حددت سلمى، وهي عضو جديد في فريق عمليات التصنيع، بعض التحسينات الممكنة في مجال السلامة، وكانت تفكر في كيفية عرضها على الفريق، لكن التعبير عنها يثير توترها. بسبب تخوفها من مديرتها الجديدة، رانيا، وقلقها من ترك انطباع سلبي بين زملائها، بالإضافة إلى شكها في إمكانية تطبيق اقتراحاتها في المصانع التي يشرف عليها الفريق.
غالباً ما تبدو اجتماعات الفريق الافتراضية الأسبوعية متعجلة بسبب جدول أعمالها المكتظ الذي لا يكفيه الوقت لمناقشة بنوده كافة، ولكن في نهاية كل اجتماع تسأل رانيا عادةً عما إذا كان هناك أي قضايا أخرى، وتستفسر عن رأي سلمى، لذلك اغتنمت الفرصة وتحدثت.
لسوء الحظ، لم توفق سلمى في عرض اقتراحاتها كما أرادت، فبدا الغضب على مديرتها رانيا وبدأ أعضاء الفريق يغادرون الاجتماع لحضور اجتماع آخر. قالت رانيا رداً على اقتراحات سلمى: "لا أتفق معك تماماً، سنناقش الأمر بمزيد من التفصيل لاحقاً". انتهى الاجتماع رسمياً، وبقيت سلمى بمفردها تحدق في شاشتها الفارغة قلقة تلوم نفسها وتقسم أنها لن تكرر ذلك بعد أن كوّنت انطباعاً راسخاً بأن رانيا شخصية لا يمكن مناقشتها. وقررت أنه من الأفضل لها أن تلتزم الصمت مستقبلاً، ما عزز اعتقادها بأن التحدث في الاجتماعات خطأ قد يؤثر على بقية مسيرتها المهنية.
لم تتابع رانيا الأمر مع سلمى بسبب انشغالها ونسيت الحادثة تماماً، وبمرور الوقت تولد انطباع لدى رانيا بأن سلمى يجب أن تكون أكثر جرأة في الاجتماعات، فمشاركاتها قليلة ويغلب عليها التردد؛ وهذا الانطباع فاجأ رانيا، فهي تتذكر بوضوح أن سلمى كانت أكثر انفتاحاً خلال مقابلة العمل، لكنها لم تدرك أن تفاعلها مع اقتراحات سلمى رسّخ لديها اعتقاداً بأن التعبير عن آرائها في الاجتماعات خطأ يجب ألا يتكرر.
أهمية التعبير عن الآراء
إن تعبير الموظفين الصريح عن آرائهم واستماع القادة إليهم أمر بالغ الأهمية في المؤسسات. ووفقاً لأبحاث المؤلفتين ميغان وإيمي، وأبحاث أخرى، فإن التعبير عن الآراء بشفافية أو كتمانها يؤثر في معايير العمل ضمن المؤسسة، مثل السلوكيات الأخلاقية والابتكار والشمول والأداء. وفي حين أن المبادرات التي تشجع الموظفين على التعبير عن آرائهم وبناء بيئة عمل آمنة نفسياً تشكّل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، فقد لاحظنا أن العديد منها يحمل افتراضات إشكالية مفادها أنه عندما يتمكن الموظفون من التعبير عن آرائهم فسوف يكونون على درجة عالية من المهارة في المحاولة الأولى، وأن المسؤولية الرئيسية عن نجاح التعبير عن الرأي تقع على عاتق المتحدث وليس المستمع. نتيجة لذلك، لا تركز هذه البرامج بما يكفي على استجابة المتحدث والمستمع للتفاعلات الفاشلة والتعلم منها.
إن المحاولات الفاشلة للتعبير عن الرأي علناً، مثلما حدث بين سلمى ورانيا، شائعة في بيئة العمل، ويمكن أن يكون لها أثر سلبي دائم لأنها تؤدي إلى إحجام الموظفين عن التعبير عن آرائهم، وبالتالي تتلاشى عادات تقديم الملاحظات والمجازفة في الفريق تدريجياً. بما أننا باحثتان وداعمتان لثقافة التواصل المفتوح والاستماع الفعال والتعلم في المؤسسات، فقد لاحظنا أن هذه المشكلة هي أحد الجوانب المحبطة في مكان العمل، حيث تتآكل إمكانات الفرق ببطء أو يعجز الأعضاء الجدد عن إحداث التغيير الذي عينتهم الشركة لإحداثه.
لقد أثبتت أبحاثنا وخبرتنا أن الحل يكمن في أن ينظر أعضاء الفريق جميعهم، بمن فيهم القائد، إلى هذه التفاعلات، مثل التفاعل بين سلمى ورانيا، على أنها تجارب يتوقع الجميع التعلم منها، خاصة التفاعلات التي تنتهي بالفشل، وهذا النهج يحولها إلى "إخفاقات ذكية"، وهي بحسب وصف إيمي في بحثها الأخير: المواقف التي لا تؤدي فيها النية الإيجابية والمدروسة للتعبير عن الرأي أو الاستماع إلى النتيجة المرجوة، لكن المشاركين يستثمرون الفرصة للتعلم من التجربة.
سنستكشف أولاً سبب صعوبة التعلم من هذا النوع من الإخفاقات، ثم نقترح استراتيجيات تمكّن أعضاء الفريق؛ الموظفين والقادة على حد سواء، من التعامل معها بصورة أفضل.
لماذا يصعب التعلم من التجارب الفاشلة؟
ثمة 3 أسباب رئيسية تعوق قدرتنا على الاستفادة من المواقف التي نفشل فيها بالتعبير عن أفكارنا أو الاستماع بفعالية لآراء الآخرين:
عدم إدراك الفشل
لكي نتعلم، يجب أن نعثر على ما يمكننا التعلم منه في المقام الأول. لكن القادة، وخاصة أولئك الذين يشغلون مناصب عليا، يعتقدون أنهم مستمعون أفضل مما هم عليه بالفعل وأنهم أكثر انفتاحاً مما يدركه الآخرون، وبالتالي يغفلون عن المواقف التي يؤدي فيها سلوكهم إلى إحجام الآخرين عن التعبير عن آرائهم. في مثالنا السابق، لم يكن لدى مديرة سلمى أي فكرة عن أن طريقة تفاعلها أوقعت هذا التأثير العميق على سلمى، فأضاعت فرصة كان من الممكن أن تساعدهما على التعلم وتحسين علاقتهما في المستقبل.
العواطف السلبية
على الجانب الآخر، عندما ندرك وجود مشكلة بالفعل، غالباً ما نلوم أنفسنا حتى على الأخطاء البسيطة في التحدث أو الاستماع. قد نشعر بالحرج أو العار، وهي مشاعر سلبية تجعلنا نتجنب التفكير بعمق في الموقف. على سبيل المثال، استنزفت سلمى جزءاً كبيراً من طاقتها وهي تتمنى لو أنها لم تشارك رأيها، وهي استجابة سلبية مدمرة أدت إلى إعاقة جهودها المستقبلية بدلاً من تحسينها لأن استغراقها بالتفكير في الموقف أثار لديها شعوراً دائماً بالحرج.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يدرك الأشخاص وجود مشكلة في التواصل غالباً ما يلومون الآخرين، وهي استجابة غير بنّاءة على الرغم من أنها مفهومة. على سبيل المثال، تلوم سلمى رانيا لأنها لا تستمع إلى آرائها، لكن رانيا ربما شعرت بالضيق من توقيت حديث سلمى، حيث قررت الحديث في نهاية اجتماع طويل. يمنعنا لوم الآخرين من إدراك دورنا في المشكلة، ويضعف قدرتنا على التعلم، ويسهم في تدهور علاقاتنا على المدى الطويل.
الانشغال الشديد والتركيز على المدى القصير
في استقصاء مستمر أجراه كل من ميغان ريتز وجون هيغنز، وشمل 1,750 موظفاً على مستوى العالم ومن مختلف القطاعات، كشف ثلثا المشاركين عن رغبتهم في أن يزيد مدراؤهم التركيز على محادثات التعلم، في المقابل، أكد 22% فقط رغبتهم في أن يزيد المدراء التركيز على القضايا المتعلقة بالمهام.
تركز رانيا على إجراء محادثات عملية ومباشرة تتعلق بالمهام الضرورية لتحقيق نتائج الأعمال على المدى القصير. وهذا النهج منطقي، لكنه يحد من الاهتمام بالفرص الأقل وضوحاً للتحسين والتغيير الضروريين لضمان نجاح الشركة على المدى الطويل. ربما كان فريق سلمى يفتقر إلى الراحة أو الحرية للتوقف مؤقتاً ومناقشة فرص التغيير أو استخلاص الدروس من الأحداث.
كيف تحسن مهارتك في التعبير عن آرائك والاستماع للآخرين؟
في ضوء هذه التحديات، وللتعلم باستمرار من الإخفاقات الذكية الحتمية في التعبير عن الأفكار والاستماع، ننصح بممارسة العادات الأربعة الآتية:
الاستعداد للتعلم من المحادثات
الاستعداد للتحدث والاستماع مهم جداً، ولكن الأهم من ذلك هو الاستعداد للتعلم من التفاعلات. كانت سلمى قد خططت لكيفية التعبير عن آرائها، لكنها لم تكن هي أو مديرتها على استعداد للتعلم من التجربة.
للاستعداد للتعلم، سلط الضوء صراحة على دور التعلم في فعالية فريقك المستمرة. في بداية الاجتماعات، توقف قليلاً للسماح للمشاركين بتصفية أذهانهم والتركيز على الاجتماع، ووضح أن الهدف من الاجتماع هو التعلم تحديداً، وشجعهم على أخذ بعض الوقت للتفكير في أي جانب يبدو غامضاً أو إشكالياً وطرحه. وبحسب الإمكانية، خصص بضع دقائق في نهاية الاجتماع لإجراء تقييم ذاتي جماعي لجودة المناقشة. تساعدنا هذه الممارسات على تجنب ميلنا إلى الانهماك بالمهام وتشتيت تركيزنا اللذين يقللان من فرصتنا لملاحظة الأخطاء.
يجب على المدراء تحديداً تنمية وعيهم الذاتي لفهم الثغرات الإدراكية التي تجعلهم يغفلون عن تأثير تصرفاتهم التي قد تُثني الآخرين عن التعبير بحرية، كما يجب أن يكون أعضاء الفريق واعين لأسباب سوء فهم الآخرين لما يقولونه.
انتبه للحظات المهمة
من المهم أن تنتبه للمشاعر السلبية التي تنتابك خلال المناقشات، مثل الخجل والإحباط، وأن تعتبرها إشارات تحفزك على التفكير والتأمل في الموقف. اختبرت سلمى ورانيا هذه المشاعر ولكنهما لم تدركا الفرص التي أشارت إليها.
عندما نشعر بالخجل أو الإحباط، نميل إلى تجنب التفكير ملياً في الموقف، ولكن يمكننا أن نتدرب على استخدام هذه المشاعر لتعزيز فضولنا بدلاً من ذلك. تؤدي صياغة الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا دوراً كبيراً في قدرتنا على التعلم. فبدلاً من التفكير "لماذا كنت بهذا الغباء؟" كان بمقدور سلمى أن تسأل نفسها: "ما هي الأفكار والمشاعر التي راودتني خلال هذا التفاعل؟" و"ما هي الافتراضات والأحكام التي اتخذتها، وما هي الأدلة التي استندت إليها؟".
في هذا الصدد، تقول إيمي في كتابها الجديد إن ذلك يتطلب تجاوز مجرد الاعتقاد أن الفشل الذكي مفيد، وتقدير قيمته الحقيقية والاستفادة منه فعلياً عندما يحدث.
دمج أدوات عملية لتعزيز التعلم من الأخطاء
نظراً لصعوبة إدراك اللحظات الحرجة في المحادثات، من المفيد إنشاء أدوات تساعد الفرق على مشاركة مسؤولية التفكير وتقديم الملاحظات، وتضمن مشاركة الجميع بفعالية. في المثال السابق، لم تتمكن سلمى ومديرتها من تحديد أخطائهما أو التعلم منها، ولكن كان بمقدور باقي أعضاء الفريق ملاحظة ما يحدث والتدخل والمشاركة برأيهم.
على سبيل المثال، يكلف أحد الفرق التي راقبنا عملها أحد أفراده (من المهم ألا يكون الشخص نفسه دائماً) بمراقبة المواقف التي يشعر فيها الأفراد بعدم القدرة على التعبير عن أفكارهم أو عدم استماع الآخرين إليهم. ويخصص فريق آخر وقفات قصيرة في منتصف الاجتماع وفي نهايته، ويطلب من أفراده تحديد تفاعل يحتاج إلى مزيد من النقاش والوقت أو يوفر فرصة للتعلم. يسمي الخبراء هذه القدرة على إدراك ما يحدث في الوقت الفعلي بدلاً من الانجراف وراء الأحكام المسبقة والافتراضات والاستجابات التلقائية، "الوعي الذاتي المتقدم" (Meta-Awareness)، وهي مهارة يمكن تدريب الأفراد والفرق عليها بفعالية.
تعزيز التعلم على المدى الطويل
اشتكت رئيسة تنفيذية التقيناها مؤخراً أن فريق القيادة يركز بشدة على الأهداف التشغيلية القصيرة المدى بدلاً من التركيز على تطوير الفريق. وعندما تعمقنا في النقاش معها، أدركت أن أسئلتها الموجهة للفريق كانت تركز في معظمها على الجوانب التشغيلية. لذلك، وفي حين أنها كانت تريد منهم التفكير في الصورة الأكبر، كانت ترسل إشارات تدل على أن الأهداف التشغيلية هي الأهم حقاً. فبدأت تسأل عن استراتيجياتهم في القيادة وتطوير مهاراتهم وقدراتهم، وركزت على تقدير من يظهرون الشجاعة في مشاركة آرائهم وتعليقاتهم بصراحة ومكافأتهم. سرعان ما بدأت الرئيسة التنفيذية بمشاركة إخفاقاتها في التحدث والاستماع، وبدأ أفراد فريقها يعطون الأولوية للتعلم من إخفاقاتهم.
إذا كنت في بيئة عمل نادراً ما تحدث فيها نقاشات صعبة، فقد تكون أنت من يواجه مشكلة. فالمحادثات الأعلى قيمة بالفعل هي التي تخوض مجالات مجهولة وتعزز التعلم، وهي تنطوي بطبيعتها على درجة معينة من التحدي.
إن الاعتراف بأخطاء المحادثات هو علامة على تماسك الفريق وسلامة تفاعلاته. فإدراك حالات الخلل في التواصل يدل على أن الأفراد يطرحون أفكاراً جديدة ومختلفة بدلاً من الاكتفاء بمناقشة بنود جدول الأعمال. يصبح الخطأ في المحادثة "إخفاقاً ذكياً" عندما تسلط الضوء عليه بدلاً من تجاهله أو إخفائه، وتتعامل معه بجدية على أنه فرصة للتعلم واكتساب المعرفة. وهنا يبدأ التغيير الثقافي المفيد.