راحتا يديك متعرقتان، وتخرج كلماتك متلعثمة، وتبدو عاجزاً عن توصيل رسائلك بوضوح، وكلما التفتَّ إلى الجالسين حول الطاولة، وجدتَ الجميع أكبر منك سناً وأعلى منك منصباً؛ فتتساءل عمَّا إذا كانت آراؤك ستؤخذ على محمل الجد. هل يبدو لك هذا المشهد مألوفاً؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنت من بين كثيرين ممن يعانون ما نطلق عليه "عقدة الشعر الرمادي". وعقدة الشعر الرمادي هي حالة من الخوف الذاتي تتملّك المرء نتيجة وجوده بين كوادر تنفيذية وإدارية أكبر منه سناً وأعلى منه منصباً. يبدأ هذا الخوف في أغلب الأحيان بقناعة مغلوطة مفادها أنك لن تتمتع بالمصداقية إلا إذا كنت تمتلك السمات الجسمانية التي تعبّر عن وصولك إلى مستوى أعلى من الأقدمية. وللتغلب على هذا الشعور بالنقص، عليك أن تكيّف نفسك في 3 جوانب: العقلية والفنية والجسمانية. وإليك الطريقة:
التكيُّف العقلي
من أهم عوامل التعبير عن الثقة بالنفس أن تؤمن أولاً بأنك تنتمي إلى زمرة كبار المسؤولين. عانى أحد عملائنا، ويُدعى أكرم، هذه المشكلة عندما ترقى لأول مرة إلى منصب مدير أول؛ إذ كان منصبه الجديد يتطلب منه الاحتكاك بكبار المسؤولين التنفيذيين، وحتى مع الرئيس التنفيذي نفسه في بعض الأحيان، لفترات زمنية أطول بكثير من المعتاد. كان في أغلب الأحيان أصغر الموظفين سناً على طاولة الاجتماعات، ما اضطره في كثير من الأحيان إلى الرضوخ لكبار المسؤولين التنفيذيين خلال هذه الاجتماعات، وكان يتردد كثيراً في تحدي آرائهم. وعلى الرغم من أن أكرم كان يتمنى أن يأتي اليوم الذي ينظر فيه كبار المسؤولين التنفيذيين إليه باعتباره نداً لهم، فقد رفض رفضاً قاطعاً أن ينظر إلى نفسه على هذا النحو. كان تأثيره محدوداً لأنه لم يكن يؤمن بأنه جديرٌ بمكانه على الطاولة. كان أول خطوة يتعين على أكرم اتخاذها أن يتخلَّص من هذا الشعور بالنقص ويستبدل به آخر يساعده على المضي قدماً. عندما سألنا أكرم: "ما القيمة التي تضيفها إلى المجموعة؟ ما عرض القيمة الذي تقدمه؟"، كان يجد صعوبة في الإجابة. لكن عندما عكسنا السؤال وقلنا: "ما الذي سيضيع على المؤسسة إذا لم تنضم إلى المجموعة؟"، لمع ذهنه فجأة وسارع أكرم إلى سرد ما يميّزه عن الآخرين. وهكذا تحولت عقليته إلى التركيز على ما كان عليه أن يقدمه بدلاً من التركيز على ما لم يفعله.
التكيُّف الفني
يؤدي الشعور بالخوف من كبار الموظفين في أغلب الأحيان إلى إحدى نتيجتين: إما أن تبالغ في تعويض الشعور بالنقص عن طريق الدفاع بقوة عن وجهة نظرك والتأكيد على إنجازاتك أو تدمّر نفسك بالتردد في اتخاذ ردود فعل حاسمة والرضوخ للآخرين. وغني عن القول إن كليهما ليس استراتيجية فعالة. وللتغلب على هذه الأخطاء الفادحة، يجب أن تعدَّ نفسك فنياً من خلال إتقان تقنيات التواصل الأساسية. من أهم هذه التقنيات القدرة على إلقاء نظرة شاملة على مسرح الأحداث والتحدث من منظور المسؤولين التنفيذيين، مع مراعاة القضايا التي تهمهم وجداول أعمالهم والقرارات التي يعكفون على دراستها في انتظار حسمها. ثمة تقنية أخرى مهمة تتمثّل في القدرة على التعبير عن القيمة المضافة التي تتبلور من خلال ما تطرحه على طاولة النقاش ونتائج عملك (بدلاً من التركيز على آلية طرح أفكارك). كان أكرم في أغلب الأحيان يغرق في التفاصيل عند التواصل مع زملائه الأعلى منه منصباً، وبالتالي أضاع على نفسه فرص عرض أفكاره. وللتخلُّص من هذا السلوك، بدأ إعداد رسالتين إلى 3 رسائل رئيسية قبل كل اجتماع، وحرص على التركيز على كيفية تأثير العمل التحليلي لمجموعته في تعزيز القيمة المضافة للمؤسسة. وهكذا استطاع أكرم تكييف نفسه استعداداً للأحداث المتوقعة، مدخراً طاقة "تفكيره السريع" لتلك المواقف التي تشهد أحداثاً غير متوقعة.
التكيُّف الجسماني
أيّ من سماتك الجسمانية يؤثر سلباً على حضورك التنفيذي؟ تتوجَّه أصابع الاتهام في أغلب الأحيان إلى الملبس ووضعية الجسد. في أيام الخميس العادية كان أكرم يرتدي سرواله القطني المفضل بأطرافه المتآكلة وينتعل حذاءه المريح على الرغم من اهترائه. قال البعض إن لباسه هذا جعله يبدو طالباً جامعياً متدرباً لا شخصاً يتمتع بإمكانات كبيرة. أعاد أكرم النظر في الملابس التي يرتديها يوم الخميس لتعكس ملامح شخصية غير متكلّفة ولكن لا تعوزها الثقة بالنفس. وبعد أن شاهد نفسه في مقطع فيديو، أدرك أيضاً أن صوته كان يخونه في الغالب؛ إذ كانت سرعة كلامه تعطي انطباعاً يوحي بشعوره بعدم الارتياح في بعض المواقف. وبمساعدة تمارين تنظيم التنفُّس، تعلم أكرم كيف يتروّى في التأكيد على النقاط التي يريد إبرازها. تعلّم أيضاً مراقبة الانعطاف الصوتي في طريقة كلامه لتقليل "نبرة الكلام المتصاعدة" التي كانت تجعل عباراته تبدو أشبه بالأسئلة أكثر منها عبارات تأكيدية. أخيراً، أدرك أكرم أن وضعية جسده تقف حجر عثرة أيضاً في طريق نجاحه. وبدلاً من اتخاذ وضعيته المعتادة المتمثلة في الجلوس في وضع متهدّل خلال الاجتماعات، بدأ يميل بجذعه إلى الأمام ويداه على الطاولة، مستفيداً من حضوره الجسدي للتعبير عن نفسه.
قد لا تستطيع التحكم في جمهورك، مثلما يحدث مع أكرم، لكن هناك الكثير من الأشياء التي يمكنك استخدامها لتحسين تأثيرك. ولا يتضمن أي منها التظاهر بأنك أكبر من سنك الحقيقية.