دروس من تجربة الشيخ سعود بن ماجد في شركة "السعود"
"لا توجد وصفة جاهزة يمكن أن تجعل شاباً أو شابة مستعداً للمسؤوليات التي يستلزمها دورهم في شركتهم العائلية... غير أن التزوّد بأقصى قدر ممكن من المعرفة عن الحالات الأخرى التي نشأت فيها الخلافات والإشكالات في شركات أخرى يمكن أن يساعد بشكل كبير في حل المشكلات أو تجنبها تماماً". وذلك كما قال الشيخ سلطان سعود القاسمي، العضو المنتدب لشركة السعود.
استهدفت دراسة استقصائية، أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PricewaterhouseCoopers) (PwC)، في عام 2016، معرفة مدى أهمية الشركات العائلية بالنسبة إلى بنية الاقتصاد في الشرق الأوسط. وذكرت الشركة، في هذه الدراسة، أن الشركات العائلية تساهم بنسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف أكثر من 80% من القوى العاملة في هذه المنطقة الجيوسياسية. ووجدت الدراسة أن مثل هذه الشركات قد نمت منذ البداية بسبب البراعة الريادية التي تحلى بها الجيل المؤسس لها، والذي أظهر رؤية متعمقة في سبيل تطوير العلاقات السياسية والمالية رفيعة المستوى بنجاح.
ووجدت شركة برايس ووترهاوس كوبرز أيضاً، في العام الذي أجريت فيه الدراسة، أن معظم الشركات العائلية كانت تتوقع أن تشهد مرحلة انتقال للقادة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يجعل هذه الفترة تشهد أحد أكبر انتقالات الثروة فيما بين الأجيال ومسؤوليات الشركات الموروثة التي يرجح أن المشهد الاقتصادي الحديث لم يشهدها من قبل.
وفي حين سيكون الأمر بالنسبة إلى بعض الشركات هو أول انتقال للثروة والأسهم من الجيل المؤسس إلى الجيل التالي، تتطلع شركات كثيرة أخرى إلى الجيل الثالث من قادتها الذي سيتولى إدارة الشركة العائلية. وأحد هؤلاء القادة هو الشيخ سعود بن ماجد، حفيد المغفور له الشيخ سعود بن خالد بن خالد القاسمي. ويهدف هذا المقال إلى دراسة التأثيرات المختلفة ذات الصلة بشركة السعود في وقت توليه قيادة الشركة، وكيفية مساهمة هذه التأثيرات في معضلته بشأن مستقبل الشركة.
صعود شركة السعود
أسس الشيخ سعود شركته في سبعينيات القرن الماضي، وهي شركة تعمل في مجال الإنشاءات، إذ تقوم ببناء متاجر في المناطق الساحلية النامية وتأجير غرف فوق تلك المتاجر، ثم تطورت الشركة إلى القيام ببناء شقق للعائلات متوسطة الدخل. وبالنظر إلى أن تلك الفترة كانت تمثل وقت نمو اقتصادي سريع في إمارة الشارقة، كان الشيخ سعود على استعداد لتحمل مخاطر مناسبة بصفتها وسيلة لتأسيس اسم محترم لشركته وعائلته في المجتمع وتعزيز هذا الاسم.
وتماشياً مع النتائج التي توصلت إليها شركة برايس ووترهاوس كوبرز بشأن البراعة الريادية لدى الأجيال المؤسسة للشركات العائلية، بدأ الشيخ سعود في تنويع اهتمامات شركته عبر إعادة توجيه الأرباح التي تحققها المشاريع الأخرى إلى استثمارات في الأسهم. وعلى الرغم من أن مشاريع الإنشاءات الخاصة بشركة السعود كانت تقتصر على إمارة الشارقة، إلا أنه تطلع إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي الأوسع نطاقاً بحثاً عن فرص استثمارية ذكية.
"تماماً مثل حفر قنوات صغيرة تصب في نهر أكبر، تنطوي سياستي الاستثمارية على القيام باستثمارات صغيرة في مجموعة متنوعة من الشركات".
الشيخ سعود بن خالد، مؤسس شركة السعود.
ونظراً لأن هذا التحول في حيّز اهتمامات شركته جاء في وقت لم تكن فيه سبل الحصول على التقنية تتوفر كما هو الحال اليوم، فقد وضع الشيخ سعود استراتيجية استثمار من شأنها أن تمنحه المعرفة بأكثر الممولين نفوذاً في المنطقة، فضلاً عن مواقفهم وميولهم الاستثمارية المختلفة. فقد استثمر، بانفتاحه على المخاطرة، في بعض الشركات لغرض وحيد يتمثل في الحصول على بياناتها المالية وغيرها من السجلات لكي يحصل على هذه المعلومات.
بيد أن الانفتاح على المخاطر لم يكن يعني أنه كان على استعداد أبداً لتهديد شركته وإرثه. إذ إنه أراد أن يدير الشركة يوماً ما ابنه الأكبر وحفيده الأكبر من ابنه بدوره. حيث أدار المخاطر التي أقدمَ عليها عبر تنويعها بين الشركات والصناعات وبين دول مختلفة داخل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
وحققت هذه الاستراتيجية نجاحاً مشهوداً لشركة السعود. إذ إنها لم تُتح فحسب للشيخ سعود تتبع اتجاهات الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي والمشاركة فيها حسبما رآه مناسباً، بل ضمنت أيضاً أن شركة السعود كانت تعمل إلى حد كبير مع الشركات والأفراد ذوي الأسماء المعروفة والسمعة الطيبة، وبالتالي تقلل من المخاطر المترتبة على استثماراتها ببطء إلى الحد الأدنى.
وبحلول مطلع الألفية، بدأت شركة السعود تغيير نموذج أعمالها بصورة كبيرة. إذ كان قطاع الإنشاءات ينمو بشكل متزايد ويتطلب استثمارات أكبر باستمرار من الأموال والخبرات المختصة، وقد بدأ هذا الأمر في تعريض الشركة لمستويات عالية من المخاطر. وفي هذا الوقت، أقنعه الشيخ سلطان – وهو أحد أبناء الشيخ سعود – بإضفاء الطابع الدولي على استثمارات الشركة ونقل تركيزها إلى ما هو أبعد من دول مجلس التعاون الخليجي، بوصفها استراتيجية للتخلص من مخاطر قطاع الإنشاءات.
الالتزامات التسعة
وضع الشقيقان ماجد وسلطان، في سبيل ترسيخ شعار "عدم الإقدام على المخاطر غير الضرورية" في ثقافة الشركة، الالتزامات التسعة لشركة السعود، التي تتمثل في التالي:
1- عدم فتح حسابات مصرفية جديدة.
2- عدم إجراء اكتتابات عامة.
3- عدم طرح منتجات مهيكلة.
4- لا تمويل إضافي بتاتاً.
5- لا نفوذ لأحد.
6- لا وجود لأسهم خاصة.
7- عدم وجود فرص مستمرة مدى الحياة.
8- عدم التنبؤ المالي.
9- عدم العمل في مجال العملات.
ولم تكن هذه الالتزامات التسعة موضع أي خلاف كبير في العائلة، إذ كان يُنظر إليها بصفتها متفقة مع روح رغبات والدهم وإرثه.
وقد كان هذا القرار صائباً كما أثبتت الأيام. إذ استمرت شركة السعود في النمو، مما زاد من ازدهار هذه الشركة العائلية متجاوزة إلى حد بعيد الفقر الذي عانى منه المؤسس في صغره.
الجيل الثاني في شركة السعود
وفي عام 2005، بعد وفاة الشيخ سعود، تولى قيادة شركة السعود الشيخ ماجد - وهو ابنه الأكبر - والشيخ سلطان، الذي كان يعمل بشركة السعود منذ التسعينيات من أجل قضاء بعض الوقت مع والده وفي الوقت نفسه تعلّم المزيد عن الشركة. وأصبح الشيخ ماجد – نظراً لامتلاكه خبرة أوسع - رئيساً للشركة، بينما تولى الشيخ سلطان مسؤوليات المدير الإداري.
وعمل الشيخ سلطان، قبل وقت توليه قيادة الشركة، على تحديث النهج الاقتصادي والاستراتيجي لعمليات الشركة، وأعاد بناء العلاقة بين العمل والعائلة عبر الفصل بين هياكل الملكية والإدارة. وقد ساعد ذلك في تفادي تدخّل الخلافات العائلية بشأن إدارة الشركة في الأنشطة اليومية لها. بيد أنه، حتى بعد توليهما قيادة الشركة في عام 2005، ظل الشعار الراسخ لكلا الشقيقين هو "عدم الإقدام على المخاطر غير الضرورية".
إن الموقف العام المتمثل في الإحجام عن المخاطر في حد ذاته قوبل ببعض المقاومة من قِبل أفراد الأسرة غير التنفيذيين الذين كانوا يفضلون استكشاف مشاريع ذات مخاطر أعلى وبالتالي مكاسب أعلى، أو انتقال الشركة إلى المزيد من مجالات العمل بشكل عام.
بيد أن النهج المحافظ للشقيقين في القيادة أثبت جدواه، عندما واجهت الشركة الحد الأدنى من المشكلات خلال أزمة الأسواق العالمية في عام 2008، وهو الوقت الذي واجهت فيه شركات ذات نفوذ أكبر في دول مجلس التعاون الخليجي مشكلات كبيرة إن لم تكن على أعتاب الإفلاس نفسه. وفي العامين التاليين لتولي الشيخ ماجد والشيخ سلطان قيادة شركة السعود، ارتفعت إيرادات الشركة بنسبة 55% و60% على التوالي. وعلاوة على ذلك، لم تسجل الشركة سوى انخفاض بنسبة 15% في الإيرادات السنوية في عام 2009، مع تحقيقها نمواً إيجابياً في الإيرادات في كل من عامي 2008 و2010.
وتجنب الشيخ ماجد والشيخ سلطان، خلال فترة إدارتهما للشركة، القيام باستثمارات في شركات التقنية، لاعتقادهما أن أسعار الأسهم والأرباح في هذا القطاع بالتحديد تعكس فقاعة من معتقدات المستثمرين بشأن النمو المستقبلي المحتمل بيد أنه غير مؤكد، بدلاً من القيمة الحالية التي لها ما يبررها. وابتعدا أيضاً عن أي مشاريع إنشاءات من شأنها أن تتطلب الحصول على تمويلات إضافية بدلاً من استخدام الأصول الرأسمالية الحالية، بوصف ذلك وسيلة لتقليل المخاطر من مواصلة المشاركة في قطاع الإنشاءات.
ونتيجة لذلك، استمرت الطرق الرئيسة لتحقيق إيرادات الشركة، خلال وقت إدارتهما لها، تشهد اتجاهات متغيرة بدأت في عهد والدهما. وبحلول عام 2018، كان مصدر 72% من إيرادات شركة السعود هو الاستثمارات في الأسهم، وكانت ممتلكاتها العقارية ومشاريع الإنشاءات الأخرى هي مصدر 27% من إيراداتها، بينما كانت الأرباح على الودائع النقدية تحقق 1% من إيرادات الشركة.
بيد أنه نظراً لأن غالبية إيرادات الشركة كان مصدرها التقلبات في سوق الأسهم، فقد حافظت شركة السعود أيضاً على سياسة لتوزيع الإيرادات من الاستثمارات بين مساهميها في العائلة فقط عندما توزع الشركات المستثمَر فيها أرباحها. وهذا يضمن أن إيرادات أفراد العائلة لم يكن مبالغاً فيه بشكل مصطنع في أي وقت من خلال الاستثمار نفسه، ويجنّب شركة السعود توزيع الأموال من خزائن أعمالها على الإيرادات الشخصية ما لم يؤتِ الاستثمار ثماره، وهو ما زاد من حماية الشركة من المخاطر.
العائلة التي تقف خلف شركة السعود
من المؤكد أن العديد من القراء الذين لديهم شركات عائلية خاصة بهم يدركون أن مكوّن "العائلة" في "الشركات العائلية" لا يقل أهمية عن الأنشطة الاقتصادية للشركة نفسها. وكما أشارت شركة برايس ووترهاوس كوبرز في تقريرها عن الدراسة الاستقصائية التي أجرتها، فقد ذكرت 53% فحسب من الشركات العائلية أن استراتيجيات عائلاتها وأهدافها كانت متوافقة مع الأهداف الخاصة بالشركة. بل إن شركة برايس ووترهاوس كوبرز ذهبت أبعد من ذلك في الجزء نفسه لتوضيح أن عملها مع الشركات العائلية في المنطقة يشير إلى أن هذا الرقم قد يكون مبالغاً فيه، وأن نسبة التوافق الحقيقية بين الأهداف العائلية وأهداف الشركات في الشرق الأوسط يمكن أن تكون أقل بكثير.
وتوجد، بصورة أساسية، خلافات بدرجات متفاوتة في أي شركة عائلية. إذ إن العائلة ليست كائناً واحداً، بل إنها تتكون من مجموعة متباينة من الأشخاص، لكل منهم خبراتهم ورغباتهم ودوافعهم عندما يتعاملون مع الشركة، حتى لو كانوا يعتزون ببعضهم البعض بوصفهم أفراداً في العائلة. ولم تكن شركة السعود استثناءً فيما يتعلق بمواطن الضعف المحتملة المرتبطة بالعائلة.
ورُزق الشيخ سعود وزوجته الشيخة نعمة بسبعة أبناء، منهم أربعة ذكور وثلاث بنات، حصلوا جميعهم على حصص في الشركة عند ميلادهم. وكان أفراد الأسرة الذكور، تماشياً مع الشريعة الإسلامية، يحظون بنسبة أعلى من الملكية في الشركة. بيد أن عائلة شركة السعود تحدّت أحد الأعراف المحلية، إذ أتاحت لأعضائها الإناث الاحتفاظ بحصصهن في ملكية الشركة بدلاً من شراء الأعضاء الذكور لها، كما جرت العادة. وفي حين يُعد ذلك أمراً تقدُّمياً فيما يتعلق بنوع الجنس، كانت الفكرة الكامنة وراء قيام الشيخ سعود وزوجته بذلك هي ضمان بقاء العائلة وحدة متماسكة ومرتبطة من خلال الشركة.
وواصل الشيخ ماجد والشيخ سلطان، بعد توليهما زمام القيادة في عام 2005، استكمال رؤية والدهما في هذا الصدد، مع اضطلاع الشيخ سلطان بدور المصلح الرئيس بين أفراد العائلة. ووُضع ميثاق عائلي لضمان بقاء العائلة والشركة متّحدتين، وقد أقنع الشقيقان أفراد العائلة الآخرين باستعادة أصول الشركة التي وزعها والدهم قبل وفاته.
وكانت تُعقد، خلال هذه المرحلة، اجتماعات المُلّاك حيث يمكن للأعضاء غير التنفيذيين من الجيل الثاني الاجتماع بصفتهم جزءاً من الشركة وتلقي تقارير عن المستجدات وإبداء آرائهم في بيئة عمل رسمية وكذلك التصويت على الإجراءات التي ستتخذ في المستقبل. وفي حين لم يحاول الشيخ ماجد والشيخ سلطان كبح الأصوات المعارِضة، تمكّنا من الاحتفاظ بصوت قوي في هذه الاجتماعات بمساعدة والدتهما، إذ إن الشيخة نعمة صاحبة مصلحة كبيرة في الشركة بامتلاكها أكثر من 10% من أسهم الشركة.
وفضلاً عن قيام الشيخ سلطان بإتاحة مجال واسع للشيخ ماجد للتركيز على الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل من خلال ضمان ألا يسمح الأعضاء غير التنفيذيين للخلاف بأن يتحول إلى مشاعر سخط، فإن الجزء الآخر المهم من التعامل بين الشركة والعائلة كان يتمثل في الاتفاق بشأن البيع والشراء في الميثاق العائلي.
وكما ناقشنا آنفاً، كانت الرؤية الراجحة للشيخ سعود والشيخة نعمة هي أن تظل العائلة بأكملها متّحدة من خلال الشركة، وكان قادة الشركة من الجيل الثاني مصممين على الاسترشاد بهذه الرؤية. وكان الاتفاق بشأن البيع والشراء وسيلة لتحفيز أفراد العائلة غير التنفيذيين على عدم التخلي عن حصصهم في الشركة إذا لم يوافقوا على الإدارة التنفيذية لها. إذ يُحظر بيع أسهم الشركة خارج إطار العائلة، بل وعدم تشجيع عمليات البيع داخل العائلة عبر تحديد سعر للأسهم يقل بنسبة 25% عن القيمة السوقية لها.
"تُعرّض الشركة نفسها لخطر الركود في حال عدم إقدامها على التغيير. إذ إن من شأن إعطاء الأولوية للاستقرار قبل أي شيء آخر أن يمنع أي تحسن في الطريقة التي تتم بها الأمور... وأنا لا أريد التغيير لمجرد التغيير أو المخاطرة من أجل المخاطرة... إذ يلزم استحداث أية تغييرات تدريجياً وبطريقة تحظى بموافقة الجيل الثاني".
الشيخ سعود بن ماجد، عضو الجيل الثالث والقائد المستقبلي لشركة السعود.
وذكرت شركة برايس ووترهاوس كوبرز أن 75% من الشركات العائلية في الشرق الأوسط لديها إجراء واحد أو آلية واحدة على الأقل للتعامل مع النزاعات العائلية. بيد أن شركة السعود لم تكن تتّبع فحسب مثل هذه الآليات، بل أرست أيضاً نظاماً كان جميع أفراد العائلة - ذكوراً أو إناثاً – يشعرون، بموجبه، بالمشاركة والتشجيع على التحدث بصراحة بدلاً من محاولة مغادرة الشركة.
معضلة الجيل الثالث
تشير شركة برايس ووترهاوس كوبرز إلى أن الشركات العائلية العادية في شتى أنحاء العالم تنجح في الوصول إلى الجيل الثالث فحسب. والسبب بالكاد دائماً هو نفسه، وهو المشكلات داخل العائلة. وبالنظر إلى أن متوسط عدد أصحاب المصلحة أقل نسبياً في الجيل المؤسس والجيل الثاني مقارنةً بالجيل الثالث، فإن احتمال النزاع والخلاف يرتفع بشكل كبير بحلول الوقت الذي يتولى فيه الجيل الثالث مسؤولية الشركة. ويعني وجود المزيد من أصحاب المصلحة المزيد من الأصوات في الاجتماعات بدوافع وتوقعات أكثر اختلافاً عن إدارة الشركة العائلية.
ولبلوغ هذه الغاية، وافق الجيل الثاني من شركة السعود في اجتماع المُلّاك عام 2016 على السماح لأعضاء الجيل الثالث الذين يمثلون أصحاب المصلحة في المستقبل بالمشاركة في هذه الاجتماعات بصفتهم مراقبين، أي ليس لهم حق التصويت ولا إبداء الرأي. ومن المرجح أن الغرض من ذلك كان هو التصدي للمسألة ذاتها التي حددتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز آنفاً.
ومن المأمول أن يغرس السماح لأصحاب المصلحة في المستقبل بالمشاركة في مثل هذه المناقشات فيهم الشعور بالتماسك بين أصحاب المصلحة الثمانية الحاليين - "من الممكن أن نختلف، بيد أننا ما نزال عائلة واحدة، وسنتآزر لمصلحة بعضنا البعض ومصلحة هذه الشركة". ويمكن أن يساعد القيام بذلك، قبل أن يكتسب أصحاب المصلحة في المستقبل صوتاً خاصاً بهم، في تعزيز الاحترام العميق لإجراءات إدارة النزاعات التي وضعها الجيل الثاني، حتى لو لم تخمد الخلافات بين أفراد العائلة غير التنفيذيين.
وعلاوة على ذلك، ربما يأمل أصحاب المصلحة السبعة الحاليون من "الجيل الثاني" في نقل معارفهم ومفاهيمهم الفردية إلى أبنائهم عبر هذا الإجراء، قبل جلوس هؤلاء الأبناء ذات يوم في هذه الغرفة والمشاركة في اتخاذ القرارات، تماشياً مع فلسفة الشيخ سلطان المبيّنة في هذا الاقتباس: "لا توجد وصفة جاهزة يمكن أن تجعل شاباً أو شابة مستعداً للمسؤوليات التي يستلزمها دورهم في شركتهم العائلية... غير أن التزوّد بأقصى قدر ممكن من المعرفة عن الحالات الأخرى التي نشأت فيها الخلافات والإشكالات في شركات أخرى يمكن أن يساعد بشكل كبير في حل المشكلات أو تجنبها تماماً".
وفضلاً عن ذلك، فإن البند المتعلق بالبيع والشراء ضمن الميثاق العائلي يمنع إمكانية إضعاف العائلة سيطرتها على شركة السعود قط. ويُحسب لهما أنه لم يكن أي صاحب مصلحة من الجيل الثاني قط غير راضٍ عن إدارة الشيخ ماجد والشيخ سلطان لدرجة تطبيق هذا البند بالتحديد.
بيد أنه في حين أن هذه الخطوات التي اتخذها الجيل الثاني قد عالجت العديد من المشكلات التي تواجهها الشركات العائلية مع تزايد عدد أصحاب المصلحة فيها، تبقى حقيقة واحدة، وهي أنه ما لم تصاحب التعاقبات بين الأجيال تغيّرات مهمة، من غير المرجح تلبية الاحتياجات المرتبطة بالإيرادات لمجموع أصحاب المصلحة الجدد بنوعية نمط الحياة نفسها التي اعتادوا عليها. وهنا تكمن أكبر معضلة تواجه الشيخ سعود بن ماجد.
وفي حين أعطِي الشيخ سعود، وهو الابن الأكبر للشيخ ماجد، خيار رفض قيادة الجيل الثالث إذا اختار القيام بذلك، فقد كان واضحاً بصورة ضمنية وصريحة على حد سواء أنه من المتوقع أن يتسلم الراية. ولبلوغ هذه الغاية، اكتسب الشيخ سعود خبرة بالعمل في المجال المالي في مختلف البنوك الدولية والمحلية وكذلك في شركة أسهم خاصة، قبل أن يعمل في شركة السعود تحت رعاية عمه لكسب ثقة عائلته في قدراته.
وقد حدد تقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز عدم وجود خطة خلافة بصفته "عامل الفشل الأبرز" في الشركات المملوكة للعائلات. حيث ذكرت 46% من الشركات العائلية بأنها تخطط لنقل الشركة إلى الأجيال التالية، بيد أنها تستقدم مدراء مختصين لإدارتها، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى أن هذه الشركات لم تكن واثقة في مهارات القادة المختارين من الجيل التالي في عائلاتهم، ولم تكن واثقة في خبراتهم- أحد هذين الأمرين أو كلاهما. ويبدو أن معظم هذه المشكلات قد جرى التعامل معها في شركة السعود قبل أن تسنح لها الفرصة للظهور، بالخطوات التي اتخذها الجيل الثاني للشركة.
وعلاوة على ذلك، فقد أرشدته خبرة الشيخ سعود بن ماجد بالفعل إلى حقيقة أن استراتيجيات تجنب المخاطر التي كان يتبعها الجيل الثاني ربما لا تكون السبيل الأفضل للمضي قدماً، خاصة إذا كانت مداخيل الشركة والعائلة لتنمو.
وفي ضوء ما تقدم، أظهر الشيخ سعود بن ماجد بالفعل فهماً واضحاً لما يعتقد أنه أكبر مهدد لموقف العائلة في سنواته التي تلت التعاقب. إذ كان الجيل الثاني من عائلته يُحجم بشكل واضح عن المخاطر لأنهم أرادوا أن يتركوا وراءهم إرثاً إيجابياً من النمو للشركة، بيد أن ذلك ربما لم يعد كافياً.
وفي حال أنه سار على نهجهم وفشل في تحقيق عائدات كافية على الاستثمارات، فلن تُثني عقوبة تقليل سعر بيع الأسهم بنسبة 25% عن القيمة السوقية، المنصوص عليها في الاتفاق الخاص بالبيع والشراء، أصحاب المصلحة من بيع أسهمهم في الشركة العائلية، ما يهدد وحدة الشركة، التي عمل جده ووالده وعمه بجد للحفاظ عليها. بيد أنه سيلزمه العثور على نهجه و"طريقته" وفي الوقت نفسه التأكيد للجيل الثاني أن أفعاله لن تتسبب في خسارة الشركة أرباحها واستثماراتها.
ولا يزال الشيخ سعود يحظى، في الوقت الراهن، بإصغاء الجيل الثاني للحصول على المشورة لمساعدته في العثور على هذا النهج حيال الإقدام على المخاطر المحسوبة. والله وحده يعلم الخطوات الفعلية التي سيتخذها لتحويل تلك الطموحات إلى حقيقة على أرض الواقع.
نموذج خطة العمل المقترحة للشركات العائلية الأخرى:
نصل من خلال دراسة هذه الحالة مع شركة "السعود" إلى استخلاص نموذج وخطة عمل طبقتهما هذه الشركة العائلية يمكن أن تستفيد منهما الشركات الأخرى، علماً أن البيانات في الجدول المرفق مأخوذة من تجربة شركة السعود.
مررنا، في شركة السعود، بفترتين انتقاليتين: كانت الأولى من الجيل الأول (المؤسس) إلى الجيل الثاني، وكانت الفترة الانتقالية الأحدث عهداً من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث. وخلال الفترة الانتقالية الأولى، تصدى الجيل الثاني لمعضلة التعاقب في قيادة الشركة عن طريق توطيد أنفسهم في صُلب التغييرات في العائلة. إذ أجرى الجيل الثاني التغييرات الضرورية في هيكل الحوكمة المؤسسية للعائلة لإضفاء الشفافية والشمولية والكفاءة والمساءلة عليه.
وخلال الفترة الانتقالية الثانية، ما يزال الجيل الثالث، ممثلاً في الشيخ سعود بن خالد، يقوم بتقييم الضغوط السوقية وغير السوقية والتعرف على مواطن القوة ونقاط الضعف لديه. وسيحدد مستوى الوضع الراهن لديه نوع التغيير الذي تحتاجه شركته العائلية لتستمر من جيل إلى جيل. وتلك هي معضلة سعود بن ماجد.
المفاهيم الرئيسة في النموذج
نموذج التغييرات خلال عملية التعاقب يتكون من ثلاثة عناصر مهمة من الممكن شرحها على النحو التالي:
الضغوط غير الناجمة عن السوق: تشمل الضغوط غير الناجمة عن السوق تلك العوامل التي مصدرها من العائلة، والتي يمكن أن تؤثر على نمط الإجراءات المتبع في الشركة. ويمكن أن ترتبط هذه الضغوط بالتغييرات في بنية العائلة (مثل التغييرات في عدد أفراد الأسرة) والتغييرات في الأدوار التي يؤديها الأفراد في العائلة وفي الشركة والتغييرات في الأنشطة والإجراءات التي تعزز الروابط العائلية والالتزام والإرث العائلي أو تُضعفها.
الضغوط الناجمة عن السوق: تشمل الضغوط الناجمة عن السوق تلك العوامل التي مصدرها البيئة داخل مجال العمل الذي تتنافس فيه الشركة، وخارجه. وتشمل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية التي يمكن أن تغيّر المنافسة في الصناعة وتؤثر على الشركة.
مستوى الوضع الراهن:
يمكن أن تؤثر الضغوط الناجمة عن السوق والضغوط غير الناجمة عن السوق على عملية اتخاذ القرارات لدى وريث قيادة الشركة. لكنّ أنواع التغييرات ووتيرتها ستحددها مستويات الوضع الراهن في كل من العائلة والشركة. بيد أن القادة الذين يخلفون في قيادة الشركة يعتقدون أن هذه الضغوط ومستوى وضعها الراهن يحددان التغييرات التي تطرأ. ويمثل مستوى الوضع الراهن حدود معرفة الجيل الجديد من أفراد العائلة بشأن الضغوط الناجمة عن السوق والضغوط غير الناجمة عن السوق، ومدى إحداثه (أو عدم إحداثه) تغييرات في جانب العائلة للحفاظ على تناغم العلاقة بين العائلة والشركة، أو تغييرات في جانب الشركة للحفاظ على القدرات التنافسية للشركة.
ردود الفعل إزاء الضغوط الناجمة عن السوق وغير الناجمة عن السوق
حالة الجمود: لا يستطيع الجيل الجديد من أفراد العائلة التعرف على العوامل السوقية وغير السوقية، أو إذا تعرفوا على هذه العوامل، فإنهم يقررون عدم إحداث تغييرات سواء في العائلة أو في الشركة. ويفضّل الجيل الجديد الحفاظ على الوضع الراهن.
التغييرات بشأن العائلة: يستطيع الجيل الجديد من أفراد العائلة التعرف على الضغوط غير الناجمة عن السوق (الضغوط العائلية) ويقرر إحداث تغييرات لاستباق التحديات التي يمكن أن تهدد تناغم العائلة مع الحفاظ على الوضع الراهن في جانب الشركة (على سبيل المثال، عن طريق حوكمة الشركات أو استراتيجية الشركة).
التغييرات بشأن الشركة: يستطيع الجيل الجديد من أفراد العائلة التعرف على الضغوط الناجمة عن السوق ويقرر إحداث تغييرات للحفاظ على القدرة التنافسية للشركة في السوق مع الحفاظ على الوضع الراهن في جانب العائلة (على سبيل المثال، عن طريق حوكمة الشركات العائلية).
الثورة: يستطيع الجيل الجديد من أفراد العائلة التعرف على العوامل السوقية وغير السوقية التي يمكن أن تهدد استمرارية العائلة والشركة، ويقرر إحداث تغييرات على العائلة والشركة على حد سواء.
"أحدث والدي وعمي سلطان الكثير من التغييرات على الشركة عندما تولّيا مسؤوليتها من جدي، وكان ما فعلاه هو الأمر الصائب. وأعتقد أن السوق في الوقت الحالي تختلف عما كانت عليه إبان فترة عمي. إذ يمكن أن يتطلب تحقيق النجاح الإقدام على المخاطرة المحسوبة".
الشيخ سعود بن ماجد
الخلاصة
تثير قصة شركة السعود المعضلة التي يتعين على أي خليفة محتمل في قيادة الشركات العائلية التصدي لها ما بين الإقدام على التغيير والإبقاء على الوضع الراهن فيما يتعلق باستراتيجية الشركة وهيكلها ومشاركة العائلة وحوكمة الشركة العائلية.
وتتأثر القرارات التي يتخذها الخليفة في قيادة الشركات العائلية بالضغوط السوقية وغير السوقية. حيث تشمل الضغوط السوقية تلك القوى التي مصدرها البيئة داخل القطاع الذي تتنافس فيه الشركة، وخارجه. وتتضمن هذه القوى العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية التي من شأنها أن تغيّر المنافسة في الصناعة وتؤثر على الشركة. ومن ناحية أخرى، تشمل الضغوط غير السوقية تلك القوى التي مصدرها العائلة، التي يمكن أن تؤثر على نمط أعمال الشركة. ويمكن أن تُعزى هذه الضغوط إلى التغيّرات في هيكل العائلة (أي التغييرات في عدد أفراد العائلة) والتغيّرات في الأدوار التي يؤديها الأفراد في العائلة وفي الشركة والتغيّرات في الأنشطة والأعمال التي تعزز الروابط الأسرية والالتزام والإرث العائلي، أو تُضعفها.
وعلى الرغم من أن الضغوط السوقية وغير السوقية يشترك فيها الخلفاء المحتملون للشركات العائلية، إلا أن طريقة الاستجابة إليها تختلف من خليفة إلى آخر. وسيحدد مستوى الوضع الراهن الذي يعيشه الخليفة، من حيث اهتمامات العائلة والشركة، الأنماط السلوكية له. وتوجد أربعة أنماط سلوكية للخليفة:
القصور الذاتي: يكون الخليفة غير قادر على التعرف على القوى السوقية وغير السوقية، أو يتعرف على هذه القوى، بيد أنه يقرر عدم إحداث تغييرات سواء في العائلة أو في الشركة. ويفضّل الجيل الجديد من قادة الشركات العائلية الحفاظ على الوضع الراهن.
إحداث تغييرات في جانب العائلة: يمكن للخليفة التعرف على الضغوط غير السوقية (التي مصدرها العائلة) ويقرر إدخال تغييرات لتوقع التحديات التي يمكن أن تقوّض الوفاق العائلي. وهو يقوم بذلك مع الحفاظ على الوضع الراهن في جانب الشركة (على سبيل المثال، من خلال حوكمة الشركات أو استراتيجية الشركة).
إحداث تغييرات في جانب الشركة: يمكن للخليفة التعرف على الضغوط السوقية، وبناءً على ذلك يقرر إحداث تغييرات للحفاظ على القدرة التنافسية للشركة في السوق مع الحفاظ على الوضع الراهن في جانب العائلة (على سبيل المثال، من خلال حوكمة الشركات العائلية).
إحداث تغيير شامل: يمكن للخليفة التعرف على القوى السوقية وغير السوقية التي من شأنها تهديد استمرارية العائلة والشركة، ويقرر إحداث تغييرات في كل من العائلة والشركة على حد سواء.
وقد اتبع الشيخ سلطان سعود القاسمي نمط إحداث تغييرات في جانب العائلة. إذ إنه كان قادراً على التعرف على الضغوط العائلية والتحديات التي تفرضها، وكان يرغب في إحداث التغييرات اللازمة في حجم العائلة الكفيلة بتوحيدها وتحسين التواصل بين أفرادها وتطوير حوكمة الشركة العائلية وإضفاء الطابع الرسمي عليها. ومن ناحية أخرى، لا يزال الشيخ سعود بن ماجد يحظى بإصغاء الجيل الثاني للحصول على المشورة لمساعدته في شق هذا الطريق للتحكم بالمخاطر. والوقت وحده هو الذي سيبيّن الخطوات التي سيتخذها الشيخ سعود بن ماجد للتصدي للضغوط العائلية والضغوط التي مصدرها الشركة وتحويل رؤيته وطموحاته إلى حقيقة واقعة.
اقرأ أيضاً: نقاط ضعف الشركات.