الزائد ماكر، فقد تفترض أن اندماجك في العمل هو شعور جيد، إلى أن يتحول ذلك الشعور.
وقد وجد بحثنا بعض الدوافع الشائعة التي تقود الكثيرين إلى المشكلات، وهي ما نطلق عليه "محفزات الهوية". ويكمن الحل في تحديد محفزك الشخصي وتكرار شعار فوري تبتدعه لنفسك لمنعك من القبول. تعلّم أحد المسؤولين التنفيذيين الناجحين في وادي السيليكون، الذي يمتلك عقلية متجذرة قائمة على الإطاعة والرغبة في المساعدة، أن يكرر: "قبولي يعني رفضي"، (أي قبولي طلباً ما، يعني تفويت فرصة مهمة أخرى). واعتاد قائد ناجح آخر في قطاع المنتجات الاستهلاكية اشتهر بإنجازاته أن يسأل: "هل أنا الوحيد المؤهل لمعالجة تلك القضية؟" وبالتالي، يجب على الموظفين حماية أنفسهم من:
- محفزات الهوية والسمعة مثل رغبة بعض الموظفين في مساعدة الآخرين، وشعورهم بالإنجاز عند تحقيق المنجزات، ورغبتهم في التأثير في الآخرين/بلوغ الشهرة، أو القلق من ألا يعتبرهم الآخرون زملاء عمل جيدين ومساهمين.
- محفزات القلق والحاجة إلى السيطرة كخوف بعض الموظفين من فقدان سيطرتهم على مشروع أو نتيجة ما، ورغبتهم في الحصول على إجابات حازمة، ونفورهم من الغموض، والخوف من أن يفوتهم شيء ما.
الإجراءات المؤسسية التي يمكن أن تقلل من العبء التعاوني المدفوع ذاتياً
أظهرت شركة "جنرال ميلز" (General Mills) الأسلوب الذي يمكن للمؤسسات التطلعية اتباعه لمساعدة الموظفين في معالجة العبء الزائد الناجم عن القلق. في الواقع، شكّل الانتقال إلى العمل عن بُعد في أثناء الجائحة تحدياً فريداً لشركة "جنرال ميلز"، إذ كان موظفوها يحاولون الاعتياد على طريقة العمل الجديدة تلك من جهة، وازداد الطلب على منتجات الشركة الأساسية بعد أن أصبحت رفوف متاجر البقالة فارغة بسبب هلع الشراء من جهة أخرى.
وخلق ذلك الوضع سياقاً تعاونياً على عكس أي شيء مرت به الشركة في الماضي. فقد كان متوسط الوقت الذي يقضيه الموظفون أسبوعياً في التعاون في بداية شهر مارس/آذار عام 2020 حوالي 21.4 ساعة (استناداً إلى بيانات شركة "جنرال ميلز" الداخلية باستخدام أداة "تحليلات مكان العمل" (Workplace Analytics) التي طورتها شركة "مايكروسوفت"). وبحلول نهاية شهر يوليو/تموز، ارتفع متوسط ساعات العمل التي يقضيها الموظفون في التعاون إلى 25.7 ساعة في الأسبوع، أي بزيادة قدرها 20%.
وعندما دمجت الشركة بيانات التعاون تلك مع بيانات تجارب الموظفين، لاحظت أن مشاعر الموظفين السلبية ازدادت أيضاً خلال ذلك الوقت، وأدركت حينئذ الأثر الذي يخلفه التعاون على الموظفين واتخذت إجراءات تصحيحية لمنع مشاعر التوتر والاحتراق الوظيفي من التفاقم.
ومن الأمثلة التي تركز على موظفي التصنيع والخطوط الأمامية هو نهج "ثلاثاء الاهتمام" (Take Care Tuesday). قدم ذلك الجهد الأسبوعي تذكيرات مستهدفة ومحددة الأولويات ومركزة لجميع القادة للمساعدة في دعم الرفاهة العامة وتحسين ديناميات الفريق. تركز كل رسالة مستهدفة على ما يحتاج القائد إلى معرفته "المعلومات" وتقدّم نصائح سريعة حول ما يجب فعله "الإجراءات"، كما يتناوب التركيز كل أسبوع بين الاهتمام بالنفس، إلى الاهتمام بالآخرين ومن ثم الاهتمام بالشركة. على سبيل المثال، ركزت رسالة "ثلاثاء الاهتمام" الأخيرة على "الاهتمام بالشركة"، وذكّرت القادة أن التواصل الواضح والمتسق ضروري خلال أوقات التغيير (المعلومات) وقدمت لهم نصائح حول الأمور التي يجب عليهم أداؤها (الإجراءات):
- شارك قصة تمكّن الآخرين من تصور الأهداف وما يحتاجون إليه لتحقيقها.
- واصل كسب القلوب والعقول من خلال مشاركة سبب اعتقادك أن التغيير مهم.
- خصص وقتاً للاستماع إلى الأسئلة والتأملات.
ولقيت تلك التذكيرات المباشرة، مع الإجراءات العملية وروابط الموارد الإضافية التي قُدّمت على أساس منتظم قبولاً جيداً من قبل القادة والموظفين.
وكانت تلك الخطوة مهمة؛ إذ انطوى تركيز معظم المؤسسات في تلك المرحلة من تطور جائحة "كوفيد" على إشراك الموظفين الافتراضيين من خلال عقد مزيد من الاجتماعات وإرسال مزيد من رسائل البريد الإلكتروني. في المقابل، أجرت شركة "جنرال ميلز" تحليلات محوسبة ملائمة مكّنتها من إدراك أن ذلك النهج خاطئ، فقد بلغت العلاقة الترابطية بين الوقت المجزأ والمزاج السلبي للموظفين وشعورهم بالإرهاق 55 درجة، وهو ما يعني وجود تأثير كبير جداً للعبء التعاوني الزائد على رفاهة الموظفين.
وانطوى الحل على مساعدة الموظفين في تنظيم أوقاتهم بدلاً من دعوتهم إلى حضور مزيد من الاجتماعات. وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن الحل السحري الوحيد، تواصل شركة "جنرال ميلز" استخدام البيانات لمساعدة الفرق والأفراد على إدارة الطبيعة المتغيرة للمطالب التعاونية بشكل أفضل، لا سيّما مع استعداد الفرق الجديدة للعمل في بيئة عمل هجينة وأكثر مرونة.
وانبثقت 3 إجراءات رئيسية من تلك الرؤى التحليلية الثاقبة:
- تنفيذ سياسة "الجمعة الحرة". حيث طُلب من الموظفين حجب جداول مواعيدهم بدءاً من الساعة الثانية مساءً كل يوم جمعة، وتخصيص ذلك الوقت للانخراط في "العمل المركز"، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، وإعادة شحذ هممهم.
- بدء استقصاء نبض الشركة الذي يركز على الرفاهة والتوتر. وظهرت بالفعل عدة إجراءات مستهدفة بعد سلسلة من جلسات الإصغاء للموظفين. وتمثّل أحد الإجراءات المتخذة بعد تلك الاستقصاءات المتكررة في تذكير واضح من القيادة العليا للموظفين بأهمية منح الأولوية للعمل الأكثر أهمية فقط والتركيز على الرعاية الذاتية. على سبيل المثال، تحوّل العديد من كبار القادة إلى رسائل الفيديو وسلسلة الحوار غير المكتوب والصادق مع فرقهم (والشركة) الذي أكدوا فيه الحاجة إلى تحديد الأولويات والتركيز على الرعاية الذاتية وتبني عقلية الاختبار والتعلم.
- تطوير الأدوات وإعداد الدورات التدريبية حول "طرق العمل" وعقدها للوحدات التي تتمتع بمستويات عالية من التعاون وتعاني من التوتر والمزاج السلبي. حيث بدأت جلسات "طرق العمل" بإحاطة القادة بوضع التعاون ومزاج الموظفين، وفتحت حواراً حول النهج المختلف الذي يمكن للمؤسسة اتباعه. وعُقدت بعد ذلك جلسات جماعية لكل وحدة لتعليم أعضائها ممارسات وطرق أكثر فاعلية تقيهم شر العبء التعاوني المدفوع ذاتياً.
وتمكّنت شركة "جنرال ميلز" نتيجة تلك المبادرات من التخفيف بشكل فاعل من مخاطر العبء التعاوني الزائد خلال فترة عمل الموظفين من المنزل في ظل جائحة "كوفيد" التي لا تزال سارية حتى اليوم. وكانت النتائج واعدة بالنسبة للوحدات التي تلقت جلسات تدريب "طرق العمل" المخصصة. وفي المتوسط، خفضت فرق "جنرال ميلز" وقت التعاون بمقدار 8 ساعات لكل موظف في الأسبوع. وفي الوقت نفسه، أبلغت تلك المجموعات عن انخفاض عدد الاجتماعات التي لا تضيف أي قيمة، وزيادة في عدد الاجتماعات المنظمة بشكل عام، دون أن تخلّف تلك الاجتماعات آثاراً سلبية على مستويات توتر الموظفين أو حالتهم المزاجية. بالإضافة إلى ذلك، دُمجت الدروس المستقاة من تلك الفرق في عمليات تشكيل الفرق الجديدة وأنشطة فاعلية الفرق الأوسع نطاقاً التي تهدف إلى دعم رفاهة الموظفين ومساعدة جميع الفرق في شركة "جنرال ميلز" على أن يكونوا متعاونين أكثر فاعلية.
النظرة التطلعية
يشعر الموظفون من جميع المستويات بإجهاد العبء التعاوني الزائد، ولا يوجد حل واضح لتلك المشكلة مع انتقالنا إلى عالم عمل ما بعد الجائحة. وقد تساعد التحليلات المحوسبة على تحديد الكفاءات المهمة في عالم العمل فائق الترابط عند استخدامها على النحو الأمثل. وسيكون للمؤسسات الرائدة التي تُعد موظفيها للعمل بشكل أكثر كفاءة في هذا السياق ميزة مهمة من حيث الأداء واستبقاء الموظفين.