الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل يتحدث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين في الأزمات

11 دقيقة
كيفية تفادي تسريح الموظفين

ديفيد كوت هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة هانيويل

في الحديث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين يقول: حين بدأت العمل مع هانيويل عام 2002، كانت الشركة قد مرّت بظروف صعبة. ففي عام 1999 اندمجت مع شركة آلايد سيغنال (AlliedSignal) وبعدها بفترة قصيرة نجحت الشركة بالاستحواذ على شركة أخرى تدعى بيتواي (Pittway). إلا أنّه لم يكن هنالك أي اندماج بين الثقافات الثلاث للشركات. وقد تراجعت أرباح شركة هانيويل أكثر من مرّة، وأعلنت الشركة عن عمليات شطب أصول بقيمة 8 مليارات دولار أميركي. لقد عملت الشركة في قطاع المنتجات الكيميائية على مدار أكثر من 100 عام، ولذلك فإنّ عليها التزامات بيئية لم تتمكّن من التعامل معها. وقد تناوب على منصب الرئيس التنفيذي في هانيويل ثلاثة أشخاص خلال أربع سنوات، بالإضافة إلى نسبة دورانٍ عالية كذلك بين الموظفين في المناصب الإدارية الأخرى. ومن الناحية الفعلية لم يكن هناك خطة لطرح أي منتجات جديدة لأنّ المديرين كانوا يعمدون إلى تقليل الاستثمارات الجديدة من أجل تعزيز الأرباح.

لقد قرّرنا في السنوات الخمس الأولى التي أمضيتها مع الشركة أن نركّز جهودنا على حلّ العديد من هذه المشكلات. فقمنا بإرساء ممارسات محاسبية أكثر محافظة كما شرعنا بالتعامل مع الالتزامات البيئية المترتّبة على الشركة. لقد استثمرنا بمنتجات وخدمات جديدة وتوسّعنا خارج الولايات المتحدة، وازدادت حصّة إيرادات الشركة من خارج الولايات المتّحدة من 41% عام 2002 إلى 54% عام 2012. ولقد عزّزنا من قدرات وكفاءة الموظّفين الإدارية إلى درجة أن 85% إلى 90% من الشواغر الإدارية العليا في الشركة كانت من نصيب مرشّحين من داخل الشركة لا من خارجها، مقارنة بنسبة 50% في الفترة السابقة. والأهمّ من ذلك هو أنّنا أرسينا ثقافة واحدة مشتركة في هانيويل نركّز فيها على تعزيز قدراتنا وحنكتنا في إدارة أعمال الشركة، والاستماع إلى عملائنا، إضافةً إلى التزامنا بأداء الأمور التي نخطّط لأدائها. وفي نهاية العام 2007 تمكّنت الشركة من استعادة مصداقيتها بين المستثمرين، وارتفعت أسعار أسهم الشركة بمقدار الضعف أو أكثر، وكان أداؤنا أفضل من معدّل أداء مؤشر ستاندرد أند بورز 500 ومعدّلات الشركات التي تشاركنا الفئة.

اقرأ أيضاً: كيف تدير عملية التسريح من العمل انطلاقاً من مبدأ التعاطف؟.

لكن في العام 2008 طرأ تحوّل في أعمال الشركة، وفجأة بدأنا نشهد إلغاءات للطلبات، مع غياب للطلبات جديدة. واتّضح بعد فترة قصيرة أن الولايات المتحّدة دخلت في حالة من الركود الاقتصادي، وكان هذا يعني أنّنا كشركة صناعية كبيرة سنشهد تراجعاً في نتائجنا المالية. كانت الشركات الوحيدة التي لم تتأثّر ضمن مجموعتنا هي الشركات العاملة في الصناعات الدفاعية والصناعات الفضائية وكفاءة الطاقة. أمّا بقية القطاعات فعانت الكثير.

لقد كان للشركات الشبيهة بشركتنا جانبان من جوانب التكلفة: الموادّ المستخدمة لصناعة المنتجات، والموظفون. وفي فترة الركود الاقتصادي، تنخفض التكاليف المادّية (التكاليف المباشرة) بطبيعة الحال، فالشركة تشتري موادّ أقلّ لأنّ الطلبات على المنتجات في تراجع. كما يمكن للشركة أن تسعى بطريقة أو بأخرى للبحث عن فرص للحدّ من التكاليف غير المباشرة، كنفقات السفر والنفقات غير المتعلّقة بأعمال الشركة الأساسية. أمّا خفض تكاليف الموظفين، والتي تبلغ في الشركات الصناعية عادة 30% إلى 40% من إجمالي التكاليف، فهو الأمر الأشدّ صعوبة وحساسية. كثيراً ما تلجأ الشركات إلى "إعادة الهيكلة"، فتسرّح مثلاً 10% من الموظفين، وتمضي قدماً. وكنا قد قمنا ببعض الإجراءات الخاصّة بإعادة الهيكلة في الشركة بين العامين 2008 و2009، ولكنّي كنت في الواقع لا أحبّذ هذه المنهجية في التعامل مع فترات الركود الاقتصادي. لذلك كان علينا البحث حول كيفية تفادي تسريح الموظفين ، وحرصنا على أن أي عملية إعادة هيكلة نقوم بها خلال تلك الفترة، يجب ألا تأتي كردة فعل على مرحلة الركود الاقتصادي، وإنّما كوسيلة لتعزيز كفاءة أعمال الشركة وأرباحها على المدى الطويل، وألا يكون لذلك انعكاس سلبي على قدرتنا على تحقيق أداء جيد عند التعافي من الأزمة.

اقرأ أيضاً: الطريقة الصحيحة لتسريح موظف من العمل.

وحين بدأ طاقم قيادة الشركة في النظر إلى الخيارات المتوفّرة، فكّرنا كثيراً بقضية الإجازات: أي أن يأخذ الموظفون إجازات غير مدفوعة وأن يبقوا في منصبهم في الشركة. كانت الفكرة السائدة حينها أن منح الموظفين إجازات بهذه الصورة سيتسبّب في إلحاق الضرر بكثير من الموظفين، ويؤثّر على معنوياتهم وولائهم ورغبتهم في الاستمرار في العمل لدى الشركة في المستقبل، وبدا أن الأفضل هو تسريح عدد قليل من الموظفين، وأن يكونوا من بين الأضعف أداءً. كما أن هذه الإجازات تشكّل تحدّياً من الناحية اللوجستية. فلتطبيق هذا الأمر كان يلزمنا أن نلتزم بالقوانين المحلية المتعلّقة بهذا الأمر واحترام قوانين الدول الأخرى التي تنشط فيها شركتنا. لم تخل العملية من بعض العقبات، وحين أُعيد النظرَ فيما أقدمنا عليه حينها فإنّني أرى بعض الأخطاء الواضحة، ولو اضطررت لفعل ذلك مرّة أخرى فإنّني سأغير في بعض الإجراءات. لكن على العموم كان قرارنا بمنح الموظفين إجازات غير مدفوعة لتجنّب تسريحهم هو القرار الناجع.

فكرة المقالة بإيجاز: خلال فترة الركود العظيم، لجأت العديد من الشركات إلى إجراءات "إعادة الهيكلة" وسرّحت آلاف العمال. أما شركة هانيويل فقد وضعت نفسها على الطريق الصحيح لتجاوز الأزمة حين طلبت من الموظفين أخذ إجازات غير مدفوعة.

كيفية تفادي تسريح الموظفين

التوقعات غير الصحيحة حول فوائد تسريح الموظّفين

حين بدأت العمل مع الشركة ظننت أن عدد الموظفين زائد عن الحاجة. وخلال أوّل خمس سنوات تمكّنا من الحفاظ على العدد اللازم وحسب من الموظفين، رغم أن المبيعات ازدادت بمعدّل نموّ مركّب وصل إلى 10%. كما قمنا بتسريح بعض الموظفين أصحاب الأداء الضعيف، وذلك بعد اعتماد منهجية أكثر صرامة في مراجعة أداء الموظّفين، ولم نقم بملء المناصب التي شغرت ضمن الدورة الطبيعية للموظفين. وأثناء فترة الركود الاقتصادي التي تأثّرنا بها كان عدد الموظفين في شركتنا أعلى من المطلوب، ولو قرّرنا مثلاً تسريح بعض الموظّفين حينها، فإنّنا لم نكن سنضطّر للتضحية بالكادر الأساسي. ولكننا في نهاية المطاف قرّرنا الاعتماد على الإجازات غير المدفوعة، وذلك لعدّة أسباب. معظم المديرين لا يقدّرون حجم الخلل الذي يخلقه تسريح العمّال من الشركة، فهو يسبّب ضغطاً على جميع العاملين فيها لمدة عام على الأقلّ. كما أن المديرين كثيراً ما يبالغون في تقدير التوفير الذي سيحققونه من عمليات التسريح، ولا يدركون أن مرحلة الركود عادة ما تكون أقصر ممّا يتوقّعه النّاس. لقد كنّا نريد أن نكون مستعدّين للشروع بالتعافي من تلك المرحلة فور تلاشيها، سواء كان هذا التعافي بطيئاً أو سريعاً، وكانت فكرة الإجازات غير المدفوعة من الطرق التي من شأنها أن تجعلنا مستعدّين لأي نتيجة.

ولكي تفهم المنطق الذي اعتمدنا عليه، انظر إلى ما يحدث في واقع الأمر حين تقرّر تسريح الموظّفين. فكلّ موظف يتمّ تسريحه يحصل في المعدلّ على تعويضٍ يعادل راتب ستّة شهور بالإضافة إلى الخدمات الأخرى المتعلّقة بالمساعدة على العثور على فرصة عمل جديدة. وهذا يعني إذاً أن الشركة تحتاج إلى ستّة أشهر إلى أن تبدأ بالتوفير. لو افترضنا أن فترات الركود الاقتصادي تستغرق سنة إلى 18 شهراً عادة، وبعدها يزداد الطلب على المنتجات، هذا يعني أن الشركة ستضطرّ لاستقدام موظفين آخرين بعد سنة أو أكثر قليلاً من عمليات التسريح الواسعة التي أقدمت عليها، وهكذا تبدأ بخسارة المبالغ التي بدأت توفيرها قبل ستّة أشهر وحسب. فكّر قليلاً بتكاليف عمليات التسريح بالطريقة التي قد تفكّر بها باستثمار تقليدي في مصنع أو آلة ما. تخيل أنّك تذهب إلى مديرك وتقول له: "أريد أن أخصص 10 ملايين دولار لمصنع جديد. سيستغرق الأمر ستة أشهر لتحقيق عائدات تغطّي التكاليف، ثم سنشغّل المصنع لستّة أشهر أخرى، ولكن حينها سيكون علينا إغلاق المصنع." يستحيل أن تقوم بذلك طبعاً، ولكن حين يتعلّق الأمر بتكاليف إعادة الهيكلة وتسريح الموظفين يبدو الأمر منطقيًا لمعظم النّاس.

اقرأ أيضاً: البقاء على تواصل مع موظفيك المميزين الذين تم تسريحهم من العمل.

ولعلّ السبب عائد إلى أن المديرين حين يواجهون أزمة ركود في أعمال الشركة فإنّهم يجدون صعوبة في استشراف المستقبل والتفكير بالمرحلة التي ستعود خلالها الشركة للتعافي. فلو كنت ترى أن هذا الركود سيستمرّ إلى ما لا نهاية، فإنّك سترى أن التوفير الذي سيترتّب على تسريح الموظّفين سيكون دائماً. ولكن الأمر لا يسير في الواقع على هذا النحو. لقد كنت في منصب قيادي حين عشت مع شركتي ثلاث فترات من الركود الاقتصادي، ولم أسمع أي فريق إداري يتحدّث عن أثر الخيارات التي يتم اللجوء إليها في فترة التراجع الاقتصادي على أداء الشركة أثناء الخروج من الأزمة. أمّا في العامين 2008 و2009 فإنّني حرصت على التأكيد على هذه النقطة: التعافي من الأزمة سيكون وشيكاً، ويلزمنا أن نكون مستعدّين لذلك.

لماذا أصبحت الشركات تفضّل التسريح بدلاً من الإجازات غير المدفوعة؟

بيتر كابيللي هو أستاذ علم الإدارة في كلية وارتون وهو مؤلف كتاب "Why Good People Can't Get Jobs" الصادر عام 2012. وقد تحدّثنا مع بيتر في هارفارد بزنس ريفيو حول رأيه بالأسباب التي تجعل الشركات أقل اعتماداً على سياسة الإجازات غير المدفوعة وقت الأزمات.

كيفية تفادي تسريح الموظفين

كانت الشركات في الماضي تعتمد بشكل أكبر على منح الموظفين إجازات غير مدفوعة من أجل الحدّ من تكاليف الرواتب خلال الأزمات الاقتصادية. فكيف تحوّلت الشركات إلى الاعتماد بشكل أكبر على تسريح الموظفين؟

لم يحدث هذا الأمر إلا قبل فترة أقرب ممّا تتوقّع. فحتّى العام 1985، لم يكن لدى مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدّة تصنيفاً لقضية فصل الموظّف بشكل دائم من عمله. وحتّى تلك الفترة كان الأمر المفترض بشكل طبيعي هو أنّه حين تسرّح شركة ما موظّفاً من عمله، فإنّها تفعل ذلك بشرط إعادة توظيفه حين يتحسّن الاقتصاد. وقد تغيّر هذا الأمر خلال فترة الركود الاقتصادي بين العامين 1981-1982. فقد ازدادت أعداد المديرين في الشركات خلال فترة النموّ البطيئة في السبعينات، وكانت ممارسات إدارة المهارات قد تعرضت للإخفاق. ومنذ ذلك الوقت صار الموظفون في المناصب الإدارية أكثر عرضة لخسارة مناصبهم مقارنة بالعمّال العاديين.

هل يميل المديرون عادة إلى إساءة تقدير التكاليف المتعلقة بإجراءات تسريح الموظفين؟

نعم، معظم المؤسّسات لا تعرف شيئاً عن تكاليف نسبة دوران الموظفين، أو تكاليف التوظيف، أو التكاليف المرتبطة بإبقاء وظيفة ما شاغرة. كل ما يعرفونه هو التكلفة المرتبطة ببقاء شخص ما على رأس عمله، ولديهم فكرة أيضاً عمّا سيوفّرونه إن تخلّصوا من ذلك الموظّف. وهذه إحدى أكبر المشكلات في مجال إدارة المهارات: بوسع المدير المالي في الشركة أن يقدّم معلومات عن تكاليف الموظفين بشكل دقيق، ولكنّه لا يستطيع قياس قيمة الموظّف وإسهاماته، وهذا هو سبب التحيّز المرتبط بتسريح الموظفين.

لقد تفاعلت أسواق المال منذ التسعينات بشكل إيجابي مع التصريحات المتعلّقة بتسريح الموظفين. هل ثمّة ما يشير إلى تغيّر هذا التوجّه اليوم؟

لقد بدأ الباحثون بالتفكير بهذا السؤال مؤخّراً. صحيح أن الشركات لم تعد ترى فائدة كبيرة للإعلان عن نيتها بتسريح موظفين (من ناحية سعر أسهمها). وإحدى النظريات التي تفسّر ذلك هو أن مجتمع المستثمرين قد بات أكثر ذكاء وفطنة ويعرف أن تسريح الموظفين لا يوفّر الكثير من التكاليف. والرأي الثاني هو أن المستثمرين يدركون بشكل أفضل أن الشركات التي تسرّح أعداداً كبيرة من موظفيها لا تمتلك القدرة على المتابعة الدقيقة لجميع الإجراءات المتعلقة بفصل الموظفين. ولكن ليس ثمّة رأي قاطع في هذا الأمر حتّى الآن.

صعوبة تطبيق الإجازات غير المدفوعة

وللوصول إلى كيفية تفادي تسريح الموظفين ، لقد طلبنا من فروع شركتنا أن تطلب من كلّ عامل أن يأخذ إجازة غير مدفوعة لعدد من الأسابيع خلال النصف الأول من العام 2009. وكان عدد الأسابيع يختلف من قسم لآخر، ولكن كان بمعدّل ثلاثة إلى خمسة أسابيع، بالتناوب بين الموظفين، بحيث يغيب الموظّف أسبوعاً ثم يعود للعمل وهكذا حتّى يتمّ أسابيع المغادرة غير المدفوعة التي تحدّد له. وكان كل مدير يقيّم الوضع كلّ عدّة أسابيع ليقرّر إن كانت ما تزال هنالك حاجة للمزيد من الإجازات غير المدفوعة. وهذه الطريقة تفرض العديد من الصعوبات. فقوانين بعض الولايات صارمة جدّاً في تحديد ما هو العمل، حتّى أنّنا كنا نضطرّ في بعض الأحيان لأخذ هواتف الموظفين وحواسيبهم المحمولة كي نضمن ألا يقوموا حتّى بمراجعة بريد الشركة الإلكتروني أثناء إجازتهم غير المدفوعة. وفي بعض الدول الأخرى كانت القوانين الحكومية تمنعنا حتّى من إلزام الموظفين بالإجازة غير المدفوعة. ولكن في معظم المناطق التي تعمل بها شركتنا سارت الأمور بشكل جيد، في البداية على الأقل. ففي الأسبوع الأول والثاني كنّا نتلقّى ملاحظات إيجابية: عن أن الموظفين يراودهم شعور إيجابي لأنّهم يضحّون من أجل ألا يخسر أحد وظيفته بشكل دائم. ولكن حين طال الأمر أكثر من ذلك، بدأ مزاج الموظفين يتغيّر، وبدأ البعض يشتكي: "لا أستطيع أن أعيش بهذا الراتب"، وآخرون قالوا أنهم بكل الأحوال لم يكونوا من الأشخاص المحتمل تسريحهم فيما لو اختارت الشركة تسريح الموظفين، وبالتالي أحسوا بعبثية التضحية التي قاموا بها من أجل باقي الموظفين.

اقرأ أيضاً: كيف تجعل التسريح المؤقت للموظفين أكثر إنسانية؟.

كما واجهنا تحدّيات حين شعر كبار المديرين التنفيذيين، الذين يرفعون تقاريرهم مباشرة إليّ، بأنّهم هم أيضاً يجب أن يغادروا بإجازة غير مدفوعة، كبادرة رمزية من قبلهم أمام بقية الموظفين. ولكنّي وجدت في ذلك نوعاً من التكافل غير المفيد وأنّه نابع عن قصر نظر منهم. لقد أخبرتهم أنّه لا يمكن أن يغيب كبار المديرين عن الشركة خلال هذه الفترة. كما ذكّرتهم (وذكّرت الموظّفين) أنّهم نظراً لمنصبهم في قيادة الشركة قد تلقّوا أقل من نصف مكافآتهم السنوية، فإن كان الموظّفون يخسرون خمسة أسابيع من أجورهم، فإنّ كبار المديرين يخسرون أكثر من هذا بكثير. وأخبرتهم أنّهم لو حسبوا ذلك بشكل دقيق، فسيجدون أنّهم قد تأثّروا وضحّوا كثيراً. وكانت النقطة التي رغبت في التأكيد عليها هي أن الحاجة إليهم أشدّ ما تكون في هذه الفترة.

وفي صيف 2009 ساد القلق مجدّداً بين الموظفين. لقد كانوا يريدون أن يعرفوا كم عليهم أن يقضوا من الأسابيع الأخرى في إجازة غير مدفوعة. كنّا حتّى تلك اللحظة لم نفكّر بالتسريح، ولكننا بدأنا بالنظر إلى تكاليف الرواتب والمنافع لنرى كيفية تفادي تسريح الموظفين وإن كان ثمّة طريقة لتوفير المال دون أن نضطر لفصلهم . لقد حاولت أن أوضّح للجميع من الموظفين وكبار المديرين التنفيذيين أن لدينا ثلاث جهات لا بدّ من مراعاتها: العملاء، والمستثمرون، والموظفون. فالتأثير على العملاء لم يكن خياراً مطروحاً، وكان لا بدّ من الاستمرار في برامج المنتجات المطلوبة. ولذا كان لا بدّ من تقاسم الأثر السلبي الحاصل بين المستثمرين (تدنّي العائدات) والموظفين (خفض الأجور). وقد كان تحقيق التوازن أمراً بالغ الصعوبة، ولكنّي أعتقد أنّنا نجحنا في ذلك.

الاستعداد للخروج من الأزمة والتعافي منها

بقي الاقتصاد ضعيفاً طوال العام 2009 تقريباً. ففي الأشهر التسعة الأولى من ذلك العام كان قادة الشركة يجدون صعوبة في وضع توقّعات لحجم المبيعات لأنّ الطلب كان في تراجع. ولكن وعلى الرغم من انخفاض المبيعات في العامين 2008-2009 فإنّ الشركة استمرّت في تحقيق الأرباح واحتفظت بمعدّلات مرتفعة من الأرباح مقارنة بالشركات الأخرى في نفس القطاع، وهذا أمرٌ يصعب القيام به عادة أثناء الركود الاقتصادي

ففي الربع الرابع من العام 2009 توقّفت توقّعات مبيعاتنا عن التراجع، وبحلول يناير/كانون الثاني 2010 بدأت أنا وزملائي في فريق الإدارة بالحديث فعلاً عن بوادر الخروج من الأزمة والتعافي منها. وحين بدأت الطلبات بالتزايد اتّضح أنّنا نتمتّع بجاهزية أكبر مقارنة بالشركات المنافسة، فقد كانت المصادر متوفّرة كما كان وقت التسليم أسرع، وبفضل قرارنا في عدم التخلّي عن موظّفينا كان من السهل علينا أن نكسب المزيد من العملاء.

لقد تابعنا معدّل دوران الموظّفين في الشركة بشكل دقيق مع بدء تحسّن الاقتصاد. لعل الانتقاد الأهمّ المتعلق بمنهجية الإجازات غير المدفوعة للموظفين هو أنّها لا تفرّق بين الموظفين الأفضل أداء والأدنى أداءً، وهذا يدفعهم لترك العمل مع الشركة. إلا أننا في الواقع وجدنا أن معدّل بقاء الموظّفين الذين يهمّنا بالفعل أن يستمرّوا بالعمل معنا قد ازداد بشكل كبير. وأنا أفهم سبب ذلك. فبشكل عام، المال ليس كلّ شيء: فالموظّفون ليسوا مرتزقة، بل إنّهم يرغبون في أن يكونوا جزءاً من مشروع ناجح يكون أكبر منهم. لقد خضنا في مسيرة نجاح طويلة من العام 2002، ولدينا العديد من الموظفين الذين يؤمنون برسالة الشركة وبما تقوم به، وهو ما حرصنا على أن يكون واضحاً لهم. وقد يرى الموظّفون أن الأمور لن تبقى سيئة على الدوام، ولذلك فإنّهم لا يفقدون الأمل ويتشبّثون بالوظيفة التي لديهم.

ومع أننا بحثنا جيداً حول كيفية تفادي تسريح الموظفين ، فإنّي أعتقد أنّنا قد ارتكبنا خطأين في تطبيق برنامج الإجازات غير المدفوعة. الأول هو كيف عرف الموظفون بشأن التضحيات التي سأقدّمها أنا. كنت قد اتخذت قراراً في مرحلة مبكّرة من فترة الركود الاقتصادي بألّا أحصل على المكافأة المخصّصة لي للعام 2009. وقد كانت هذه المكافأة السنوية تبلغ 4 ملايين دولار أميركي. وهذا مبلغ ضخم بطبيعة الحال. وحين سألني الموظفون في الاجتماعات العامّة إن كان الوضع الاقتصادي سيؤثّر على التعويضات التي أتلقّاها، كنت أجيبهم بأسلوبٍ تقليدي يتوافق مع قواعد إدارة الشركة: "هذا ليس قراري وإنّما قرار مجلس إدارة الشركة." ولكنّي أعتقد أنّه كان من الأفضل للجميع لو أنّني أخبرتهم أنّني قرّرت التخلّي عن المكافأة السنوية المستحقّة لي في ذلك العام.

أمّا الخطأ الثاني فهو حين سمحنا لمديري الأقسام في الشركة تحديد عدد الأسابيع الضرورية لكل قسم، وكان حريّاً بنا أن نوضّح لهم أنّنا لا نريد منهم أن يفرضوا عدداً موحّداً من الإجازات غير المدفوعة في الأقسام التي يديرونها. فعلى سبيل المثال، قام بعض مديري الأقسام بفرض إجازات غير مدفوعة للعمال في الصين، مع أن الأرباح كانت تزداد في فرع الشركة هناك. من المعروف أن الموظّفين في الأسواق الناشئة لديهم العديد من الفرص، وقد ترتّب على فرض إجازة غير مدفوعة عليهم بعض الإشكالات المتعلقة بالموارد البشرية بالإضافة إلى استياء داخل الشركة كان من الممكن تفاديه.

وفي نهاية الحديث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين ، ما زلت أعتقد أن قرارنا في الاعتماد على الإجازات غير المدفوعة وعدم التوجّه إلى التسريح كان هو القرار الأسلم، وأنّ تطبيقنا لهذه المنهجية كان كذلك ناجحاً بنسبة 90٪ تقريباً. أرجو ألا نضطرّ لفعل ذلك مجدّداً في المستقبل، ولو اضطررنا لذلك فإنّي سأحرص على أن يكون التطبيق ناجحاً مئة بالمئة.

اقرأ أيضاً: عمليات‭ ‬التسريح‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدمر‭ ‬شركتك‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي