كيف يقدم الذكاء الاصطناعي بيانات مدعومة بالبصيرة البشرية لاتخاذ القرار؟

5 دقائق
الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار
shutterstock.com/Blue Planet Studio

يضع الرئيس التنفيذي اللمسات الأخيرة على خطط العام المقبل مع فريقه التنفيذي الأول، وخلال المناقشات يتلقى أحد أعضاء الفريق إشعاراً على هاتفه المحمول حول تفشي مرض جديد في بلد يبعد نحو 9,654 كيلومتراً يثير حيرة المتخصصين الصحيين. يحلل أعضاء الفريق المعلومات التي لديهم بأداة التحليلات الخاصة بهم، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المساعدة في صناعة القرار من أجل فهم تأثير هذا المرض، فتشير الأدلة إلى وجود احتمال بنسبة 75% أن يؤثر هذا المرض على توقعات العوائد الخاصة بالعام المقبل ما لم تتم السيطرة على هذا المرض خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فيوجّه الرئيس التنفيذي فريقه لمراقبة تطور المرض وإعداد خطة طوارئ في حالة عدم القدرة على احتوائه خلال المدة المحددة.

يبدو المشهد أعلاه مألوفاً في خضم جائحة فيروس كورونا، وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر البيانات والذكاء الاصطناعي، فقد أثبت الدمار الاقتصادي الناجم عن هذه الجائحة أننا بعيدون كل البعد عن مهارة إدارة الأزمات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

تفاوت تأثير جائحة فيروس كورونا على الشركات

لقد استطاع نظام شركة "بلودوت" (BlueDot) لمراقبة الأمراض المعدية التنبؤ بظهور مرض "كوفيد-19" قبل 9 أيام من إعلان "منظمة الصحة العالمية" الخبر الأول عن هذا الفيروس، إلا أن العديد من القادة لم ينتبهوا لهذا التحذير المهم، وكانت النتيجة أن أفلست الشركات وفقد الملايين وظائفهم ودخلت البلدان في إحدى أسوأ حالات الركود الاقتصادي.

ولكن من جانب آخر، هناك العديد من المؤسسات والبلدان الذين استطاعوا تقليل تأثير هذا الفيروس على أعمالهم واقتصادهم بسبب تبنيهم نهجاً قائماً على الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لتحسين عملية اتخاذ القرار واستشراف تحديات المستقبل. لكنّ التحيزات المعرفية لا تزال توجه العديد من القادة بعيداً عن اتخاذ القرارات الموضوعية. إذ غالباً ما يستخدم القادة البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي كعكاز لدعم قراراتهم المتحيزة، ولحسن الحظ يمكن الحد من هذه التحيزات بشكل كبير باستخدام نموذج هجين يستخدم الذكاء الاصطناعي والتفكير المنظومي (Systems Thinking) لإنشاء نماذج استشراف استراتيجية تساعد في تقليل تحيزات عملية صنع القرار، ويكون ذلك باختبار مدى التحيّز في التقنيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وفقاً لما ذكرته كريتي شارما، نائبة رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة "سيج" (Sage) في مقالها المنشور في موقع هارفادر بزنس ريفيو العربية بعنوان: "هل بوسعنا منع تحيزاتنا من التسلل إلى الذكاء الاصطناعي؟"، إضافة إلى الاسترشاد بـ "نموذج صنع القرار الذي يجمع بين قدرة الذكاء الاصطناعي ومحاكمة العقل البشري" الذي طرحه إريك كولسون، الرئيس التنفيذي للخوارزميات في شركة "ستيتش فيكس" (Stitch Fix) في مقاله المنشور في موقع هارفارد بزنس ريفيو العربية بعنوان: تعرف على طرق صناعة القرار بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

استشراف المستقبل وصنع القرار الأفضل اعتماداً على الذكاء الاصطناعي

لقد خلقت التطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير نهج جديد من أجل صنع القرار يتضمن الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأحداث في الوقت الفعلي، واستخدام الخوارزميات لتقييم كيفية حدوث الأمور في المستقبل. إن هذا النهج هو تقاطع فريد بين الذكاء الاصطناعي والتفكير المنظومي وعلم البيانات والاستبصار الاستراتيجي، الذي يمكّن المؤسسات من إنشاء نماذج مهمة تساعد في تحسين عملية اتخاذ القرارات المستقبلية، بسبب دمج الجوانب الكمية والنوعية لهذه العملية، وهذا ما تم الحديث عنه ضمن المقال المنشور سابقاً في موقع هارفارد بزنس ريفيو العربية، بعنوان: "4 نماذج لاستخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات".

هناك أيضاً العديد من المؤسسات التي تبنت تطبيق هذا النهج. على سبيل المثال، تستخدم شركة "أوبر" البيانات من سيارات الأجرة العديدة الموجودة في الشارع لتقييم المكان الذي ستأتي منه أعلى نسبة من طلبات التوصيل. كما تساعد منصة التعلم الآلي الخاصة بالشركة "أوبر، مايكل أنجلو" (Uber, Michelangelo)، في تحليل المعلومات لاتخاذ القرار حول طلبات التوصيل إضافة إلى إعلام العملاء بأوقات الانتظار التقريبية لوصول الرحلات. كما تستخدم المنصة أيضاً بيانات الوقت الفعلي لتحليل أسعار الركوب وتحسينها، ويتم استخدام منصة "أوبر، مايكل أنجلو" أيضاً عبر تطبيق "أوبر إيتس" (Uber Eats) لتوصيل الطعام، من أجل تحديد المسارات المُثلى لعمليات الاستلام والتسليم. إذ تتضمن هذه العملية طلب الطعام وإعداده وتسليمه عبر مراحل متعددة، وجميع هذه الخطوات يتم تحليلها بواسطة خوارزمية التعلم الآلي للتنبؤ بأوقات التسليم المقدرة للعميل.

كما أن شركة "بالانتير" (Palantir) تُحكّم قراراتها استناداً إلى البيانات والخوارزميات، وشركة "بالانتير" هي كيان تم تشكيله من قبل المدراء التنفيذيين في شركة "باي بال" (PayPal)، لاستخدام عمليات اتخاذ القرار المستندة إلى البيانات بعدة طرق مبتكرة. إذ طور المهندسون خوارزميات خاصة بكشف الاحتيال في المعاملات المالية أثناء وجودهم في شركة "باي بال" بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001، ثم قام مؤسسو شركة "بالانتير" بتكييف خوارزميات كشف الاحتيال لتقييم البيانات التي تأتي من مصادر مختلفة من أجل التنبؤ بحدوث الأنشطة المخالفة للقانون، وتم نشر خوارزميات هذه الشركة لدعم وكالات الاستخبارات المختلفة في عملها للحد من الأعمال الإجرامية. وتقدم شركة "بالانتير" الآن أيضاً حلولاً مخصصة للمؤسسات والحكومات في جميع أنحاء العالم، من خلال خوارزميات الملكية وخدمات البرمجيات التي تساعد في تحسين كفاءة اتخاذ القرار، وقد تلقى نموذج الأعمال الخاص بهذه الشركة دفعة قوية عندما تم طرحها للاكتتاب العام بقيمة تزيد على 16 مليار دولار أميركي عام 2020.

سيساعد هذا النموذج المؤسسات على التنبؤ بدقة بكيفية تأثير حدث معين على قرارات القادة، وكيف ستؤثر هذه القرارات على ثروة المؤسسات بالمحصلة. كما ستزود الأداة القادة بوصف مفصل لكيفية ظهور السيناريوهات المستقبلية، الأمر الذي يسمح للمؤسسة بتحسين نشر مواردها والمحافظة عليها.

استخدام الخوارزميات والبيانات في عملية اتخاذ القرار بطريقة صحيحة

تمثل شركتا "أوبر" و"بالانتير" جزءاً صغيراً فقط من المؤسسات التي تطبق هذا النهج الهجين لصنع القرار؛ حيث تستخدم العديد من المؤسسات الكبيرة الخوارزميات وتقنيات تعلم الآلة لحل المشكلات الحرجة التي تواجهها، ولكن نجاح هذه الأساليب يختلف اختلافاً كبيراً وفقاً لطريقة تطبيقه بطريقة مدروسة وبعيدة عن التحيز أو التضليل، ولهذا يجب على قادة الشركات تدقيق جميع مراحل اتخاذ القرار المستند إلى البيانات والخوارزميات، والابتعاد عن ظاهرة "التعصب للبيانات" التي تم الحديث عنها في مقال هارفارد بزنس ريفيو المنشور بعنوان: "لماذا نحتاج إلى تدقيق الخوارزميات قبل اتخاذ القرار؟" لأن تسليم دفة القيادة للبيانات والخوارزميات دون رقيب بشري سيؤدي إلى نشر الشائعات والمعلومات المضللة، وتضخيم صدى الرأي العام دون فائدة، ما يعني إضعاف الصحة العقلية للقادة عند اتخاذ القرارات.

ومن أجل تنفيذ هذه التقنيات بنجاح داخل المؤسسات، يجب على المدراء أولاً فهم وتقدير ضرورة وجود نهج مضبوط للتفكير في الأنظمة داخل مؤسساتهم، ويجب على الحكومات حول العالم الاتفاق على وضع بروتوكول واضح لتحديد متى يمكن مشاركة البيانات على أنها جزء أساسي من عملية اتخاذ القرار، وربما سيكون من المفيد تعليق قوانين الخصوصية العادية للسماح بمشاركة البيانات المجهّلة عبر قنوات آمنة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التي ستشارك في توجيه القرارات والسياسات المؤثرة في حياة الأفراد، وذلك وفقاً لما طرحه كل من ثيوس إفينيو، أستاذ علوم صناعة القرار وإدارة التكنولوجيا في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال "إنسياد" (INSEAD)، وديفيد هاردون، المستشار الأول للبيانات والذكاء الاصطناعي في بنك "يونيون بنك الفلبين" (UnionBank Philippines)، وأنطون أوفتشينيكوف، الباحث في في بنك "سكوتيابنك" (Scotiabank)/ في مقالهم المنشور على موقع هارفارد بزنس ريفيو العربية، بعنوان: "كيف تستفيد من الذكاء الاصطناعي لمكافحة هذا الوباء والتحصن ضد الوباء القادم".

ولأننا نعيش في عالم متصل بشكل متزايد، يمكن أن يكون لحدث بسيط يجري في جزء بعيد من العالم عواقب بعيدة المدى، وقد أظهرت لنا جائحة "كوفيد-19" أنه يمكن لأدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي ومعتمدة على التفكير في النظم بطريقة صحيحة أن تؤثر على كيفية تقييمنا لمثل هذه الأحداث، وتعاطينا معها بطريقة صحيحة.

لقد كان على القادة والمدراء الاعتماد على التجريدات النوعية للسيناريوهات المحتملة التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة القرار. إذ إن الأدوات التقنية المصممة جيداً يمكن أن تكون نموذجاً ناجحاً لمعرفة تأثير الأمور المفاجئة على بيئة العمل، وذلك عبر صياغة مقياس كمي واقعي قادر على التنبؤ بمسار الأحداث المستقبلية، وسيساعد هذا المقياس قادة الأعمال على اتخاذ قرارات مدروسة لتجنب الإخفاقات، وتقليل تأثير الظروف التي لا مفر منها، الأمر الذي سينتج سيناريوهات استشراف استراتيجي قادرة على الصمود بوجه الأزمات القادمة.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: عيوب التسويق الفيروسي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي