في كل عام، تصنف وسائل الإعلام المتخصصة بالشؤون التجارية الرؤساء التنفيذيين بناء على أدائهم، فيصبح الرؤساء التنفيذيون والاستحواذ ضمن القلة الذين يفوزون وينالون المراتب العليا نجوماً ويحققون شهرة ومركزاً اجتماعياً أعلى وقد ينالون مكافآت مالية أكبر أيضاً. كما يستفيد الفائزون من شهرتهم في تحصيل مقاعد أكثر في المجالس وتأليف الكتب، فماذا عن موضوع الرؤساء التنفيذيين والاستحواذ تحديداً؟
الرؤساء التنفيذيون والاستحواذ
بمقابل كل رئيس تنفيذي فائز سعيد، هناك العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين لم يفوزوا. وأردنا أن نعرف كيف يؤثر هذا التصنيف على الرؤساء التنفيذيين الذين لا ينالون المرتبة الأولى. فإن كان بإمكان هذه الجوائز التأثير على سلوك من ينالها، هل بإمكانها التأثير على سلوك منافسيه الذين لم يحصلوا عليها أيضاً؟
اقرأ أيضاً: أحد أسباب فشل الاندماج: عدم توافق ثقافات الشركات
أجرينا دراسة للتحقيق في هذه المسألة. وبالنظر إلى جوائز الرؤساء التنفيذيين التي تقدمها مجلة "بزنس ويك" (Business Week) و"جائزة فاينانشال وورلد الذهبية والفضية" (Financial World Gold/Silver Awards) و"فوربس" و"تشيف إكزيكيوتيف" (Chief Executive) و"هارفارد بزنس ريفيو"، حددنا أكثر من 200 نجم من الرؤساء التنفيذيين في شركات ضمن مجموعة مؤشر "إس أند بي 1,500" (S&P) في الولايات المتحدة بين عامي 1996 و2010، واعتبرنا الرئيس التنفيذي "نجماً" إذا فاز بجائزة أو شملته تصنيفات أفضل الرؤساء التنفيذيين. ومن ثم حددنا منافسيهم في الشركات ضمن مجموعة "إس أند بي 1,500"، وهم الرؤساء التنفيذيون لشركات مساوية لشركة الرئيس النجم بالحجم وبعروض المنتجات. وكان عدد الشركات المنافسة لكل شركة رئيس نجم 24 شركة وسطياً، وبلغ عدد المتنافسين في عينتنا 1,450 رئيساً تنفيذياً.
اقرأ أيضاً: الصحة التنظيمية للمؤسسة هي العنصر السري في نجاح صفقات الاستحواذ الكبرى
افترضنا أن شركات الرؤساء التنفيذيين المنافسين ستجري عمليات استحواذ أكثر عدداً أو أكبر حجماً خلال الأعوام الأربعة التالية لفوز شركة نظيرة لها بجائزة الرئيس التنفيذي (أي في فترة ما بعد الجائزة)، مقارنة بالأعوام الأربعة السابقة (أي فترة ما قبل الجائزة). وكنا نعتقد أن ما تمنحه الجائزة للرئيس التنفيذي من مركز اجتماعي رفيع وشهرة يحفز المنافسين غير الفائزين للبحث عن طرق لتعزيز مراكزهم الاجتماعية وشهرتهم على المدى القصير. وبما أن وسائل الإعلام تولي اهتماماً شديداً بعمليات الاستحواذ، يكون القيام بعمليات استحواذ أكثر عدداً أو أكبر حجماً أمراً قادراً على منح الرئيس التنفيذي المركز الاجتماعي والشهرة اللذين يسعى إلى تعزيزهما.
كما تمكّن عمليات الاستحواذ الشركة من النمو بسرعة أكبر من نموها بصورة طبيعية، إذ يمكن لنمو الشركة تعزيز الحالة الاجتماعية للرئيس التنفيذي، كما تدفع الشركات الأكبر أجوراً أعلى للرؤساء التنفيذيين. ولذلك يمكن لعمليات الاستحواذ مساعدة الرئيس التنفيذي المنافس على دعم مركزه الاجتماعي وشهرته إضافة إلى رفع أجره.
وجدنا أن شركات الرؤساء التنفيذين المنافسين أجرت عمليات استحواذ في فترة ما بعد الجائزة أكثر بنسبة 22% من فترة ما قبل الجائزة. ويعني ذلك أنه إذا أجرت الشركة المنافسة 5 عمليات استحواذ في فترة ما قبل الجائزة، ستقوم بست عمليات استحواذ بعدها. فضلاً عن ذلك، وجدنا أنه إذا أنفقت شركة مبلغ 100 مليون دولار على عمليات الاستحواذ في فترة ما قبل الجائزة فستزيد ما تنفقه على الاستحواذ بعدها ليصل إلى نحو 256 مليون دولار.
كما أجرينا دراسة على مدى اختلاف استجابة الرؤساء التنفيذيين لعدم الفوز بالجائزة. وأنشأنا نموذجاً من أجل تقدير فرصة كل رئيس تنفيذي في الفوز بناء على مميزات الشركة (كالحجم وأداء المحاسبة وأداء الأسهم وكثافة الدعاية)، ومميزات الرئيس التنفيذي (مثل الجنس والعمر وطول مدة الخدمة)، وعدد عمليات الاستحواذ التي أجريت خلال العامين السابقين. وكما كان متوقعاً، وجدنا أن الرئيس التنفيذي "الوصيف"، أي الذي بدا فائزاً ولكنه لم يفز وبقي في المرتبة الثانية، كان هو صاحب الزيادة الأكبر في عمليات الاستحواذ التي أجريت في فترة ما بعد الجائزة عدداً وقيمة. وهذا يشير إلى أن هذا الرئيس التنفيذي "الوصيف" قد يشعر بالسوء تجاه خسارة الجائزة أكثر من أي رئيس تنفيذي منافس آخر.
إذا استعان الرؤساء التنفيذيون المنافسون بعمليات الاستحواذ للتعويض عن خسارتهم كما تشير بياناتنا، فما الذي يمكننا توقعه من جودة هذه العمليات؟ لقد وجدنا أن عمليات الاستحواذ التي أجراها الرؤساء التنفيذيون بعد خسارة الجائزة كان لها أثر ضار على أداء المحاسبة أكبر من ضرر عمليات الاستحواذ التي أجريت في فترة ما قبل الجائزة. وتحديداً، أثرت عمليات الاستحواذ التي أجرتها شركات الرؤساء التنفيذيين المنافسين في فترة ما بعد الجائزة سلباً على العائدات على الأصول أكثر من العمليات التي أجرتها في فترة ما قبل الجائزة. أضف إلى ذلك، أن أسواق الأسهم تفاعلت على نحو سلبي أكثر مع عمليات الاستحواذ في فترة ما بعد الجائزة، وهذا ما يشير إلى أن هذه العمليات أجريت على عجل ومن دون عناية كافية.
تترتب على نتائجنا ثلاثة آثار عملية مهمة. أولاً، عندما يقيّم المساهمون ومدراء المجالس ما إذا كانت عملية الاستحواذ نافعة أو ضارة، يجب عليهم البحث في دوافع الرئيس التنفيذي الكامنة وراء هذه العملية. ويجب عليهم تحديداً الانتباه إلى توقيت عرض الرئيس التنفيذي لصفقة الاستحواذ. على سبيل المثال، تشير دراستنا إلى أن تقديم الرئيس التنفيذي عرضاً لصفقة استحواذ بعد فترة قصيرة من حصول نظير له على جائزة رفيعة المستوى قد يكون مدفوعاً برغبته الشخصية وقد تترتب عليه عواقب سلبية بالنسبة للشركة.
ثانياً، تسلط نتائجنا الضوء على الأثر السلبي المحتمل لجوائز الرؤساء التنفيذيين. فعلى الرغم من إمكانية استخدامها لمكافأة الذين قاموا بعمل ممتاز وتحفيز من لم يفوزوا بها للعمل بجد أكبر وتحقيق أداء مالي أفضل، فإن الرغبة الشخصية بتحقيق مكانة اجتماعية رفيعة وشهرة قد تدفع غير الفائزين للقيام بتحركات استراتيجية كعمليات استحواذ يمكنها الإضرار بحقوق المساهمين. أضف إلى ذلك، أن عدد الرؤساء التنفيذيين غير الفائزين أكبر من الفائزين بكثير، ولذلك، ربما كان الأثر السلبي المحتمل لهذه الجوائز أكبر من قيمتها.
اقرأ أيضاً: بحوث: صفقات الاندماج والاستحواذ الأصغر هي الأكثر نجاحاً
ثالثاً، يسلط بحثنا الضوء على أهمية الانتباه إلى مشاعر الرئيس التنفيذي بعد حصول نظرائه على شيء قيّم. إذ تشير هذه الدراسة إلى احتمال أن يشعر الرئيس التنفيذي بالحسد تجاه نظيره الذي حقق مكانة اجتماعية وشهرة أكبر، ويمكن أن تدفعه مشاعر الحسد هذه إلى القيام بعمليات استحواذ مكثفة أو تحركات استراتيجية أخرى قد تفيد أغراضه الشخصية ولكنها تضر بحقوق المساهمين. وتشير نتائجنا إلى أنه يجب على مدراء المجالس ممارسة دور في منع مشاعر الرئيس التنفيذي من التأثير على القرارات الاستراتيجية المهمة في الشركة.
وفي نهاية الحديث عن الرؤساء التنفيذيين والاستحواذ تحديداً، من الجدير بالذكر أننا لم نقم بقياس مباشر للعملية النفسية التي يستند عليها رد فعل الرئيس التنفيذي تجاه عدم فوزه بالجائزة. ولكن تشير نتائجنا باستمرار إلى أنه يسعى لتحقيق شهرة أكبر في مجتمع الأعمال من خلال عمليات الاستحواذ المكثفة.
اقرأ أيضاً: الشركات المرموقة تنفذ عمليات استحواذ أكثر خطورة من الشركات الأخرى