من بين جميع القرارات الصعبة التي يواجهها المسؤولون التنفيذيون، تسبب الحاجة إلى اتخاذ قرار بفصل شخص من فريقهم المعاناة للقليل منهم. إذ لا تسبب الابتكارات عالية المخاطر وتسريح العمال وحتى عمليات الاستحواذ الكبرى الكثير من القلق كما يتسبب به فصل شخص من منصب رفيع، وفيما يلي سنقدم مثالاً على موضوع الرؤساء التنفيذيون وفصل الموظفين.
لقد عانى أحد عملائي في الآونة الأخيرة من هذه المشكلة. وسأدعوه هنا باسم كرم. يشغل كرم منصب رئيس شعبة في شركة تصنيع كبيرة. فشل أحد نواب رئيس المبيعات لديه في تحقيق هدفه للربع الثالث على التوالي. وكان نائب الرئيس هذا قد حصل على مدرب وموارد إضافية لمساعدته على النجاح، إلا أنه كان لا يزال غير قادر على تحسين أدائه، ما تسبب في معدل دوران كبير للموظفين في قسمه. وبدا فصله الخيار الأمثل، ولكن كرم شعر بالعذاب لمجرد التفكير بهذا القرار حتى، وقال: "أريد منحه فرصة أخرى". "هل من الخطأ منحه كل فرصة ممكنة لتحقيق النجاح؟".
لم يكن كرم من الأشخاص الذين يناضلون عادة في سبيل اتخاذ قرارات صعبة، إذ يدير إحدى أعلى الشعب أداء في شركته، ولم يكن وحيداً في اتخاذ هذا القرار، حيث يعتبر فصل شخص ما قراراً يعجّ بالتعقيدات والقلق الشخصي. ولكن تجنب اتخاذ هذا القرار يطيل فقط من العواقب الحتمية لإبقاء موظف ضعيف الأداء في الأعلى ويزيد من هذه العواقب حتى.
اقرأ أيضاً: كيف تدير عملية التسريح من العمل انطلاقاً من مبدأ التعاطف؟.
ولاحظت خلال عملي مع كبار المسؤولين التنفيذيين خمسة أشياء تحول دون اتخاذ القرارات الضرورية. ويساعدك إدراك وتصحيح هذه السلوكيات في وقت مبكر في التغلب على الخوف من فصل قائد ضعيف الأداء، وتجنّب الضرر الذي قد يحدث في حال لم تقم بفصله.
الرؤساء التنفيذيون وفصل الموظفين
العزم على إصلاح الآخرين. غالبا ما يشعر القادة ذوي النوايا الحسنة بالتزام حقيقي بمساعدة المرؤوسين المباشرين على تحقيق النجاح، بعد إدراكهم لأهمية التدريب وإبداء الملاحظات ولكن عندما يتجاوز التزامك بتنمية شخص ما قدرته على النمو، فإنك تساهم في فشله عن غير قصد.
ويقدم كرم مثالاً على ذلك، إذ شرع بمساعدة نائب رئيس المبيعات بهدف تحسين أدائه، ولم يكن ينوي التوقف لحين نجاحه، حيث اعتبر ضعف أداء نائب الرئيس على أنه فشله الشخصي في تطوير المسؤولين التنفيذيين الشباب بفاعلية. في الواقع، كان نائب الرئيس بعيداً كل البعد عن الازدهار في منصب يستدعي تلبية هذه الأعباء الكبيرة. وفي حين أن رغبة كرم في مساعدة الأفراد على تحقيق النجاح جديرة بالإعجاب، إلا أن اعتقاده بإمكانية ووجوب تنفيذ رغبته أثار نوعاً من الغطرسة.
وهذا شائع جداً. كما عملت مع مسؤولة تنفيذية أخرى في قسم الموارد البشرية كانت تتباهى بقدرتها على تطوير القادة الذين عجز الآخرون عن تطويرهم، حيث استثمرت في توجيه وتدريب هؤلاء القادة المكافحين وخلقت لهم "مهام التطوير الوظيفي". ونجحت أحياناً في الكشف عن مواهب كبيرة تجاهلها الآخرون مبكراً. ولكنها تسبّبت في كثير من الأحيان في فشل الأفراد من خلال شغلهم في مناصب أثبتوا مراراً أنهم غير قادرين على إنجازها، وذلك تحت ستار خلق ثقافة قدّرت تطوير الموظفين.
لذلك، في الحديث عن موضوع الرؤساء التنفيذيون وفصل الموظفين ، يجب الحرص على عدم الخلط بين الالتزام بتطوير الموظفين و"متلازمة المنقذ" المستترة. إذ إن لعب دور البطل قد يأتي على حساب الحياة المهنية لشخص آخر.
إقرأ أيضاً: هل ينبغي لك إعادة تعيين موظف ترك العمل في شركتك؟.
الخوف من توجيه ضربة قاضية. تُعتبر العواقب الوخيمة التي قد تترتب على حياة المسؤول التنفيذي المهنية أحد التعقيدات الفريدة لعزله من منصبه. إذ يمكن للسقوط من مجثم عال أن يجعل من القائد بضاعة تالفة عند سعيه وراء الفرص المستقبلية. ونتيجة لذلك، قد يجتاح المدراء الشعور بالذنب عندما يحين وقت فصل قائد ما، وقد يكون شعورهم بالذنب ناجماً عن عدم إعداد هذا الشخص لتولي المنصب الحالي أو حيال المعاناة التي قد يمر بها هذا الشخص عند بحثه عن وظيفة جديدة. إلا أنك قد تلحق ضرراً أكثر بحياتهم المهنية وسمعتهم من خلال جعل معاناتهم بادية للعيان. ويكمن الحل الأمثل في إجراء محادثة صادقة مع هذا الشخص وتقديم الدعم له، بحيث تصبح العلاقة بين الموظف وصاحب العمل أكثر قرباً.
مكّنت المحادثة التي أجراها كرم مع نائب رئيس المبيعات حول سوء أداءه وطموحاته المستقبلية من إدراك أن عدم نجاح نائب الرئيس في هذا المنصب لا يجعل منه عاطلاً عن العمل أو غير موهوب. كما أدرك نائب الرئيس ضعف أداءه بخيبة أمل، إلا أنه شعر بالارتياح لمعرفة ذلك، حيث كان يفكر في مناصب أخرى في المؤسسة تلائم خبراته بشكل أفضل. ورأى كرم أن بإمكانه مساعدة نائب الرئيس في البحث عن المزيد من الفرص المناسبة داخل المؤسسة على نطاق أوسع أو تقديم رسالة توصية له في شركة أخرى.
ويمكن للقادة آخرين أن يحذوا حذوه. إن الشعور بالذنب حول النتيجة المحتملة التي لا تملك أي سيطرة عليها لا يساعد أحداً. في الواقع، يعثر 68% من المسؤولين التنفيذيين على وظيفة جديدة في غضون ستة أشهر من فصلهم.
الغرور. يكون عزل المسؤولين التنفيذيين صعباً بشكل خاص عندما تكون أنت من وظّفهم في المقام الأول. ويُعتبر قرار توظيف شخص ما انعكاساً لقيادتك، ومن الطبيعي أن تخشى ظنون الأفراد عندما تضطر إلى التراجع عن هذا القرار وعزل الموظف. لكن لا أحد معصوم عن اتخاذ قرار توظيف خاطئ، ولا أحد يملك سيطرة كاملة على نجاح شخص ما. لذلك، يتعين عليك فعل ما بوسعك لتوظيف الأفراد وفق معايير صارمة وإعدادهم بفاعلية. ولا يجب أن تَحكم وثاقك بالأفراد الذين قمت بتوظيفهم حتى لا تفقد الموضوعية.
لقد قام كرم بترقية نائب رئيس المبيعات قبل عامين، وخشي أن يقع حكمه موضع شك في حال فشل نائب الرئيس من تحقيق النجاح. وعلى الرغم من البراعة التي أبداها نائب الرئيس خلال السنة الأولى من عمله والتي عززت من قرار كرم، جعلت رياح السوق المعاكسة والمنافسة الرئيسية سنته الثانية أكثر صعوبة. ولم يكن نائب الرئيس يتمتع بالخبرة الكافية ببساطة.
ومن الشائع بالنسبة للقادة التغاضي عن أوجه قصور الأفراد الذي يقومون بتوظيفهم. وفي حين كان قرار ترقية نائب الرئيس مخاطرة محسوبة، تطورت شروط هذا الخطر، وأصبح من الممكن أن يسفر إبقاء نائب الرئيس في منصبه الحالي عن عواقب وخيمة للشعبة بأكملها، وكان كرم بحاجة إلى إدراك ذلك.
الرؤية العامة. من البديهي أن يشهد الأفراد داخل المؤسسة وخارجها واقعة عزل أي مسؤول تنفيذي. ليبدأ الأفراد بالتكهن بعد ذلك حول ما يجري، سواء كان تكهّنهم عقلانياً أو غير عقلاني. وفي حين أنه من الصعب السيطرة على تفكير الأفراد حول أي قرار كبير، يمكنك تقليل التخمينات التي لا أساس لها من الصحة بأن تتعمد الحديث عن عزل الموظف وسبب عزله في نقاشاتك. إذ يمكنك على الصعيد الداخلي محاولة تطبيع قرارات العزل الصعبة عن طريق إعلام فريقك أن المضي قدماً يمثّل جزءاً من الأعمال وأن تكون رؤوفاً مع أولئك الذين يغادرون المؤسسة، والحفاظ على العلاقة بين الموظفين ، أما على الصعيد الخارجي، يمكنك التركيز على التطلّع نحو المستقبل. بيّن التطلعات التي تسعى مؤسستك إلى تحقيقها أو التحديات التي تعمل على معالجتها علناً. وتذكر أن تجاهل الأداء الضعيف أسوأ بكثير من معالجته.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل التسريح المؤقت للموظفين أكثر إنسانية؟.
خشي كرم أن يتوصل مديره، والرئيس التنفيذي الذي كان كرم مرشحاً لتولي منصبه، وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين خارج الشركة إلى استنتاج مفاده عدم استقرار شعبة كرم أو ضعف فريقه مجرد عزل نائب رئيس المبيعات. ومن المحتمل أن يسبب ذلك الإحراج العام وفقدان الاحترام لنائب الرئيس نفسه. في الواقع، ما توجّب على كرم النظر فيه هو استنتاجات الأفراد في حال لم يقم بعزل نائب رئيس المبيعات ضعيف الأداء. ومن القسوة ترك قائد يتخبط علناً، ولاسيما في حالة كرم عندما أدى ضعف أداء نائب الرئيس إلى اصطفاف الموظفين الموهوبين الآخرين خارج الباب.
الحتمية البارزة. يخشى المسؤولون التنفيذيون في كثير من الأحيان الاضطراب الذي قد يتسبب به المسؤول التنفيذي عند فصله. إذ من المؤكد أن رحيله سيسفر عن ضرر لا يمكن إصلاحه، ويقنعون أنفسهم وآخرين بدلاً من ذلك بعدم إمكانية الاستغناء عن المسؤول التنفيذي لتبرير التغاضي عن ضعف الأداء أو السلوك السيئ. وقد شهدت استخدام هذا الخوف كذريعة لتجنّب عزل المسؤولين التنفيذيين ضعيفي الأداء عدة مرات، ولكن لم أشهد مطلقاً تجسيد هذا الخوف. ويمكن لأي مكتب العودة إلى نشاطه الطبيعي بسرعة مع خطة انتقالية منظمة بعناية. ويدرك الأفراد المهمون عادة مثل كبار الزبائن التغييرات التي تحصل في مؤسسة ما، وما يريدون معرفته هو كيفية تعاملك مع تلك التغيرات، بغض النظر عن سببها.
تحمّل أحد عملائي مرة سلوكاً مروعاً من مسؤول تنفيذي للمبيعات لأنه لم "يكن على استعداد للمخاطرة" بفقدان علاقاته مع زبائنه. وحظي مسؤول المبيعات التنفيذي على الصعيد الخارجي بتقدير كبير. وتحدث في المؤتمرات جنباً إلى جنب مع كبار الزبائن ودُعي بانتظام إلى لقاءات حصرية من المشترين البارزين. لكنه كان مكروهاً على الصعيد الداخلي لفراره من حضور الاجتماعات ورفضه تعلم تقنيات جديدة وانتهاكه المبادئ التوجيهية لنفقات السفر باستمرار. وفي نهاية المطاف، امتلك قائد عُين حديثاً الشجاعة للسيطرة على الأمور واستبداله، واستبدال أولئك الذين اتبعوا خطاه بمواهب جديدة. ولم يفقدوا زبوناً واحداً في أعقاب استبدال هؤلاء الموظفين، ونمت الإيرادات خلال عام واحد بنسبة 35%.
وفي نهاية الحديث عن موضوع الرؤساء التنفيذيون وفصل الموظفين ، لا ينبغي الاستخفاف أبداً بالقرار المعقد من عزل قائد بارز من منصبه. وفي ضوء صعوبة تجنب بعض تداعيات مثل هذا الخيار، يُعتبر قرار تجاهل الأداء الضعيف الذي لا رجعة فيه خياراً مثقلاً بعواقب أكبر بكثير. ويُعتبر إقرارك بالسلوكيات المذكورة أعلاه، وممارسة السبل للتغلب عليها سبيلاً لمساعدة مؤسستك على المضي قدماً، وخطوة مهمة لصالح الموظفين الذين تخشى عزلهم.
اقرأ أيضاً: الطريقة الصحيحة لتسريح موظف من العمل.