كيف تتفاوض مع زبون صعب لا ترغب بخسارته؟

14 دقيقة
التفاوض مع الزبون

"يعجبني منتجكم، ولكن السعر الذي تطلبونه مبالغ فيه لأننا معتادون على دفع نصف هذا الثمن". كيف يمكنك التفاوض مع الزبون؟

"ستقدم لنا شركة "أكمي" عقد الصيانة دون مقابل. إذا لم تقدروا على مجاراة ذلك فأنتم خارج المنافسة".

"أعتقد أننا عقدنا صفقة جيدة هنا، ولكن إن كنت تظن أني شديد في التفاوض فانتظر حتى تقابل رئيسي في العمل...".

"إذا استطعت خفض السعر بنسبة 20% فستحصل على الصفقة، وبمجرد العمل مع قسمنا ستضمن العمل مع كامل الشركة، سيكون حجم العمل كبيراً".

"لا أستطيع الخوض في جدول تسديد المستحقات، فسياسة الشركة صارمة جداً في هذا الشأن".

"أنت تهدر وقتي بعرضك هذا السعر! لقد ظننتُ بأن هذا العرض جاد! هل تحسب أنني شاب ساذج لا يعرف السوق؟".

لم يكن من المفترض حدوث ذلك، فأنت قد استثمرت الكثير من الوقت في كسب ثقة الزبائن وودهم. وقد قمت بكافة أنواع البيع من تلبية للحاجات وكسب للعلاقات وإعطاء الاستشارات حسب رغبة الزبائن، لقد كنت مقنعاً وخفيف الظل. ولكن مع اقتراب عقد الصفقة، يتحول الزبون الصديق فجأة إلى جنكيز خان ويطالب بالمزيد متلهفاً لسفك دماء هامش الربح المتاح لشركتك وسلب مكاسبكم ونهبها. وهنا تقف أمام خيارين أحلاهما مر: إتمام العمل دون ربح أو عدم إتمامه من الأساس.

وليست هذه الأزمات بالأمر الجديد بالطبع، فالصفقات التي لا تتم أمر وارد كل يوم. ولكن الشركات التي تعتمد على العلاقات طويلة الأمد مع الزبائن لديها حاجة ملحّة بأن تتجنب المواقف القاطعة التي تؤدي إلى ربح أو خسارة، لا سيّما أن التراجع عن صفقة سيئة قد يكلف فقدان الكثير من الصفقات في المستقبل. ويلجأ بعض المشترين إلى أساليب هجومية حتى عندما ينفذ المندوب عملية البيع على أتمّ وجه وبكل براعة. والفرضية التي تحملهم إلى ذلك هو أنهم لا يخسرون شيئاً بطلب بعض التنازلات. وهذا لن يمنع البائع من الرفض، وهم ينوون إتمام الصفقة على أي حال. ولكن كثيراً من المندوبين وخاصة ذوي الخبرة القليلة يقبلون بمطالب الزبون ولو كانت مفرطة. ويستطيع المشتري المتمرس إغراء حتى المندوبين المحنكين بالدخول في صفقات بناء على العواطف عوضاً عن المنطق. لذا كيف تحمي مصالحك وتنقذ الصفقة وتحافظ على العلاقة مع الزبون عندما يحاول الاستيلاء على قوت يومك؟

الدخول في معركة مع الزبون ليس حلاً إلا إذا كنت المزود الحصري لما يحتاجه (وفي تلك الحالة يجب أن تحرص ألّا تفقد تلك احتكارك للسلعة). أما الابتعاد عن الصفقة فهو أسلوب أسوأ، مهما كان مغرياً لك أن تتخلى عن زبون غير منطقي.

في المقابل، فإن النزول عند رغبات الزبون والتسوية ليسا حلاً للمشكلة أيضاً. وغالباً لن يشكل حسم 10% فارقاً كبيراً في العملية، ولذا سرعان ما يعطي المندوب هذا التخفيض. ولكن عدا عن خفض هامش ربح الشركة بشكل كبير، فإن هذا النوع من التكيف يشجع الزبون على توقع شيء دون مقابل في المفاوضات المستقبلية.

فكرة المقالة باختصار

لن تستطيع أن تخضع لزبون صعب المراس يريد أن يستغلك ويأكل هامش الربح الخاص بك، ولاسيما إن كنت تعتمد على علاقات طويلة المدى مع الزبائن. ولكنك لا تريد كذلك أن تخسر العلاقة تماماً، إذ لا يسعك أن تستغني عن الصفقة إن وجدت أن بعض الأمور لا تسير على ما يرام.

ولعل أفضل طريقة لتفادي هذه المواقف الصعبة تكمن في ممارسة نوع من السلمية الحازمة: أي أن ترفض الانجرار إلى الصدام، لكن أن ترفض أيضاً أن يتم استغلالك من قبل الزبون. وعليك من أجل ذلك أن تستخدم استراتيجيات أساسية من قبيل طرح متغيرات يمكنك العمل وفقها في عملية التفاوض، وأن تطور قدرتك على الاستماع أثناء الهجوم، وأن تؤكد على مصلحة شركتك، وأن تؤجل القضايا الشائكة إلى النهاية، وأن تلزم نفسك بحلّ معين إن كان يحقق مصلحة الطرفين معاً.

إن التفاوض الفعال مع الزبون الصعب يقوم على تفادي الصدام: فهو سيتوقف عن اتباع هذا الأسلوب حين يجد أنه لا يجدي نفعاً. كما أن الحل الإبداعي للمشاكل سيكون أكثر نفعاً وفائدة لكلا الطرفين.

وقد توفر الوقت باللجوء إلى التسوية – بتقسيم الفارق أو الإلتقاء في نقطة وسط بينكما – ولكن هذا ليس الحل الأمثل الذي يحقق مصلحة الجميع فهو لا يلبي مصلحة الطرفين معاً. وإذا ظهر منافس عنده طريقة مبتكرة لإرضاء الطرفين سيستطيع الاستحواذ على الصفقة.

إن أفضل طريقة للرد على الزبون الهجومي والذي يهمك الاحتفاظ به هي السلمية الحازمة. ارفض الخوض في صراع، ولكن تجنب أن يستغلك الزبون. لا ترضخ للضغوط، ولكن لا تقم بهجوم مضاد. ناور وتفادى الضربات وصد الضربات لكن لا تتنازل عن موقفك. لا تغلق أي باب وواصل فتح أبواب جديدة. حاول جذب الزبون إلى شراكة خلاقة تعملان فيها معا لابتكار حلول لم يسبق لمنافسيك التفكير بها.

استراتيجيات التفاوض مع الزبون

هنالك ثماني استراتيجيات أساسية لإخراج الزبون من أسلوبه الهجومي الصعب إلى مجال التفكير البناء المنتج وهي:

1. جهز نفسك عبر تحديد متى تنسحب وبناء المتغيرات التي تستطيع استخدامها أثناء عملية التفاوض

ما من شخص لا يتفق على أهمية وجود نقطة انسحاب. سواء كنت تتفاوض في صفقة أسلحة مع الروس أو اتفاقية عمل مع نقابات العمال أو عقد لا ترغب بإضاعته من بين يديك فإنك بحاجة إلى تحديد الحد الأدنى المقبول لديك: أي السعر والشروط والأهداف القابلة للتحقيق والتي تمثل في مجملها الحد الأدنى الذي يمكنك قبوله، فبدون هذا الحد لن يكون لديك طريق واضح للتفاوض.

أما زيادة عدد المتغيرات فهي أهم حتى من هذا الحد. وكلما زاد عدد المتغيرات التي تستطيع استخدامها زادت الخيارات التي تستطيع تقديمها، وكلما زادت الخيارات المعروضة، زادت فرصك في إبرام الصفقة. ويجب أن تكون الأولوية الأولى مع زبون مهم تجنب مواقف "إما القبول أو عدمه" وإبقاء المفاوضات جارية لمدة تكفي لإيجاد صفقة معقولة.

2. يعتقد الكثير من المندوبين أن المتغير الوحيد هو السعر، ولكن هذا التفكير الضيق يمكن أن يكون كارثياً

فالسعر هو أحد النقاط التي تتصادم عندها مصالح الزبون والمورّد. لذا فإن التركيز على السعر لن يؤدي إلا إلى زيادة من مشاعر العداء أو التقليل من الأرباح أو كليهما.

ويجب التركيز بدلاً من ذلك على المتغيرات المشتركة التي تجتمع فيها مصلحة الزبون ومصلحة المورد. فعلى سبيل المثال، قد يتواصل بائع لدى شركة تصنيع للمواد الاستهلاكية مع بائع التجزئة حول طرق أكثر فاعلية لاستخدام أموال الدعاية – تلك الخاصة ببائع التجزئة والشركة المصنّعة – لترويج المنتج. فإذا أضاف المندوب إلى المفاوضات برامج التسويق سينجح في تقديم قيمة إضافية على السعر، وهو ما سيتطرق له لاحقاً في المفاوضات.

وتكمن وظيفة المورد في إيجاد حزمة محددة من المنتجات والخدمات التي تزيد من القيمة المضافة للزبون بفعالية دون التضحية بربح البائع. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة موردة لقطع السيارات ببناء وحدة للبحث والتطوير خاصة بها وتعطي الزبون الخيار بالقيام بعملية البحث والتطوير بنفسه أو توكيل المهمة إلى الشركة الموردة. وقد مكن هذا الخيار الشركة الموردة من توجيه المفاوضات بعيداً عن السعر نحو إيجاد قيمة مضافة في عملية تطوير المنتج. وبهذا تحسنت العائدات والربح بشكل ملحوظ.

وحتى لو كانت المنتجات غير مميزة، يمكنك زيادة المتغيرات بالتركيز على الخدمات. فمثلاً يقوم مندوب للمنتجات الكيميائية باحتساب خيارات الدفع وإجراء حسم للكميات الكبيرة ولشراء المجموعات وحتى التكلفة والفائدة النسبيتين من استخدام شاحنات المورد أو الزبون. وبغض النظر عن مجال البيع، فكلما زاد عدد المتغيرات لديك، زادت فرص النجاح.

يعتقد الكثير من الباعة أن المتغير الوحيد هو السعر، ولكن هذا التفكير المحدود يمكن أن يكون كارثياً

عندما تتعرض للهجوم، استمع. اجمع أكبر قدر من المعلومات من الزبون، فإذا ثبت الزبون على موقف ما، يصبح من الصعب تغيير رأيه مهما كانت الحجة التي تستخدمها بارعة وقوية. و في مثل هذه الظروف يكون الاستماع أحد شروط الإقناع.

وأستشهد هنا بمثال من شركتي حول تطوير مهارات التفاوض. فأثناء تفاوض مطوّل حول عقد كبير للتدريب والتطوير، حاول الزبون جاهداً أن يخفض من الأتعاب اليومية لقادة الندوات المهنية وقد تذرع بنقص المال والسعر الأقل من المنافسين إضافة إلى سياسة الشركة. و كان العقد كبيراً، ولكننا كنا بالفعل نعمل بكامل قدرتنا الاستيعابية تقريباً، لذا لم يكن لدينا أدنى دافع للتقليل من الأتعاب اليومية، ولكننا في الوقت ذاته كنا نبيع الكتب لكل المشاركين في الندوات، وكان ذلك بالنسبة لنا بنفس قدر أهمية الخدمات. ولم يكن الزبون يطالب بالتنازلات بشأن أسعار الكتب، ولكنه كان يفكر فقط في الأتعاب اليومية وكان مصرّاً على رأيه.

اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع المورّدين الأقوياء؟

توقفت مندوبتنا عن الكلام، إلا إن كان لديها سؤال، وبدأت بالاستماع. وقد تعلمت الكثير – واكتشفت أمراً أكثر أهمية للزبون من السعر. لقد كان الزبون رئيساً للتدريب والتطوير لشركة كبيرة وذات طموحات مهنية كبيرة. وكان بحاجة للحصول على ملاحظة رؤسائه حتى يحصل على الترقية التي أرادها. ولكنه خشي أن يطور خبراؤنا علاقات مع الإدارة العليا في شركته فيصبح هو بعيداً عن الأضواء. فقررت مندوبتنا أن تمنحه السيطرة التي كان يسعى لها. وفي الوضع الطبيعي كنا لنعين محترفين مستقلين لملء الفجوة بين طاقمنا المتوفر واحتياجات الزبون. ولكنها في هذه الحالة قالت له أن بإمكانه تعيين المحترفين المستقلين بنفسه على أن يلتزموا بتدريبنا وتوجيهاتنا. وسيتقاضى الأشخاص الذين كنا قد تعاقدنا معهم في الأصل كامل أتعابهم اليومية. وهكذا كان بوسعه توفير المال الذي دفعه للمدربين المستقلين، دون هامش الربح الخاص بنا، ومع ذلك حققنا بعض الأرباح من الكتب والخدمات المهنية التي قدمناها، وكان بوسعه أن يبقى مسيطراً على الأمور.

خطآن شائعان

ثمة صعوبة كبيرة في التعامل مع الزبائن الهجوميين، ويكون الوضع أشد صعوبة عند استفزازهم، إلا أن العديد من مندوبي المبيعات يتسببون برفع مستوى التوتر لدى ها النمط من الزبائن إلى مستوى يفقد فيه أعصابه تماماً. الأسوأ من ذلك، هو أن المندوبين يرتبكون خطأين فادحين في قت الصدام، أي في اللحظة التي يجب أن يكون استفزاز الزبون آخر خيار يمكن اللجوء إليه.

أول هذين الخطأين هو المبالغة في التوضيح. فبعض المندوبين يصرون على تكرار وجهة نظرهم إلى أن يشعر الزبون بالضجر أو الانزعاج. فعليك أن تدرك أنهم سمعوا ما قلت أول مرة ولا داعي للتكرار كثيراً. كما قد يذهب المندوب لاستخدام المنطق والاستطراد في التوضيح بشكل قد يدل على أنه يستخف بقدرته الزبون على الفهم.

اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع فريق المشتريات؟

أما الخطأ الثاني فهو الإصرار على دحض كل نقطة يقوم بها الزبون، مما سيؤدي في نهاية المطاف حلقة مفرغة من طرح الفكرة أو الحجة وتقديم تفنيد لها. فلا تبالغ في مخالفة الزبون في كل ما يقول، حتى لو كنت على يقين بأنه مخطئ.

كما أننا كنا متأكدين أن الزبون كان يستخف بصعوبة تحديد المدربين المستقلين وتدريبهم وإدارة شؤونهم. وقد خاطرنا بافتراض أنه في مرحلة لاحقة ما سيقدر الزبون هذه الخدمة وسيشعر بأهمية أن يدفع لنا مقابلها، وتبين أن افتراضنا كان في مكانه. وقد تمكنا خلال عام من توقيع عقد الخدمات المهنية بشكل كامل دون التنازل عن هامش الربح.

لقد كان ذلك حلاً لا يمكن لأي منافس أن يجاريه لأنه ما من منافس كان قد استمع بشكل كاف إلى الأهداف العامة للزبون، والأهم من ذلك هو أن تلاعب الزبون قد تحول إلى ثقة، وأن هذا العنصر كان حاضراً في جميع المفاوضات اللاحقة.

حين يتعرض الناس للهجوم فإن رد الفعل الطبيعي عند الغالبية العظمى منهم تكون في اتخاذ موقف الدفاع عن النفس أو إطلاق هجوم معاكس. أما بالنسبة للمندوب في عملية تفاوض مع زبون فإن كلا هذين الأمرين سيؤديان إلى نشوء خلافات حادة. لكن ردة الفعل الأفضل في هذه الحالة هي عدم مقاطعة الزبون وتركه يقول كل ما لديه، وذلك لثلاثة أسباب. الأول هو أن المعلومات الجديدة قد تزيد من احتمالية زيادة القضايا الشائكة، والثاني هو أن الاستماع دون الدفاع عن النفس يساعد في التنفيس عن الغضب، والثالث هو أنك حين تستمع فإنك لا تقدم تنازلات.

تفادى النزاع: سيبدل أصعب الزبائن منهجيته الهجومية في التعامل معك حين يدرك أنها لا تجدي نفعاً

3. احرص على متابعة القضايا التي تستلزم النقاش حولها

قد تكون المفاوضات مع الزبون مربكة في بعض الأحيان، وقد ينزعج الزبون حين يشعر أنه لم يتم تحقيق الكثير من التقدم، كما أنه قد يعود للتطرق إلى اتفاقات قد تم إبرامها، ويثير قضايا جديدة في اللحظات الأخيرة. ولعل أفضل طرق تجنب هذه المشاكل هي إعداد ملخص واضح عمّا تم إنجازه وبيان الأمور التي ما يزال يلزم التباحث حولها. فهذه الملخصات السريعة والدورية تساعد في واقع الأمر على الحفاظ على الزخم في عملية التفاوض كما أنها تؤكد للزبائن بأنك تستمع إلى ما يقولون.

اقرأ أيضاً: مواصفات المستمع الجيد

إن المفاوضين الجيدين يكونون قادرين على نزع فتيل التوتر من أي خلاف أياً كانت شدته عبر تحويل اعتراضات الزبون وشكاواه إلى قضايا يلزم التعامل معها. ومربط الفرس هنا هو أن تحافظ على هدوئك، وأن تتنبه جيداً إلى كلمات الزبون ونبرته، وأن تنتظر بصبر حتى تحين اللحظة الهادئة التي يمكنك عندها أن تقدم ملخصاً عن التقدم الذي تم إحرازه من جانبك.

4. قم بالتأكيد على مصالح شركتك

مندوب المبيعات الفعل يركز دوماً على مصالح زبونه، وليس على مصالحه، كما أنه يطور من قدرته على التعامل مع وجهة نظر الزبون بشكل مطلق إلى درجة أنه يتشكل لديه فهم غريب لاحتياجات الزبون ورغباته. لكن لا بد من معرفة أن المبالغة بالاهتمام بالزبون قد ينعكس سلباً على مندوب الأعمال، وذلك لأن التفاوض في المبيعات يتطلب تركيزاً على الناحيتين، على مصالح الزبون وعلى مصالح الشركة التي يمثلها الموظف. إن الموقف التفاوضي الأفضل لا يتمثل في التركيز المطلق على رضا الزبون وإنما في التركيز على حل المشكلات بطريقة تحقق الرضا للطرفين. فمندوب المبيعات الذي يخفق في التأكيد على احتياجات شركته سينتهي به المطاف في تقديم الكثير من التنازلات التي لا تكون في صالحه.

كما أن طريقة التأكيد على مصالح الشركة أمر في غاية الأهمية، إذ يلزم أن يتم هذه الأمر بطريقة غير مستفزة. فإن قال المندوب مثلاً: "أنت تستخدم مركز خدماتنا أكثر من بقية الزبائن بنسبة 50% ويجب عليك أن تدفع مقابل ذلك"، فإن هذا الأسلوب سيثير غالباً ردة فعل دفاعية من زبون يميل للنزاع. ولعل الأفضل من هذا الأسلوب هو أن يقيم المندوب ببناء أرضية مشتركة مع الزبون عبر التأكيد على المصالح المشتركة وتجنب استخدام اللغة المستفزة وتشجيع النقاش حول القضايا الخلافية. فيمكن أن يقول مثلاً: "أن تدرك أن مركز الخدمة جزء مهم من مجمل الخدمات في الاتفاقية، وبما أنك تستخدم المركز أكثر من الزبون العادي بنسبة 50% تقريباً، فإن هذا الأمر يزيد من التكاليف المترتبة علينا وسيرفع عليك السعر أيضاً. أرجو أن نصل إلى طريقة مناسبة للعمل سوية للحد من تكاليف الخدمة مع الحفاظ على الجودة، وأقترح بداية أن نجلس كي نحدد الجوانب التي ترفع من الطلب على الخدمة".

5. قدم التزاماً بتقديم الحل المقترح بعد التأكد من أنه مناسب لكلا الطرفين

وفي حال شعر زبون حريص على المنافسة بأنه المندوب يتخذ موقفاً متصلباً من مسألة معينة فإن ذلك قد يؤثر على الصفقة واحتمالية إتمامها، ولعل الطريقة الأفضل هي أن يقدم اقتراحات ببعض الحلول الافتراضية. ولننظر مثلاً في هاتين الطريقتين في بيع قرض تجاري لزبون ما.

"سأخبرك بشيء، لو وافقت على التعامل معنا فيما يخص كافة أعمالك المتعلقة بصرف العملة في فروعك في أوروبا، فسنقدم لك هذا القرض بأدنى معدل فائدة".

أو أن تقول: "لقد تحدثتَ مرة عن أعمالكم في مجال صرف العملات من فروعكم في أوروبا. وعلى افتراض أنك اتفقت معنا لإدارة كل تلك الأعمال، فعندها قد نتمكن من تقديم القرض الجديد لك بمعدل فائدة أفضل".

من المحتمل حين يسمع الزبون الاقتراح بالأسلوب الأول أن يبدأ البحث عن عروض أخرى من المنافسين، لأن هذا الأسلوب يجعل الزبون والمندوب على طرفي نقيض في عملية التفاوض. أما الأسلوب الثاني فيمثل دعوة للزبون للانخراط في تطوير العرض. ومن المعروف أن الزبون حين يشارك في عملية البحث عن الحلول سيصل في النهاية إلى الصفقة الأنسب له.

وهنالك بعض المندوبين الذين يرتكبون خطأ يتمثل في الموافقة على مسألة ما دون التأكد من سلامة مجمل الصفقة. وقد يكون ذلك في مصلحة الزبون الذي يسعى بكل حرص على أن يستغل المندوب ويكون له نصيب الأسد من الصفقة بأقل التكاليف. ومن المعروف أنه من الصعب التراجع عن تنازل ما بعد تقديمه. لذلك يُفضل التعامل مع المسائل بطريقة غير قطعية. يمكن أن تقول مثلاً "لقد اتفقنا على القيام بهذا الأمر، ولكن بشرط أن نتوصل إلى اتفاق ملائم بخصوص المسألة كذا، والمسألة كذا".

6. أجّل التعامل مع المسائل الأكثر تعقيداً

حين يكون عليك التفاوض بشأن العديد من المسائل فتجنب أن تبدأ بأصعبها، مع أن المنطق قد يقول إنه من الأفضل حل القضايا التي قد تقف عائقاً أمام الصفقة، فلماذا نهدر الوقت في النقاش حول قضايا جانبية دون أن نتأكد من احتمالية حلّ المسائل الأكثر أهمية؟

هنالك سببان لذلك: الأول هو أن حل المسائل الأسهل كفيل بتوليد الزخم الذي يشجع على إتمام الصفقة. افترض مثلاً أنك تتواصل مع زبون مصرّ على استغلالك بكل معنى الكلمة فيما يتعلق بالجانب الرئيسي من الصفقة. فحين تبدأ بالمسائل التي لا تستلزم المواجهة والتنافس وتوصلت إلى حلول مبتكرة، فإنك ستدفع الزبون على إدراك قيمة استكشاف أسلوب جديد في التعاون. أما الأمر الثاني فهو أن مناقشة القضايا الأقل إشكالية قد تساعد في الكشف عن تفاصيل إضافية، مما يدعم موقفك عند الوصول إلى الجانب الأساسي في العملية.

7. ابدأ بمطالب كبيرة ثم قدم التنازلات تدريجياً

يرغب الزبون المهتم بالمنافسة في رؤية العائد على استثماره في عملية التفاوض. وحين تعرف أن الزبون يرغب في المساومة، فعليك أن تبدأ بأمر يسعك أن تتنازل عنه. لا شك أن اللجوء إلى الأساليب الملتوية له ثمنه. فأنت لا تعود زبائنك على طلب التنازلات وحسب، ولكنك تعلمهم كذلك أن لا يتساهلوا أبداً بشأن القضايا المالية. لكن حين يكون الزبون مصراً على "اللف والدوران" فلن تكون أمامك الكثير من الخيارات.

والزبون قد يدفع ثمناً لهذا الأسلوب. ولعل الحالة التقليدية هي ذلك الزبون الذي يتبجح باستمرار بأنه كسب الكثير من المراهنات والصفقات، وذلك كي يرهب المندوب قبل البدء بالتفاوض معه، فيقول له مثلاً: "أنا دائماً أفوز"، وكأنه يتوعّده ويهدّده. فكان يلجأ المندوب في مثل هذه الحالات إلى رفع سعره بنسبة 10 إلى 15% قبل الجلوس مع الزبون للتفاوض معه، فيدعه يكسب في الجولة الأولى، ويطري على مهارته، ثم يتم الصفقة بهامش ربح معقول.

وقد أظهر عدد من الدراسات أن رفع سقف التوقعات يؤدي إلى أفضل نتائج التفاوض، أما التوقعات المتدنية فتنتج عن أضعف النتائج. ولهذا يتوجب على مندوبي المبيعات أن لا يرتبكوا أمام الزبون الذي يفاوض ويساوم كل نقطة. فحين يخفض المندوب من سقف توقعاته فإنه بذلك يكون قد قدم أول التنازلات حتى قبل أن تبدأ المفاوضات الفعلية، ومن ثم يستغل الزبون هذه التنازلات الأولية في المراحل المقبلة من العملية.

كان هنالك مدير تنفيذي في شركة تبيع البرمجيات للصيدليات، وكان يصر دوماً على الصراحة المطلقة في كافة الصفقات مع الزبائن. فكان يبدأ مع المفاوضات مع الزبائن عبر كشف قائمة الأسعار التي لديه ويقول: "إليك قائمة أسعارنا الرسمية، لكن لأنكم تمثلون سلسلة من الصيدليات فإننا سنقدم لكم حسماً". لقد كان هذا المدير يعزز التواصل مع الزبون عبر تنازل لم يطلبه أحد وكان ينجح في كل مرة في بيع ما لديه.

الأمر الأساسي هنا هو الحصول على شيء ما مقابل التنازلات التي تقدمها، وأن تدرك القيمة التي تترتب على كل تنازل تقدم عليه. ومن المهم أن نذكر أن للتنازل قيمة مختلفة لكل من البائع والمشتري، لذا عليك أن تبدأ بالأمور التي تمثل قيمة أكبر للزبون ولكنها لا تمثل تكاليف كبيرة على شركتك:

  • التحكم بالعملية
  • ضمان الجودة
  • سهولة الإجراءات
  • المعاملة التفضيلية في أوقات نقص المنتج
  • معلومات حول التقنيات الجديدة (كإطلاع الزبون على أنشطة قسم الأبحاث والتطوير)
  • وقت التسليم
  • تعديل الخدمة حسب احتياجات الزبون
  • الخدمة

كانوا يقولون قديماً "من يتنازل أولاً يخسر". قد يكون هذا الأمر صحيحاً في المفاوضات التي لا يكون للزبون فيها أي مصدر توريد آخر. لكن في معظم الظروف التي يكون فيها تنافس في المبيعات فإن على مندوب المبيعات أن يتنازل أولاً من أجل ضمان إحراز تقدم ما في الصفقة. فقدم تنازلات تدريجية، واحصل على شيء في المقابل، وحدد القيمة التي يمثلها التنازل لكلا الطرفين. إن هدر الوقت أمرٌ يثير جنون مندوبي المبيعات عادة، لأنهم يعرفون أن الوقت هو المال، لكن في عمليات التفاوض يكون التأني هو المكسب.

8. لا تقع ضحية الابتزاز العاطفي

قد يستخدم الزبون أحياناً بعض الأساليب والمشاعر- الغضب عادة- لإرغام المندوب على تقديم تنازلات قد يرفضون تقديمها في الظروف العادية. فالبعض يلجأ إلى التظاهر بالغضب كوسيلة مقصودة، وهنالك من يكون غاضباً فعلاً. لكن أياً كان الأمر، سواء حقيقة أو ادعاءً، فإن الأمر الذي يعنينا هنا هو ردة فعل المندوب على ما يتعرض له. فكيف يا ترى يجب التعامل مع غضب الزبون مع السيطرة في الوقت ذاته على أعصابك؟

فيما يلي ثلاثة أساليب مختلفة يجدها المندوبون مفيدة في التعامل مع الزبائن الذي يعبرون عن غضبهم، بشكل متعمد أو عفوي، كتكتيك للمناورة.

الانسحاب. اطلب استراحة وتحدث مع مديرك أو رتب للقاء في وقت آخر، فتغيير المكان أو الزمان قد يساعد على تغيير سير عملية التفاوض.

استمع بصمت أثناء نوبة غضب الزبون. لا تحرك رأساً ولا تقل "تمام" أو "اها" أو غير ذلك. حافظ على التواصل البصري وتعبير الوجه المحايد، ولكن لا تعزز سلوك الزبون. وحين تنتهي غضبته اقترح عليه خطة بناءة لتجاوز الإشكال.

تعامل بشكل صريح مع غضب الزبون، وأخبره بأن هذا الأسلوب غير بناء، واقترح التركيز على قضية محددة لا تثير التوتر. وهنالك جانبان أساسيان في هذا الأسلوب. الأول هو التوقيت: لا تتعجل في العملية وإلا فإنك ستدفع الزبون إلى زاوية لا يستطيع الخروج منها بالتفاهم الهادئ. والثاني هو التأكيد على أن الأساليب الملتوية غير مقبولة، واقتراح خطة بناءة للتفاهم. من المهم أن لا تكون سلبياً وجباناً، فالطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الموقف هو عبر إبراز القوة والثقة.

فعلى سبيل المثال، تخيل هذا الجواب على نوبة غضب من الزبون: "هذه العصبية غير بناءة [مع تواصل بصري حازم ولهجة صارمة]. لقد أمضينا الساعات الثلاث الأخيرة ونحن ننظر في القضايا التي أمامنا محاولين التوصل إلى حل منصف ومعقول. أقترح الآن أن نعود إلى قضية أحكام الدفع ونرى إن كان يمكن أن ننتهي منها".

لا شك أن هنالك قدراً من المخاطرة في استخدام أي من هذه الأساليب. فإن كنت ستنسحب فإنك قد لا تحظى بفرصة أخرى، وإن استمعت واكتفيت بالصمت أو كانت ردة فعلك في غير محلها، فإن ذلك قد يتسبب في المزيد من الجفاء مع الزبون. والأفضل عدم اللجوء إلى هذه الأساليب إلا حين يخرج الحوار تماماً عن المنطق، وعندها قد يكون استخدام أي منها كفيلاً بإنقاذ عملية تفاوض يائسة.

إن جوهر عملية التفاوض مع الزبون بفعالية يكمن في تجاوز هذه المشاكل وإقناعه بأن بذل الجهد المشترك في حل المشكلة سيكون أكثر جدوى ونفعاً. وستجد أن أصعب الزبائن سيتخلى عن منهجيته الهجومية حين يشعر أنها لا تجدي نفعاً، كما أنه سيتخذ موقفاً أكثر لطفاً وإيجابية لو تمكنت من جعل العملية ممتعة ومثيرة له قدر الإمكان. إن المواجهة المباشرة لها إيجابياتها بلا شك، ورد الهجوم بمثله اختبار جيد للجرأة والقدرة على التحمل، ولكنه قطعاً ليس الاختبار المناسب للقدرة على الإبداع والابتكار. فمن أجل التواصل مع الزبون الصعب فإن الإبداع هو الطريقة الأفضل لأداء الأعمال وإتمامها.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي