لم يعد التغيير مجرد خيار يقترحه مدير نشيط ويظل معلقاً لحين إتمام الأجندة الحالية للمؤسسة، ولم يعد اقتراحه في الأصل مقترناً بحدوث تعثر ما أو إخفاق في تنفيذ هدف محدد، وإنما بات إجراءً استباقياً لا بد أن يُدمج سريعاً في استراتيجية المؤسسة إن أرادت البقاء. ولكن، وفي الوقت نفسه، تواجه المؤسسات الكبرى صعوبة في طريق التحول المؤسسي وإدارة التغيير بسلاسة، وخاصة المؤسسات الحكومية. إذ تظهر الأبحاث أن نحو 74% من جهود التحول في القطاع الخاص مصيرها الفشل، وترتفع النسبة إلى 80% في القطاع العام.
ربما تبث هذه النسبة اليأس في نفوس بعض القادة، لكن الخبر السار أن هناك تجارب ريادية لمؤسسات حكومية شكلّت قصص تحول يمكن للآخرين السير على نهجها، مثل تجربة صندوق التنمية الصناعية السعودي (SIDF)، الذي تمتع بمرونة مكنته من التأقلم وقيادة القطاع الصناعي في السعودية على مدار 48 عاماً، احتضن خلالها المشاريع الصناعية في المملكة، ما يجعل الصندوق بمثابة الأب الروحي للصناعة السعودية.
رحلة التحول المؤسسي
لم تكن جائحة كورونا الأخيرة الأزمة الوحيدة التي عاصرها الصندوق الصناعي، فقد عاصر وتعامل مع أزمات اقتصادية عالمية متتالية، وتغييرات في نماذج العمل داخل المملكة وضعت الصندوق أمام تحدي القدرة على التأقلم باستمرار ليكون الذراع الحكومية التنموية في دعم الصناعة وتمويلها ورعايتها.
وأجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلات شخصية مع 3 من قيادات الصندوق هم: الدكتور إبراهيم بن سعد المعجل، الرئيس التنفيذي للصندوق، والمهندسة نور شبيب، نائبة الرئيس التنفيذي للتخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال، والأستاذ سليمان بن عبد الله الزغيبي، نائب الرئيس التنفيذي للخدمات المؤسسية سابقاً والمستشار للرئيس حالياً، وذلك لتحديد ملامح المرونة التي بناها الصندوق الصناعي والتي مكنته طوال هذه السنوات من قيادة التحول والتغيير وامتلاك القدرة على التكيف مع متطلبات كل عصر.
ونستعرض فيما يلي 8 خطوات ساعدت الصندوق الصناعي على خوض رحلة التحول بنجاح، والتي يمكن النظر إليها كمقومات لنجاح تجربة التحول المؤسسي بشكل عام. ولكن قبل التطرق لهذه الخطوات، لنتعرف عن قرب على آلية عمل الصندوق ودوره في دعم الصناعة في المملكة.
بالعودة إلى الوراء 48 عاماً، بدأ الصندوق رحلته بطريقة مختلفة كلياً عن السائد حينها، طريقة تشير إلى مدى جدية قادة المملكة العربية السعودية لدعم القطاع الصناعي حينما صدر قرار تأسيس الصندوق عام 1974 لدعم القطاع الخاص في المجالات الصناعية المختلفة. ولا بد أن نذكر أن المملكة خلال هذه الحقبة، لم تكن قد خصصت أراض للمشاريع الصناعية، أو لديها مدناً صناعية، أو حتى شركات كبرى كالتي نعاصرها اليوم، لذلك كانت الرسالة المبكرة التي يرسلها الصندوق منذ كان فكرة في ذلك الوقت، وبرأس مال قدره 500 مليون ريال، هي الطموح نحو مستقبل صناعي للمملكة.
لم تكن تلك الرسالة الوحيدة التي أرسلها الصندوق حينها، فقد كانت طريقة تأسيسه ذاتها مختلفة تماماً، وتعبر عن تفكير ريادي. فاستعان القادة ببنك "تشيس مانهاتن" الأميركي، أفضل مراكز التدريب في العالم حينها، للإشراف على تأسيس الصندوق وكانت مهمته الأولى واضحة للغاية، وهي تطوير الكفاءات الوطنية، والذين شكلوا بالفعل إضافات مهمة للصندوق وللقطاع المالي بشكل عام. لذا كان معظم قادة القطاع المالي في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في المملكة من خريجي الصندوق.
وهكذا، تأسس الصندوق ليدعم القطاع الخاص في المجالات الصناعية المختلفة، سواءً بتقديم دعم مالي أو استشاري للقطاع. إذ يقدم قروضاً متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة أو تطوير مصانع قائمة أو تحديثها وتوسيعها، ليصل حجم القروض منذ بداية تأسيسه وحتى سبتمبر/أيلول 2021 إلى 4761 قرضاً بقيمة إجمالية تتجاوز 196 مليار ريال.
وتتنوع المشروعات التي يمولها الصندوق بين مشروعات كبرى ومشروعات متوسطة وصغيرة الحجم، وإن كانت الأخيرة تشغل اهتمام الصندوق إذ تجاوز عدد المشروعات متوسطة وصغيرة الحجم إلى 80% من إجمالي عدد المشروعات.
وقد يتساءل البعض عن جدوى دعم الصندوق الصناعي للمشروعات الكبرى وعدم اكتفائه بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنها الأكثر احتياجاً للدعم بطبيعة الحال. والحقيقة - بحسب نور شبيب - أنه بجانب أهمية دعم المشروعات الكبرى وتأثيره في التنمية الصناعية التي يهدف لتحقيقها في المملكة، فإن التنوع في دعم المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة يخلق نوعاً من التوازن، إذ توفر المبالغ المسددة من القروض الصناعية القائمة للمشروعات الكبرى التمويل اللازم للمشروعات الصناعية الأخرى، وهذا النهج في تدوير رأس مال القروض المسددة يساعد الصندوق في تحقيق أهدافه المالية والتنموية دون الحاجة إلى طلب اعتمادات إضافية لرأس المال.
يتعامل الصندوق مع عملائه تعاملاً مختلفاً مقارنة بالجهات التمويلية الأخرى، إذ يُعنى بالجانب التنموي الصناعي، فلا يكفي أن يتمتع العميل بملاءة مالية إيجابية، وإنما لا بد أن يتحقق الصندوق من الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقترضة، فإن كان القطاع الذي يستهدفه العميل مشبعاً لا ينصح به الصندوق، وإنما يوجهه إلى قطاع أفضل يحتاجه السوق السعودي أكثر من غيره.
في 2016، دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة بإعلان رؤية 2030. وكانت هذه الرؤية بمثابة صافرة انطلاق لجولة جديدة للصندوق الصناعي لتعزيز دوره في تنمية الاقتصاد الوطني. وخلال 5 سنوات، استطاع الصندوق خوض تجربة التحول المؤسسي لمواكبة أهداف الرؤية. وإليكم الخطوات التي اتبعها الصندوق لإتمام التجربة بنجاح.
1-رؤية واضحة
الخطوة الأولى في طريق التحول هي وجود رؤية تحدد أين ينتهي هذا الطريق، ولماذا نسلكه. لذا كان الدافع ناحية التحول المؤسسي الذي خاضه صندوق التنمية الصناعية السعودي هو رؤية المملكة 2030، وعلى أساسها اعتمد الصندوق استراتيجية جديدة تساهم في تحقيق التحول الصناعي الذي تطمح إليه المملكة، خاصة بعدما أصبح الممكّن المالي الرئيس لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب"، أحد أهم البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030.
فعلى سبيل المثال، كان أبرز تغيير خاضه الصندوق خلال السنوات الأخيرة بعد وضع الرؤية، هو تعديل نظامه الأساسي ليمتد دعمه إلى 4 قطاعات مختلفة وهي الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية، بدلاً من دعم قطاع الصناعة فقط، وذلك تنفيذاً لبرنامج الرؤية الذي يسعى لتحويل المملكة إلى قوة صناعية ومنصة لوجستية عالمية. وارتفع رأس مال الصندوق مع الرؤية إلى 65 مليار ريال، ثم في عام 2019 إلى 105 مليارات ريال ليطلق منتجات مالية وغير مالية جديدة للعملاء والمستثمرين تحقق التطور المنشود. ويقول إبراهيم المعجل، الرئيس التنفيذي للصندوق في هذا الصدد: "رؤية 2030 كانت بمثابة البوصلة الموحدة للتحول الذي خاضه الصندوق، كما أن وضوحها وثباتها، بما أنها لا تعتمد على شخص ولا مؤسسة معينة، ساهم في إعطاء الثقة في برامج التحول وساعد على اصطفاف الجهات المختلفة وراءها".
2-اختيار معركة التحول
تشير الأبحاث إلى أن فشل مبادرات التحول تحدث في كثير من الأحيان حينما تسعى المؤسسات إلى إنجاز التغييرات الخاطئة، أو اختيار التوقيت الخاطئ، لذلك على القادة اختيار معارك التحول الصحيحة. فما هي الأشياء التي يود تغييرها، وما هي التغييرات التي لابد أن يبدأ بها؟
في تجربة الصندوق الصناعي، كان التحدي أصعب من المعتاد، خاصة في الاستعانة برئيس تنفيذي من خارج الصندوق، لديه رؤية التحول لمؤسسة ناجحة بالفعل.
فكان التحول الرقمي على رأس قائمة التغييرات التي قام بها، إذ سعى الصندوق لإعادة تصميم كافة عملياته لتصبح مؤتمتة بالكامل. وربما كانت النتيجة المبهرة لهذا التحول الرقمي هي تقليص وقت اعتماد القروض ليصبح 5 أشهر فقط بحد أقصى بعدما كانت العملية تقتضي 11 شهراً في المتوسط بل وتصل في بعض الأحيان إلى عامين.
لم يكن تغيير ذهنية الصندوق أمراً سهلاً على قادته الجدد، فيذكر الرئيس التنفيذي: "فيما يخص أتمتة عقود القروض على سبيل المثال، كان التحدي كبيراً، خاصة أنه تغيير جديد كلياً، فبعد إطلاق النظام الإلكتروني وعرضه على موظفي القطاع لتجربته أولاً، لم نتلق أي آراء لتحسينه، إلى أن قررت عدم توقيعي أي عقد إلا عبر النظام الإلكتروني، وحينها أجرينا عدداً من الإصلاحات وغيرناه بالكامل إلى أن أتيح للعملاء في منتصف 2019".
وبالفعل حصل الصندوق الصناعي على جائزتين من الفئة الذهبية ضمن جوائز "ستيفي" الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتويجاً لنتائج رحلة التحول الرقمي، بالإضافة إلى جائزة "IDC" للتميز في الإبداع الرقمي لعام 2021.
وظهر نجاح اختيار هذه المعركة في توقيت مبكر في مرونة الصندوق في التعامل مع جائحة كورونا. إذ حقق الصندوق في 2020 أرقاماً استثنائية حتى بالنسبة لأرقامه للسنوات السابقة، واعتمد قروضاً بقيمة 17 مليار ريال، وهي القيمة الأعلى في تاريخه.
3- التواصل المستمر والشفافية
أفاد تحليل نُشر في أحد المقالات على هارفارد بزنس ريفيو، أن التحول ينجح عندما يكون 75% من المضطلعين بإدارة الشركة مقتنعين أن الاستمرار في أداء العمل كالمعتاد بات أمراً غير مقبول بالمرّة.
لذلك، في تجربة الصندوق الصناعي، حرص قادة الصندوق، منذ اليوم الأول في التحول، على عقد اجتماع شهري لتقديم شرح كامل للاستراتيجية، وأهدافها، وتطوراتها، واستقبال كافة التساؤلات والآراء من الموظفين للتأكد من أن الجميع على مسافة واحدة من فهمها.
وضع الرئيس التنفيذي هذه النقطة أيضاً في حساباته في بداية توليه المنصب، إذ كانت مبادراته للتحول قائمة أساساً على التواصل مع الموظفين. فيقول المعجل عن أن هدفه من ذلك هو التواصل المستمر للتأكد من أن الجميع فهم الاستراتيجية وآمن بها: "تعلمت أن الحصول على 80% مما تريده بشرط أن يأتي بإرادة الموظف نفسه، أفضل من الحصول على 100% مما تريده بإرادتك أنت فقط".
4- إشراك الجميع في رحلة التحول
"نجحت عملية التحول المؤسسي داخل الصندوق بفضل إشراك الجميع فيها"، هكذا يرى الرئيس التنفيذي أن سر نجاحهم يكمن في تمكين الأفراد لدفع عجلة التغيير بأنفسهم، وليس مجرد التكليف من سلطة أعلى. فيوضح أن عدد المبادرات في بداية التحول كان 26 مبادرة، ولكن ما اعتُمِد بالفعل فيما بعد كان أكثر من 50 مبادرة، ومعظمها من أفكار موظفي الصندوق.
ويدعى ذلك الأسلوب بـ "صناعة القرار التشاركي"، والذي يعني إشراك الموظفين في إبداع الحلول بدلاً من الاقتصار على تقاسم القرارات معهم بعد اتخاذها.
وتشرح نائبة الرئيس التنفيذي للتخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال هذا الأمر، فتقول إن الصندوق صمم مبادرة بعنوان "بوابة الابتكار"، وخلالها يقدم الأفراد أفكاراً ومبادرات تعرض على لجنة تقييم، ويتم اختيار ثلاث أفكار فائزة تتحول لمبادرات استراتيجية للصندوق، ومنها برنامج الادخار الموجود في الصندوق حالياً، فهو في الأساس فكرة موظف.
"وضع الصندوق موظفيه في مركز استراتيجية التحول باعتبارهم الأداة الرئيسة لنجاحها". بهذه العبارة يشرح الزغيبي كيف فعّل الصندوق آليات التواصل الداخلي، سواء عن طريق الاجتماع الشهري والذي يحضره قادة الصندوق ومدراء الأقسام، أو عبر التواصل الإلكتروني بالبريد والسبل التقنية المتاحة، وكذلك عبر عقد ورش عمل بشكل دوري، ما جعل الصندوق يصنف هذا العام بواحد من أفضل بيئات العمل.
لم تكن استراتيجية "القرار التشاركي" قاصرة فقط على موظفي الصندوق، وإنما امتدت إلى عملائه أيضاً. فتوضح شبيب، أن الصندوق لم يكتف في رحلة تحوله بإشراك الموظفين، بل أشرك عملائه أيضاً من خلال عقد ورش عمل مع الغرف التجارية والصناعية، ومع مختلف عملائه السابقين والجدد، بهدف طرح الأفكار حول استراتيجيته الجديدة، وإعداد برامج ومنتجات ترتكز على احتياجاتهم الفعلية من منطلق أنهم المستفيدون في النهاية. فعلى سبيل المثال، بعد أن أطلق الصندوق أحد منتجاته وقدمه لعملائه، رأى بعض العملاء أن الشروط قد تكون غير ملائمة للاستفادة من هذا المنتج، ما دفع الصندوق إلى تغيير الشروط ثم إطلاقه مرة أخرى لعملائه.
5- تطوير الكوادر البشرية لمواكبة التحوّل
تطوير الكوادر البشرية داخل المؤسسة ينبغي أن يكون على رأس أولويات خطة أي تحول يُراد له الاستدامة. وقد وعى الصندوق الصناعي هذه الخطوة جيداً، فقد نفّذ، خلال السنوات الخمس الأخيرة، برامج ومبادرات عديدة لتأهيل الكوادر والقيادات لمواكبة التطور مثل برنامج "الابتعاث" لدى جهات عالمية شهيرة مثل "كلية لندن للأعمال" في بريطانيا وجامعة ستانفورد، وجامعة بيركلي، وجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية.
الصندوق اعتمد أيضاً نهجاً أثبت كفاءته في مؤسسات عالمية كبرى، وهو تطوير كفاءات بشرية خارج الصندوق، بهدف بناء القدرات البشرية في القطاعات الصناعية لدعم دوره في تمكين التنمية الصناعية من ناحية، واستقطاب الكفاءات المناسبة للعمل داخل الصندوق من ناحية أخرى. فتأسست أكاديمية الصندوق في 2019 لتطوير القدرات البشرية في القطاع الصناعي بما يتماشى مع الأهداف والاحتياجات. إذ تتنوع برامجها التدريبية، التي وصلت إلى 35 برنامجاً بين المالية، والأعمال، والابتكار والرقمنة.
تساعد هذه المبادرات المؤسسات على البقاء فتية، وتجنب ما يدعى بـ "مرحلة الشيخوخة"، التي أشار إليها الكاتب راسل قاسم، في مقال بعنوان "كيف نتفادى شيخوخة المؤسسة"،من خلال الحرص على أن تنمو المؤسسة والموظفين معاً لا أن يكون تطور ونضج المؤسسة على حساب الموظفين، أو أن يضطروا إلى البحث عن ذواتهم خارج المؤسسة التي يعملون بها.
حرص الصندوق خلال استراتيجية التحول أيضاً على تمكين العنصر النسائي. فيقول سليمان الزغيبي، إن سنوات التحول الأخيرة شهدت زيادة في العنصر النسائي، إذ أن نسبة السيدات في الصندوق ارتفعت من صفر عام 2017 إلى نحو 20% الآن، أي أن هناك قرابة 200 سيدة ضمن موظفي الصندوق، واللاتي تتنوع مناصبهن بين موظفات ومدراء أقسام وإدارات بل ونائبات للرئيس أيضاً.
ويشير إلى أن قيادة ذلك التغيير كانت سلسة، فلم تواجه الإدارة المعوقات التقليدية المتمثلة في عدم تقبل الرجال وجود النساء خاصة في الأدوار القيادية، بسبب وعي موظفي الصندوق بكفاءة ودور القيادات النسائية.
6- موازنة النتائج السريعة مع النتائج طويلة المدى
تحتاج التحولات من هذا النوع إلى وقت طويل لتنفيذها، ووقت أطول لرؤية نتائجها، لذلك قد تتعرض إلى فقدان الزخم حولها مع الوقت. هذا التحدي عالجه إبراهيم المعجل بموازنة أهداف ذات نتائج قصيرة المدى مع الأهداف طويلة المدى. فيوضح أنه كان يضع نصب عينيه منذ توليه القيادة أصحاب المصلحة الأربعة، وهم المؤسسة ذاتها، والحكومة بما أن الصندوق تابع لها، والموظفين، والعملاء. وحرص على أن يقدم نتائج سريعة لكل طرف منهم حتى لا يفقدون حماسهم بشأن التحول، حتى لو كان إجراءً بسيطاً. فعلى سبيل المثال، كان أحد التغييرات السريعة التي قدمها للموظفين في بداية التحول هو تعديل ساعات العمل لتصبح أكثر مرونة، وهو تغيير بسيط لكنه منح الموظف شعوراً بأن أشياء إيجابية تحدث سريعاً منذ بداية التحول.
وفي بعض الأحيان، تُختبر نتائج التحول بشكل أقرب من المتوقع لتثبت للجميع أنهم سلكوا الطريق المثالي في التوقيت المثالي، وهذا ما حدث بالضبط خلال جائحة كورونا.
تقول نور شبيب، إن مبادرة استراتيجية التحول المبكرة جعلت الصندوق مستعداً للتعامل مع الجائحة، إذ كان أول جهة حكومية تفعّل التوقيع الإلكتروني للعقود، إلى جانب إتمام خدمات الرهن الإلكتروني للعقارات والأعيان والسندات لأمر، بالتعاون مع وزارة العدل،ليصبح الصندوق الصناعي أول جهة حكومية تقدم هذه الخدمات.
ساعدت هذه التغييرات المهمة التي لمسها العميل سريعاً، على استمرار الزخم حول عملية التحول مهما طالت نتائجها الكبرى الأخرى.
7- الحرص على الالتزام بمسارين منفصلين في وقت واحد
تتعثر الكثير من الشركات في جهودها لتحقيق التحول حينما تركز على مسار التحول فقط متجاهلة الأعمال الأساسية للمنشأة، أو حينما يفكر قادتها أن الزعزعة لابد وأن تطال المؤسسة ككل بضربة واحدة. وإنما يتطلب النجاح الانطلاق في المسارين في وقت واحد، بإعادة موضعة الأنشطة الأساسية ضمن استراتيجية التحول.
وبالعودة إلى تجربة الصندوق الصناعي، فقد تجنب قادته ذلك التحدي، بإنشاء قطاعات أعمال جديدة. فظهر قطاع تطوير الأعمال والتخطيط الاستراتيجي المعني بإدارة التحول و ابتكار منتجات وخدمات تتلاءم مع احتياجات العملاء وتخدم أهداف رؤية المملكة 2030. كما تعمل على خلق مبادرات تخدم التحول مثل مبادرة الشراكات المحلية والدولية لتمكين نظام التمويل الصناعي.
فعلى سبيل المثال، أطلقت الإدارة بادرة متميزة تخص عقد شراكات مع شركات كبرى مثل "أرامكو" و"سابك" و "STC " وشركة الكهرباء السعودية (SEC)، لدعمها في توطين سلاسل الإمداد. وتوضح شبيب: "إذا احتاجت شركة الكهرباء مثلاً منتجات معينة غير مصنعة في السعودية ولا تريد استيرادها، يمول الصندوق مصانع وطنية لصناعة هذه المنتجات، وبذلك تقل تكاليف شركة الكهرباء التي لن تعود بحاجة إلى دفع تكاليف إضافية لاستيراد المنتج، ومن ناحية أخرى تساعد في توطين صناعة هذه المنتجات، مما يخدم رؤية المملكة 2030.
كما استُحدِثَ قطاع المخاطر بإدارتين، أولهما "المخاطر المؤسسية" وتُعنى بتحديد إطار وأدوات إدارة المخاطر التشغيلية، وفق آليات وإجراءات صحيحة ذات جودة عالية. الثانية هي "مخاطر الائتمان" والمعنية بتقييم أُطر السياسات المعتمدة لمخاطر الائتمان والسوق والسيولة في الصندوق الصناعي.
واستمراراً لذلك،أُنشئ قطاع التقنية لإدارة التحول الرقمي وأتمتة تجربة العميل،من خلال تقديم الخدمات التقنية المتعلقة بخدمات أعمال الصندوق، والتأكد من مناسبة الحلول التقنية المختارة وتسليمها، بناءً على المعايير والجدول الزمني والجودة والحماية الأمنية المتفق عليها، ومتابعة تنفيذها حتى تسليمها للجهات والإدارات المستفيدة.
8- التفكير خارج الصندوق
يسعى الصندوق لتحقيق أهداف خاصة بالأتمتة وكفاءة الطاقة، لكن مازالت هذه المجالات تخطو خطواتها الأولى في السوق السعودي. والحقيقة أن الكثير من الشركات قد تبرر عدم خوضها تجربة التحول بأن السوق ليس مستعداً بعد. ولكن قادة الصندوق لم ينظروا إلى الأمر بهذه الطريقة، وإنما قرروا استلهام الرسالة التي أطلقها الصندوق منذ تأسيسه وهي المبادرة.
فبادر الصندوق بتقديم خدمات استشارية لعملائه وغيرهم لرفع مستوى الوعي بفرص الاستثمارات المحتملة في قطاعات مثل: كفاءة الطاقة، والتحول الرقمي الصناعي خاصة وأنها مجالات حديثة نسبياً للسوق السعودي، وربما لا يعي المستثمر والعميل الفرص المتاحة في هذا المجال.
في النهاية، يملك كل قطاع طبيعة خاصة تفرض عليه خارطة طريق قد تكون مختلفة عن خارطة قطاع آخر، إلا أن الخطوات السابقة تعد مقومات أساسية تقوم عليها عملية التحول المؤسسي الناجحة، والتي صارت مرحلة أساسية لا بد أن تخوضها كافة المؤسسات التي تسعى للبقاء في سوق العمل الحالي.