مع استمرار تطور جائحة فيروس كورونا، يبدو أن الأضرار التي لحقت بسوق العمل ستكون عميقة وطويلة الأمد. فبالإضافة إلى شعور المدراء بالتوتر والحزن بسبب اضطرارهم إلى تسريح عدد كبير من العاملين، يشعر الكثيرون منهم بقلق دفين حيال فقدان وظائفهم هم أنفسهم. إذن، حتى إذا كان تسريح الموظفين هو الطريقة الوحيدة لاستمرار عمل المؤسسة، كيف يمكن أن تتغلب على مشاعر الذنب والحزن التي تنتابك؟ وكيف يمكنك إبلاغ موظفيك بخبر التسريح عندما لا يكون بالإمكان مقابلتهم وجهاً لوجه؟ وما الذي ينبغي لك قوله للموظفين الباقين في العمل؟ وما الذي يمكنك فعله لإدارة شعورك بالخوف على مستقبلك في خضم التسريح من العمل المستمر؟
ما الذي يقوله الخبراء عن موضوع التسريح من العمل بشكل مستمر؟
يُعد التسريح من العمل مهمة صعبة في الأوقات العادية، ولكن في ظل الأزمة الصحية العالمية الناتجة عن مرض "كوفيد -19" أصبحت هذه المهمة "مرهِقة عاطفياً وذهنياً"، وفقاً لجوشوا مارغوليس الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، حيث يقول: "يَصعُب على معظمنا فهم هذه التجربة". ويضيف: "هناك قدر كبير من الغموض وعقولنا تضج بالأفكار". وبصفتك مديراً مكلّفاً بتسريح شريحة كبيرة من الموظفين، "فإنك تُسحَب في اتجاهات مختلفة: حيث يتعاطف قلبك مع الموظفين ولكن لديك مسؤولية تجاه المؤسسة". يقول كينيث فريمان، العميد الفخري لكلية كويستروم للأعمال (Questrom School of Business) في جامعة بوسطن، إن هذا التوتر يتفاقم عندما تقلق أيضاً على مصيرك. ويضيف: "لأنك بشر فمن الطبيعي أن تفكر في جميع هذه الأمور في الثانية صباحاً وتعجز عن النوم". والحل هو أن تبذل قصارى جهدك لفصل مخاوفك الشخصية عن المهمة التي بين يديك. "ففي إطار دورك بصفتك مديراً يجب أن تكون موجوداً من أجل موظفيك". وإليكم بعض التوصيات:
توصيات للقادة: فكّر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى إجراء خطوة التسريح
إذا كنت الشخص الموكل باتخاذ قرار التسريح، يوصي مارغوليس أن تسأل نفسك: هل من الضروري حقاً تخفيض عدد العاملين؟ محاولة خفض التكاليف مفهومة، ولكن "ما نواجهه هو ركود مرحلي". فهذه الجائحة بمثابة "مرحلة تاريخية فريدة سيكون لها في نهاية المطاف دور محوري في الاقتصاد والمجتمعات الشعبية والمسارات المهنية وحياة الأفراد"، وبالتالي فإنها قد "تتطلب استجابة مختلفة". بصفتك قائداً، ستحتاج إلى "أن تكون واسع الحيلة وأن تفكر بطريقة خلاقة في كيف يمكن لمؤسستك الحفاظ على أكبر عدد ممكن من الوظائف". يقترح فريمان أن تجمع أعضاء فريقك الإداري وتسألهم: "هل يمكننا تقديم تضحيات في جوانب أخرى؟ وما هي الخيارات الأخرى المتاحة لدينا لخفض التكاليف؟". فمهمتك هي أن تفكر بأفق متسع في كيفية توزيع أو تقسيم العواقب السلبية واسعة الانتشار لمرض "كوفيد-19". ويضيف فريمان: "ينبغي أن يكون تسريح الموظفين هو الخيار الأخير". وإذا كان عليك تسريح بعض الموظفين، ابذل كل ما في وسعك "لتجنب إجراء جولات متعددة" من عمليات التسريح.
اقرأ أيضاً: 5 أسباب تجعل المسؤولين التنفيذيين ينتظرون طويلاً قبل فصل مرؤوسيهم المباشرين.
اجمع معلومات
إذا قررت أن التسريح ضروري أو إذا اتخذ الآخرون هذا القرار نيابة عنك، تأكد أنك مستعد قبل التواصل مع الموظفين المتأثرين بالقرار. كما يقول فريمان، تخيّر "الطريقة والوقت المناسبين لإخبار الموظفين بالقرار، كل منهم على حدة"، وحدد فحوى الرسالة. على الأرجح سيكون لدى الموظفين الكثير من الأسئلة حول التوقيت ومستحقاتهم وتعويضات إنهاء الخدمة. ربما ينبغي أن تُجرى تلك المحادثات بسرعة، ولكن سيكون لديك فرصة أفضل للتخفيف من شعورك وشعور الموظفين بالقلق إذا استطعت أن تمنحهم إجابات حول ما سيحدث في المرحلة القادمة. تواصل مع قسم الموارد البشرية وقسمك القانوني وأي من كبار القادة الآخرين الذين ربما يتمكنون من مساعدتك في تجهيز إجابات عن أسئلة من قبيل "متى سأحصل على راتبي الأخير؟" و"ماذا سيحدث لمعاش التقاعد الخاص بي؟".
إقرأ أيضاً: الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل يتحدث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين في الأزمات.
اعرف قيودك
حتى إذا كنت تترأس عمليات التسريح في الماضي، فإن الإشراف عليها أثناء تفشي فيروس كورونا سيكون مختلفاً لسبب رئيس، ألا وهو: أن تلك العمليات لن تُجرى بحضور شخصي نظراً إلى تدابير التباعد الاجتماعي. كما أنك ستكون بحاجة إلى إجراء محادثة خاصة للغاية في وقت من الصعب فيه توفير الخصوصية. يقول مارغوليس: "دائماً ما يحيط بنا أفراد عائلاتنا وتجري أشياء من حولنا". لذا فهو يقترح أن تسأل موظفك "هل هناك وقت يمكنني أن أتحدث معك فيه لمدة 15 دقيقة وأنت في كامل انتباهك؟". وكن حذراً فقد يجعلك تتراجع عن قرارك. إذ يمكن أن يتوقع ما سيحدث و"بعض الأشخاص قد لا يكون لديهم القدرة النفسية على التعامل مع الأمر"، كما يقول مارغوليس. وفي هذه الحالة يوصي مارغوليس أن تقول شيئاً من قبيل "هل يمكنك أن تخبرني متى ستكون مستعداً لإجراء هذه المحادثة لكي أخبرك بالخطوات القادمة؟".
تحدث بالنبرة المناسبة
لأنك توصل الرسالة عن بُعد، يقترح فريمان أنه يجب عليك أن تحرص بشدة على نقل الخبر "بتعاطف ورأفة". فهدفك هو أن "تعامل الأشخاص بنبل وإنصاف واحترام". حتى إن كنت قلقاً من تسريحك أنت أيضاً، فإن قرار إنهاء العمل هذا لا يتمحور حولك، حيث يقول مارغوليس: "هذا الوقت ليس مخصصاً لك لتشغل مساحة فيه". فلا تستسلم لمخاوفك بقول أشياء من قبيل "الأمر صعب عليّ حقاً". وفي الوقت نفسه لا "تنفصل تماماً عن طبيعتك البشرية" لأنك "ستصبح كالروبوت". بدلاً من ذلك، ابحث عن طريقة "للتعبير عن مشاعرك" وتحدث بأسلوب "هادئ وبسيط". حبذا لو أجريت المحادثة عبر الفيديو لكي "تتواصل بصرياً" مع الموظف الذي سيتم تسريحه. وإذا أجريت المحادثة عبر الهاتف، ابتعد عن جميع المشتتات. "كن منتبهاً بالكامل وانصت له".
كن مباشراً وتحلَّ بالإنسانية
ينبغي أن تكون رسالتك "واضحة وموجزة وقاطعة لا لبس فيها"، كما يقول مارغوليس. على سبيل المثال، يمكن أن تقول "يؤسفني إخبارك أننا سننهي عملك في نهاية الأسبوع المقبل". في حين أن نقل "الرسالة بشكل سريع ومباشر قد يبدو قاسياً، إلا إنه يسمح للشخص أن يدرك ما تقوله ويتعامل معه"، كما يقول مارغوليس. أعرب عن امتنانك لعمله الجاد وتفانيه. ثم قدّم توضيحاً موجزاً وبسيطاً حول الظروف الاقتصادية التي أدت إلى اتخاذ قرار التسريح. يقول فريمان: "أكّد على أن الأمر لا يتعلق بالأداء الوظيفي، فهذا ليس خطأ الموظف. بل يتعلق بظرف عالمي لم يفتعله أحد". اعلم أيضاً أن من أصعب الأشياء في تسريح الموظف أثناء هذه الأزمة هو أن زملاءه في العمل لن تُتاح لهم الفرصة لتوديعه وجهاً لوجه. فبالنسبة إلى كثير من الأشخاص، "يُعد زملاء العمل جزءاً من عائلاتهم الكبيرة". لذا حاول أن توصّل رسالة مفادها "نحن جميعاً نهتم لأمرك".
اعرض المساعدة ولكن لا تبالغ في تقديم الوعود
يوصي فريمان "أن تكون متاحاً بسهولة" ومستعداً لتقديم "الدعم والمشورة" لموظفك حتى بعد إجراء المحادثة الأولى. يجب أن تدرك أن هذا الموظف قد يحتاج إلى بعض الوقت لإدراك الخبر وبالتالي قد يكون لديه بعض الأسئلة لطرحها عليك لاحقاً. "قد يعاود هذا الموظف التواصل معك لالتماس مشورتك". فلا تبخل عليه بالمساعدة. يمكن أن تقدّم له معلومات حول المكان الذي ينبغي أن يتجه إليه للحصول على الإعانات الحكومية. ويمكن أيضاً أن تقدم له أفكاراً حول فرص العمل المتاحة في مؤسسات أخرى. واعرض عليه أن يُدرج اسمك بوصفك مرجعاً مهنياً. ولكن يحذر مارغوليس قائلاً: "لا تبالغ في التعهد بتقديم أشياء لن تتمكن من تقديمها". على سبيل المثال، كما يقول مارغوليس، "قد تميل إلى قول 'عندما تصبح الأمور أوضح ويتحسن الوضع الاقتصادي، ستكون على قائمتنا لإعادتك إلى العمل'". ولكن لا يمكن لأحد أن يستشرف المستقبل بهذا الشكل. "فلا تحاول تلطيف الموقف بهذه الطريقة ولا تمنح أملاً وهمياً".
اقرأ أيضاً: جرب هذه الطرق الفعالة للتوظيف والفصل من العمل.
تحلَّ بالشفافية
كما يقول فريمان، في مثل هذه الأوقات، سينتظر منك بقية الموظفين أن تطمئنهم، وأن تقدم لهم توضيحاً، حيث يقول فريمان: "الموظفون الناجون من قرار التسريح سيقلقون على وظائفهم". والواقع هو أنه "لا أحد يعلم ما ستؤول إليه الأمور"، لذا "عليك أن تتحلى بالشفافية قدر الإمكان". يوصي فريمان أن تعقد جلسة أو لقاءً مفتوحاً تحت عنوان "اسألني عن أي شيء" لكي "لا تنتشر الشائعات". ستحتاج إلى تقديم "توضيح موجز حول الأسباب الضرورية التي دعت إلى تسريح بعض الموظفين"، كما يقول مارغوليس. ويوصي أن تقول شيئاً من قبيل "تواجه المؤسسة تحدياً لم يسبق أن واجهت مثيلاً له من قبل. دعوني أخبركم بما فعلناه ولماذا فعلناه وكيف يمكننا المضي قدماً". ثم عليك أن "تمتص توترهم وثورتهم" وأن تستمع إلى شواغلهم. كما يقول مارغوليس، أنت بحاجة إلى "التعبير عن التزامك بمواصلة المضي قدماً".
نفّس عما بداخلك (ولكن كن انتقائياً)
كما يقول فريمان، هذا الوقت عصيب على الجميع بشكل لا يُحتمل، وغالباً ما يتحمل فيه المدراء عبئاً إضافياً. ويضيف فريمان: "فأنت تشعر أنك مسؤول عن تأمين معيشة أعضاء فريقك وصحتهم ورفاهة عائلاتهم". من بين الطرق العديدة التي يتبعها الأشخاص "للتعامل مع الاضطرابات" هي اللجوء إلى الشعائر والعادات الروتينية، كما يقول مارغوليس. ولكن بسبب تطبيق الحظر الشامل على نطاق واسع ونظام الحجر المنزلي، فإن عاداتنا الروتينية "قد تزعزعت". لذا من المهم "أن يكون لديك مكان يمكنك فيه أن تنفّس عما بداخلك وتتخلص من توترك وتتطرق لما يثير قلقك". ابحث عن شخص يمكنك التحدث معه، سواء زميل أو ناصح أو زميل ولكن من مؤسسة أخرى. "لا بأس أن تفصح في دوائر معينة أنك قلق على مستقبلك، فهذا يخفف من شعورك بالقلق". ولكن كن انتقائياً وحذراً بشأن مقدار القلق والمشاعر التي تظهرها أمام فريقك. "فالجميع يتطلعون إليك" لإيجاد طريق للمضي قدماً.
اهتم بصحتك
وأخيراً، يقول مارغوليس، اعتنِ بنفسك. ويضيف: "آمل أن تكون هذه المرة الوحيدة التي ستواجه فيها شيئاً بهذا الحجم. ولكن من غير المرجح أن تكون هذه هي المرة الوحيدة التي ستواجه فيها تحدياً أثناء تلك الفترة التي يكتنفها قدر كبير من الغموض. وأفضل طريقة للتعامل عندما لا تعلم ما يخبئه لك المستقبل هي أن تعتني بنفسك". تناول طعاماً صحياً ومغذياً، ومارس التمارين الرياضية بانتظام، وحاول أن تتفكر، واحصل على قسط كاف من النوم في المساء، واقرأ كتاباً جيداً. سيساعدك أيضاً أن تتفكر فيما يحدث وتدوِّن أفكارك. ففي النهاية، "لست وحدك مَن يمر بهذا"، كما يقول فريمان. للأسف "يواجه الكثير من المدراء التحدي ذاته".
مبادئ يجب ألا تغيب عن بالك
ينبغي لك:
- التفكير جيداً فيما إذا كان تسريح بعض الموظفين ضرورياً، وأيضاً التفكير في طرق يمكن بها لمؤسستك الحفاظ على أكبر عدد ممكن من الوظائف.
- التعبير عن تعاطفك تجاه موظفيك والتأكيد على أن قرار التسريح ليس خطؤهم.
- البحث عن زميل من داخل مؤسستك أو خارجها يمكنك التحدث معه للتنفيس عما بداخلك وطلب مساعدته في التعامل مع حالة التردد والشك التي تمر بها.
لا ينبغي لك:
- المبالغة في تقديم التعهدات. قدّم الدعم والمشورة للموظفين المسرَّحين، لكن لا تَعد بتقديم أشياء لن تتمكن من تقديمها.
- أن تجعل الأمر يدور حول شخصك. أن تقول أشياء من قبيل "هذا الأمر صعب عليّ حقاً".
- إهمال صحتك، بل يجب أن تبذل قصارى جهدك لتناول طعام صحي والحصول على قسط كاف من النوم وتوفير وقت للاعتناء بنفسك بما في ذلك ممارسة التمارين الرياضية والتفكر.
دراسات الحالة المذكورة أدناه هي لأشخاص ترأسوا عمليات تسريح من قبل. وفي حين أن الظروف التي نواجهها اليوم استثنائية، إلا أننا نأمل أن تقدم تجارب القادة السابقة بعض الدروس المفيدة.
دراسة حالة رقم 1: امتصاص المشاعر السلبية يُعد جزءاً من مهمتك
تقول ليا سوليفان، المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "تاسك رابيت" (TaskRabbit)، وهي سوق على الإنترنت تتيح للأشخاص تكليف عاملين مستقلين بأداء أعمال صغيرة، إن الموجة الأخيرة من عمليات تسريح الموظفين بسبب أزمة فيروس كورونا جعلتها تسترجع ذكريات مزعجة، حيث تقول: "أشعر أنني أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فأنا أعلم تماماً شعور هؤلاء المؤسِّسين والمدراء".
أسست ليا شركة "تاسك رابيت" قبل أشهر قليلة فقط من الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، وقد أشرفت على جولات متعددة من عمليات التسريح قبل أن تستحوذ شركة "آيكيا" (IKEA) على شركتها.
لا يزال عام 2014 عالقاً في ذهنها. فعلى الرغم من تحسُّن وضع الاقتصاد، أصبحت "تاسك رابيت" تواجه مستقبلاً مجهولاً. فقد كان العملاء يتجهون إلى تكنولوجيا الأجهزة المتنقلة، ما جعل المنافسة شديدة بين المنصات.
أدركت ليا أنها لن تتمكن من الاحتفاظ بشركتها التي عملت بجد لتأسيسها ما لم تُجرِ تغييرات كبيرة. وبعد أن أجرت ليا العديد من المحادثات المؤلمة مع الفريق التنفيذي للشركة المكون من 5 أعضاء، توصلت إلى أنها بحاجة إلى تسريح 20 موظفاً، ما يعادل حوالي 25% من قوة العمل.
تتذكر ليا ما حدث قائلة: "كنت أعلم أن هذا سيكون الأفضل للشركة على المدى البعيد، ولكن في ذلك الوقت كنت أعيش أسوأ كوابيسي، فأنا بذلك أخذل موظفي الشركة".
لكنها أدركت أن هذا التسريح لا يتمحور حولها، حيث تقول: "على الرغم من صعوبة اتخاذ هذا القرار عليّ وعلى الفريق، كنت أعلم أنه سيكون أكثر صعوبة على الموظفين الذين اضطررت أن أسرحهم".
ولذلك كان طلبها الأول في العمل هو كتابة رسالة للموظفين المتأثرين بالقرار بحيث تكون قصيرة ومقتضبة. فقد قالت شيئاً من قبيل "لسنا على طريق التنمية المستدامة. ومن أجل أن تكون الشركة في وضع جيد وتمضي قدماً، نحتاج إلى إعادة تنظيم الفريق ومع الأسف لا يمكن للجميع البقاء".
أجرت ليا اجتماعاً بشكل منفرد مع كل موظف وقدمت لهم الدعم بكل تعاطف، بما في ذلك منحهم مكافأة نهاية خدمة سخية. كما أنها استعانت بشبكة علاقاتها لمساعدة الموظفين المسرَّحين على إيجاد فرص عمل جديدة. تقول ليا: "أردت أن أرعاهم وأهتم بهم لكي يتمكنوا من الانتقال بسلاسة إلى وظائف جديدة".
وبعد ذلك تحدثت ليا مع بقية أعضاء الفريق وأبدت استعدادها للإجابة عن أي سؤال. وتضيف: "في نهاية ذاك اليوم عقدنا اجتماعاً على مستوى الشركة، وفيه تحدث الموظفون عما يجول في خواطرهم. قال بعضهم 'أشعر بالحزن' أو 'أشعر بالغضب' أو 'أشعر بخيبة الأمل'".
واعترفت ليا أنه لم يكن من السهل عليها سماع تلك العبارات. حيث تقول: "كانت مهمتي أن أمتص مشاعرهم السلبية، ولكني شعرت بالفشل".
كان الحفاظ على صحتها النفسية وقدرتها على الصمود تحدياً بالنسبة إليها، حيث تقول أنها كانت تنفّس عما بداخلها لفريقها التنفيذي. وروح الزمالة بينهم ساعدتها على ذلك. ففي النهاية، "نحن نخوض المعركة نفسها معاً".
تستثمر ليا اليوم في الشركات الناشئة باعتبارها مستثمرة مغامرة (جريئة) في شركة "فيول كابيتال" (Fuel Capital). ومؤخراً كانت تقدم الإرشاد للشركات التي تواجه تحديات مماثلة. تقول ليا: "لا توجد طريقة لتجنب الأمر، وتسريح الموظفين أمر صعب بالتأكيد، بل إنه أصعب شيء اضطررت إلى فعله".
دراسة حالة رقم 2: تقديم الدعم بكل تعاطف والإعراب عن الامتنان
كارلا يوديشتو، المخضرمة في مجال الموارد البشرية منذ فترة طويلة، أشرفت على العديد من عمليات تخفيض العمالة في الشركات على مدار حياتها المهنية. لا تصبح هذه المهمة أسهل أبداً، حيث تقول كارلا: "عليك أن تحاول أن تكون صريحاً قدر الإمكان وأن تعامل موظفيك بكل احترام، ولكن في الوقت نفسه عليك أيضاً أن تدير مشاعرك ومخاوفك".
تذكرت كارلا إحدى جولات تسريح الموظفين في مرحلة مبكرة من حياتها المهنية، وقد كانت صعبة بوجه خاص. كان ذلك في عام 2003، عندما كانت تعمل في شركة للأجهزة الطبية ذات ملكية عامة في منطقة الخليج، وقد أجرت هذه الشركة جولة من عمليات تسريح الموظفين عام 2001 بالفعل.
تقول كارلا: "كنا نأمل أن نقوم بهذا مرة واحدة فقط، ولكن الشركة كانت تواجه الكثير من المشكلات، ومن ثمّ كانت هناك حاجة إلى إجراء جولات متعددة من عملية التسريح".
ولأن كارلا كانت مديرة الموارد البشرية فقد كُلفت بتسريح عشرات الموظفين بما في ذلك عدة أعضاء من فريقها. تقول كارلا: "كان عليّ أن أخبر زميلي الذي كان يكبرني بعشرين عاماً ولديه عائلة أنه لم يعد لديه وظيفة". وتضيف كارلا: "كنت أسأل نفسي أسئلة من قبيل 'مَن أنا لأفعل هذا؟ وهل سأكون بخير بعد فعله؟'".
كانت كارلا تتدرب على ما ستقوله. حيث تقول: "يجب أن تخوض في التفاصيل الواقعية". وتضيف: "هذا الموقف عاطفي ومؤثر، وعندما يتفاعل أحدهم مع ما تقوله بطريقة عاطفية، يمكن أن تنسى ما ترغب في قوله".
تقول كارلا أنها تعاملت مع عمليات التسريح بكل تواضع ونزاهة. كما أنها أرادت أن تقدم للموظفين المسرَّحين أكبر قدر ممكن من المساعدة والدعم. ولذلك قبل إعلام الموظفين بالخبر، جمعت هي وزملاؤها معلومات حول كيفية الحصول على تعويض البطالة والقيود المفروضة على مزايا قانون تسوية الميزانية الشاملة الموحد "كوبرا" (COBRA). تقول كارلا: "فكرنا كثيراً فيما يجب أن يكون عليه فحوى الرسالة، وحاولنا أن نتوقع أي سؤال قد يطرحه الموظفون".
تلقت كارلا تأكيداً من قادة وحدتها أن وظيفتها في أمان. وعلى الرغم من ذلك ظل مستوى هرمون الكورتيزول مرتفعاً في داخلها. للتعامل مع هذا الوضع، جزَّأت كارلا المهمة، حيث تقول: "كنت بحاجة إلى التفكير في الشركة من السابعة والنصف صباحاً حتى الخامسة والنصف مساءً، ثم يمكنني الاهتمام بنفسي في بقية اليوم".
وتضيف: "أتذكر أنني كنت أمارس الكثير من تمارين التنفس العميق والجري واليوغا".
كان إبلاغ بقية الموظفين بخبر التسريح تحدياً آخر. وقد تعاملت هي وزملاؤها في قسم الموارد البشرية مع الأمر بشفافية. حيث تقول كارلا: "لم نستطع أن نقدم وعوداً لأننا كنا نعلم أن شركتنا بحاجة إلى الخروج من أزمتها بسلام". وتضيف: "أردنا أن نطمئن الجميع أن كل شيء سيكون على ما يرام. ولكننا لم نتمكن من ذلك، فلم يكن أحد في أمان".
أُغلقت هذه الشركة في النهاية، وتعمل كارلا اليوم نائب رئيس عمليات تشغيل الموظفين في شركة "ماموث آتش آر" (Mammoth HR) وشركة "ثينك آتش آر" (ThinkHR). ونصيحتها للمدراء الذين يشرفون على عمليات التسريح اليوم: "حاول أن تبني علاقة شخصية مع الموظفين المسرَّحين".
حيث تنصح كارلا المدراء في حديثها عن التسريح من العمل قائلة: "اكتب رسالة شكر لموظفيك لتعرب فيها عن امتنانك وتقديرك لهم، ولتوديعهم. "ففي أوقات (كالتي نعيشها الآن)، ستكون هذه لفتة لن تُنسى".