تقوم قوتان كبيرتان بتغيير طبيعة العمل: الأتمتة والمنافسة العالمية الشرسة. ولمواكبة ذلك، تضطر العديد من المؤسسات إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها لتنقلات القوى العاملة، وكثيراً ما تجري تغييرات تكون مزعجة ومؤلمة. عادةً ما تلجأ هذه الشركات إلى عمليات إعادة الهيكلة وتسريح العمالة التقليدية، ولكن كلتيهما تضر تفاعل الموظفين وربحية الشركة على المدى الطويل. ورغم ذلك، أدركت بعض الشركات أنها تحتاج إلى اتباع أسلوب جديد، فماذا عن الحفاظ على الشركة بعد تسريح العمال منها؟
دراسة حالة شركة "نوكيا"
انظروا إلى حالة شركة نوكيا. في بداية عام 2008، كان كبار المدراء في شركة الاتصالات الفنلندية الشهيرة يحتفلون بتحقيق زيادة في الأرباح خلال سنة واحدة بنسبة 67%. لكن الشركة كانت تواجه عدة تحديات منها أن المنافسة مع الشركات الآسيوية المنافسة منخفضة التكاليف أدت إلى انخفاض أسعار منتجات نوكيا بنسبة 35% خلال بضع سنوات فقط. وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكاليف العمالة في مصنع نوكيا بمدينة بوخوم الألمانية بنسبة 20%. كان الخيار واضحاً بالنسبة للإدارة يومها: كان يجب إغلاق مصنع بوخوم. سافر يوها أكريس، نائب رئيس شركة نوكيا للموارد البشرية في ذلك الوقت، للتحدث مع موظفي المصنع البالغ عددهم 2,300 موظفاً بشأن تسريحهم. وعندما أخبرهم بذلك، ثارت حشود الموظفين أكثر وأكثر، وتذكر أكريس الواقعة قائلاً: "كان موقفاً عدائياً للغاية".
ازداد الغضب؛ فبعد أسبوع تظاهر 15,000 شخص في مدينة بوخوم احتجاجاً على إغلاق المصنع، وفتح مسؤولو الحكومة الألمانية تحقيقاً حول الواقعة وطالبت الحكومة شركة نوكيا برد إعانات الدعم التي تلقتها من أجل المصنع. ودعت النقابات العمالية إلى مقاطعة منتجات نوكيا. وامتلأت الأخبار بصور لموظفين منهمرين في البكاء ومتظاهرين يحطمون هواتف نوكيا. وفي نهاية المطاف، كلف إغلاق مصنع بوخوم الشركة 200 مليون يورو - أي أكثر من 80 ألف يورو لكل موظف تم تسريحه- ناهيك عن الآثار السلبية للمقاطعة والدعاية السيئة في الصحف. انخفضت الحصة السوقية للشركة في ألمانيا، إذ قدر مديرو الشركة أن نوكيا خسرت 700 مليون يورو في المبيعات و100 مليون يورو في الأرباح هناك في الفترة من عام 2008 إلى عام 2010.
وفي عام 2011 عندما انخفض أداء قطاع الهواتف النقّالة في نوكيا، قرر كبار مديريها أنهم كانوا يحتاجون إلى إعادة هيكلة الشركة من جديد، وسيشمل ذلك تسريح 18 ألف موظف في 13 دولة على مدار السنتين المقبلتين. واستناداً إلى خبراتهم في ألمانيا، كان مسؤولو نوكيا عازمين على إيجاد حل أفضل. وفي هذه المرة، نفذت نوكيا برنامجاً يسعى إلى التأكد أن الموظفين يشعرون أن عملية إعادة الهيكلة كانت عادلة وضمان خروج سلمي للذين تم تسريحهم.
قضت واحدةً منّا، وهي ساندرا، ثماني سنوات في البحث عن أفضل الممارسات لتغيير القوى العاملة في الشركات الدولية متعددة الجنسيات. ورأت ساندرا أن كل الشركات التي تسرح موظفيها بشكل متكرر للغاية تسرحهم بطريقة سيئة أو تسرحهم لأسباب خاطئة، وفي حالات معينة ترتكب الفعلتين. نعني بـ "التسريح السيئ" أن يكون التسريح ظالماً أو يعتبره الموظفون عادلاً وتكون له آثار سلبية دائمة. أشعل تسريح الموظفين عن العمل في بوخوم الغضب لأن نوكيا كانت قد حققت أرباحاً كبيرةً في العام السابق؛ وبالتالي اعتُبر الأمر ظالماً وألحق ضرراً بالغاً بسمعة ومبيعات نوكيا. وعندما نقول "أسباب خاطئة"، نعني أن التسريح تم لتحقيق تخفيضات قصيرة الأجل في النفقات بدلاً من إجراء تغيير استراتيجي طويل الأجل. في عام 2008، كان لدى نوكيا الأسباب الصحيحة، لكنها لا تزال تعاني بسبب هذه العملية.
تسنّ بعض الحكومات، التي تدرك الضرر الهائل الذي يسببه تسريح العمالة، قوانين تحمي الموظفين منها. على سبيل المثال، يطالب عدد من الدول الأوروبية الشركات تقديم مبررات اجتماعية أو اقتصادية قبل أن تتمكن من إجراء عمليات التسريح. ورغم ذلك، حذفت فرنسا مؤخراً شرط تقديم مبررات اقتصادية للتسريح، ويمكن للشركات في الولايات المتحدة إجراء عمليات التسريح متى شاءت. وبغض النظر عن مدى السهولة التي قد يبدو عليها تسريح العمالة، ينبغي على الرؤساء التنفيذيين أن يتذكروا أن فعل ذلك سيكون له عواقب.
ويظهر البحث بوضوح أن عمليات التسريح السيئة أو التي تتم لأسباب خاطئة نادراً ما تساعد المديرين الكبار في تحقيق أهدافهم. في هذا المقال، سنطرح أسلوباً أفضل لتغييرات القوى العاملة يتجنب تسريح العمالة ويضمن أنه عند حدوث ذلك، ستكون العملية عادلة وأن الشركة والأطراف المتأثرة مهيأة للنجاح.
لماذا تعد عمليات التسريح غير مجدية؟ وكيف يمكن الحفاظ على الشركة بعد تسريح العمال منها؟
إذا كانت قصة نوكيا تبدو مألوفة، لكن في الولايات المتحدة وحدها، أفاد مكتب إحصاءات العمل بأن 880 ألف إلى 1.5 مليون موظف تم تسريحهم سنوياً من عام 2000 إلى عام 2008 ومن عام 2010 إلى عام 2013 (تم جمع بيانات العام الماضي). وحدث ذلك حتى عندما كان الاقتصاد الأميركي يتوسع. وخلال عام 2009 الذي شهد ذروة الركود الكبير، تم تسريح 2.1 مليون مواطن أميركي عن العمل. وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت معدلات البطالة بمقدار 34 مليون شخص من عام 2007 إلى عام 2010، حسبما تظهر بيانات صادرة عن منظمة العمل الدولية.
وتزداد عمليات التسريح باضطراد منذ سبعينيات القرن الماضي. في عام 1979، أجرت ما تقل عن 5% من شركات قائمة "فورتشن 100" عمليات تسريح، وفقاً لآرت بودروس أستاذ علم الاجتماع بجامعة ماكماستر الكندية، ولكن عام 1994 أجرى نحو 45% منها عمليات تسريح. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة ماكنزي على 2,000 شركة أميركية أنه في الفترة من عام 2008 إلى عام 2011 (خلال الركود الكبير وتبعاته)، لجأت 65% من هذه الشركات إلى عمليات التسريح. وأصبحت عمليات التسريح اليوم استجابة افتراضية لمستقبل غير واضح يتسم بالتقدمات السريعة في التكنولوجيا والأسواق المضطربة والمنافسة الشديدة.
وفي مراجعة أجريت عام 2012 على 20 دراسة لشركات أجرت عمليات تسريح، وجد ديباك داتا الأستاذ بجامعة تكساس في أرلينغتون أن عمليات التسريح كانت لها آثار محايدة أو سلبية على أسعار أسهم هذه الشركات في الأيام التي أعقبت الإعلان عنها. واكتشف داتا أيضاً أنه بعد عمليات التسريح عانت غالبية الشركات من انخفاض في الربحية، وأظهرت دراسة ذات صلة أن الانخفاض في الأرباح استمر لثلاث سنوات. ووجد فريق من الباحثين من جامعات أوبرن وبايلور وتينيسي الأميركية أن الشركات التي أجرت عمليات تسريح أكثر عرضة مرتين لإعلان إفلاسها من الشركات التي لم تجرِ أي عمليات تسريح.
وفي كثير من الأحيان يرفض كبار المديرين مثل هذه النتائج، ويزعم بعضهم أنه نظراً لإجراء الشركات عمليات تسريح لأنها تعاني من أوضاع سيئة بالفعل، فليس من المفاجئ أن أداءها المالي ربما لن يتحسن. أصبحت عمليات التسريح جزءاً لا يتجزأ من الأعمال كحل قصير الأجل لتقليل النفقات لدرجة أن المديرين يتجاهلون حقيقة أنها تسبب مشكلات أكثر مما تحل.
وتخسر الشركات التي تسرح العمال الوقت الذي استثمرته في تدريبهم بالإضافة إلى شبكات علاقاتهم ومعرفتهم بكيفية إنجاز العمل. الأكثر أهمية من ذلك هي الآثار السلبية على العمال الناجين من التسريح. وجد تشارلي تريفور، الأستاذ بجامعة ويسكونسن ماديسون الأميركية، وأنتوني نايبرغ، الأستاذ بجامعة ساوث كارولينا الأميركية، أن تخفيض القوى العاملة بنسبة 1% يؤدي إلى زيادة بنسبة 31% في معدل الدوران الوظيفي الطوعي في العام التالي. وفي الوقت ذاته، تقلل الروح المعنوية المنخفضة من مشاركة العمال وتفاعلهم. قد يؤدي تسريح العمالة إلى شعور الموظفين بأنهم فقدوا السيطرة، ويبعث مصير أقرانهم رسالة مفادها أن العمل الجاد والأداء الجيد لا يضمنان لهم الحفاظ على وظائفهم. وأظهرت دراسة أُجريت عام 2002 بواسطة ماغنوس سفيركي وجوني هيلغرين من جامعة ستوكهولم السويدية وكاترينا ناسوال من جامعة كانتربري النيوزلندية، أنه بعد أي تسريح للعمالة، يعاني الناجون من انخفاض في الرضا الوظيفي بنسبة 41% وانخفاض بنسبة 36% في الالتزام التنظيمي وانخفاض بنسبة 20% في الأداء الوظيفي.
اقرأ أيضاً: دليلك لتكون متعاطفاً أثناء تسريح العمال
وفي حين أن الإنتاجية قصيرة الأجل قد تزداد بما أنه يتعين على عدد أقل من العمال تغطية القدر نفسه من العمل، تأتي هذه الزيادة مع مزيد من التكاليف إذ تنخفض معدلات الجودة والسلامة، وفقاً لبحث أجراه مايكل كوينلان الأستاذ بجامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية، الذي أظهر أيضاً معدلات أعلى لإجهاد الموظفين والدوران الوظيفي. وفي الوقت ذاته، ينخفض الابتكار والإبداع. على سبيل المثال، اكتشفت دراسة أُجريت بواسطة تيريزا أمابيل، الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال، على واحدة من الشركات التقنية في قائمة "فورتشن 500"، أنه بعدما قلصت الشركة عمالتها بنسبة 15%، انخفض عدد الابتكارات الجديدة التي تنتجها بنسبة 24%. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لعمليات التسريح أن تؤدي إلى قطع العلاقات بين مندوبي المبيعات والعملاء. واكتشف الباحثون بول ويليامز وساجد خان وإيرل ناومان أن العملاء أكثر عرضة للتسرب بعد أن تجري الشركة عمليات التسريح، ثم يأتي التأثير على سمعة الشركة: إذ اكتشف جيفري لاف وماثيو كراتز أستاذا إدارة الأعمال بجامعة إلينوي انخفاضاً في تصنيف هذه الشركات في قائمة فورتشن لأكثر الشركات تقديراً.
إقرأ أيضاً: الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل يتحدث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين في الأزمات.
ويدفع الموظفون الذين يتم تسريحهم ثمناً بعد فقدانهم لوظائفهم على الفور. يشير واين كاسيو، وهو أستاذ بجامعة كولورادو الأميركية، إلى دراسة استقصائية أجرتها وزارة العمل عن العمال الذين تم تسريحهم خلال عامي 1997 و1998، اللذين شهدا انتعاشاً اقتصادياً. كان حال معظمهم أسوأ بعد مرور عام، إذ عثر 41% فقط منهم على عمل بأجر مساوٍ أو أعلى من أجورهم السابقة، ووجد 26% منهم وظائف بأجور أقل، وكان 21% آخرون لا يزالوا عاطلين عن العمل أو غادروا سوق العمل تماماً. ولاحقت آثار عمليات التسريح المتضررين منها طوال حياتهم، إذ أظهرت دراسة أجرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2009 عن الموظفين الذين تم تسريحهم خلال فترة الركود عام 1982 أنهم بعد 20 سنة كانوا لا يزالون يجنون أقل بنسبة 20% من أقرانهم الذين احتفظوا بوظائفهم. ولا تقتصر الآثار التابعة للتسريح على الأرباح فقط؛ فوفقاً لدراسة أجرتها كيت سترولي، وهي أستاذة مساعدة بجامعة نيويورك (إن واي يو)، لدى الموظفون الذين يتم تسريحهم فرصة أعلى بنسبة 83% للتعرض إلى متاعب صحية في السنة التي تلي فصلهم عن العمل وأكثر احتمالاً ست مرات لارتكاب أفعال عنيفة.
البحث عن البدائل
تمارس القليل من الشركات أساليب أفضل للتعامل مع احتياجات القوى العاملة المتغيرة. لننظر إلى شركة أيه تي آند تي كمثال؛ ففي عام 2013 توصل مديرو الشركة إلى أن 100 ألف من موظفيها البالغ عددهم 240 ألف موظف كانوا يعملون في وظائف لن تكون ذات صلة بنشاط الشركة بعد عقدٍ من الزمن. وبدلاً من تسريح هؤلاء الموظفين وتوظيف مواهب جديدة، قررت الشركة إعادة تدريب جميع العاملين البالغ عددهم 100 ألف بحلول عام 2020. وبهذه الطريقة، لن تخسر الشركة المعرفة التي اكتسبها الموظفون ولن تقلل ثقتها في الإدارة العليا التي كانت ضرورية للمشاركة والابتكار والأداء. تبدو النتائج إيجابية للغاية حتى الآن. وفي مقال نُشر بمجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2016، أشار جون دونوفان، الرئيس التنفيذي الاستراتيجي لشركة أيه تي آند تي آنذاك (الرئيس التنفيذي لمجموعة أيه تي آند تي للاتصالات حالياً)، إلى أنه بعد 18 شهراً من بدء هذا البرنامج، قللت الشركة وقت دورة تطوير المنتج بنسبة 40% وسارعت وقتها لتحقيق الإيرادات بنسبة 32%. ومنذ عام 2013، ازدادت إيرادات الشركة بنسبة 27%، وفي عام 2017 دخلت أيه تي آند تي قائمة فورتشن لأفضل 100 شركة للعمل بها لأول مرة في تاريخها.
اقرأ أيضاً: طرق دعم الموظفين المتبقين بعد تسريح بعض العمالة
وفي عملها، درست ساندرا سبع شركات اتبعت بنجاح -مثل أيه تي آند تي- بدائل لعمليات التسريح التقليدية. ويكشف تحليل لتجارب هذه الشركات أن أي استراتيجية فعالة لتغيير القوى العاملة لها ثلاثة مكونات رئيسية: فلسفة، وأسلوب، وخيارات تناسب مجموعة متنوعة من الظروف الاقتصادية.
فلسفة. تعمل فلسفة تغيير القوى العاملة بمثابة بوصلة لكبار المديرين، وتعتمد على قيم الشركة وتوضح الالتزامات والأولويات التي ستلتزم بها الشركة في أثناء إجراء هذا التغيير. تساعد الفلسفة المديرين على الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما هي القيم التي نعتقد أن الموظفين يساهمون بها في أعمالنا ونجاحها؟
ما هي التوقعات التي نحملها عن تفاعل الموظفين وولائهم ومرونتهم وقدرتهم على التأقلم والتطور؟
ما الذي ندين به للموظفين كتبادل عادل مع ما قدموه لنا؟
كيف يمكن للموظفين مساعدتنا في تطوير وتنفيذ تغيير القوى العاملة؟
وتشمل فلسفة شركة ميشلان الفرنسية الشهيرة لصناعة إطارات السيارات، على سبيل المثال، توظيف الأفراد بناءً على إمكاناتهم وليس حسب الوظائف المطلوبة. وفي سياستها الخاصة بعلاقات العمل، تصف الشركة التزامها بتطوير الموظفين طويل الأجل، إذ يتم توظيف مدير مهني لكل موظف/موظفة ليراقب تطوره/تطورها ويساعد في التأكد أن هذا التطور يتوافق مع احتياجات شركة ميشلان. وتتبع الشركة أيضاً نهجاً محدداً في تغيير وإعادة هيكلة القوى العاملة. ووصفت سياسة علاقات العمل الخاصة بشركة ميشلان هذا النهج عام 2013 على النحو التالي:
تعد عمليات إعادة الهيكلة أمراً لا مفر منه في ظروف معينة من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية للشركة عالمياً. ويجب أن تتم عمليات إعادة الهيكلة هذه، بقدر الإمكان، في أوقات تسمح فيها حالة الشركة بتعبئة موارد كافية لتخفيف العواقب الاجتماعية. ويُطلب من الموظفين في الكيانات المعنية وممثليها، كلما كان ذلك ممكناً، العمل معاً للبحث عن حلول لاستعادة القدرة التنافسية وتقليل الطاقة الفائضة، مما قد يفتح الباب أمام إيقاف نشاط أو إغلاق موقع ما. عندما لا يمكن تجنب إعادة الهيكلة، يجب الإعلان عنها في أقرب وقت ممكن وتنفيذها وفقاً للإجراءات المتفق عليها مع ممثلي الموظفين. يجب دعم التغييرات اللاحقة على المستوى الشخصي طالما كان ذلك ضرورياً لضمان أن يجد الموظفون المعاد تصنيفهم حلاً مرضياً من حيث مستوى المعيشة والاستقرار والحياة الأسرية واحترام الذات.
وعندما كانت نوكيا تعتزم إجراء هذا التخفيض الهائل في القوى العاملة عام 2011، صاغ كبار مسؤوليها فلسفة قائمة على أربع قيم أساسية:
سنتقبل مسؤوليتنا كقائد للاقتصاديات المحلية وسنهدف إلى تحقيق أعلى مستوى من الطموحات لدعم موظفينا السابقين والحاليين.
سنلعب دوراً ناشطاً ونقود البرنامج بعلامتنا التجارية وخبراتنا ومواردنا في المجالات الرئيسية الأكثر أهمية.
سنُشرك جميع الأطراف المعنية في تصميم البرنامج وعملياته.
سنتواصل علانية مع كل أصحاب المصلحة، بمن فيهم الموظفون والنقابات والحكومات وأصحاب المصلحة المحليون، حتى عندما لا نعلم الإجابات الكاملة.
وكما تسلط فلسفة نوكيا الضوء، يمكن أن يؤثر تغيير القوى العاملة على العديد من الأشخاص بخلاف الموظفين. يجب على الشركة أن تكشف عن نواياها بشكل مباشر دون أن تترك أياً منها في الظلام أو تجمع أجزاء من المعلومات لمعرفة ما يخبئه المستقبل.
أسلوب. إن وجود أسلوب منهجي واضح سيسمح للشركات باستكشاف بدائل لعمليات التسريح، وإذا كان لا يمكن تجنبها، سيقلل الضرر الذي تسببه. ولبناء أسلوب منهجي، تحتاج الشركات إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة:
كيف سنخطط لتغيير القوى العاملة على أساس مستمر؟
من سيكون مسؤولاً عن إدارة والإشراف على ذلك؟
ما هي المقاييس التي ينبغي لنا استخدامها لتحديد ما إذا كانت إجراءاتنا فعالة؟
وفي عام 2013 طلب جان دومينيك سينارد، الرئيس التنفيذي لشركة ميشلان، من أعضاء فريقه تحويل الرؤى التي جمعوها من جهود إعادة الهيكلة التي بُذلت خلال العقد السابق إلى عملية رسمية لتغيير القوى العاملة. ونتيجة لذلك دمجت ميشلان ثلاث عمليات تخطيط -تخطيط المنتجات وتخطيط المناطق وتخطيط إعادة الهيكلة- في عملية واحدة. تخطط مجموعات التخطيط للمنتجات لإنتاجها المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة، ثم تحدد مجموعات المناطق أي المناطق التي ستكون لديها قدرة إنتاجية كبيرة للغاية أو قليلة للغاية وأي التقنيات التي سيحتاجها كل مصنع. وتنتج خطط إعادة الهيكلة من الحوار الذي يدور بين رؤساء مجموعات المنتجات والمناطق. على سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 2013 قررت ميشلان أنها ستكون لديها قدرة فائضة لإنتاج إطارات الشاحنات في مصنعها بالعاصمة المجرية بودابست وقررت إغلاقه في منتصف عام 2015. وباتخاذ هذا القرار مبكراً، كان فريق ميشلان يملك الوقت للتخطيط لأهداف إغلاق المصنع بعناية وإيجاد طريقة لتخفيف تأثير ذلك على الموظفين المتأثرين بالقرار (سنناقش هذا الأمر لاحقاً).
أسست ميشلان هيكلاً للمساءلة يحدد بوضوح من هو المسؤول عن ماذا. وتشرف اللجنة التنفيذية للشركة، بقيادة رئيسها التنفيذي، على تغيير القوى العاملة على مستوى العالم. ونظراً لأن أكثر من 50% من مصانع ميشلان ومعظم عملياتها لتخفيض القوى العاملة تتم في أوروبا، تدعم لجنة إعادة هيكلة أوروبية اللجنة التنفيذية للشركة الفرنسية. وتحدد هذه اللجنة أي المصانع التي ينبغي إغلاقها أو تخفيض عمالتها وتشرف بشكل مباشرة على كل عمليات إعادة الهيكلة التي تتم في أوروبا. أخيراً، أسست ميشلان لجنة لكل مصنع سيتأثر بهذه القرارات تتكون من مديرين تنفيذيين إقليميين ومحليين مسؤولين عن تنفيذ خطة إعادة الهيكلة. وينسق اثنين من كبار المديرين التنفيذيين في المقر الرئيسي للشركة -مدير لإعادة الهيكلة ومدير لتخطيط المنتجات- العملية برمتها.
ومثل أي استراتيجية جيدة أخرى، تتضمن أي استراتيجية فعالة لتغيير القوى العاملة أهدافاً يمكن قياس النجاح على أساسها. يعد ما حدث في شركة هانيويل الأميركية مثالاً على ذلك. خلال الركود الذي حدث عام 2001، وقبل أن يصبح ديفيد كوت (ديف) الرئيس التنفيذي للشركة، قامت الشركة بتسريح 25 ألف موظف، أو نحو 20% من طاقم عملها. تراجعت المبيعات بنسبة 11% من عام 2000 إلى عام 2002. وعندما حدث الركود الاقتصادي عام 2008، وبدا كما لو أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من التغييرات في القوى العاملة، حدد كوت هدفين: الأول هو تحسين أداء الشركة الضعيف خلال الركود الاقتصادي عام 2001، والثاني هو وضع الشركة في مكانة أقوى من منافسيها عندما يحدث الانتعاش الاقتصادي.
ولقياس الهدف الأول، قرر كوت مقارنة مبيعات الشركة وصافي دخلها وأرقام التدفق النقدي الحر خلال فترتي الركود. وكما تبين، كانت الشركة قادرة على التحسن بشكل جوهري على أساس جميع المقاييس الثلاثة. وفي عام 2009 كانت مبيعات الشركة أعلى بنسبة 39% من مبيعاتها عام 2002، وكان تدفقها النقدي الحر أعلى بنسبة 94% وكان صافي دخلها أعلى من ستة أضعافه. ولمراقبة التقدم في الهدف الثاني، أداء الشركة مقارنة بالمنافسين، طوّر مزودو البيانات المالية مقياسين: النسبة المئوية للتغيير في الدخل التشغيلي من عامي 2007-2008 وحتى عام 2011، وإجمالي عوائد الأسهم عام 2012. وبنسبة أعلى من 1.8%، حققت هانيويل أكبر زيادة في هوامش التشغيل خلال فترة ما بعد الركود (مقابل نسب تتراوح بين -4.5% و+1% في أقرانها). وبمعدل بلغ 75.28، حققت الشركة أيضاً أعلى إجمالي عوائد الأسهم لثلاث سنوات عام 2012، وأفضل بنسبة 50% من عوائد أقرب منافسيها وأفضل أربع مرات من أقل منافسيها أداءً.
خيارات تناسب مجموعة متنوعة من الظروف الاقتصادية.ينبغي لإستراتيجية تغيير القوى العاملة أن تتوقع ثلاثة سيناريوهات مختلفة: حاضر مستقر، وتقلبات اقتصادية قصيرة المدى، ومستقبل غامض.
حاضر مستقر. على المدى السريع، ينبغي لكبار المديرين أن يمارسوا عمليات التوظيف المنضبط ويستخدموا مقاييس الأداء الصارمة لبناء منظمة قوية يمكنها الصمود أمام التغيير. إن اتباع منهج مرن في التوظيف سيساعد الشركات على تجنب التأرجح بين التوظيف المتعدد خلال النمو والإضرار بتخفيض العمالة عند انخفاض الطلب.
وقبل أن يبدأ كوت دوره عام 2002، كانت الشركة تملك سياسة للتوظيف بحرية خلال الأوقات الجيدة، ثم تخفيض العمالة في فترات الركود. كان تخفيض عدد كبير من العمالة عام 2001 أكثر بكثير من اللازم بالنسبة لكوت، الذي استجاب للأمر من خلال وضع ضوابط للتوظيف. وكان يتعين على كبار المديرين تبرير كيف سيساعد تعيين موظفين إضافيين في تطوير منتج أو سوق جديد، وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فعليهم أن يقللوا النفقات في مكان آخر لتمويل هذه التعيينات.
في كثير من الأحيان يستخدم المديرون عمليات التسريح كذريعة لتجنب المناقشات الصعبة حول الأداء. تجري العديد من الشركات عمليات التسريح حسب التصنيف للتخلص من الموظفين الأضعف أداءً، بشكل سنوي في كثير من الأحيان، ولكن الأكثر إنتاجية هو استخدام مراجعات أداء هادفة وخطط تطوير الموظفين لبناء قاعدة من الموظفين ذوي الأداء العالي. تمتلك شركة لينكولن إلكتريك (Lincoln Electric)، وهي شركات لصناعة منتجات اللحام والمواد الاستهلاكية مقرها مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، سياسة عدم تسريح في عملياتها بالولايات المتحدة منذ عام 1958. جزء من السبب الذي يجعلها تحتفظ بتلك السياسة هو أنها تتمتع بسمعة حسنة عن طاقم عملها الكفء وعالي المستوى، بفضل معايير أداء وعملية تقييم صارمة للغاية. يتم تقييم الموظفين مرتين سنوياً في خمس جوانب. يكون الأداء تنافسياً فيما بين الأقسام، وترتبط تقييمات الأداء بنظام مكافآت قائم على الجدارة. ويحصل الموظفون الذين تبلغ نسبتهم 10% ويقعون في أسفل التصنيف على خطة تحسين أداء، وإذا ظلوا في مؤخرة التصنيف باستمرار، سيتم تسريحهم في نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: دليل تسريح الموظفين خطوة بخطوة
تقلبات اقتصادية قصيرة المدى. يطوّر المديرون ذوو الخبرة مجموعة من الأساليب لتقليل النفقات دون اللجوء إلى عمليات التسريح غير البناءة. توضح ثلاثة أساليب نُفِذت بواسطة شركات هانيويل ولينكولن إلكتريك وريكروت هولدينغز (Recruit Holdings)، وهي مجموعة شركات يابانية متخصصة في الموارد البشرية والإعلان، حجم المجال المتاح للإدارة المبتكرة خلال فترات الركود.
وخلال فترة الركود الكبير، استخدم كوت الإجازات بدلاً من عمليات التسريح في شركة هانيويل. وبعد صموده أمام ثلاثة فترات كساد عندما كان يعمل في شركة جنرال إلكتريك، كان كوت قد اكتسب إحساساً لمعرفة متى قد تسير أي دورة عمل في مسارها. وقبل سنتين من ظهور أي علامات على أن الاقتصاد كان في ورطة، بدأ كوت التراجع في عمليات التوظيف. وبمجرد أن بدأ الركود، منحت الشركة موظفيها إجازات من أسبوع لخمسة أسابيع، ومنحتهم إجازات غير مدفوعة الأجر أو إجازات بجزء من الأجر، وذلك بحسب لوائح العمل المحلية. ووفقاً لمقال لتوم ستارنر في مجلة Human Resource Executive، قدّر قسم الشؤون المالية بالشركة أن هذه الإجازات حافظت لهانيويل على ما يعادل 20 ألف وظيفة.
وفي مقال كتبه لمجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2013، أوضح كوت قائلاً: "لم أسمع قط فريقاً إدارياً يتحدث عن كيفية تأثير القرارات التي يتخذونها في أثناء فترة ركود على الأداء في أثناء فترة انتعاش اقتصادي. وظللت أكرر هذه النقطة: سيكون هناك انتعاش ونحتاج إلى أن نكون مستعدين له". وسمحت هذه الإجازات لشركة هانيويل بالاحتفاظ بالمواهب التي احتاجت إليها عندما ازداد الطلب مرة أخرى وساعدتها على الاستمرار في تحقيق الأرباح طوال فترة الركود وتحقيق نمو قوي خلال السنوات الخمس التي أعقبت فترة الانتعاش.
وفي عام 2000، طوّرت شركة ريكروت هولدينغز نظاماً مبتكراً أطلقت عليه "كارير فيو (Career View)"، لتعين من خلاله الموظفين ذوي الخلفيات غير التقليدية كمتعاقدين لثلاث سنوات. يساعد هذا النظام الشركة في تحقيق هدفين: توسيع نطاق وصولها إلى خارج المدن الرئيسية في اليابان وزيادة مرونة القوى العاملة؛ وهو إنجاز حقيقي بالنظر إلى أن الشركات اليابانية لا تقوم بتسريح العمالة عادةً. ويستهدف البرنامج الموظفين الريفيين الذين يفتقرون إلى التعليم والخبرة لمساعدتهم في الحصول على وظيفة في شركة يابانية كبرى، وتوظيفهم مديرين مبيعات في المكاتب الإقليمية بالقرب من مسقط رأسهم. وبعد ستة أشهر من الانضمام لهذا البرنامج، يلتقي هؤلاء المتعاقدون بمستشارين مهنيين ليناقشوا أهدافهم، ويحصلون أيضاً على تقييمات أداء مفصّلة تحدد المهارات التي يطورونها والمهارات التي يحتاجونها للحصول على وظيفتهم المقبلة -في شركة أخرى عادةً- وما يمكنهم فعله لسد الفجوة بين الأمرين. يصبح نحو 90% من موظفي برنامج كارير فيو قادرين على الحصول على وظيفة أخرى في نهاية فترة الثلاث سنوات، ويمكن للبرنامج توسيع تواجده الإقليمي وضبط تعيين موظفي المبيعات لأعلى أو أسفل وفقاً للدورة الاقتصادية.
ويمكن لشركة لينكولن تجنب عمليات التسريح لأنها تطلب من الموظفين قبول مهام مرنة. ويُتوقع من الموظفين العمل لساعات إضافية عند زيادة الطلب، كما أنهم يدركون أنهم سيعملون لساعات أقل عند انخفاض الطلب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إعادة تعيينهم في أي وظيفة أخرى، بما في ذلك أي وظيفة براتب أقل خلال فترة الركود. على سبيل المثال، عندما انخفضت الطلبات خلال فترة الكساد العظيم، نقلت لينكولن بعض عمال المصنع إلى قسم المبيعات. طوّر هؤلاء الموظفون فهماً أعمق للشركة واستفاد العملاء من ذلك لأن عمال المصنع كانت لديهم معرفة واسعة بمنتجات الشركة. بالإضافة إلى ذلك، وخلال فترات الركود الاقتصادي، حوّل مديرو لينكولن أولوياتهم إلى مبادرات لا يستطيعون حضورها بشكل كامل عندما تزدهر الأعمال، مثل تطوير تحسين الجودة وبرامج تقليل الخردة ومشروعات البحث والتطوير ومهام الصيانة، وكل ذلك يتم بفضل توافر الموظفين المهرة الذين لديهم المزيد من الوقت للمساعدة عند انخفاض الطلب.
مستقبل غامض. يمكن لتحولات السوق والتقنيات والمنافسة الجديدة أن تتطلب من الشركات إجراء إعادة هيكلة كبرى. وقبل التفكير في إجراء عمليات تسريح، ينبغي للشركات معرفة ما إذا كان يمكنها الاعتبار من تجربة شركة أيه تي آند تي في التغيير.
على سبيل المثال، احتضنت شركة ميشلان التحولات كجزءٍ من استراتيجيتها للقوى العاملة. وعندما انضم برتراند بالارين إلى الشركة عام 2003، كانت إحدى مهامه الأولى هي إدارة مصنع الشركة في مدينة بورجيه الفرنسية، الذي كان على وشك إغلاقه. اجتمع بالارين بالمديرين وممثلي النقابات ووضح لهم الموقف ومنحهم مهلة لمدة سنة للتوصل إلى خطة لإنقاذ المصنع. وبعد تحليل الكيفية التي كانت تنتج بها مصانع ميشلان الأخرى إطارات الطائرات، وهو أحد خطوط الإنتاج الثلاثة التي يتم التعامل معها في المصنع، خلص الفريق إلى أن مصنع بورجيه كانت لديه عملية صناعية أفضل وأكثر تناسقاً لصناعة هذه الإطارات مقارنةً بالمصانع الأخرى. وأثبت الفريق بنجاح أنه ينبغي لمصنع بورجيه التخصص في إنتاج إطارات الطائرات والحصول على مركز أبحاث جديد لمساعدته في تطوير المنتجات.
وفي عام 2013، بدأت ميشلان تطبيق الدروس التي تعلمتها من تجربة مصنع بورجيه على مصنع آخر في مدينة روان الفرنسية، الذي كان معرضاً لخطر الإغلاق. وفي الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2014 ومارس/آذار 2015، تقابل أكثر من 70 شخصاً، بمن فيهم مديرون من المقر الرئيسي للشركة وممثلو النقابات ومديرو المصانع وموظفون، لتطوير استراتيجية تحول من أجل مصنع روان. وبدلاً من إغلاق المصنع وتسريح موظفيه، وافقت ميشلان على إنفاق 80 مليون يورو لإنشاء خط إنتاج جديد للإطارات المتميزة هناك؛ وسينخفض عدد الموظفين من 850 إلى 720 موظفاً من خلال الاستنزاف الطبيعي. وبدلاً من الاعتماد على الفرق الأربعة التقليدية التي تعمل من يوم الاثنين إلى منتصف يوم السبت، سيعيد المصنع تنظيم هذه الفرق إلى 5 فرقٍ حافظت على سير العمليات لسبعة أيام في الأسبوع على مدار الساعة، على أن يعمل جميع الموظفين لستة أيام إضافية سنوياً. سمحت هذه التغييرات للمصنع برفع أو خفض إنتاجه بنسبة 12% وفقاً لظروف السوق. بالإضافة إلى ذلك خصصت ميشلان 2 مليون يورو لبرامج تحسين جودة الإدارة والتوازن بين العمل والحياة –وهي مشكلات ظهرت في أثناء التخطيط لاستراتيجية التحول- لموظفي المصنع.
ومع ذلك، هناك أوقات يكون فيها التحول غير ممكن أو أن يؤدي التحويل بحد ذاته إلى عمليات تسريح. في هذه الحالات، يتعين على الشركات التأكد من معاملة الموظفين بإنصاف. هذا لا يتعلق فقط بكونك شخصاً متعاوناً ورحيماً. ووجد داتا أن الشركات كانت تميل إلى تحقيق نتائج مالية أفضل بعد التسريح عندما يعتقد الموظفون أنه تم بطريقة عادلة ولأسباب استراتيجية بدلاً من تقليل النفقات.
دعونا ننظر مرة أخرى إلى ما حدث في نوكيا عام 2011، عندما أدرك كبار مديريها أن الشركة كانت تحتاج إلى عملية إعادة هيكلة أخرى. كان يورما أوليلا، رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك، عازماً على تجنب تكرار ما حدث في مصنع بوخوم. ولمساعدة الشركة في ذلك، طوّر فريق صغير من كبار مديري الشركة برنامج "بريدج (Bridge)" الذي كان يهدف إلى أن يحظى أكبر عدد ممكن من الموظفين بفرصة عمل جديدة بالتوازي مع اليوم الذي تنتهي فيه وظائفهم الحالية. وافتتحت نوكيا مراكز لبرنامج "بريدج" في الدول الثلاث عشرة حيث كانت ستحدث عمليات التسريح. وحدد البرنامج 5 مسارات يمكن للموظفين الاختيار من بينها، وهي:
إيجاد وظيفة أخرى في نوكيا: تجنباً للمحاباة، شُكِلت لجان اختيار لتحديد أي الموظفين الذين سيتم الاحتفاظ بهم بدلاً من السماح للمديرين المحليين بالاختيار.
إيجاد وظيفة أخرى خارج نوكيا: قدمت مراكز البرنامج خدمات التنسيب الخارجي للموظفين الذين تم تسريحهم، بما في ذلك التدريب المهني وورش عمل للسير الذاتية ومعارض التوظيف وفعاليات التواصل.
بدء نشاط تجاري جديد: بحيث يمكن للموظفين الأفراد أو الفرق أن يقدموا مقترحات لمشروعات تجارية من أجل الفوز بمنح مالية تصل إلى 25 ألف يورو. ومُنح الموظفون مهلة مدتها شهرين لتطوير خططهم، بالإضافة إلى تقديم الدعم مثل التدريب والتوجيه ودورات التواصل. ولم تحصل نوكيا على أي حصة من أسهم أي من الأعمال التي تم تمويلها.
تعلم شيء جديد: قدمت نوكيا منحاً تدريبية في إدارة الأعمال ودورات التجارة في مجالات عدة شملت إدارة المطاعم والتجميل والإنشاءات ومقاومة الحرائق.
بناء مسار جديد: قدمت الشركة دعماً مالياً للموظفين الذين كانت لديهم أهداف شخصية أرادوا تحقيقها، مثل التطوع.
أنفقت نوكيا 50 مليون يورو على برنامج "بريدج"، أو نحو 2800 يورو للموظف الواحد. كان ذلك يمثل 14% فقط من الـ 1.35 مليار يورو التي أنفقتها على عمليات إعادة الهيكلة من عام 2011 حتى عام 2013. ونتيجة لهذا البرنامج، كان 60% من العاملين المتأثرين بإعادة الهيكلة والبالغ عددهم 18 ألف موظف يعلمون خطوتهم التالية في اليوم الذي انتهت فيه وظائفهم. إجمالاً، قال 85% من الموظفين الفنلنديين المشاركين ببرنامج "بريدج" إنهم كانوا راضين عن البرنامج، بينما قال 67% من الموظفين الأجانب إنهم كانوا كذلك. علاوة على ذلك، حافظ الموظفون المرشحون للتسريح والموظفون الباقون في وظائفهم على مستويات الجودة أو رفعوها في جميع مراحل إعادة الهيكلة. وحقق الموظفون العاملون بالمصانع التي كانت مستهدفة لتخفيض عمالتها 3.4 مليار يورو في إيرادات المنتجات الجديدة -أي ثلث مبيعات المنتجات الجديدة- وهي النسبة ذاتها التي حققوها من قبل. وظلت درجات تفاعل الموظفين في جميع أقسام الشركة ثابتة طوال فترة إعادة الهيكلة. وبخلاف ما حدث في مصنع بوخوم، لم تكن هناك أي إجراءات عمالية من أي نوع في الدول الثلاث عشرة حيث تمت عمليات التسريح. بجميع المقاييس، نجحت نوكيا بالتأكيد في إيجاد منهج أفضل لتغيير القوى العاملة.
وفي عام 2017، بعد ثلاثة أعوام من بيع قطاع الهواتف النقّالة بالشركة لمايكروسوفت، استخدمت نوكيا نسخة مُحسّنة من برنامج "بريدج" للتعامل مع آخر عملياتها لإعادة الهيكلة. أطلقت شركة مايكروسوفت فنلندا برنامجاً مماثلاً، واستلهمت الحكومة الفنلندية أفكاراً من برنامج بريدج ودمجتها في تشريعات تحدد ما هو المطلوب أن تقدمه الشركات التي تجري عمليات تسريح للموظفين المتأثرين.
وفي نهاية الحديث عن كيفية الحفاظ على الشركة بعد تسريح العمال منها، واحد من أكبر الأسئلة التي تواجها المؤسسات وهي تكافح في المشهد الاقتصادي المتغير باستمرار هو ما إذا يمكن للقوى العاملة الحالية الخاصة بها مساعدتها في إجراء التحولات الضرورية لنجاحها. وفي حين تميل الشركات إلى منح الأولوية للنتائج المالية قصيرة المدى على حساب رفاهية موظفيها على المدى الطويل، فإن الموظفين هم شريان الحياة الذي يمكّن الشركة من الاستمرار في تقديم المنتجات والخدمات التي تعود بالنفع على المساهمين في نهاية المطاف. توضح تجارب ميشلان ونوكيا أنه يمكن الوثوق بالموظفين وينبغي الوثوق بتقديهم أداء جيد، حتى عندما يعلموا أنهم قد يفقدوا وظائفهم. بالنسبة لجميع الشركات، يُعد التخطيط لتغيير مدروس للقوى العاملة بدلاً من اللجوء تلقائياً إلى عمليات التسريح طريقة أفضل للتعامل مع تقلبات التحول التكنولوجي والمنافسة الشديدة.