أدّى الضغط المتزايد لتحقيق نتائج طبية أفضل في ظل موارد مالية محدودة، إلى حاجة ماسة للمزيد من الأطباء القادة، وأظهر عدد من الدراسات (بما فيها هذه الدراسة) أنّ الأطباء يريدون أن يقودهم أطباء آخرون، لأنّهم يثقون بالأطباء القادة فيما يتعلق باتخاذ القرار المناسب بشأن إعادة تصميم عملية تقديم الرعاية الصحية وموازنة الجودة والتكلفة. ويعتقدون، سواء كان ذلك عادلاً أم لا، أنّه من الصعب على القادة الذين لا يتمتعون بخبرة عيادية أن يروا كيف يؤثر خفض التكاليف على جودة الرعاية الصحية.
رغم ذلك، فإنّ معظم الأطباء في الولايات المتحدة الأميركية لا يتعلمون المهارات الإدارية في كلية الطب، ولا يتلقون إلا القليل من التدريب أثناء العمل من أجل تطوير بعض المهارات، مثل كيفية تخصيص موارد قصيرة الأجل وطويلة الأجل، أو كيفية تقديم الملاحظات التنموية، أو كيفية التعامل بفعالية مع مهارات القيادة وإدارة الصراع اللازمة لإدارة أعمال حيوية.
من الطرق الشائعة لرفع مستوى الأطباء، إيصالهم إلى أدوار إدارية ودفعهم للعمل مع مدراء أعمال، ولكن هذه المقاربة التي تُسمى "نموذج دياد" (dyad model) ليست حلاً مثالياً طويل الأجل، لأسباب سنشرحها تباعاً. نقترح بدلاً من ذلك مقاربة مختلفة: وضع مسار مهني للأطباء الشبان الذين يمتلكون إمكانات قيادية، وإيجاد مسار تطوير مستمر جيد التصميم يُخرّج أطباء قادرين على قيادة مؤسسات كبيرة للخدمات الطبية بفعالية.
نموذج دياد وحدوده
ما يحدث غالباً مع "نموذج دياد" هو دمج كبار الأطباء مع مدراء الأعمال باعتبارهم مشاركين في القيادة، أو أن يرأس أحدهم الآخر، وذلك من أجل إدارة وحدة تنظيمية أو منطقة أعمال أو قطاع أعمال (مثل مستشفيات الأمراض الحادة أو عيادات التأهيل أو الممارسات الطبية ومراكز الرعاية الطارئة). تستخدم بعض مؤسسات الرعاية الصحية هياكل إدارية متكررة من "نموذج دياد"، أحدها للإشراف على المؤسسة العيادية والآخر للإشراف على الأعمال والعمليات التي تدعم مؤسسة الرعاية الصحية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه المنظمات، في الحالات كلها، لا تزال تحتاج إلى مدير طبي (CMO) يركز فقط على العمليات العيادية ويشرف على الجودة والامتثال وغيرها من الجوانب الرئيسية الأخرى للرعاية الصحية، وينبغي ألّا يكون هذا المدير جزءاً من "نموذج دياد".
يمكن لـ "نموذج دياد" أن يساعد على إخراج القادة من صوامعهم، وتحسين طريقة عمل القادة العياديين، إضافة إلى تنسيق عملية الرعاية. وقد أفضى ذلك إلى نتائج جيدة في عدد من المؤسسات، مثل "مايو كلينك" (Mayo Clinic) (حيث تشارك قائدان منها صدارة قائمة أفضل الأعمال حتى عام 2015)، ومجموعة "سيغنا ميديكال" (Cigna Medical Group)، ومستشفى "كارل فاونديشن" (Carle Foundation Hospital).
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هي الرقابة الإدارية؟
ومع ذلك، يمكن لـ "نماذج دياد" أن تُخلّف مشاكل تتمثل في عدم الكفاءة وازدواجية الموارد (ناهيك عن الرواتب الأعلى من اللازم)، وكذلك في التأخير في اتخاذ القرارات. ويمكن لهذا النموذج أن يؤدي أيضاً إلى التباس بشأن الأدوار، يُفضي إلى صراع مباشر. ولقد سبق لنا أن شهدنا على صراع على السلطة بين قادة لديهم أولويات مختلفة ويصدرون غالباً رسائل متضاربة إلى الأقسام التي يقودونها.
وأخيراً، لا يحقق هذا النموذج ما يكفي من النجاح في تحضير الأطباء ليكونوا قادة مؤسسات، فهو لا يُوجب على الأطباء أن يتعمقوا في مجال الأعمال واكتساب المهارات المالية والتشغيلية والإدارية الهامة، مما يحد من قدرتهم على النمو ليصبحوا قادة أقوى، أو يعرقل سعيهم للمضي بالمؤسسة قدُماً.
في بيئة تعاني من ضغوط كبيرة فيما خصّ التكلفة، نعتقد أنّه من الأفضل للاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل أن يكون لدى مؤسسة الرعاية الصحية قائد طبيب واحد فعال للغاية، يدير الأعمال ويتحمل المسؤوليات العيادية والإدارية على السواء، وذلك بدلاً من أن يكون هذا الدور متشعباً. وهناك سببان لذلك: الأول، عدم وجود حاجة إلى دفع رواتب قائدَين للقيام بعمل يمكن لقائد واحد يمتلك قدرات كبيرة أن يقوم به. والثاني، أنّه يمكن تقليل معدل دوران الأطباء الموظفين (وتكلفة التوظيف تالياً)، وتعزيز الروح المعنوية. قد يبدو تحمّل مسؤوليات هذا العمل عبئاً ثقيلاً لما ينطوي عليه من مهام مثل الإشراف العيادي، والقرارات الاستراتيجية والتشغيلية الأساسية، غير أنّه عندما تكون تنمية الأطباء القادة فعالة وأدوارهم واضحة ويعرفون كيف يركزون انتباههم سيكونون قادرين على التعامل مع المهمة من دون إجهاد.
ولكنّ تحقيق الأمر يتطلّب من المؤسسات أن يكون لديها كادر من الأطباء القادة الذين يرغبون في تولي أدوار إدارية ويمتلكون المهارات اللازمة في مجال الأعمال لكي يقودوا المؤسسة بفعالية.
تأسيس مسار مستمر من الأطباء القادة
اعتمدنا على عملنا مع العشرات من مؤسسات الرعاية الصحية لتكييف نموذج تطوير القيادة الذي أطلقه رام تشاران (Ram Charan et al) لتحديد مسار القيادة للأطباء.
يمرّ الأطباء، من خلال هذا المسار المستمر، في خمسة مستويات من القيادة، يسمح كلّ منها لهم بتحمل مسؤولية أكبر، واكتساب الخبرة والمهارات اللازمة للنجاح في المستوى التالي. ومع مرور الوقت، يطورون القدرة على القيادة أبعد من المشروع العيادي، ويكونون وجهة نظر أشمل عن احتياجات المؤسسة.
يشتمل كل مستوى على موضوع محدد يركّز الأطباء عليه وكذلك على مجموعة من المهارات:
الطبيب الفرد: يشمل هذا المستوى الأطباء الممارسين الذين يكونون جزءاً من ممارسة فردية، أو ممارسة جماعية، أو ممارسة خاصة فردية، ويركزون على رعاية المرضى. وفي هذه المرحلة التي تقوم على اعتبار الطبيب مساهماً فردياً، تُقدّر الكفاءة الفنية أكثر من غيرها.
الطبيب القائد: يتضمّن هذا المستوى إدارة الطبيب لمجموعة طبية أو برنامج في مستشفى أو مركز طبي أكاديمي (مثل مدير طبي لخدمة أو مجموعة أطباء، أو قائد لعيادة أو برنامج أطباء مقيمين/ زملاء في المركز الطبي الأكاديمي ويدير أطباء آخرين أو برنامجاً آخر. يتعلّم القادة في هذا المستوى الإشراف على العمل وتفويض المهام، إضافة إلى تطوير الآخرين وتدريبهم، في حين يُعتبر الذكاء العاطفي مهارة مهمة ينبغي تطويرها.
الطبيب القائد في السوق: يكون صاحب هذا الدور مسؤولاً عن قطاع من قطاعات أعمال المؤسسة أو مناطق أعمالها، ويشرف على أطباء قادة آخرين أو على موظفين عياديين، وأطباء على نطاق أوسع (مثل قائد - مدير طبي في سوق معينة، أو منطقة معينة، أو رئيس قسم في كلية مركز طبي أكاديمي). غالباً ما يُستخدم "نموذج دياد" هنا، لأن الدور ينطوي على إشراف عيادي ومسؤوليات أكبر في مجال الأعمال. وفي هذا المستوى، يجب أن يتعلم القائد كيفية إدارة الشؤون المالية ووضع رؤية طويلة الأجل، وكيفية إنشاء استراتيجية للمؤسسة، وعندها تكون لمهارات الاتصال والتعاون أهمية كبرى.
الطبيب القائد للمجموعة: يشرف هذا الدور على مجموعة من الشركات، وغالباً ما يكون صاحب المنصب رئيس المجموعة أو المدير الطبي التنفيذي في شركة أو رئيساً لكلية في مركز طبي أكاديمي، فيكون مسؤولاً في الغالب عن النتائج العيادية ونتائج الأعمال. يجب أن يكون القائد في هذا المستوى ماهراً في تقييم الاستراتيجية، وتقييم محفظة الأعمال، وقادراً على تفكيك عوامل متطلبات الأعمال الداخلية والخارجية، إضافة إلى المهارات المكتسبة في الأدوار السابقة.
الطبيب القائد للمؤسسة: هذا هو الدور القيادي الأعلى الذي يضم مناصب مثل الرئيس التنفيذي، ويكون صاحبه مسؤولاً عن المؤسسة بأكملها، بما في ذلك التوجيه الاستراتيجي ونتائج المؤسسة الشاملة. يركّز القادة في هذا المستوى على التفكير الرؤيوي، وتحديد التوجّهات الخارجية الرئيسية، وتحديد الوضع الاستراتيجي، ووضع أولويات بحسب أهمية المهام.
يُعدّ مزيج المهارات الاستراتيجية والعلاقات التجارية والسريرية المطلوبة للقيادة مختلفاً تماماً في كل مستوى.
ويمكن لإنشاء مسار مستمر مثل هذا أن يساعد مؤسسات الرعاية الصحية على توظيف أطباء في بداية مسيرتهم المهنية، وتطوير مهاراتهم، ونقلهم مع مرور الوقت إلى مراكز قيادية رئيسية. خذ مثال "ساوند فيزيشنز" (Sound Physicians)؛ تُعدّ شركة "تاكوما" في واشنطن من أكبر مزودي خدمات الأطباء والرعاية في مرحلة ما بعد الأمراض الحادة في الولايات المتحدة الأميركية، ولديها أكثر من 2,500 طبيب في حوالي 350 نظاماً للرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد. لدعم نموّها السريع، سعت شركة "ساوند فيزيشنز" إلى تسريع تطوير المهارات القيادية للأطباء، واعتقدت الشركة أنّ "نموذج دياد" لن ينتج عدد القادة الذين تحتاج إليهم تقريباً.
منذ وضع مسار مستمرّ للقيادة في مكانه الصحيح تشهد الشركة الآن تحسّناً في الروح المعنوية والمشاركة، وانخفاضاً في معدل دوران الموظفين، وقدرة أكبر على جذب شركاء أعمال جدد (من خلال القدرة على تعيين المزيد من الأطباء والأطباء القادة في هذا المجال). شهدت شركة "تيم هيلث" (TeamHealth)، التي توفّر أكثر من ألف طبيب، و20 ألف طبيب عيادي لمؤسسات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة نتائج مماثلة بعد البدء في تطوير الأطباء من خلال هذه المستويات الخمس.
معالجة عجز القيادة
دون وجود مسار مستمر جيد التصميم، يحصل الأطباء غالباً على ترقيات إلى أدوار قيادية فيتخطون المستويات، وينتقل الطبيب من مساهم فرد إلى قائد في السوق، أو قائد للمجموعة، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف في الرقابة الإدارية، وفشل القرارات التشغيلية في التحكم بالتكاليف، إضافة إلى مشاكل في المعنويات. مقاربتنا للمسار المستمر هذا تسمح لمنظمات الرعاية الصحية بالتأكد من أنّ الأطباء يمتلكون المهارات التي يحتاجون إليها أثناء تقدّمهم في حياتهم المهنية، كما تساعد على تحديد العجز في المهارات القيادية ومعالجتها في وقت مبكر. ويمكن للمسار المستمر أن يمنع - على وجه التحديد - الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعاً: العجز عن إدارة الآخرين وتطويرهم، والضعف في مهارات إدارة العلاقات، والافتقار إلى منظور استراتيجي.
إدارة الآخرين وتطويرهم
تتطلب القيادة القدرة على تخطيط عمل القائد وعمل الآخرين، وأيضاً معرفة كيفية التفويض والإرشاد. يعني هذا أنّه ينبغي للأطباء أن يتعلموا العمل بتعاون، وهو أسلوب لا يُراعى في بيئة القيادة والتحكم. ويُعدّ التدريب من شخص إلى شخص إحدى الطرق لمعالجة هذه الفجوة، ولكن بالنسبة للمنظمات الكبيرة، فإنه من المجدي اقتصادياً تطوير برنامج لمساعدة مجموعة أكبر من الأطباء القادة ولمرة واحدة.
هذا ما وجدته "ساوند فيزيشنز"، فعندما قابلنا الدكتور روب بيسلر، مؤسّس الشركة ومديرها التنفيذي، كان يتطلع إلى تقليل معدل دوران الأطباء، وإلى زيادة نمو الأعمال. (تم شراء الشركة من قبل شركة أسهم خاصة تعتقد أنّ "ساوند فيزيشنز" يمكنها توسيع نطاق أعمالها). كانت رؤية الدكتور بيسلر تتمثل في بناء الجيل القادم من الأطباء القادة، وذلك بعدما جرّب عدداً من برامج القيادة الجاهزة من دون أن يكون لها تأثير يُذكر على معدل دوران الموظفين، إضافة إلى أنّ الأطباء لم يهتموا لها.
احتاجت شركة "ساوند فيزيشنز" إلى برنامج مخصص لتنمية المهارات القيادية للأطباء، يركز على المستويات الثلاثة الدنيا: الممارسون الأفراد، والأطباء القادة، والأطباء القادة في السوق. حددت الشركة الكفاءات القيادية الرئيسية (السلوكيات والمعتقدات والمعرفة) التي يحتاجها أطباؤها القادة لدعم قيمها واتجاهها، ومن ثمّ أنشأت دورة تدريبية قيادية اشتملت على مجموعة من مواضيع القيادة والإدارة. جمعت الدورة التدريبية عدداً من الأطباء القادة في كل منطقة، فتعلموا من بعضهم البعض بفضل بنية الدورة التدريبية التي صُمّمت فيما بعد وفقاً لأدوار مؤسساتهم وثقافتها وتحدياتها الفريدة. وكان أن قدّر الدكتور بيسلر التدريب بين الأقران الذي جمع قادة يواجهون تحديات مماثلة.
والنتيجة؟ وجد استطلاع، أُجري بعد سنة واحدة، أنّ الأشخاص الذين خضعوا لهذا التدريب اكتسبوا المزيد من الثقة في قدرتهم على القيادة، وكانوا أكثر انخراطاً في عملهم، وحسّنوا من طريقة تفاعلهم مع الآخرين. وأصبح الآن جميع الوافدين الجدد إلى شركة "ساوند فيزيشنز" يشاركون في برنامج التطوير القيادي هذا، وباتت الشركة قادرة على بناء قادة أقوياء لمستويات المؤسسة جميعها.
تطوير مهارات قوية في إدارة العلاقات
لاحظ عدد كبير من الدراسات حول القيادة لدى الأطباء أهمية الوعي الاجتماعي والمهارات الاجتماعية، وأهمية العلاقات في القيادة. يتفاعل الأطباء الممارسون بالطبع مع المرضى، ولكنّ هذا التفاعل مع الطبيب المسؤول مباشرة عن المريض يميل إلى أن يكون عرضياً وفردياً. كما أنّ معظم الأطباء يُدرّّبون على إبقاء المشاعر بعيدة عن عملهم، في حين لا يشعرون بالراحة لإظهار أي ضعف في مكان العمل، ولذا لا تساعدهم تجربة العمل التي يخوضونها على الاستعداد بما يكفي لإدارة العلاقات المعقدة في مكان العمل، ولكي يبرزوا باعتبارهم قادة أصيلين.
يُعتبر تقديم ملاحظات أفضل في جميع المستويات من الطرق المتّبعة لسدّ هذه الفجوة، ومع ذلك نرى في الكثير من الأحيان أنّ مؤسسات الرعاية الصحية تتردد في تقديم مراجعات للأداء، وخصوصاً للأطباء، وذلك لأنّه يُنظر إليهم على أنّهم فئة محترفة أكثر من كونهم من "فريق عمل". والأهم من ذلك، يكره القادة الأطباء تقديم الملاحظات للأطباء الآخرين.
من الأمثلة الجيدة على طبيب أصبح قائداً أفضل بسبب الملاحظات، الدكتور جيمس (اسم مستعار) الذي يقود قسم خدمات الطوارئ في أحد المراكز الطبية الأكاديمية الكبرى، فبعد عشرين عاماً من الخبرة العيادية، عُيّن رئيساً للقسم (دور الطبيب القائد في المسار المستمر الذي عرضناه)، وتولى مهمة تحسين الجودة والكفاءة والمعنويات في القسم،
وتطلّب منه دوره الجديد العمل بطرق جديدة مع قيادة التمريض والأقسام العيادية الأخرى التي كانت على تفاعل مع قسم الطوارئ، غير أنّه واجه تحدياً تمثّل في شيوع ثقافة الصوامع وتوجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين.
كان الدكتور جيمس يمتلك بعض المهارات في مجال الأعمال والمهارات القيادية بفضل توليه أدواراً قيادية إدارية وأدواراً قيادية في مستويات أدنى خلال السنوات الخمس التي سبقت تعيينه رئيساً للقسم. ولكنّه كان يحتاج إلى العمل على مهارات التأثير لديه، وتوسيع منظوره الاستراتيجي، وتعزيز قدرته على قيادة التغيير.
تعلّم الدكتور جيمس، عن طريق الملاحظات الشاملة، أنّ بعض العناصر التي حملها من أسلوبه القيادي الذي كان فعالاً في السابق لم تساعده كما ينبغي. وعلى وجه التحديد، عندما أراد تطبيق انحيازه الكبير للقيام بالإجراءات في دور رئيس للقسم، بدا كأنّه يريد التحرّك بسرعة قبل مشاركة الصورة الكبيرة أو التفسير المنطقي لاتخاذ القرارات الرئيسية.
بعد حصوله على هذه الملاحظات، عمل الدكتور بفعالية أكبر مع زملائه، وأنشأ فريقاً قيادياً متعدد المهام، ساهم في استراتيجيته وتنسيق الإشراف التشغيلي. وفي المحصلة، توصّل إلى إنشاء فريق قيادي للقسم متوافق ومتعاون أكثر.
اكتساب منظور استراتيجي
يفتقر الكثير من الأطباء القادة الذين يُرقّون ليقودوا مؤسسة بكاملها أو قطاعاً سوقياً (المستوى الرابع أو الخامس في المسار المستمر الذي عرضناه) إلى الخبرة الضرورية لهذا العمل، فهؤلاء لا يمتلكون مهارات في الإدارة، ووضع استراتيجيات وظيفية واستراتيجيات للأعمال، ولا حتى مهارات في تقييم محفظة الأعمال، ولا تفكيك عوامل المقايضات القصيرة الأجل والطويلة الأجل، إضافة إلى افتقارهم للقدرة على اتباع مقاربة استراتيجية طويلة الأجل لاتخاذ القرارات. وبالتالي، يمكن لهذا النقص أن يجعل هؤلاء القادة غير فعالين.
عندما واجه الدكتور رونالد ديبينو مثل هذه التحديات، استقال في مارس/آذار 2017، من منصب الرئيس التنفيذي لمركز "أم دي أندرسون للسرطان" (MD Anderson Cancer Center) في هيوستن. وقال في نص الاستقالة التي قدّمها إنّ المركز "يحتاج إلى رئيس جديد يستطيع أن يكون ملهماً إلى المزيد من الوحدة في المؤسسة، وإلى المزيد من التركيز القوي على خوض غمار التغيير البنيوي في توفير الرعاية الصحية والاقتصاد". وهذا يعني أنّ افتقاره إلى المنظور الاستراتيجي، وأن عدم قدرته على تحقيق التوازن بين المتطلبات المالية والعيادية ومتطلبات الأعمال للمؤسسة كشف أنّه غير مناسب لهذا الدور.
في المقابل، الدكتور كيفن تاب، الرئيس التنفيذي لـ "مركز بيث ديكونيس الطبي"، المعروف بقدراته في التفكير الاستراتيجي، كان له دور فعال في التوصل إلى دمج مؤسسته مع "لاهي هيلث" (Lahey Health) الذي يُعتبر نظاماً كبيراً في شمال شرق الولايات المتحدة. انتقل الدكتور تاب بفعالية عبر المستويات المختلفة للقيادة، فاكتسب الخبرة في أدوار متنوعة مع مسؤوليات ونطاقات أوسع. فقد بدأ أولاً مع أعمال تكنولوجيا الرعاية الصحية لدى شركة "جنرال إلكتريك" (GE)، ثم في مستشفى وعيادات جامعة ستانفورد ( Stanford Hospital & Clinics)، حيث انتقل إلى مراكز طبية عليا مسؤولاً تنفيذياً قبل أن يصبح الرئيس التنفيذي لـ"مركز بيث ديكونيس الطبي". اكتسب الدكتور تاب من اتباع هذا المسار التنموي الخبرة والمهارات التي يحتاج إليها ليكون ناجحاً في دور أوسع وأكثر تكاملاً.
أمر صعب
نعتقد أنّ كل مؤسسة رعاية صحية تريد قادة أطباء فعالين يجب أن تبدأ ببناء مسار مستمر لتطوير الأطباء في المراحل الرئيسية من حياتهم المهنية، ولكنّنا ندرك أيضاً أنّ هذه المهمة ليست سهلة أبداً.
يُعتبر التركيز على مستوى القيادة الذي تحتاج إليه أكثر إحدى الطرق التي يمكن البدء بها. يمكن للمؤسسة، بعد تشخيص أداء القادة الحاليين في كل مستوى، أن تركّز على المجالات الأضعف، وأن تبني برامج أقوى لتطوير المهارات فيها.
وينبغي لأي برنامج يُراد له النجاح أن يحظى بثقة الأطباء، فيجب أن يعالج البرنامج المسائل التي تهمهم، وأن تستند هذه المعالجة إلى الأدلة. ومن الطرق الجيدة لتصميم البرنامج، وجود مجموعة مؤثرة من الأطباء يناقشون المهارات التي يرغبون في تطويرها، وإشراكهم في تصميم البرنامج.
يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية، عن طريق البدء ببناء برنامج مستدام، تعزيز كفاءات القيادة على جميع المستويات وبطرق يقبلها الأطباء.