ملخص: أجرى مؤلفا هذه المقالة عام 2014 دراسة على نهج يتيح للمؤسسات فرصة تنفيذ الممارسات الصحيحة وتضييق الخناق على الممارسات الخاطئة. فقد وجدا في كل مكان عمل أجريا دراسة عليه أو قدّما إسهاماتهما أو عملا فيه أن الاجتماعات تخلق احتكاكاً مهدراً للوقت ومتعباً للروح. ولمعرفة كيفية تقليل هذا الاحتكاك عن طريق "تنظيم" الاجتماعات، أجريا دراستين في شركة أسانا (Asana)، وهي شركة تطوّر برمجيات لإدارة الأعمال، حيث أطلقا على الدراسة الأولى اسم "إعادة تقييم الاجتماعات" في حين أطلقا على الدراسة الثانية اسم "إعادة جدولة الاجتماعات". واستخدما نتائج الدراستين لإعداد دليل تفصيلي يساعد المدراء على تحديد الاجتماعات المنخفضة القيمة وإلغائها وتنظيمها. ويناقشان في هذه المقالة خمسة مكونات رئيسية للنجاح.
فرانشيسكا هي مديرة مجتمع في فريق التسويق في شركة أسانا، وهي شركة تطوّر برمجيات لإدارة الأعمال. تطوعت فرانشيسكا في الدراسة التجريبية "إعادة تقييم الاجتماعات" التي أُجريت في الشركة لأنها كانت دائمة الحماس بشأن اختبار طرائق جديدة تسهّل عملها، حيث سعت هي وثمانية من زملائها في إدارة التسويق إلى تقليل مقدار الوقت الذي يمضونه في الاجتماعات.
وبدأ أعضاء المجموعة إلغاء جميع الاجتماعات المتكررة الصغيرة (تلك التي يقل عدد الحاضرين فيها عن خمسة) من جداول مواعيدهم لفترة 48 ساعة أجروا خلالها تحليلاً على قيمة كل اجتماع مُلغى، ثم أعادوا إضافة الاجتماعات التي ارتأوا أنها قيّمة ومهمة.
كانت فرانشيسكا متشككة بداية بشأن فعالية الدراسة التجريبية لأنها اعتقدت أن جدول مواعيدها كان "جيداً" بالفعل. وكانت تخشى أيضاً من أن إلغاء الاجتماعات المتكررة، ولو لمدة 48 ساعة فقط، سيدفع الآخرين إلى "انتهاز" فرصة عقد اجتماعات معها أو مع أعضاء فريقها لأنها تدير "فريقاً موزعاً عالمياً، ولاتفاقهم على أوقات محدودة لجدولة الاجتماعات". وعلى الرغم من تلك الهواجس، انضمت فرانشيسكا إلى زملائها في الفريق في عملية إلغاء الاجتماعات من جداول مواعيدهم وشعرت بالدهشة من النتائج.
وقصة فرانشيسكا هي مجرد دراسة حالة واحدة ضمن "مشروع الاحتكاك"، وهو دراسة هدفها التحري عن النهج الذي تتبعه المؤسسات لتنفيذ الممارسات الصحيحة وتضييق الخناق على الممارسات الخاطئة. وبدأنا هذه الرحلة عام 2014 مع زميل روبرت في ستانفورد، هوغي راو. ووجدنا في العشرات من أماكن العمل التي أجرينا دراسة عليها أو قدمنا إسهامات أو عملنا فيها أن الاجتماعات تخلق احتكاكاً مهدراً للوقت ومتعباً للروح.
وسرعان ما بدأنا دراسة كيفية تنظيم الاجتماعات العديمة القيمة، وكان ذلك عام 2015، عندما كتبنا عن عملية تنظيم شاملة في شركة دروب بوكس نفذناها عام 2013، الشركة التي كانت ريبيكا تعمل فيها آنذاك. حيث ألغى كبار المسؤولين التنفيذيين جميع الاجتماعات الدائمة من جداول مواعيد موظفيهم (باستثناء اجتماعاتهم مع الزبائن) ومنعوا مضيفي الاجتماعات من إضافة اجتماعاتهم الدائمة مرة أخرى لمدة أسبوعين. وعلى الرغم من أن بعض المشاركين استمتعوا بجداول المواعيد الأقل ضغطاً التي نتجت عن عملية التنظيم، لم نُجر أي تقييم منهجي أو دراسة متابعة. وأخبرنا المسؤولون التنفيذيون في شركة دروب بوكس أنه بعد عامين فقط من عملية التنظيم، عاد ضغط الاجتماعات.
لكن أثارت عملية التنظيم تلك اهتمامنا، فقد كانت تجربة رائعة. لكننا اتخذنا هذه المرة نهجاً مستنداً إلى البحوث لتنظيم الاجتماعات والمشكلات المؤسسية الأخرى من خلال مختبر ابتكار العمل في شركة أسانا، وهو مؤسسة فكرية تديرها ريبيكا. تتمثل مهمة المختبر في مساعدة الشركات على فهم الطبيعة المتغيرة للعمل والاستجابة لها. وبالإضافة إلى الدراستين التجريبيتين اللتين نُفّذتا داخل شركة أسانا، يعمل المختبر مع العديد من الشركات الخارجية، وقد استوحى عمله من الدروس المستخلصة من مشروع الاحتكاك الذي نُفّذ على مدى عدة سنوات، لا سيّما التركيز على جعل أماكن العمل أكثر كفاءة.
وإليكم ما تعلمناه حول النهج الذي يمكن للمدراء اتباعه لإعادة النظر في الاجتماعات.
إعادة تنظيم الاجتماعات من الألف إلى الياء
بدأنا بحثنا حول الاجتماعات في مختبر ابتكار العمل بإجراء تحليل على مجموعة إعادة تقييم الاجتماعات التي انضمت إليها فرانشيسكا وزملاؤها في إدارة التسويق. ووجدنا في المتوسط أن كل متطوّع وفّر 11 ساعة في الشهر. ولمعت فرانشيسكا بصفتها نجمة هذه الدراسة، حيث وفّرت 32 ساعة في الشهر.
وأتبعنا تجربة إعادة تقييم الاجتماعات بتجربة إعادة جدولة الاجتماعات، حيث أجرينا دراسة على 60 موظفاً من شركة أسانا ضمن فريق التسويق وقيّمنا حوالي 1,160 اجتماعاً من اجتماعاتهم الدائمة. كان توفير الوقت فيها أقل مقارنة بتجربة إعادة تقييم الاجتماعات، لكنها كانت ذات تأثير أيضاً، فقد وفّر هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 60 شخصاً ما مجموعه 265 ساعة شهرياً من خلال إلغاء الاجتماعات وتجديدها. واستخدمنا الدروس المستفادة من تجربتي إعادة تقييم الاجتماعات وإعادة ضبط الاجتماعات لإعداد دليل إرشادي لتنظيم الاجتماعات ومساعدة الشركات الأخرى على إعادة النظر في ثقافات اجتماعاتها.
كيفية تنظيم الاجتماعات
يضم الدليل الإرشادي إرشادات تفصيلية لمساعدتك على تحديد الاجتماعات العديمة القيمة وإلغائها وتنظيمها. وحددنا في أثناء تحليلنا لنتائج بحث الاجتماع الذي أجريناه في مختبر ابتكار العمل خمسة مكونات رئيسية للنجاح:
1. تبنّي عقلية الاختزال
يتمثّل الوضع الافتراضي لحل المشكلات عادة في إضافة عنصر ما بدلاً من إلغائه. ووجدت غابرييل آدامز وزملاؤها من جامعة فيرجينيا من خلال سلسلة من الدراسات أن "تجنّب الإلغاء" هو وضع شائع، وأن الموظفين مبتلون "بداء الإضافة" حتى في الاجتماعات، حيث يواصل الجميع حشو جداول مواعيدهم بمزيد من الاجتماعات دون وعي أو تفكير.
ويُظهر بحث آدامز أنه عندما يعي الناس أهمية الإلغاء والتفكير العميق، سيؤثر وعيهم ذلك في آلياتهم المعرفية، ما يجعلهم يتبنون عقلية الإلغاء. وتتمثل إحدى طرائق تحفيز هذه العقلية في استخدام قواعد بسيطة، مثل "قاعدة النصف" التي اقترحها ليدي كلوتس (مؤلف كتاب "عقلية الاختزال" (Subtract)) بالتشارك مع روبرت. تخيل أن جميع اجتماعاتك قد خُفضت بنسبة 50% وفقاً لعدة أبعاد، بما فيها العدد والطول والحجم. ما الذي سيحدث إذاً؟
عززت تجربة إعادة تقييم الاجتماعات هذه العقلية. فعندما أعاد المتطوعون ملء جداول أعمالهم، ألغوا الكثير منها، لا سيما الاجتماعات ذات القيمة المنخفضة. وخفّضوا مدة الاجتماعات الأخرى وتواترها. فأصبحت مدة الاجتماعات 25 دقيقة بدلاً من 30 دقيقة. وأصبحت بعض الاجتماعات الأسبوعية شهرية.
2. البدء بجدول اجتماعات فارغ
دعونا المشاركين في تجربة إعادة جدولة الاجتماعات إلى الانضمام إلى واحدة من مجموعتين؛ المجموعة الأولى هي "المشاركة الكاملة" أو مجموعة "إعادة التقييم": حيث ألغوا الاجتماعات لمدة 48 ساعة من جداول مواعيدهم، وأجروا تقييماً على كل اجتماع، ثم أعادوا تنظيمها. في حين كانت تجربة المجموعة الثانية "أبسط": حيث أجرى أعضاؤها تقييماً على كل اجتماع في جداول مواعيدهم لكنهم لم يحذفوا أي اجتماع خلال 48 ساعة.
وفّرت كلتا المجموعتين الوقت، لكن مجموعة إعادة التقييم وفّرت في المتوسط خمس ساعات لكل شخص كل شهر مقابل ثلاث ساعات لمجموعة التجربة الأبسط. وعندما سألنا غابرييل آدامز عن سبب هذا الاختلاف، اقترحت أن نهج "جدول الأعمال الفارغ" حثّ المتطوعين على التفكير بشكل أعمق حول إذا ما كانت الاجتماعات ضرورية أو إذا ما كان من الممكن إعادة تنظيمها، بينما لم تُتح للأشخاص في المجموعة الثانية فرصة التفكير تلك. وأشارت آدامز إلى دليل ذُكر في كتاب "التفكير السريع والبطيء" (Thinking, Fast and Slow) لدانييل كانيمان الحائز جائزة نوبل، يُظهر أن الناس أكثر عرضة لتوليد أفكار جديدة والتخلي عن العادات القديمة عندما يمارسون التفكير العميق.
وتتوافق حجة آدامز مع التقارير الواردة من مجموعة إعادة تقييم الاجتماعات. فقد قالوا إنهم استخدموا مدة الـ 48 ساعة للتفكير في الاجتماعات التي يجب إلغاؤها وتلك التي يجب إضافتها مرة أخرى، ولتغيير معتقداتهم بشأن تصميم الاجتماعات التي أبقوا عليها.
3. استخدام البيانات لتحديد ماهية الاجتماعات التي يجب إلغاؤها
كانت كل من تجربتي إعادة تقييم الاجتماعات وإعادة جدولة الاجتماعات من المساعي المستندة إلى البيانات. فقد استعنّا بالبيانات في المراحل الأولى من كل دراسة لنظهر للموظفين الأوقات التي أهدروها في الاجتماعات، ما أقنع الكثيرين منهم بالتطوع في الدراسة.
وتمثّل أحد الدروس المستفادة من تجربة إعادة تقييم الاجتماعات في أن الموظفين واجهوا صعوبة أحياناً في تقييم قيمة كل اجتماع. فطورنا نظاماً بسيطاً عند تنفيذ تجربة إعادة الجدولة. حيث صنّف المتطوعون كل اجتماع متكرر وفق بُعدين على مقياس عددي مكوّن من ثلاث نقاط:
- الجهد المطلوب لكل اجتماع (بما في ذلك وقت التحضير، ووقت الاجتماع الفعلي، وأعمال المتابعة).
- أهمية كل اجتماع في مساعدتهم على تحقيق أهدافهم.
أفاد المشاركون أن هذا الجزء من التدقيق كان مفيداً لأنه كان سهلاً وحثّهم على التفكير في كل اجتماع بعمق أكبر.
وطوّرنا نتيجة لذلك نموذجاً يعتمد على تجربة إعادة جدولة الاجتماعات ساعدنا في توقّع ماهية الاجتماعات المنخفضة القيمة بدقة تزيد على 80%. كما أنه أخذ في الاعتبار عدة عوامل، بما فيها طول الاجتماع وحجمه وتاريخه وموضوعه. وتم تصنيف اجتماعات يوم الاثنين على أنها الأكثر قيمة. في حين كانت اجتماعات يوم الأربعاء، التي تزامنت مع طقوس شركة أسانا "لا اجتماع يوم الأربعاء" أقل قيمة، ربما لأن الموظفين استاؤوا لانتهاك زملائهم قاعدة الشركة الصريحة المتمثلة في عدم جدولة اجتماعات في ذلك اليوم. كما حظيت الاجتماعات التي تضمنت موضوعات لمشاريع محددة والتي حددت أسماء الفرق بالقيمة الأكبر، في حين كانت اجتماعات "المتابعة" الغامضة و"الاجتماعات الجانبية" أقل قيمة.
4. خلق حراك مهني
من السهل تنظيم الاجتماعات عندما يتخذ الموظفون تلك الخطوة معاً بحيث تبدو كحراك مهني، سواء كان ضمن الفريق أو الإدارة أو المؤسسة بأكملها. وعلى عكس حملة إلغاء الاجتماعات في شركة دروب بوكس، لم تكن تجربتا إعادة تقييم الاجتماعات أو إعادة جدولة الاجتماعات تغييرات من القمة إلى القاعدة، بل مُنح موظفو شركة أسانا خيار الاشتراك وشجعوا بعضهم بعضاً على إلغاء الاجتماعات وتجديدها وتشاركوا الأفكار حولها.
وكما هو الحال مع أي حركة، كان بعض الموظفين متحمسين، في حين قَبِلَ بعضهم الآخر المشاركة على مضض، واختار آخرون عدم الانضمام. لكن الفائدة عمّت حتى أولئك الذين آثروا عدم الانضمام، وذلك لأن عبء العمل أصبح أقل. حتى إن بعض الذين قاوموا الانضمام إلى تجربة فكرة إعادة الجدولة انضموا إليها لاحقاً بعد أن أدركوا فوائدها وسمعوا عنها من المتطوعين.
5. إعادة تصميم الاجتماعات بدلاً من إلغائها
فوجئنا بمقدار التوفير في الوقت نتيجة التغييرات المتأتية من إعادة جدولة الاجتماعات بخلاف إلغائها تماماً. فقد أتت نسبة 30% فقط من التوفير في الوقت من إلغاء الاجتماعات بالكامل؛ في حين تولّدت نسبة الـ 70% الإضافية من التوفير من المتطوعين الذين أعادوا تصميم الاجتماعات التي أبقوا عليها. على سبيل المثال، كانت نسبة 27% من التوفير في الوقت نتيجة اجتماعات عملية إعادة الهيكلة التي حضرها عدد أقل من الموظفين أو نتيجة استبدالها بعمليات التواصل اللاتزامني. فقد حذف قائد أحد الاجتماعات المنخفضة القيمة طقوساً تستغرق وقتاً طويلاً اعتاد فيها كل شخص حاضر مشاركة تحديثاته للحالة في البداية وأبدلها بتحديثات مكتوبة على برمجيات أسانا وسلاك. كما تحققت وفورات كبيرة في الوقت من الاجتماعات الأقل تواتراً (17%) ومن تقليل وقت الاجتماعات (10%).
اطلع على المزيد من مخططات هارفارد بزنس ريفيو في قسم "إنفوجراف".
التركيز على الاجتماعات المهمة
أجرينا دراسة متابعة مرة أخرى مع فرانشيسكا بعد ستة أشهر من تجربة إعادة دراسة الاجتماعات. كان الضغط في جدول مواعيدها لا يزال قليلاً. وقالت: "ما زلنا ملتزمين بتجربة إعادة تقييم الاجتماعات، فقد تركت فينا أثراً عميقاً، فنحن نراجع اجتماعاتنا بشكل متكرر، ونجري تعديلات عليها لكي ننظم تواترها ووقتها خلال الأسبوع".
لا تحاول تنظيم اجتماعاتك بسرعة وبشكل بسيط عند تطبيق الدليل الإرشادي لتنظيم الاجتماعات أو تبنّي عقلية إلغاء الاجتماعات، بل ينطوي الهدف من التجربة على تخصيص وقت للتفكير في الأمور التي ينبغي عدم الاستعجال فيها، كالتفكير في عملك وإمضاء وقت للاعتناء بنفسك وبالآخرين. أخبرتنا فرانشيسكا: "بما أن أوقات الراحة زادت في يومي، أصبحت قادرة على مطابقة مستويات طاقتي مع مهامي أو أوقات راحتي. بمعنى أنني أجري مقابلات مع الأفراد عندما يكون لدي ما يكفي من الطاقة للتواصل معهم بصدق. أما عندما تنخفض إنتاجيتي، فيكون لدي وقت حر للتمدد والابتعاد عن الكمبيوتر بفضل الاجتماعات المُلغاة من جدول مواعيدي.
وبالنسبة إلى فرانشيسكا وزملائها، دفعهم تنظيم جداول مواعيدهم إلى التخلي عن العادات المتأصلة فيهم ومنحهم مزيداً من الوقت للتفكير في المشكلات الصعبة، ومكّنهم من تقديم أفضل أداء في الاجتماعات التي أبقوا عليها في جداول مواعيدهم، ما جنّبهم الإعياء العاطفي الذي ينتج عن حضور عدد كبير جداً من الاجتماعات، خاصة الاجتماعات العديمة القيمة.