هل مديرك متوتر إلى أقصى الحدود لدرجة أن يجعل حياتك جحيماً لا يُطاق؟ لست وحدك! فقد بات التوتر وباءً تفشى بين المدراء والقادة المعاصرين، وأمسى الاحتراق الوظيفي بدوره داءً عضالاً ينتشر بمعدلات سريعة.
ونحن جميعاً نعرف الأسباب، ممثلة في التقلبات الاقتصادية المتسارعة والتطورات التكنولوجية المتلاحقة والعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من دون توقف سوى فترات قصيرة تكاد تكون معدومة. كل ذلك يضيف ضغوطاً هائلة تزيد ما تنوء بها كواهلنا أساساً. اعتدنا جميعاً بذل جهود تفوق طاقتنا لفترة طويلة جداً من الزمن، ما أوقع مديرك (وربما أوقعك أنت شخصياً) في مزلق الإصابة بمتلازمة الضحية التي تعني ضمنياً أن الجميع أعطوا من وقتهم وعرقهم وجهدهم، والآن لم تبق لديهم طاقة للعطاء؛ فالمدير الذي ربما كان معروفاً في السابق بأسلوبه القيادي المفعم بالذكاء العاطفي وقدرته على بناء فريق رائع وتحفيز مرؤوسيه يتحول إلى شخص سريع الغضب كثير التشاؤم والقلق عندما يشعر بالتوتر. فتجده يمارس الإدارة التفصيلية، والأسوأ أنه يختفي تماماً عندما تكون في أمسّ الحاجة إليه.
تظهر المشاكل الحقيقية بسبب ما يحدث بعد ذلك؛ إذ تُصاب بالتوتر أنت أيضاً! إذ تنتقل إليك حرفياً عدوى انفعالات مديرك الهدّامة، وتصبح شخصاً عديم الحافز مُحبَطاً، وسريع الغضب أيضاً. ستشعر أنك ترغب في الفرار، وإلا ستضطر إلى تقليل إسهاماتك إلى أدنى حد ممكن وتكتفي بالوقوف مكتوف اليدين في انتظار مرور العاصفة. الآن أصبح الأمر يتعلق ببقائك على قيد الحياة.
يُصاب المرء بعدوى التوتر نتيجة توتر مديره، والمدهش في الأمر أن هذه العدوى تنتقل بسرعة مذهلة. وأحد الأسباب هو طبيعة العواطف والانفعالات المعدية؛ فهي تنتشر كالنار في الهشيم بين الأفراد، بل تنتشر بسرعة أعلى إذا كان أحدهم يمتلك بعض السيطرة على مصيرنا، كما هي الحال مع مدرائنا. السبب الآخر لتأثرنا بتوتر مدرائنا هو أن الكثيرين منا يقفون بالفعل على أعتاب التوتر. فقد ضحينا نحن أيضاً وتنازلنا عن الكثير فترة طويلة من الزمن، وبدأت بوادر السأم تظهر واضحة علينا، ولا يفصلنا عن التوتر سوى خيط رفيع.
فلنلقِ نظرة على شخص حقيقي، صديق وزميل سأطلق عليه اسم "نبيل". قبل عامين، كان نبيل يشعر بسعادة غامرة عندما انضم إلى الإدارة العليا، من المؤكد أنه سمع عن مديره الجديد جمال المعروف "بقسوته"، لكنها ليست المرة الأولى التي يتعامل فيها مع مدير صعب المراس. أيقن نبيل أيضاً أن مشواره إلى هذا المنصب كان مُتعِباً؛ إذ كان يعمل بجد واجتهاد فترة طويلة من الزمن، ولكن هذا ما كان ينتظره طوال حياته، أليس كذلك؟ استطاع أن يحفر في الصخر ويجد الطاقة اللازمة لتحقيق القفزة الكبيرة التي تتطلبها هذه الوظيفة.
وخلال الأشهر القليلة الأولى في الشركة، أدرك نبيل شيئين: أولاً، لم يكن لديه القدر نفسه من الطاقة التي كان يتمتع بها حين بدأ الوظيفة الجديدة السابقة. ثانياً، صُعق عندما أدرك أن شهر العسل انتهى قبل أن يتمكن من الاستمتاع به؛ كان جمال يلاحقه طوال الوقت، لم يكن يفعل شيئاً بالطريقة الصحيحة. في البداية، اعتقد أن ذلك كان خطأه، وربما كان بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والإسراع بتنفيذ المهام المطلوبة منه. فعل ذلك، ولكنّ هذا لم يغيّر من الأمر شيئاً. استمرت تعليقات جمال اللاذعة، وبدا غاضباً جداً طوال الوقت. بعد مرور عام، أصبح نبيل سريع الانفعال لأتفه الأسباب، ما إن يعود إلى المنزل حتى ينفجر غضباً، ولم يعد كما كان على الإطلاق. أُصيب نبيل بمرض جمال، ولم يبدُ أنه من الممكن علاجه.
على الرغم من حياته التي أفناها في قطاع يحبه وفي شركة يعشقها، لم يعد قادراً على رؤية المغزى من الاستمرار في هذا العمل. في الواقع، يبدو أن جمالاً وأعضاء فريق نبيل لم يعودوا يكترثون بأي شيء آخر غير النتائج القصيرة المدى.
يؤدي هذا إلى مشكلة أخرى مع المدراء المصابين بالتوتر، وهي ما لا يفعلونه؛ فما داموا يركزون على التعامل مع مشكلاتهم الخاصة، فلن يمتلكوا الوقت للحفاظ على ارتباطك بأكثر ما يهمك في العمل: ذلك الهدف النبيل الذي تحاول مؤسستك تلبيته ويمدك بالإلهام، أو تلك النظرة المفعمة بالأمل للمستقبل التي تجعلك ترغب في الاستمرار. كان الإحساس بالهدف هو عين ما يحتاج إليه نبيل لمواجهة آثار الاحتراق الوظيفي الذي كان على أعتابه، وكان هذا الإحساس غائباً تماماً.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا نفعل إذا أصبح التوتر وباءً ينشره مدراؤنا بيننا؟ لنبدأ بما لا يمكنك فعله: لا يمكنك تغيير مديرك أو تغيير أسلوبه في الاستجابة للتوتر؛ لأن تعلُّم كيفية التعامل مع الضغوط رحلة فردية جداً. إذا فقد مديرك السيطرة على أعصابه، فلن تفيدك نتائجك المثالية مهما ارتفع مستواها، ولن يفيدك تسليم المشاريع قبل الموعد أو أي ثناء على عملك، عليك أن تؤدي عملك بكل تأكيد وعلى الوجه الأكمل، لكن لا تتوقع المعجزات.
ما يمكنك فعله آنذاك هو العمل على نفسك. أولاً، عليك أن تبذل قصارى جهدك لفهم سبب إصابة مديرك بالاحتراق الوظيفي، ثم محاولة إيقاظ مشاعر التعاطف؛ تلك القدرة البشرية الفريدة على فهم الواقع الذي يعيشه الطرف الآخر. من المهم أن تخصص بعض الوقت لمحاولة التعرف بوعي على الحالة العاطفية التي يشعر بها مديرك وفهمها. احرص على تبنّي وجهة نظره بمحاولة رؤية العالم والأحداث ونفسك بعينيّ مديرك. التعاطف، بالمناسبة، من أهم مهارات الذكاء العاطفي،
وهذا ما فعله نبيل؛ حاول بوعي "فهم" مديره، دون اتخاذ موقف دفاعي أو الغضب، حاول أن ينظر إلى الصورة الكاملة، بما فيها التحديات التي يواجهها مديره مع الصراعات الدائرة في الفريق ورئيس مجلس الإدارة الصعب المراس. توصل شيئاً فشيئاً إلى طرق لقضاء بعض الوقت مع جمال والضحك معه بين الحين والآخر، إلى أن أقنعه بالحديث عن حياته الشخصية والأسرية.
لا شك في أن التعاطف مع رجل مثل جمال ليس بالأمر السهل؛ لأن رد فعلنا الطبيعي ينطوي على اتخاذ موقف دفاعي، بل عدواني أيضاً، وليس إبداء التعاطف. ولكن إذا كان بإمكانك إبداء التعاطف والتعبير عنه، فأولاً، سيشعر مديرك بذلك على الأرجح وقد يفيده ذلك، وثانياً ستكون قادراً على الحفاظ على رباطة جأشك في مواجهة سلوكه السيئ، لأنك تعلم أنها مشكلته هو وليست مشكلتك أنت، ومن المفارقات العجيبة أن نبيل ساعد في تهدئة مديره المتوتر عندما تعامل معه بهذا الأسلوب.
كما أن التعاطف يسهل خلق مسافة عاطفية مناسبة بينك وبين مديرك، هذا صعب بعض الشيء؛ لأنك لا تستطيع رفض الاستماع إليه أو قطع أي علاقة تربطك به، بل يتعين عليك أن تراقب ردود فعلك باستمرار وتبذل جهداً واعياً للتحكم في استجابتك العاطفية. قيّم هذه الحدود النفسية الكتيمة التي تقف حاجزاً بينك وبين مديرك وابحث عنها. أي جزء من التوتر والسلبية يخصه هو، وأي جزء يخصك أنت؟
الأهم من ذلك أنك مُطالَب بإلقاء نظرة فاحصة على التوتر الذي تشعر به أنت شخصياً في العمل والمنزل. كيف حالك، حقاً؟ انظر إلى علاقاتك في المنزل وفي العمل. هل أنت عصبي؟ أو سريع الانفعال؟ أو نافد الصبر؟ أو سليط اللسان؟ نحن جميعاً نتصرف بهذه الطريقة في بعض الأحيان. وهذا النوع من السلوك (بخاصة في المنزل) يعد تشخيصاً جيداً لهذه الحالة.
إذا رأيت أنك في سبيلك إلى الوقوع في المشاكل، أو تعرّضتَ لظروف ما قبل الإصابة بالاحتراق الوظيفي، فعليك أن تبدأ بالعلاج فوراً. خصص بعض الوقت لتجديد طاقتك وحيويتك، ولا تنخدع: فتجديد الطاقة والحيوية لا يحدث نتيجة الحصول على إجازة. هل تتذكر آخر إجازة صيفية؟ يبدو أنه قد مر عليها وقت طويل، أليس كذلك؟ للتعامل مع هذا النوع من التوتر الذي نواجهه جميعاً في العمل اليوم، يجب أن يصبح تجديد الطاقة والحيوية سلوكاً مستمراً مدى الحياة، وليس حدثاً عارضاً.
هناك بعض الأشياء التي ندرك أنها تصلح للجميع تقريباً، مثل الضحك مع زملاء العمل (دون الضحك من المدير!) وأداء أنشطة ممتعة خارج نطاق العمل وممارسة الرياضة وتبادل الزيارات مع الأصدقاء وتحديد الأولويات الصحية. أصبح من الواضح أيضاً أن تأمُّل اليقظة الذهنية له تأثير عميق في قدرة الفرد على الحفاظ على رباطة جأشه وإدارة التوتر. هذه الحركة آخذة في النمو، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضغط الذي نعانيه جميعاً. أشرف الباحث المعروف في مجال اليقظة الذهنية، جون كابات زن في جامعة ماساتشوستس، مع الأستاذ في جامعة بنسلفانيا، مايكل بايم وآخرين، على عشرات الآلاف من الأشخاص خلال برامج الحد من التوتر القائمة على اليقظة الذهنية، التي يتعلم فيها الأفراد العاديون دمج تمارين التنفس والتأمل في الحياة اليومية مع زيادة وعيهم الذاتي بشأن التوتر الذي يعانونه.
يجدر بك أيضاً الشعور بالأمل من خلال تخيل الطريقة التي تريدها لسير الأمور في العمل مع مديرك وربما في المنزل، يبدو الأمر بسيطاً جداً، وهو كذلك بطريقة ما. الأمل غريزة طبيعية لدى البشر، ويسهم حقاً في التغلب على عبء التوتر اليومي. حاول أن تولي بعض الاهتمام لما تود أن تشعر به، والأسباب الداعية لذلك. سيساعدك هذا على الشعور بقدر أكبر من التفاؤل والوعي بردود فعلك. يتطلب هذا الوعي الذاتي بالعواطف والتحكم الذاتي في عواطفك وانفعالاتك، وهما عنصران أساسيان في الذكاء العاطفي.
ماذا عن نبيل؟ لا يزال محتفظاً بوظيفته، على الرغم من أن ذلك لم يكن مؤكداً قبل بضعة أشهر. وبعد قرابة العام، أدرك أنه بحاجة إلى السيطرة على أعصابه، لأنه كان ينجرف بسهولة إلى مزلق الخلاف مع الآخرين والاحتراق الوظيفي. بدأ بتغيير الأولويات، ثم أدرك أن عليه تغيير عقليته أولاً. وانضم إلى دورة تدريبية حول اليقظة الذهنية وتعلم كيفية ممارسة الشخص العادي للتأمل. وأشرك أفراد أسرته في المحادثة، وبالتالي لم يعد يشعر بالوحدة. تسير أحواله على خير ما يرام، لكنّ جمالاً للأسف في طريقه إلى المغادرة؛ إذ لم يتمكن من السيطرة على أعصابه وبدأت الشركة بأكملها تشعر بالآثار المترتبة على هذا السلوك.