الرئيس التنفيذي لكليفلاند كلينك أبوظبي متحدثاً عن قصة بناء صرح طبي قادر على الابتكار

13 دقيقة
كليفلاند كلينك أبوظبي

إليك هذه القصة من الرئيس التنفيذي في كليفلاند كلينك أبوظبي عن بناء صرح طبي. قبل أن ترسل الإمارات العربية المتحدة مؤخراً قمرها الصناعي الأول "خليفة سات" إلى الفضاء، كانت سماؤها تحتضن مجموعة صروح يشير بعضها لصدارة هذا البلد على خريطة الهندسة العمرانية العالمية كبرج خليفة في دبي، ويرمز بعضها الآخر إلى التموضع الثقافي على مستوى العالم لهذه الدولة بصفتها قبلة للثقافة والإبداع والتسامح عبر رموز يتصدرها متحف اللوفر في أبوظبي.

وليس بعيداً عن اللوفر، وعلى الجانب الآخر من ضفة إحدى الجزر الخلابة (المارية) يرتفع أحد أجمل الأبنية في العاصمة الإماراتية، وهو الذي يحمل علامة "كليفلاند كلينك". فإلى ماذا يرمز هذا الصرح الطبي؟ وفي أي سياق يأتي قرار التفاوض لسبع سنوات مع كليفلاند كلينك الأميركية لنقل نسخة مطابقة عنها إلى أبوظبي؟

الجواب الذي سنسمعه بالتفصيل في مقابلتنا مع الدكتور راكيش سوري الرئيس التنفيذي ورئيس قسم جراحة القلب والأوعية الدموية والصدر في كليفلاند كلينك أبوظبي، هو أن هذا المعلم الطبي هو أكثر من مجرد نقل للنسخة الأميركية إلى دولة الإمارات، وإنما هو تأسيس مستشفى أكاديمي يحمل مواصفات كليفلاند كلينك العالمية، لكنه يتفوق على نسخته الأصلية بقدرته على الإبداع والابتكار، وأن هذا الصرح هو مشروع يسير ضمن خطط دولة الإمارات للتحول إلى منصة عالمية في البحث العلمي الطبي وتبني الابتكار في التكنولوجيا بمرونة وسرعة لا توفرها أنظمة الدول التقليدية. بالإضافة إلى أن كليفلاند كلينك أبوظبي ما هو إلاّ جزء من خطة يدعمها أصحاب القرار في دولة الإمارات لبناء منظومة رعاية صحية مبتكرة "لم يسبق لها مثيل في العالم" بحسب تعبير الدكتور سوري.

دعنا نبدأ بأن نطلب منك أن تعرف مجتمع هارفارد بزنس ريفيو عن الفكرة أو الظروف التي أدت لقرار التعاقد لنقل تجربة هذا الصرح الطبي العالمي من أميركا إلى أبوظبي، ليكون نموذجاً معيارياً للمنطقة؟

جاء هذا المشروع في سياق معيار "الجودة العالية" التي بنيت عليها أساسات هذا البلد، والتي حولتها إلى نموذج يحتذى على مستوى المنطقة، ثم تحولت هذه الجودة إلى حالة مستدامة في عقل المخططين وأصحاب القرار في دولة الإمارات، لتصل إلى المرحلة التي يمكنني أن أسميها "نموذجاً يحتذى" على مستوى العالم.

بدأت القصة في عام 2000 عندما أجرى الراحل الشيخ زايد رحمه الله عملية زرع للكلية في مستشفى كليفلاند في الولايات المتحدة الأميركية. وخلال تلك الأيام التي قضاها في غرفته في هذا المستشفى كان يناقش باستمرار مع مستشاريه ضرورة نقل هذه التجربة والرعاية الفائقة والخبرة التي يمثلها كليفلاند كلينك إلى شعب دولة الإمارات. وقد روى لي السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة أنه سمع ذلك من الشيخ زايد.

وبالطبع تكاملت الرؤية بتطبيق الفكرة عندما لمس الشيخ محمد بن زايد معاناة الآلاف من أبناء دولة الإمارات والمنطقة والذين يسافرون سنوياً بقصد العلاج في مثل هذه المستشفيات المتقدمة، ويضطرون للإقامة لأشهر أحياناً بعيداً عن أسرهم.

هذا صحيح، فعلى مدى عقود كان أبناء هذه المنطقة يسارعون للاتصال بشركات الطيران لحجز السفر إلى الخارج بقصد العلاج حينما يواجهون تشخيصاً مرضياً صعباً أو حالة صحية معقدة، وهذا ما كان يكبّد الناس أثماناً باهظة، لا تقتصر على المادية فقط، بل هي أثمان تتضمن الخوف والمعاناة مع المرض، والمعاناة الاجتماعية لأسرة المريض الذي يضطر للبقاء بعيداً عنهم لشهور في بعض الحالات، وهو ما يؤدي لتوقف نشاط الحياة المهنية والشخصية لفترات طويلة للمريض وبعض أفراد أسرته على الأقل.

كما أن السفر والعلاج في الخارج، كان يضطر المريض للتعامل مع فريق طبي جديد لا يعرف عنه شيئاً، وهذا ما يتطلب فترة من التحضير والتشخيص والتعرف على حالة المريض، والتي قد تنتهي بعملية جراحية يعود بعدها المريض إلى بلده دون أن يحظى بأية متابعة من الطبيب أو فريق العمل الذي أجرى له العملية في الخارج. وهذا ما يتعارض مع نظم الرعاية الصحية الحديثة التي تهدف لتأمين رعاية متكاملة ومستمرة وبناء ثقة وتواصل مع المريض قبل وبعد وأثناء العمل الجراحي، وهو النظام الذي اعتمدته دولة الإمارات وكان قرار نقل كليفلاند كلينك أحد ثماره وأحد أهدافه. فقد عاد الشيخ زايد من رحلته العلاجية موقناً بهذه الفكرة، وطلب من المعنيين العمل على نقل تجربة كليفلاند كلينك بمستوى الرعاية الصحية العالي الذي تمثله إلى أبوظبي.

لماذا كليفلاند كلينك؟ لماذا هذه المستشفى بالتحديد؟

دعني أقدم بعض الحقائق هنا؛ عمر كليفلاند كلينك مائة عام من الخبرة الطبية ذات الجودة المرتفعة، حيث جاء المؤسسون لهذه المؤسسة الطبية وهم أربعة أطباء مرموقين بفكرة جديدة لتقديم الخدمات الطبية بعد الحرب العالمية الأولى، وأطلقوا على هذه الفكرة الجديد اسم مرحلة "الفريق الطبي". فبعد أن كان الطب يعتمد على مبدأ الطبيب الواحد، حوّلوا العملية إلى مبدأ التعاون والتشارك بكل مراحل عملية العلاج والتمريض، وحددوا ثلاثة مبادئ عملية تسير عليها هذه المؤسسة وهي: علاج المريض ودراسة حالته بحثياً وتدريب الفريق باستمرار.

وأستطيع أن أقول أن هذه المبادئ الثلاثة، هي التي ضمنت استمرارية الجودة والتطور في كليفلاند كلينك الأميركية وهي التي تساهم اليوم بتحويل كليفلاند كلينك أبوظبي إلى منصة عالمية. لماذا؟ لأننا نقدم الرعاية والعلاج وندرس أمراضاً جديدة في هذه المنطقة إضافة إلى تلك المعروفة عالمياً، وهذا ما يجعلنا مصدراً للخبرة لباقي أنحاء العالم، نظراً لما نقدمه من خبرة مع أمراض متنوعة بتنوع السكان في دولة الإمارات والمنطقة، وهذا ما يجعل كليفلاند كلينك مختلفاً عن أي مستشفى تقليدي، لأنه مركز بحث علمي يدرّس قيادات الرعاية الصحية الحاليين والقادمين ويطورهم ويدربهم.

هل لديكم أي إحصاءات عن الحالات التي تم إنقاذها والمبالغ التي تم توفيرها جراء توفير خدمة الرعاية الصحية لكليفلاند كلينك هنا بدلاً من عناء السفر ومخاطره وتكاليفه؟

الأمر الذي نعلمه بكل تأكيد أن ملايين الدولارات كان ينفقها سنوياً العديد من مواطني ومقيمي دولة الإمارات والمنطقة بحثاً عن العلاج الأفضل في الخارج، هذا عدا عن التكاليف غير المباشرة مادياً ومعنوياً والتي أشرنا إليها من قبل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت أمراض القلب والأوعية الدموية هي القاتل الصامت الذي يشغل العالم، ويكلف الملايين من الدولارات من السفر والرعاية في هذه المنطقة، هو أحد الأمراض التي استطعنا أن نجعلها تتراجع من المراتب الأولى إلى المرتبة 27 في قائمة أسباب السفر لمواطني دولة الإمارات وهي في المراتب الأخيرة الآن، أي أننا استطعنا أن نوقف أسباب السفر لعلاج أمراض القلب والأوعية في معظم الحالات. وما أقصده هنا أننا أصبحنا نلبي كافة احتياجات هذا النوع من الأمراض بكل تقنياته المتقدمة بما فيها العمليات الجراحية باستخدام الروبوت وجراحات الزرع المتنوعة. وقد قمنا مؤخراً بعملية زراعة قلب معقدة، قمنا بتركيب قلب ميكانيكي لأحد المرضى ثم قمنا باستبداله بقلب طبيعي لشاب في الثلاثين من عمره، وقد كان نجاح العملية مضموناً بناءً على توفر كل التقنيات والخبرات. ولا شك أن مثل هذه العمليات كانت تكلف عشرات ومئات الملايين من الدولارات كل عام على مستوى الإمارات العربية المتحدة والمنطقة.

طبقنا ابتكارات طبية قبل تطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية لأن قوانين الإمارات العربية المتحدة مرنة في تقبل الابتكار.

استمعت مرة إلى خلدون المبارك -الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للاستثمار- يصف السنوات السبع من المفاوضات مع كليفلاند كلينك الأميركية والتي دخلت إلى تفاصيل كل المعايير والشروط بما فيها البنية التحتية المطلوبة للتقيد بمعايير كليفلاند كلينك وشروطها قبل السماح بافتتاح فرع أبوظبي. حدثنا عن التفاصيل التي قد لا نعرفها عن متطلبات هذه المعايير؟

عندما تفكر في بناء مؤسسة طبية عالمية فأنت بحاجة لضمان الجودة في ثلاث ركائز؛ أولها فريق العمل، وثانيها الإجراءات وثالثها البنية التحتية. لقد كانت هذه الشراكة والتي عقدتها كليفلاند كلينك مع شركة مبادلة لتأسيس هذا الصرح هي خطوات ومفاوضات لشراكة حقيقية، لذا فقد كانت مبنية على الدخول في كل التفاصيل التي تضمن الجودة العالية والتمثيل الكامل لمستوى الرعاية والجودة دون تمييز بين كليفلاند كلينك أوهايو وأبوظبي. وأعتقد أن ما حافظ على هذه الشراكة منذ 13 عاماً وحتى اليوم هو التزام طرفي الشراكة بالمعايير، وإيماننا معاً بمدى التأثير الاجتماعي والإنساني لهذا المشروع.

هل يمكن أن تعطيني بعض التفاصيل، عن متطلبات كليفلاند كلينك ومعاييرها؟ لنتحدث عن الأطباء وفريق العمل مثلاً؟

حسناً، دعني أبدأ بذلك، ففريق العمل من الأطباء يخضعون لمعايير عالية، أولها أننا لا نوظف أي طبيب في فريق أبوظبي، مالم يكن قد عمل مسبقاً في كليفلاند كلينك أوهايو، وهذا ما جعلنا نختار 400 طبيب فقط من أصل 20 ألف طلب وردنا من خيرة الأطباء حول العالم. ونطبق هذه المعايير العالية على كل من يعمل معنا من فريق التمريض والفنيين وغيره، والذين يجب أن يكونوا قد تخرجوا وعملوا في كبرى المؤسسات الطبية حول العالم، قبل أن يخضعوا لاختبارات علمية وعملية معقدة لدينا.

وكذلك بالنسبة للإجراءات الطبية والإدارية المتبعة، فقد نقلنا التجربة حرفياً من كليفلاند كلينك الأميركية، لكننا عملنا على تطوير هذه الإجراءات وأعدنا تصدير خبراتنا إلى كليفلاند كلينك أوهايو مع قيمة مضافة.

كيف قمتم بذلك؟

تجربتنا تختلف عن التجربة الأميركية من حيث المرونة التي نتمتع بها للقيام بالأبحاث واعتماد التكنولوجيا الحديثة بعيداً عن قيود المؤسسات الأميركية التي تكبلها القوانين في تطبيق التغيير المزعزع (Disruptive Innovation) على صعيد التكنولوجيا والاكتشافات الطبية الحديثة، وكذلك المنافسة المحمومة بين المؤسسات الطبية، والتي لا تترك لها الوقت للابتكار والبحث بسبب الحوافز الكثيرة لتحقيق المزيد من العمليات وجني الكثير من العوائد. هذا أمر غير موجود في بيئة عملنا، فنحن نبدع ونبتكر دون ضغوط من المنافسة وبدعم وتسهيل كامل من القوانين والتشريعات التي تسعى لتحويل دولة الإمارات إلى منصة للراغبين بالتطوير والتقدم التكنولوجي على مستوى العالم، وفقاً لرؤية قادة هذا البلد. وهذا ما جعلنا مركزاً طبياً وعلمياً عالمياً في الرعاية القلبية الوعائية، والرعاية العصبية، والعناية بالعين، والقلب والرئة والأمراض الهضمية. كما أننا نعمل في هذه الاختصاصات وفقاً لمنظومة عمل تقيس تكاليف العملية العلاجية وعوائدها لصالح المريض، عبر دورة متكاملة من العلاج والرعاية بكل مراحلها وجودتها.

هل لديك أمثلة على ابتكارات أتاحتها بيئة دولة الإمارات القانونية والتنظيمية لكم؟

بالتأكيد، لدينا أجهزة نستخدمها الآن لجراحة القلب من خلال الفخذ. واسمح لي أن أشرح الظروف التي صاحبت هذا التطور. بصفتي جراح قلب، أمضيت العقد الأول من عملي في ابتكار طرق مختلفة لإصلاح صمامات القلب البشرية، فقد تعاملت أولاً مع عملية القلب المفتوح، ثم اخترعت طريقة للقيام بذلك باستخدام الروبوتات دون فتح عظم الصدر، والآن أعمل مع فريقي لاختراع طرق لإصلاح الصمام من خلال قسطرة صغيرة عبر الفخذ. وهذا عمل دقيق، وقد قمنا به في أبوظبي قبل أن يطبق في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ساعدت المرونة التي تتيحها نظم هذا البلد لولادة الأفكار وتطبيقها قبل غيرها من البلدان، وهذا لا يختلف عن احتضان دولة الإمارات لأفكار الابتكارات وتطبيقاتها في مجال التكسي الطائر والسيارات ذاتية القيادة والبلوك تشين قبل غيرها من الدول، بينما قد يحتاج هذا الابتكار الذي نطبقه في كليفلاند كلينك أبوظبي أو أي ابتكارات أخرى من هذا القبيل إجراءات بيروقراطية وتشريعية طويلة في دول أخرى. ولهذا السبب فقد أصبح كليفلاند كلينك أبوظبي مقصداً ليس للأطباء والباحثين فقط، بل بات مقصداً للمرضى الذين يبحثون عن الابتكار في حالات صعبة وميؤوس منها على مستوى العالم، ولذا فنحن نستقبل مرضى من أميركا وكندا ومختلف الدول الأوروبية الآن. وتعتبر البنية التحتية التكنولوجية في كليفلاند كلينك أبوظبي والمؤسسات التابعة لها هي الأحدث على مستوى العالم في المجال الطبي، وخذ على سبيل المثال "مركز أبوظبي للتطبيب عن بعد"، وهو شركة مشتركة بين شركة "مبادلة"، وشركة "ميدجيت" السويسرية المتخصصة في مجال تقديم خدمات التطبيب عن بعد، ليكون هذا المركز أحد أذرع عملنا الطبي، حيث توفر لك إمكانية التواصل الفوري في حال وجود أي حالة عائلية طارئة لتقديم المعاينة بالصوت والصورة مع مختص الرعاية أو الطبيب المختص، والقيام ببعض الفحوص المباشرة عبر تطبيقات متقدمة على الهواتف الذكية، ثم الانتقال للخطوة اللازمة التي يحتاجها المريض، من أدوية أو زيارة للمستشفى أو غيرها.

ونحن في كليفلاند كلينك أبوظبي نعمل اليوم لنصبح منصة عالمية قيادية في مجال البحث العلمي الطبي والخبرة الفريدة، ونحن بذلك نتعاون في أبحاثنا مع تقنيات وشركات راسخة مثل آبل وجوجل ومؤسسة بيل وميليندا غيتس وغيرها.

استطعنا أن نوقف أسباب السفر لعلاج أمراض القلب والأوعية في معظم الحالات.

بالحديث عن اجتذاب العقول والخبرات إلى هنا، دعني أسألك باعتبارك قدت هذه العملية شخصياً منذ البداية ودخلت في تفاصيل النقاش مع الأطباء الكبار، ما الذي كان يقلقهم وما الذي كان يشجعهم للقدوم إلى هنا؟

هناك أمر قد لا يعرفه الناس ما لم نتحدث به إليهم، وهو أن العلماء والخبراء والأكثر نجاحاً في مجال الطب والبحث العلمي، لا يكون هدفهم الرئيسي هو الحصول على الدخل المادي الأعلى، ولكن هدفهم العلمي لا يقل أهمية، بل ويمكن أن يطغى على العرض المادي، فهم يسعون للعمل في بيئة وفرق عمل توفر لهم إمكانية التطور والبحث وتحقيق إنجازات علمية، وإجراء أبحاث جديدة وتسجيل ابتكارات بأسمائهم. وقد كان المرشحون ومن تحدثنا إليهم بشكل مباشر، هم من العلماء والناجحين في عملهم، فكان الحديث معهم يتضمن مايلي: أنت طبيب أو عالم ناجح، ولدينا اليوم هذا المركز العالمي الذي تأسس في هذا البلد الناجح على أفضل الأسس المهنية، ولديك كل مقومات الرفاهية لك ولأسرتك. ونحن نعرض عليك أن تكون معنا في تأسيس هذا الصرح الذي يشكل علامة فارقة على مستوى المنطقة، ليكون لديك المجال للبحث العلمي والتطوير وابتكار التقنيات الحديثة بلا قيود، ولكي يكون لديك المجال لتأهيل كوادر جديدة وتدريبها من الصفر، ولتضع بصمتك التاريخية في هذا المكان، ثم لتحكي لأحفادك بعد عشرين عاماً عن مساهمتك في هذا الإنجاز الذي لم يسبق له مثيل في هذه المنطقة.

وهكذا فنحن نجذب الخبرات ونوظفها في كليفلاند كلينك عبر مشاركة الرؤية التي انطلقت منها فكرة هذا الصرح مع الراغبين بالمشاركة فيها من الخبراء المؤهلين. وهذه هي الرؤية التي نعممها في كل فروع كليفلاند كلينك حول العالم، وهدفها تأسيس شبكة من الخبرات التي تتبادل هذه التجارب العلمية الناجحة والرؤية باستمرار، وهذا يعني أنك عندما تدخل كليفلاند كلينك أوهايو أو فلوريدا أو لاس فيغاس أو أبوظبي أو تورنتو أو لندن (قريباً)، فأنت تدخل إلى مكان تتوفر فيه خبرات نحو 60 ألف من ألمع العقول حول العالم في مجال الطب والتمريض والبحث الطبي والرعاية المتكاملة، حيث تصب خبرات هؤلاء الستين ألف خبير - وهم مجموع كوادر كليفلاند كلينك حول العالم - في كل مركز تزوره من مراكزنا، كما لو كنت تستشير أفضل الخبراء في الطب والرعاية الصحية مرة واحدة من مختلف أنحاء العالم.

حسناً، نحن نعلم الآن أن المريض سيحصل على الكثير من الرعاية المعتمدة على الخبرة المتراكمة، لكن ماذا عن الأطباء؟ ماذا تقول مثلاً للأطباء الذين تعرض عليهم العمل هنا في أبوظبي، ويخبرونك ربما بأنهم في بلد كبير مثل أميركا، يعالجون الكثير من المرضى ويكتسبون خبرات كبيرة، فكيف يمكن أن ينتقلوا للعمل في مكان يجدون فيه عدد سكان أقل وتجارب أقل؟

دعني أوضح ذلك بمثال، في المكان الذي يقع فيه مستشفى كليفلاند كلينك أوهايو، إذا احتسبنا دائرة نصف قطرها ست ساعات طيران من المناطق المحيطة بالمستشفى، فسنجد أنها تغطي نحو 300 مليون نسمة، بينما في كليفلاند كلينك أبوظبي، فإن ستة ساعات من الطيران من وإلى أبوظبي تغطي مناطق ودول يصل عدد سكانها إلى 3 مليار نسمة. إذا فهذا المستشفى يغطي منطقة واسعة سكانياً لا تتوفر فيها مثل هذه الرعاية والخبرة التي تقاس بمعايير كليفلاند كلينك.

ومع ذلك دعني أوضح فرقاً آخر بين فرصة الطبيب لممارسة عمله في أميركا وهنا في أبوظبي. فهناك حالة من الاستنزاف يعيشها كبار الأطباء والعلماء الباحثين والتي يعيشونها بسبب طبيعة النظام التنافسي القائم على الكم والإنجاز المادي في أميركا، ويطلق عليها في أبحاث هارفارد بزنس ريفيو Burnout، بينما تتيح بيئة العمل لدينا في دولة الإمارات المناخ للإبداع والإنجاز العلمي كما ذكرت. وهكذا فنحن وفريقنا العامل نعمل على خلق بيئة مثالية للرعاية الصحية ليس لها مثيل في العالم.

أصبح كليفلاند كلينك أبوظبي مقصداً ليس للأطباء والباحثين فقط، بل بات مقصداً للمرضى الذين يبحثون عن الابتكار في حالات صعبة وميؤوس منها على مستوى العالم.

كيف؟ ماهي الرؤية التي تسيرون عليها مع هذه الرعاية الصحية حتى تعتقدون أنها تخلق شيئاً جديداً على مستوى العالم؟

الرؤية التي نسير عليها هي رؤية رسمية يتبناها هذا البلد عبر قيادته، فقد حددت دولة الإمارات خيارها بأن تكون تشريعاتها كما ذكرنا مواكبة بل وسابقة في كثير من الأحيان للتغييرات المزعزعة في الاقتصاد والتكنولوجيا والبحث العلمي، وهكذا فإن البيئة هنا مناسبة للإبداع والابتكار، كما أنها مناسبة لخلق نظام صحي اجتماعي جديد. ودعني أقدم مثالاً؛ فمشكلة السمنة هي مشكلة عالمية، ولكنها ليست مشكلة طبية بداية، بل هي قبل ذلك مشكلة مرتبطة بالنظام الغذائي والاستهلاكي للمجتمعات، ولكن التعامل التقليدي معها طبياً هو فقط عبر الأدوية والعلاج، لدرجة أن شركات التأمين حول العالم مثلاً لا تشمل الأغذية الصحية بتغطيتها ولا تعترف سوى بالأدوية والعمل الجراحي، بينما نحن هنا نعمل في بيئة تتضمن سلسلة من مكونات الرعاية الصحية المثالية، فشركات التأمين اليوم في دولة الإمارات هي جزء من النقاش الذي نقوم به مع شركائنا في المؤسسات الطبية للتفكير خارج الصندوق بهدف تشميل الأغذية الصحية في تغطية شركات التأمين، للمساهمة في استكمال هذه المنظومة، وهذا ما سيجعلنا نساهم في خلق مجتمع صحي محمي من السمنة والسكر وغيرها من أمراض العصر.

إذاً أنتم تحاولون خلق بيئة جديدة من الرعاية الصحية في دولة الإمارات والمنطقة؟

هذا صحيح، ودعني أقدم لك مثالاً آخر. معظم المؤسسات الطبية تركز اهتمامها على عملية العلاج وما يسبقها لكنها تهمل مرحلة ما بعد العلاج وهي المرحلة التي تسميها "المتابعة"، وهذه ركن أساسي في معايير كليفلاند كلينك أبوظبي.

ونحن بذلك نلتقي مع المفهوم المبتكر لوحدة الممارسة الطبية المتكاملة التي أسسها بورتر وكابلان في كلية هارفارد للأعمال. ولقد تحدثت معهم حول ما نقوم به، وهم يعتقدون أيضاً أن لدينا القدرة الفريدة على تحقيقها هنا في أبوظبي. وهذا يتم من خلال عملية مدروسة للحفاظ على صحة الناس لأطول فترة ممكنة من خلال تشخيص المرض مبكراً، وإحالتهم عند الحاجة للعلاج المناسب بأقل تكلفة وتحقيق أعلى النتائج، ثم إعادتهم إلى مجتمعاتهم وعائلاتهم. وهذا يعتبر حقاً مفهوماً ثورياً على مستوى المنطقة. إذ لا يوجد بلد في العالم يطبق هذا المنهج المتكامل من الرعاية، ودولة الإمارات لديها القدرة على القيام بذلك لأول مرة في التاريخ. ودعوني أقدم مثالاً عملياً، فقد استبدلت صمامات القلب لأحد المرضى ذات مرة، وكان المريض مصاباً بتلف في أربعة من صمامات القلب. هل تعرف كم عدد الصمامات في القلب؟ إنها فقط أربعة. إذاً كانت جميعها مصابة. وبعد أن تعافى المريض، هنأته وطلبت منه العودة إلى منزله والالتزام بتعليمات طبيب العائلة الذي يتابع معه مرحلة ما بعد العلاج، كضغط الدم والتعليمات الصحية الأخرى، فنظر المريض إليّ باستغراب، وقال: لكنك أنت طبيبي الذي أجرى لي العمل الجراحي، وأتوقع منك أنت أن تتابع حالتي! وطبعاً كما تعلمون هذه الحالة متكررة عند الآلاف وربما الملايين من المرضى، فهم يتوقعون أن طبيبهم المختص بالعمل الجراحي، هو ذاته الخبير بضغط الدم وطب الأسرة والمتابعة المنزلية، وهؤلاء بالتأكيد يختارون الطبيب الخطأ للمتابعة عندما يصرون أن طبيبهم الجراح هو الذي سيتابع مرحلة ما بعد العلاج، لأنه ببساطة ليس مجال اختصاصه.

وما عملنا عليه هو تصحيح هذه المنظومة، والتأكد من توكيل كل طرف في عملية الرعاية الصحية للقيام بمهمته، للوصول إلى النتائج الأفضل. وهذا يبدأ باختيار الطبيب المناسب قبل العمل الجراحي ثم في العمل الجراحي ثم بعده. ولذا فإن إحدى التكاليف التي يتكبدها المريض على مستواه الشخصي وتتكبدها الدول هي هذه التكاليف الضائعة في قيام غير المختص بمهمة المختص وخاصة في مجال الطب، حيث تقاس التكاليف بإزهاق الأرواح وليس فقط بالتكاليف المادية.

ولكي نكون واثقين في كليفلاند كلينك أبوظبي من قيام كل عضو من أعضاء فريق الرعاية الصحية بدوره، فإن لدينا إدارة تدعى "إدارة الفرق"، وهذه الإدارة مهمتها متابعة تدريب الفرق وتطويرها، ومتابعة حالة الأطباء والممرضين وتوجيه فرق العمل للقيام بمهمتها بدقة، ومساعدتهم في إيجاد البديل في حال الإجازة أو التعب أو الحالات الطارئة التي يحتاج فيها الفريق لاستكمال عناصره.

إذاً أنتم تعملون على خلق ثقافة ومنهج رعاية صحية تعتبرونه منهجاً يمكن أن يحتذى عالمياً. هل يمكن أن تقدم أمثلة أخرى عن مرونة القوانين في دولة الإمارات والتي سمحت لكم بالتحرك لتحقيق كل جوانب هذا الحلم؟

بالطبع. دعني أقدم مثالاً عن التبرع بأعضاء المتوفين دماغياً، فبعد إقرار قانون التبرع بالأعضاء في دولة الإمارات عام 2017، بدأ عصر جديد من الرعاية الصحية، وكان لنا الدور الأبرز في الاستفادة من الخبرة الطبية التي يمتلكها فريقنا لتحقيق الاستفادة من كل عضو متبرع به إلى أقصى الحدود. فقد أصبحنا نحوّل حالة الحزن التي قد تصيب أسرة ما بوفاة أحد أفرادها من المتوفين دماغياً إلى سعادة للعديد من الأسر، فالمتوفى الواحد يمكن أن ينقذ حياة خمسة أو ستة مرضى ويسعدهم، عبر التبرع بالرئتين والكليتين والقلب والكبد والقرنية. كما أننا نزيد الفائدة عبر خبرتنا في زراعة أجزاء من الكبد لأكثر من مريض، وهذا ما نقوم به بعد أن أسسنا أول مركز لزراعة الأعضاء المتعددة في العالم، والذي أجرى حتى الآن نحو 35 عملية زرع للأعضاء خلال سنة واحدة وبعد ثلاث سنوات على تأسيس المستشفى.

أخيراً، دعني أسألك، هل تعتقد أن تجربتك في الجمع بين مهنتك كطبيب جراح ورئيس تنفيذي في ذات الوقت كانت إيجابية أم سلبية على دورك القيادي والطبي؟

اعتقد أنها كانت مفيدة جداً، وذلك بفضل الكوادر المتميزة التي أعمل معها والدعم الكبير الذي نحظى به من شركائنا في شركة مبادلة ومؤسسة كليفلاند كلينك. وعلى الصعيد العملي، أجد نفسي جراحاً في غرفة العمليات أعمل على إعادة النبض لقلب ينازع، ثم أخرج بعد دقائق لأزف الخبر السار إلى عائلة المريض وأرى دموع الفرح في عيونهم، ثم أنتقل بعد ساعة لأتحدث عن الأمر وأؤكد الالتزام بأداء رسالتنا في اجتماعات مجلس الإدارة، ذلك يساعدني على إضفاء الجانب الإنساني إلى دوري كرئيس تنفيذي. الانخراط في تقديم الرعاية للمرضى يجعلني على اطلاع كامل على أحدث الابتكارات الطبية، كما أنني أكثر قدرة على إدراك نظمنا وثقافتنا لاتخاذ قرارات مدروسة تساعد في أداء رسالتنا على أفضل وجه.

وما اعتبره مثيراً للاهتمام في عملي، هو أنني أعمل كدبلوماسي، فأنا في نقاش مستمر مع ثلاثة أطراف، الأول هم شركاؤنا في شركة مبادلة والثاني هم مؤسسة كليفلاند كلينك والثالث هم القادة والمشرعون في دولة الإمارات، أولئك الذين تعد شراكاتهم بالغة الأهمية لدعمنا وتمكيننا من تقديم أفضل مستويات الرعاية الصحية لمرضانا كل يوم.

اقرأ أيضاً: أهم صفات المفاوض الناجح

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي