3 دروس مستقاة من استجابة استوديوهات “هوليوود” للتحول الرقمي

5 دقائق
قطاع الرسوم المتحركة
ليونارد ماك لين/غيتي إميدجيز

ملخص: ربما اعتقدنا في عام 2015 أن استوديوهات الرسوم المتحركة الرئيسية ستختفي وتندثر ببساطة، إذ تسبب المنافسون الجدد مثل "أمازون" و"نتفليكس" و"جوجل" في زعزعة قطاعها؛ لكنها لم تندثر. ويعود السبب في ذلك إلى عدم كشفها عن معالم مسارها المستقبلي للمدراء في القطاعات الأخرى التي تواجه التحول الرقمي. لماذا استطاعت الاستوديوهات الاستجابة للتهديد الذي فرضته التكنولوجيا الرقمية الجديدة عليها؟ لأنها أحجمت عن حماية نموذج عملها الحالي الذي ينطوي على بيع إمكانية مشاهدة المحتوى النادر في القنوات النادرة عبر بيع تذاكر المقاعد في المسارح، وبيع الإعلانات في أوقات ذروة المتابعة للبرامج التلفزيونية، وبيع الأقراص المضغوطة مقابل 20 دولاراً أميركياً للقرص الواحد، بل أعادت بدلاً من ذلك اكتشاف مهمتها الأساسية التي تتمثّل في ابتكار محتوى ترفيهي رائع وعرضه على الجمهور المناسب. وبدأت الاستوديوهات تبني التكنولوجيا الجديدة ونماذج الأعمال الجديدة مسترشدة بذلك المنظور الجديد. وبما أن الاستجابة القائمة على المهمة للتحول الرقمي في استوديوهات "هوليوود" أتت ثمارها، فتخيل مدى فاعليتها في شركتك. ونورد فيما يلي 3 دروس مستقاة من استراتيجية قطاع الرسوم المتحركة الناجحة.

 

عندما يتحدث قادة الشركات عن التحول الرقمي، فإنهم غالباً ما يولون اهتمامهم بكلمة "الرقمي" أكثر من اهتمامهم بكلمة "التحول". وذلك خطأ يسهل الوقوع فيه، لكنه خطأ جسيم في الواقع. يتمثّل السؤال الأول الذي يجب أن يطرحه أي شخص عند الحديث عن هذا الموضوع في: ما هو نوع التحول الذي نتحدث عنه، وكيف يختلف عن تحولات السوق الأخرى التي طالما واجهتها شركتي؟

ولدي بعض الأفكار للإجابة عن ذلك السؤال، إذ ركزتُ طيلة العشرين عاماً الماضية من إجراء البحوث والتدريس على تأثير التحول الرقمي في الشركات والأسواق، وهو ما مكّنني من تحديد سمتين مهمتين للتحول الرقمي، كل واحدة منهما تخلق تحديات وفرصاً جديدة لقادة القطاع.

وتتمثّل السمة الأولى في أن التحولات الرقمية تخلق وفرة بعد الندرة. وما الذي قد يكون أكثر وفرة من المعلومات المشفرة رقمياً التي يمكن إعادة إنتاجها بشكل غير محدود دون تكبّد أي تكاليف إضافية ودون التضحية بالجودة؟ ونظراً لأن معظم نماذج الأعمال تستند إلى فكرة التحكم في الموارد النادرة، فقد يكون هذا الجانب من التحولات الرقمية مزعزعاً للغاية ومن الصعب تصوره حتى.

وتتمثّل السمة الثانية في أن التحولات الرقمية غالباً ما تؤثر على العديد من مجالات البيئة التنافسية للشركة في الوقت نفسه. وقد يتسبب هذا النطاق الموسّع للتأثير في جعل المدراء ذوي الخبرة الذين اعتادوا تقييم التهديدات الناجمة عن تحولات السوق الفردية يغفلون عن التهديد المشترك الناجم عن التغييرات الرقمية المتعددة التي تحدث في وقت واحد.

لنفكر في تجربة قطاع الرسوم المتحركة على مدار العقد الماضي التي توضح كيف يمكن لهاتين السمتين أن تخلقا تحديات للمدراء، بمن فيهم المدراء ذوي الخبرة في الشركات القائمة المهيمنة.

دور التكنولوجيا في إحداث التغيير

دعوت وزميلي راهول تيلانغ أحد كبار المسؤولين التنفيذيين من أحد استوديوهات "هوليوود" الكبرى عام 2015 للتحدث إلى طلابنا حول دور التكنولوجيا في تغيير قطاعه. وسأله راهول في مرحلة ما عما إذا كان قلقاً بشأن التهديد الذي قد يشكله المنافسون الجدد مثل "أمازون" و"نتفليكس" و"جوجل" على القوة السوقية للاستوديوهات الكبرى. لكن المسؤول التنفيذي سخر من سؤاله قائلاً: "لقد هيمنت استوديوهات "هوليوود" الستة نفسها على القطاع طيلة المائة عام الماضية، ويوجد سبب لذلك".

وكان ذلك المسؤول التنفيذي على حق، فقد سيطرت الاستوديوهات الستة نفسها على قطاعها لأكثر من 100 عام، وواجهت خلال تلك الفترة تحولات هائلة في كل جانب تقريباً من كيفية إنشاء المحتوى وتوزيعه واستهلاكه. وإذا لم يغير أي من تلك التغييرات قوة الاستوديوهات السوقية، فلماذا سيكون التحول الرقمي الذي واجهته في عام 2015 مختلفاً؟

لأن ذلك التحول خلق أنواعاً جديدة من الوفرة ومعدل تغيير جديد أسرع بشكل كبير.

حافظت استوديوهات "هوليوود" الستة على قوتها طوال القرن العشرين لأنها كانت قادرة على التحكم في 3 موارد أساسية نادرة في السوق، ألا وهي الوسائل المالية والتكنولوجية لإنشاء المحتوى، والقنوات اللازمة لتوزيع المحتوى، والقدرة على استخدام قانون حقوق النشر للتحكم في كيفية وصول المستهلكين إلى المحتوى.

لكن ما لم تدركه في عام 2015 هو أن التكنولوجيا الرقمية كانت تجعل كلاً من تلك الموارد النادرة وفيرة. إذ أتاحت تلك التكنولوجيا الرقمية الجديدة نشر ثقافة الوصول إلى الأدوات اللازمة لإنشاء المحتوى. كما أتاحت القنوات الرقمية الجديدة لمنشئي المحتوى الوصول إلى جمهورهم دون الحاجة إلى التعامل مع القدرات النادرة لمحطات البث التلفزيوني ومسارح الرسوم المتحركة ورفوف المتاجر التقليدية. كما مكّنت القرصنة الرقمية المستهلكين من الوصول إلى المحتوى مجاناً وبطريقة تتحدى جميع نماذج الأعمال الراسخة في الاستوديوهات.

وعلى الرغم من أن التحول الرقمي كان يخلق وفرة في الموارد النادرة التي حددت سابقاً القوة السوقية، فقد خلق أيضاً موارد نادرة جديدة شكّلت مصدراً جديداً للميزة التنافسية، ألا وهي جذب اهتمام الزبائن. تمثّلت المشكلة التي واجهتها الاستوديوهات في عدم قدرتها على الوصول إلى زبائنها بشكل مباشر في أي قناة من قنواتها الحالية. كانت قادرة بالتأكيد على استخدام إيصالات شباك التذاكر أو معدلات المشاهدة في تلفزيون "نيلسين" (Nielsen) لمعرفة عدد المستهلكين الذين شاهدوا فيلماً ما في مدينة معينة، أو خصائص التركيبة السكانية العامة للمستهلكين الذين شاهدوا البث في وقت ذروة المشاهدة التلفزيونية الليلة الماضية، لكنها لم تعرف شيئاً عن هؤلاء الزبائن كأفراد، ولم تكن قادرة على التحكم في القنوات التي أتاحت لها استخدام مصادر مفصلة جديدة لبيانات الزبائن لإدارة سلوك مشاهدة الزبائن والتحكم فيه.

والأسوأ من ذلك هو أن شركات "نتفليكس" و"أمازون" ومنصة "يوتيوب" التابعة لـ "جوجل" كانت تستخدم بيانات الزبائن المفصلة لتعزيز سيطرتها على القنوات الرقمية التي تنقل البيانات إلى الزبائن وتستفيد من تلك السيطرة لتدمج البيانات التي تنتقل من الزبائن إلى القنوات في عملية إنشاء المحتوى بشكل مباشر.

وقد يعتقد المرء في عام 2015 أن الاستوديوهات الكبرى ستتلاشى وتندثر ببساطة مثل العديد من الشركات الأخرى الرائدة في السوق في القطاعات "المُزعزعة" الأخرى؛ لكنها لم تندثر. ويعود السبب في ذلك إلى عدم كشفها عن معالم المسار المستقبلي للمدراء في القطاعات الأخرى التي تواجه التحول الرقمي.

الاستجابة لتهديدات التكنولوجيا

لماذا استطاعت الاستوديوهات الاستجابة للتهديد الذي فرضته التكنولوجيا الرقمية الجديدة عليها؟ لأنها أحجمت عن حماية نموذج عملها الحالي الذي ينطوي على بيع إمكانية مشاهدة المحتوى النادر في القنوات النادرة عبر بيع تذاكر المقاعد في المسارح، وبيع الإعلانات في أوقات ذروة المتابعة للبرامج التلفزيونية، وبيع الأقراص المضغوطة مقابل 20 دولاراً أميركياً للقرص الواحد، بل أعادت بدلاً من ذلك اكتشاف مهمتها الأساسية التي تتمثّل في ابتكار محتوى ترفيهي رائع وعرضه على الجمهور المناسب.

وبدأت الاستوديوهات تبني التكنولوجيا الجديدة ونماذج الأعمال الجديدة مسترشدة بذلك المنظور الجديد. وتضمن ذلك إنشاء منصات توزيع رقمية جديدة حيوية مثل "ديزني بلاس" و"آتش بي أو ماكس" (HBO Max) و"بيكوك" (Peacock) و"هولو" (Hulu)؛ والانخراط بشكل كبير في إعادة الهيكلة لمواءمة هياكلها التنظيمية القديمة مع واقع أعمالها الجديد؛ وإجراء تحولات ثقافية كبيرة بعيداً عن التسويق الحدسي وبالاعتماد على عمليات صناعة القرار القائمة على البيانات والمستندة إلى الأدلة.

الدروس المستقاة من استراتيجية قطاع الرسوم المتحركة الناجحة

ويوجد 3 دروس هنا للشركات التي تواجه التحول الرقمي.

أولاً، انظر إلى الموارد النادرة التي لطالما حددت القوة السوقية في قطاعك واستفسر عما إذا كان التحول الرقمي قد يستبدل تلك الندرة بالوفرة. هل يمكن أن تضعف الوفرة الرقمية قيمة علامة شركتك التجارية كما فعلت في قطاع الفنادق؟ هل يمكن أن تقلل من سيطرتك على إنتاج المعلومات ونشرها كما فعلت في قطاع الأخبار؟ هل يمكن أن تغير طبيعة منتجك كما فعلت مع الموسوعات، والهواتف المحمولة، وسيارات الأجرة، وقطاعات السيارات؟

ثانياً، قيّم ما إذا كان التحول الرقمي يخلق موارد جديدة نادرة خارجة عن سيطرتك، وما هي التغييرات التنظيمية والثقافية اللازمة للوصول إلى تلك المصادر الجديدة للميزة التنافسية.

ثالثاً، بدلاً من التحسّر على التغييرات التي قد يفرضها هذا التحول على نموذج عملك القائم، راجع مهمة شركتك الأساسية بدقة، وتحقق مما إذا كنت قادراً على استخدام التقنيات الرقمية الجديدة لتحقيق تلك المهمة بشكل أفضل.

وعلى الرغم من أن كل درس من تلك الدروس مهم، يُعتبر الدرس الثالث مفتاح النجاح. ومن الطبيعي أن ننظر إلى التحول الرقمي باعتباره تهديداً في الأساس؛ ويتطلب الأمر قيادة رشيدة لتحديد الفرص في هذا التحول. وكان ذلك هو رد فعل قادة قطاع الترفيه بالضبط. وبما أن الاستجابة القائمة على المهمة للتحول الرقمي في استوديوهات "هوليوود" أتت ثمارها، فتخيل مدى فاعليتها في شركتك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي