ملخص: السبب الذي أدى إلى انتشار الفِرق بدرجة كبيرة في ثمانينيات القرن الماضي هو أنها عندما تنجح يكون نجاحها باهراً، كما تولّد الفرق الناجحة حلولاً إبداعية للمشكلات المعقدة وتقدم للموظفين تجارب مجزية فيما يتعلق بروح الزمالة والتحديات. لكن للأسف، حتى الفرق العالية الأداء تتكبد بعض التكاليف، وحين نظر المؤلفان إلى مستقبل ما بعد الجائحة توقعا أن تتزايد عوامل الضغط هذه باستمرار، ما يعني أن الوقت قد حان لإعادة تقييم الوقت والأسلوب المناسبين للاستعانة بالفرق في المؤسسات. يتمثل أحد الحلول في التخلي عن "الفرق الحقيقية" والاستعانة بما نسميه "مجموعات العمل المشترك"، وهي مجموعة فضفاضة من الموظفين الذين ينغمسون في تفاعلات العمل التعاوني ويخرجون منها بحسب تطور المشروع أو المبادرة. يناقش المؤلفان الجوانب الإيجابية والسلبية ويقدمان بعض المبادئ لمجموعات العمل المشترك الفعالة.
نحن نحب الفرق حقاً، ويبلغ مجموع خبرتنا معاً أكثر من 40 عاماً في دراسة الفرق ضمن المؤسسات وتدريبها وتدريس العلوم المتعلقة بها، لذلك يفاجئنا أن نكتب مقالاً اليوم نتساءل فيه عما إن كانت الفرق عملية أو ضرورية للعمل المعرفي كما كانت من قبل.
نقول ذلك بناء على المحادثات الكثيرة التي أجريناها مؤخراً مع موظفين من جميع المستويات، بدءاً من متدربي فصل الصيف وصولاً إلى الرؤساء التنفيذيين؛ ففي كل مستوى سمعنا مخاوف حول التوازن بين الحياة والعمل وانفصال الموظفين الذهني عن العمل ودوران الموظفين. لكن إجهاد من يعملون في الفرق أو يقودونها يبدو أكبر، ونعتقد أننا نعرف السبب.
متى تنجح الفرق؟
أولاً، دعنا نتوقف لحظة لنتذكر السبب الذي دفعنا في المقام الأول للاستعانة بعدد كبير من الفرق في العمل المعرفي، لأنها جديدة نسبياً.
ازدادت أهمية فرق الموظفين الإداريين لتصبح النموذج المؤسسي الأبرز في بداية ثمانينيات القرن الماضي استجابة للتقدم في التكنولوجيا وعولمة الاقتصاد. السبب الذي أدى إلى انتشار الفرق بهذه الدرجة هو أنها عندما تنجح يكون نجاحها باهراً؛ فهي تولّد حلولاً إبداعية للمشكلات المعقدة، إلى جانب أنها تقدم للموظفين تجارب مجزية فيما يتعلق بروح الزمالة والتحديات. وبالفعل، تتعدى الفرق الناجحة بأدائها العالي إنجاز منتج العمل الممتاز، إذ تخلق فرص النمو لأفرادها وثقافة يتوق الجميع للانضمام إليها.
متى تفشل الفرق؟
للأسف، حتى الفرق العالية الأداء تتكبد بعض التكاليف، وهي معروفة منذ عقود. في عام 2009 أجرينا مقابلة مع مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان "لماذا تفشل الفرق؟" (Why Teams Don’t Work)، قال فيها مرشدنا الراحل ريتشارد هاكمان: "تثبت الأبحاث مرة تلو المرة أن الفرق تقدم أداء أدنى من المستوى المطلوب على الرغم من إتاحة موارد إضافية لها، لأن مشكلات التنسيق والتحفيز عادة تلغي فوائد العمل التعاوني تدريجياً".
أثرنا مخاوفنا الخاصة بشأن استدامة العمل الجماعي في مقال كتبناه في بداية الجائحة نصحنا المدراء فيه باتباع نهج الفرز لتحديد عوامل الضغط التي تتعرض لها فرق الإدارة. وحين ننظر إلى مستقبل ما بعد الجائحة نتوقع تزايد عوامل الضغط هذه، ما يعني أن الوقت قد حان لإعادة تقييم الوقت والأسلوب المناسبين للاستعانة بالفرق في المؤسسات.
أما زالت الفرق ذات قيمة؟
قبل المسارعة بتكرار تصميمات هيكلية الفرق أو الاستثمار في تكنولوجيات دعم الفرق، نحثّ المدراء على إعادة حساباتهم مرة أخرى من أجل ضمان أن تكون الفوائد أكبر من التكاليف، فالعمل الهجين قادر على قلب الميزان بالاتجاه المعاكس للأسف.
التكاليف المتزايدة
لطالما اضطرت الفرق إلى بذل قدر هائل من الوقت والجهد والتركيز على تنسيق مهام مثل نشر المعلومات والموارد ومهام العمل وتوجيهها، وتأسيس قواعد صحية وحلّ النزاعات، والمواءمة بين الدافعية والجهود، ودمج الشخصيات المتباينة، وتجميع المنجزات. كما يضيف انتشار العمل في العالم مشكلة اختلاف المناطق الزمنية والثقافات واللغات بوصفها أساساً لتشكيل فرق فرعية أو نشوء مشكلات سوء الفهم، ولهذه الأسباب اعتُبر عبء العمل التعاوني الزائد خطورة لبعض الوقت.
أدت زيادة العمل التعاوني على نطاق واسع إلى مضاعفة هذا التعقيد بدرجة هائلة؛ إلى جانب كل التكاليف المذكورة آنفاً والتي ما زالت مستمرة، ازداد تفرّق أفراد الفرق إذ يعملون أحياناً ضمن المقار المكتبية وفي أحيان أخرى يعملون عن بُعد وفي مواقع مختلفة ينطوي كل منها على موارده وعوامل التشتيت الخاصة به. من الضروري أن نتذكر أنه ليس على القادة التفكير في أفراد الفرق كل على حدة، لأن موقع كل منهم يؤثر في تنظيم الفريق بأكمله بدرجة كبيرة، ويؤدي إلى تشكيل فرق فرعية جديدة وفئات أغلبية وأقلية وفئات منعزلة.
إضافة إلى تعقيد التنسيق بين هذه المواقع، يطالب الموظفون بمستوى أعلى من الاستقلالية في تحديد مواعيد عملهم ضمن المقر المكتبي، ما يعني ضرورة المواءمة بين جداول العمل المتغيرة أيضاً. ولكن هذه الأنماط تتغير باستمرار أيضاً؛ إذ توصلت دراسة عالمية أجريت في عام 2022 إلى أن أكثر من نصف موظفي القوة العاملة يفكرون في زيادة العمل وفق النموذج الهجين في المستقبل. يؤدي كل ذلك إلى زيادة هائلة في تعقيد تنسيق المهام التي يجب على الفرق إنجازها وفي تكاليف الوقت والطاقة اللازمين للقيام بهذا التنسيق.
هذا المستوى من التنوع الذي يخلقه العمل الجماعي الهجين غير مسبوق في الحياة المؤسسية، وهو يدفع كثيراً من المدراء إلى حافة الانهيار. في نفس الدراسة المذكورة أخيراً، قال 74% من المدراء حول العالم إنهم لا يملكون حالياً ما يلزم من الموارد أو النفوذ لإدارة القوى العاملة الهجينة بفعالية.
الفوائد المتناقصة
تشهد الفرق العصرية تراجعاً في فوائدها إلى جانب زيادة تكاليف أعمال التنسيق فيها، فقد توصلت الأبحاث إلى أن العمل التعاوني ضمن الفريق تراجع كثيراً فيما يتعلق بنتائج العمل الإبداعي ووضع الرؤى وصناعة القرار منذ بدأت الجائحة.
وتعاني الفرق الهجينة والفرق العاملة عن بُعد أيضاً نقص التواصل الاجتماعي والشعور بالانتماء. لاحظنا في بحثنا أن المسؤولين التنفيذيين في العالم يشعرون بأن روابطهم الاجتماعية أصبحت أضعف من أي وقت مضى على الرغم من عملهم ضمن 3 فرق وسطياً. في الحقيقة، يمكن أن يسبب العمل ضمن فريق شعوراً أكبر بالوحدة لأنه يولّد أثر التباين؛ إذا توقع الموظف أن يتمكن من توطيد علاقاته مع زملائه في الفريق ولم يتحقق ذلك فسيشعر على الأغلب بخيبة أمل ووحدة أشد.
ماذا إن لم تنجح الحسابات؟
بدأت النصائح الجديدة بالظهور فيما يتعلق بتقليص بعض هذه التكاليف وإنشاء فرق أكثر ترابطاً وتماسكاً في العمل عن بُعد وضمن المقار المكتبية؛ مثل تمكين مجموعات أصغر لصنع القرارات وتعزيز الأمان النفسي. إن لم يكن لخطوات التدخل هذه أثر في نجاح الفرق فقد آن الأوان للتفكير ببدائل عن الفريق.
يتمثل أحد الخيارات في تفكيك الفرق أو تقليصها بدرجة كبيرة من أجل إفساح المجال لعدد أكبر من المساهمين الفرديين، والبعض يدعون لتقليص الوظائف وتحويلها إلى مهام من أجل تقسيم العمل أكثر.
في حين يتمثل الحلّ الأبعد عن جوهر العمل في التخلي عن "الفرق الحقيقية" والاستعانة بما يسمى "مجموعات العمل المشترك". بينّا في بحث سابق أن أفراد الفرق الحقيقية يتشاركون في العقلية والمهمة الملحة ولهم أدوار محددة وعضوية ثابتة ومترابطون فيما بينهم بدرجة كبيرة ويتبعون قواعد واضحة، أما مجموعات العمل المشترك فتمثل مجموعة فضفاضة من الموظفين الذين ينغمسون في تفاعلات العمل التعاوني ويخرجون منها بحسب تطور المشروع أو المبادرة.
يجب القيام بقدر كبير من أعمال التنسيق في هذه المجموعة ولربما كان أكبر منه في الفرق الحقيقية، ولكن عملية التنسيق أبسط ويمكن التحكم بها بدرجة أكبر. مثلاً، بدلاً من تنظيم اجتماعات الفريق اليومية أو الأسبوعية يمكن أن يركز المدراء على التواصل السريع مع كل فرد من المجموعة على حدة، وبما أن التفاعلات الفردية تتطلب توافق جدولي مواعيد شخصين اثنين فقط وهي أسهل من التفاعلات المتزامنة وغير المتزامنة فمن المرجح أن تؤدي إلى تقليص تكاليف أعمال التنسيق مقارنة بالفرق الهجينة.
ومن المحتمل أن تولّد مجموعات العمل المشترك فوائد أقل مقارنة بالفرق الهجينة في أفضل حالاتها، لا سيما في الإبداع والعمل التعاوني وروح الزمالة، ونعتقد أنه من الممكن الحدّ من هذا الجانب السلبي (وزيادة الجانب الإيجابي) عن طريق اتباع مبادئ مجموعات العمل المشترك الفعالة:
- تصميم المشاريع لتشمل بعض لحظات التغيير الكبير المتمثلة في العمل المشترك لتوليد الأفكار وصناعة القرار والتواصل الاجتماعي، وذلك سيساعد في رفع المعنويات وتوليد بعض أوجه التعاون التي تتوفر في بعض الفرق.
- تعيين موظفين يتمتعون بميزات مثل التوجيه الذاتي والمرونة والقدرة على التعاون مع الآخرين، وتوضيح التوقعات التي سيحتاجون إليها ليتمكنوا من التنقل بين العمل الفردي والعمل التعاوني على نحو منتظم.
- إنشاء أنظمة الحوافز والمكافآت التي تعزز العمل التعاوني وتحدّ من المنافسة بين أفراد المجموعة.
- الاستعانة بلوحات المتابعة وغيرها من أنظمة المراقبة التي تتسم بالشفافية لمساعدة جميع أفراد المجموعة على تتبع مسارات العمل وتقدمه.
- إنشاء برامج قياسية لإعداد الموظفين الجدد ودمجهم من أجل الحد من الاضطرابات التي تنشأ عند انضمام الموظفين إلى العمل أو مغادرتهم له.
- تطوير برامج للتدريب متعدد التخصصات وتوفير المزيد من فرص التطوير المهني من أجل منح الموظفين مرونة أكبر في طرق المساهمة.
- التوقف عن إطلاق اسم "الفرق" على المجموعات وتفادي المبالغة في الوعود المتعلقة بدرجة التماسك والشعور بالانتماء المتوقعين فيها.
أضف أنه ينبغي للمؤسسات الاستمرار في البحث عن طرق لتعويض المكاسب التي كانت الفرق تحققها في السابق. مثلاً، يمكنها خلق آليات الدعم الاجتماعي للموظفين (مثل مجموعات موارد الموظفين) وتوفير فرص العصف الذهني المفتوحة (مثل سباقات ماراثون البرمجة "الهاكاثون")، والقيام بالأنشطة الملحة لبناء الثقافة (مثل معتكف الشركة).
إذاً، هل هذه نهاية العمل الجماعي؟
نقول مجدداً إننا لسنا ضد الفرق، فعندما تكون في قمة مجدها تكون جديرة بالاستثمار فيها، وحتى في عصرنا هذا، ومع ذلك نعلم مثل أي شخص آخر أن نجاحها صعب للغاية. في كثير من الأحيان تعجز الفرق عن تحقيق أدنى إمكاناتها، وإن كان هذا هو الحال في شركتك فقد آن الأوان للتفكير بجدية أكبر في طرق العمل الجديدة.