التناغم الإداري في مقر العمل وأهميته لدى المدراء

4 دقائق

ليس لكل إدارة أو قسم قواعده وأهدافه الخاصة به، بل الجميع يعمل ويأخذ جهداً لتحقيق هدف مشترك لصالح المؤسسة. إذ إنّ إدارات وأقسام المؤسسة الواحدة مترابطة في وظائفها. فالإدارة العليا والموظفون بحاجة إلى العمل جنباً إلى جنب عند القيام على تطوير مشروع كبير، على سبيل المثال. أما إذا كان هنالك أهداف مختلفة دون وجود ترابط فيما بينها وبين الهدف الرئيسي للمؤسسة، لشكل ذلك خللاً، وبالتالي عدم ترابط الإدارات مع بعضها البعض. تخيل معي الموقف التالي، والذي انتهى إلى أنّ التكلفة الإجمالية الشاملة للمنتجات الجديدة كانت أعلى بكثير مما هو مخطط له، بسبب عدم وجود تناغم إداري فيما بين الإدارات أو ما بين فرق العمل المختلفة، حيثٌ يقول رون أشكيناس في مقال له نشر في مجلة هارفارد بزنس ريفيو وكان المقال بعنوان "هناك فرق بين التعاون والتضافر"، إنّ إحدى شركات التأمين طورت مجموعة جديدة من المنتجات لتلبية احتياجات العملاء الفريدة. ولكن أصبح من الواضح أنّ فريق تطوير المنتج والتسويق لم يعمل بشكل وثيق بما فيه الكفاية مع فريق تقنية المعلومات وخدمة العملاء، حيث لم تكن الفرق الأخيرة مدرجة في القرارات التفصيلية للتخطيط والبدء. ونتيجة لذلك، واجه العملاء مشاكل تمثلت في تأخير وأخطاء في المعالجة، وكانت مراكز الاتصال غير مهيأة للإجابة عن الأسئلة. وهذه إحدى المواقف التي قد تحدث فعلاً في أي مؤسسة من أي حجم بسبب عدم وجود تناغم إداري.

لذلك إذا أردت كقائد أن تدرك مدى وجود قوة تناغم ما بين الإدارات المختلفة أو ما بين موظفيك، اطرح على نفسك السؤال التالي: كيف تتعامل إدارة الموارد البشرية في مؤسستك مع الإدارات الأخرى؟ فإذا كانت الإجابة أنّ العلاقة جيدة، إذاً، فمن المحتمل ألا تزيد من إنتاجية فريقك ونتائجه بسبب عدم وجود تناغم في العلاقات التآزرية مع الإدارات أو الأقسام الأخرى للوصول إلى مستوى ما فوق الجيد. فلا يمكن تصور وجود خطط استراتيجية، (والتي ترسم مستقبل المؤسسة على المدى البعيد) من دون وجود ومشاركة الأطراف الرئيسية فيها. ولا يمكن تصور وجود تخطيط سليم لميزانية المؤسسة من دون معرفة حقيقية لاحتياجات أو متطلبات الإدارات الأخرى. إذاً، فالتعاون بين الإدارات يملك أكثر من معنى، إذ ينطوي على رؤية مشتركة واحترام متبادل وفهم متعمق لدور كل طرف في مشروع يهدف إلى تحقيق نتائج ممتازة وتجربة رائعة للوصول إلى التناغم الإداري. وبناء على ذلك نطرح التساؤلات التالية: هل لدينا القدرة (كمدراء) على تشجيع التعاون بين الإدارات أو فرق العمل المختلفة من أجل الوصول إلى التناغم الإداري؟ وما أهميته لدى المدراء؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بدّ لنا في البداية من معرفة معنى التناغم في مقر العمل. يقول كل من تاريلا وأبورلو في دراسة لهم أجريت في نيجيريا حول فهم تصورات الموظف للانسجام المستدام في مكان العمل، إنّ التناغم في مقر العمل ما هو إلا حالة سلام واستقرار نسبيين في المؤسسة، حيث تنطوي على الثقة بين المجموعات وفهم إدارة الموظفين في الداخل. وفي دراسة أخرى عن الشغف تجاه العمل وارتباطه بنتائج عاطفية وسلوكية ومعرفية مختلفة، عرّف مجموعة من الباحثين التناغم على أنه قوة تحفيزية تقود الفرد إلى اختيار الانخراط في نشاطه. ولجعل هنالك حالة من الاستقرار في مجال العمل، والتركيز على أهمية هذا التناغم الإداري وجعل مكان العمل بيئة مناسبة، قامت الأمم المتحدة برسم ثلاث استراتيجيات للمدراء لاتباعها في مقر العمل، وهذه الاستراتيجيات هي:

1- تعزيز الشعور بالشرف لتقديم الخدمة

إذ يتمثل دور المدير في إبقاء فريق العمل مركزاً على إنجاز الأعمال الأساسية والتي تحقق الرؤية البعيدة للمؤسسة. ولا بدّ من قيام المدير بتكريس وقت قصير لاجتماعات الفريق من أجل مناقشة القضايا والإجراءات الواجب تحسينها.

2- تحفيز وإلهام الموظفين

من أهم الأشياء التي يجب تذكرها كمدير هو أنّ الأمور التي تقولها تؤثر على الآخرين بشكل مباشر. فكر ملياً في التأثير الذي تريده وتوجيه سلوكك وفقاً لذلك. صحيح أنّ الأفراد يتخذون خياراتهم الخاصة حول مدى استثمارهم في وظائفهم، ولكنك بصفتك المدير، سيكون لديك تأثير يومي على تلك القرارات.

3- رفاهية الموظفين

يعمل الموظفون في العديد من أماكن العمل ويواجهون مواقف تتحدى الرفاهية العاطفية والجسدية، بالإضافة إلى ضغوط الحياة الشخصية والعائلية. لذلك بصفتك المدير، كن على دراية بما هو متاح للاستجابة لهذه الاحتياجات والتحديات التي تخفف من عناء الموظفين لديك.

وفي تجربة الإمارات العربية المتحدة، أولت الدولة اهتماماً كبيراً بالتناغم الإداري في مقر العمل وذلك من خلال الاستراتيجية الخمسية 2017- 2021 للهيئة الاتحادية للموارد البشرية. والتي حددت فيها الهيئة بأنها ستقوم بصب تركيزها على خلق بيئة عمل تنافسية عالمياً، وتمكين كفاءات حكومية مبتكرة تساهم في تحقيق رؤية الإمارات 2021، وخلق بيئة عمل تؤهل حكومة الإمارات لاستقطاب أفضل الكفاءات والمواهب من خلال خلق بيئة عمل تناغمية وسعيدة ومحفزة.

وعلى الرغم مما سبق قوله، يرى كل من لورانس وكينيث في كتابهم المنشور بعنوان "الإدارة العامة: المنظمات والحوكمة والأداء" (Public Management) أنّ هنالك جانباً سلبياً للتناغم الإداري، حيث يعتبرون أنّ التناغم الإداري المبالغ فيه إلى حد التفكير الجمعي (بمعنى التفكير على قلب رجل واحد) قد يؤدي إلى ضعف الأداء المؤسسي. لهذا السبب يحتاج التناغم الإداري إلى وجود إطار نموذجي واضح وصريح يساعد في تحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى للمؤسسة. ويوافق محمد الجيزاوي هذا الرأي، ويقترح أن تكون "بطاقة الأداء المتوازن" (Balanced Scorecard) هي الإطار النموذجي الذي تحتاجه المؤسسات لزيادة التناغم الإداري وبناء المعارف التنظيمية لدى العاملين.

لذلك ومما لا شك فيه، متى كان هناك استراتيجية مناسبة ونموذج عملي، كان هناك القدرة لدى الكثير من المدراء على تشجيع التعاون بين الإدارات أو فرق العمل المختلفة من أجل الوصول إلى التناغم الإداري في المؤسسة. يمكنك كمدير اتباع الاستراتيجيات التالية والتي أوصت بها جاكلين وايتمور في مقالها والذي صدر بعنوان "7 طرق لخلق التناغم في المكتب"، وذلك لخلق التناغم والانسجام في مقر العمل. وهي ممارسات بسيطة:

  1. شُكر الآخرين لأدائهم أعمالهم.
  2. أهمية ملاحظة الأشياء الإضافية الأخرى التي يقوم بها الموظفون في مقر العمل.
  3. ضرورة تجنب الإشاعات.
  4. اتباع سياسة الباب المفتوح.
  5. خلق بيئة عمل الفريق الواحد.
  6. ساعد الآخرين في أدائهم أعمالهم.
  7. تواصل مع الأخرين في خارج نطاق العمل.

هذه الاستراتيجيات تساعدك كمدير في رفع الروح المعنوية للموظفين، ما ينعكس إيجابياً على سلوكياتهم في مقر العمل، وصولاً إلى تحقيق التناغم الإداري المطلوب. لذلك تكمن أهمية التناغم الإداري للمدراء في أنه:

أولاً: يساعد على تحقق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة

فوجود تناغم إيجابي في العلاقات مع الإدارات أو الأقسام الأخرى ضمن المؤسسة الواحدة، يساعد في تنفيذ أهداف القيادة العليا. إضافة إلى أنه يمنح المؤسسة إمكانية امتلاك ميزة تنافسية متواصلة في بيئة العمل.
ثانياً: يشجع المشاركة والحوار الفعال

التناغم الإداري الفعال يساهم في التواصل الجيد ما بين الأطراف المعنية. فمن خلال الحوار يفهم الموظفون دورهم وتوقعاتهم، ويساهمون في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.

ثالثا: يساعد في بناء الثقة

التواصل الفعال بين الإدارات يبني الثقة داخل المؤسسة. فعندما تثق الإدارات أو فرق العمل في بعضها البعض، فإنّ هذا يزيد التعاون ويساهم في تحقيق نتائج أفضل لصالح المؤسسة.

رابعا: يساهم في تجنب الصراعات

عدم وجود تناغم فعال ما بين الإدارات في المؤسسة الواحدة قد يؤدي إلى الصراع، وبالتالي تأثر إنتاجية المؤسسة سلباً وعدم تحقيقها الأهداف المرجوة.

خلاصة الأمر، إنّ التناغم الإداري يساهم في خلق بيئة عمل أكثر سعادة وأكثر فاعلية. فقيام المدراء بتخصيص بعض من الوقت لدراسة وتطبيق ما سبق مناقشته، قد يساعد في دفع عجلة التطور والنمو في المؤسسة إلى الأمام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي