ملخص: يُعد التفكير المتأني ميزة قيادية رائعة وضرورية، كما أنه يؤدي بلا شك إلى تحقيق نتائج أفضل. ولكن هناك مرحلة ما في أثناء عملية صناعة القرار يتحول فيها التفكير المتأني إلى تفكير مفرط. للتوقف عن التفكير المفرط واتخاذ قرارات أفضل وبشكل أسرع يمكنك: الكف عن طلب الكمال وتحديد الحجم الصحيح للمشكلة والاستفادة من قوة الحدس والحد من استنزاف القرارات لطاقتك ووضع حدود مبتكرة.
تنطوي وظيفة تامر على اتخاذ قرارات بصفته مدير منتَج في شركة تقنية كبيرة. وهي قرارات تتعلق بكيف ينبغي للفريق تحديد الأولويات ذات الصلة بالميزات التي يجب تطويرها؟ مَن الذي يجب أن يعمل على المشاريع؟ متى يجب إطلاق المنتجات؟ إذ إنه يتعين على تامر اتخاذ مئات القرارات التي تحدد الرؤية والاستراتيجية والتوجه لكل منتَج يشرف عليه.
في حين أن تامر كان يحب وظيفته، إلا أن اتخاذ الكثير من القرارات تسبب في شعوره بقدر كبير من التوتر. فقد كان يضيع ساعات في التفكير الذي لا فائدة منه، مع تحليل المتغيرات التي ستؤدي إلى اتخاذ القرارات "الصحيحة". وكان يقلق بشأن المستقبل ويتخيل كل الطرق التي يمكن أن تفشل بها عملية إطلاق المنتَج. ثم يلوم نفسه لإهدار وقته الثمين وطاقته في التفكير المتأني بدلاً من اتخاذ إجراء. بعبارة أخرى، غالباً ما كان عمق تفكيره، الذي يُعد من نقاط قوته، يدفعه إلى فرط التفكير في مختلف المواقف.
تامر هو مَن أحب أن أسميه "المناضل الحساس"؛ وهو الشخص الذي يحقق إنجازات مميزة ويتعامل مع العالم بشكل أعمق من الآخرين. تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يتسمون بالحساسية لديهم دارات دماغية وكيماويات عصبية أكثر نشاطاً في المناطق المتعلقة بالعمليات العقلية. وهذا يعني أن عقولهم لا تستوعب قدراً أكبر من المعلومات فحسب، ولكنها أيضاً تتعامل مع هذه المعلومات بطريقة أكثر تعقيداً. غالباً ما يتم الثناء على المناضلين الذين يتسمون بالحساسية نظراً إلى الطريقة التي يستكشفون بها جوانب المشكلات والفروق الدقيقة بين الأشياء. لكنهم في الوقت نفسه أكثر عرضة للتوتر والإرهاق.
يُعد التفكير المتأني ميزة قيادية رائعة وضرورية، كما أنه يؤدي بلا شك إلى تحقيق نتائج أفضل. ولكن بالنسبة إلى تامر وأمثاله، هناك مرحلة ما في أثناء عملية صناعة القرار يتحول فيها التفكير المتأني إلى تفكير مفرط. إذا كنت تعاني من المشكلة نفسها، فيما يلي 5 طرق للتوقف عن فرط التفكير واتخاذ قرارات أفضل وبشكل أسرع.
1. كُف عن طلب الكمال
طلب الكمال هو أحد أكبر العوائق التي تحول دون صناعة القرارات بفاعلية وسرعة، لأن طالب الكمال يستخدم أسلوب التفكير الخاطئ "كل شيء أو لا شيء على الإطلاق". على سبيل المثال، يمكن أن يدفعك طلب الكمال إلى الاعتقاد بأنك إذا لم تتخذ القرار "الصحيح" (كما لو أن هناك قراراً صحيحاً واحداً فقط) فسيكون مصيرك الفشل، أو بأنك يجب أن تكون على عِلم بكل شيء وأن تتوقع كل الاحتمالات وأن تجهز خطة محكمة قبل اتخاذ أي خطوة. ولكن محاولة تقدير كل نتيجة وفكرة ممكنة سوف تشل تفكيرك وتعرقل حياتك.
لكبح هذا الميل، اسأل نفسك أسئلة من قبيل:
- ما هو القرار الذي سيكون له أكبر أثر إيجابي على أهم أولوياتي؟
- من بين جميع الأشخاص المحتملين الذين قد أرضيهم أو أتسبب في إثارة غضبهم، مَن هو الشخص (أو الشخصين) الذي لا أرغب في تخييب أمله؟
- ما هو الشيء الذي يمكنني فعله اليوم وسيجعلني أقرب إلى تحقيق هدفي؟
- بناءً على ما أعرفه والمعلومات المتوفرة لدي في هذه اللحظة، ما هي أفضل خطوة تالية؟
من الأسهل بكثير أن تستجمع أفكارك وتتخذ إجراءً بشأن الخطوة التالية بدلاً من محاولة توقع ما سيحدث في الأشهر أو السنوات القادمة.
2. حدد الحجم الصحيح للمشكلة
بعض القرارات تستحق التفكير فيها ملياً، والبعض الآخر ليس كذلك. لذا، قبل أن تتخذ قراراً، اكتب الأهداف أو الأولويات أو الأشخاص الموجودين في حياتك الذين سيتأثرون به. سيساعدك هذا على التمييز بين ما هو مهم وما لا يستحق الهوس بشأنه.
وبالمثل، إذا كنت قلقاً بشأن احتمال فشل قرار ما، جرّب اختبار 10/10/10. عندما تستحوذ احتمالية فشل قرار ما على تفكيرك، فكّر فيما ستشعر به حيال هذا القرار بعد 10 أسابيع أو 10 أشهر أو 10 سنوات من الآن. من المحتمل أن يكون القرار بلا عواقب أو قد لا تتذكر حتى أنه كان مهماً وقتها. فإجاباتك يمكن أن تساعدك على وضع الأمور في نصابها وإيجاد الدافع الذي تحتاج إليه لاتخاذ إجراء.
3. استفد من قوة الحدس
يعمل الحدس مثل لعبة مطابقة الأنماط العقلية. يفكر الدماغ في الموقف ويقيّم جميع تجاربك بسرعة ثم يتخذ أفضل قرار في ضوء السياق. وهذه العملية التلقائية أسرع من التفكير العقلاني، ما يعني أن الحدس هو أداة ضرورية لصناعة القرار في حالة ضيق الوقت وعدم توافر البيانات التقليدية. في الواقع، تُظهر البحوث أن اقتران الحدس بالتفكير التحليلي يساعدك على اتخاذ قرارات أفضل وبشكل أسرع وأكثر دقة ويمنحك المزيد من الثقة في اختياراتك بشكل أكبر مما يحدث عند الاعتماد على التفكير وحده. ففي إحدى الدراسات، ظل مشترو السيارات الذين استخدموا التحليل الدقيق فقط سعداء بمشترياتهم لما يقرب من ربع الوقت فقط. بينما ظل هؤلاء الذين أجروا عمليات الشراء بالاعتماد على حدسهم سعداء لما يعادل 60% من الوقت. ويرجع ذلك إلى أن الاعتماد على الإدراك السريع، أو ما يُعرف بـ "التقطيع الرفيع" (thin-slicing)، الذي يسمح للدماغ باتخاذ قرارات حكيمة دون الإفراط في التفكير.
كان تامر مفتوناً للغاية بفكرة صناعة القرارات بالاعتماد على حدسه لدرجة أنه حدد يوماً يتبع فيه حدسه حول كل ما يقوله ويفعله لمدة 24 ساعة. وماذا كانت النتيجة؟ اتباع حدسه أعطاه الشجاعة للتوقف عن الحساسية واتخاذ قرارات صعبة، حتى عندما علم أن ذلك قد يزعج بعض أصحاب المصلحة. وقد قال لي لاحقاً: "لم يكن الأمر يتعلق فقط بما أنجزته، بل بالكيفية والسرعة التي أنجزته بها وبشعوري تجاهه. وقد جعلني ذلك أفضل نفسياً عند التعامل مع أي شيء يواجهني". جرب تخصيص يوم تتخذ فيه القرارات بناءً على حدسك كما فعل تامر، أو حتى خصص بضع دقائق اليوم وحاول خلالها أن تتذكر 3 أو 5 مرات وثقت فيها بحدسك وما إذا كانت النتيجة إيجابية.
4. لا تدع القرارات تستنزف طاقتك
عادة ما تتخذ مئات القرارات يومياً، على سبيل المثال بشأن ما ستأكله على الإفطار وكيفية الرد على رسالة ما عبر البريد الإلكتروني، وكل منها يستنفد مواردك الذهنية والعاطفية. من المرجح أن تفرط في التفكير عندما تكون مستنزَفاً، لذلك كلما تمكنت من الحد من القرارات الصغيرة، زادت الطاقة التي ستتوفر لديك لاتخاذ القرارات المهمة حقاً.
ضع روتيناً للحفاظ على طاقتك الذهنية، كوضع خطة أسبوعية لوجبات الطعام أو امتلاك خزانة ملابس تحتوي على قطع أساسية مواكبة للموضة دائماً ومناسبة لجميع المناسبات. بالمثل، ابحث عن فرص لإلغاء قرارات معينة تماماً، مثل إرساء أفضل الممارسات واستخدام بروتوكولات موحدة أو تفويض المهام أو إبعاد نفسك عن الاجتماعات.
5. ضع حدوداً مبتكرة
ربما سمعت عن "قانون باركنسون" الذي ينص على أن العمل يمتد ليملأ الوقت المتاح لإنهائه. ببساطة، إذا أعطيت نفسك شهراً واحداً لإعداد عرض تقديمي، فسوف يستغرق إنهاء العرض شهراً كاملاً. ولكن إذا كان لديك أسبوع واحد فقط، فستنتهي من إعداد العرض التقديمي نفسه في وقت أقصر.
وقد لاحظت نمطاً مشابهاً لدى المناضلين الذين يتسمون بالحساسية؛ إذ إن إفراطهم في التفكير يمتد ليملأ الوقت المتاح له! بمعنى أنك إذا أعطيت نفسك أسبوعاً للقلق حول قرار ما لن يستغرق اتخاذه في الواقع إلا ساعة واحدة، فأنت بذلك تهدر قدراً هائلاً من وقتك وطاقتك.
يمكنك كبح هذه النزعة من خلال وضع حدود مبتكرة. على سبيل المثال، حدد التاريخ أو الوقت الذي ستتخذ فيه القرار. ثم سجِّله في جدول مواعيدك أو على هاتفك ليذكرك به أو حتى اتصل بالشخص الذي ينتظر قرارك وأخبره بالموعد الذي يمكنه أن يتوقع أنه سيعرف فيه قرارك. ومن الممارسات المفضلة لدى عملائي هي تحديد "وقت للقلق"، ما يعني تخصيص فترة قصيرة من اليوم لحل المشكلات بطريقة بناءة.
تذكر أن قدرتك على التفكير بعمق تمنحك ميزة تنافسية. وبمجرد أن تتعلم السيطرة على التفكير المفرط، ستتمكن من تسخير حساسيتك لتصبح هي قوتك الخارقة.