ثمة دور حاسم للتواصل الفعال في إدارة التغيير، فهو يسمح بنشر المعلومات الأساسية، مثل أسباب الحاجة إلى التغيير والمتوقع منه وتأثيره على الأفراد. من خلال الاعتماد على التواصل الفعال واستخدام القنوات المناسبة، فإننا نضمن اطلاع الأفراد على أهداف مبادرات وبرامج التغيير وإجراءاتها، ومشاركتهم فيها وتوافقهم معها كما يساعد التواصل الفعال على تقليل مقاومتهم لأنه يوضح لهم أسباب التغيير، ويعالج مخاوفهم ويعزز إحساسهم بأنهم جزء من عملية التغيير وبأن الشفافية تسود الأجواء.
على الرغم من ذلك فإن نقل المعلومات أو تفسيرها بطريقة خاطئة في المؤسسة يؤدي أحياناً إلى سوء الفهم وعدم التوافق، وهو وضع تصعب إدارته وقد يحرف التحولات الناجحة عن مسارها.
يمكن للعديد من العوامل أن تسهم في تراكم المعلومات الخاطئة، على سبيل المثال قد يسيء الموظفون تفسير هدف التغيير أو ضرورته إذا لم يفهموا أسبابه فهماً شاملاً، كما أن المعلومات المضللة قد تفاقم عدم وضوح السياق، لأنها قد تفسر التغيير تفسيراً مفرطاً في البساطة أو مشوهاً. عند عدم توضيح مبادرات التغيير فقد يفسر الموظفون ما لم يفهموه بناءً على افتراضاتهم، وعلى نحو مماثل، قد يعتمد الموظفون الذين لا تصلهم معلومات كاملة على الإشاعات أو التكهنات لاستكمال النقص، وشبكات التواصل غير الرسمية في العديد من المؤسسات، مثل الدردشة الجماعية، يمكن أن تنشر معلومات مضللة بسرعة، وما لم تكن هنالك قنوات للتحقق من المعلومات أو طرح الأسئلة، قد يصبح من الصعب الحد من تداعيات سوء الفهم في وقت لاحق.
الانحياز التأكيدي هو مثال واضح على تفسير الموظفين للمعلومات التي يتلقونها بطريقة انتقائية تؤكد أفكارهم أو مخاوفهم الحالية، على سبيل المثال، إذا كانوا قلقين بشأن الأمان الوظيفي، فقد يفسرون التغييرات المحايدة أو حتى الإيجابية على أنها تهديدات، خاصة إذا كانت المعلومات المضللة تغذي مخاوفهم. ففي سياق اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي في المؤسسات، قد يفسر الموظفون المعلومات بطريقة انتقائية تؤكد مخاوفهم أو شكوكهم السابقة حول التكنولوجيا، وبسبب هذا التحيز، فقد يتجاهلون الجوانب الإيجابية للذكاء الاصطناعي التوليدي ويركزون على الأمثلة السلبية ويحجمون عن استخدام الأدوات الجديدة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة مقاومة التغيير وانتشار سوء الفهم.
ما هو مفهوم التحصين النفسي في إدارة التغيير وكيف يمكن تطبيقه؟
يرتكز مفهوم التحصين النفسي (Psychological Vaccine) على نظرية التحصين (Inoculation Theory)، وجاءت فكرته في الأساس لحماية الأفراد من الأخبار الكاذبة، ومع ذلك يمكن تطبيقه بفعالية في سياق التغيير المؤسسي لتحسين التواصل ومعالجة سوء الفهم.
صاغ ويليام ماكغواير نظرية التحصين بوصفها أداة من أدوات علم النفس الاجتماعي، وهي تشير إلى أن تعريض الأفراد إلى صيغة ضعيفة من حجة مقنعة يساعدهم على بناء مقاومة ضد صيغ أقوى وأكثر إقناعاً من تلك الحجة مستقبلاً.
في سياق المؤسسة، يتضمن هذا النهج معالجة سوء الفهم المحتمل بطريقة استباقية من خلال تعريض الموظفين إلى صيغة ضعيفة من المعلومات الخاطئة أو التفسيرات غير الصحيحة التي قد يواجهونها، إلى جانب معلومات واضحة ودقيقة تصحح هذه المفاهيم الخاطئة، وعلى وجه التحديد، ثمة 4 خطوات لتطبيق التحصين النفسي في التعامل مع مشكلة عدم تقبل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، الناجمة عن مجموعة متنوعة من الأسباب بما فيها سوء فهم الأهداف من استخدامه.
1. الخطوة الأولى: تحديد المفاهيم الخاطئة الشائعة والتهديدات المحتملة
تتضمن الخطوة الأولى في تطبيق التحصين النفسي، تحديد المخاوف أو المفاهيم الخاطئة السائدة بين الموظفين حيال الذكاء الاصطناعي التوليدي. تهدد هذه المفاهيم الخاطئة بتقويض الثقة بالتكنولوجيا، ويمثل التهديد جانباً مهماً في نظرية التحصين، لأنه يحفز الأفراد لتقديم حجة مضادة ضد أي فكرة تتحدى معتقداتهم، ومن خلال تحديد المفاهيم الخاطئة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل المخاوف من فقدان الوظيفة أو التعقيد، أو المخاوف الأخلاقية، فإنك تضع الأساس لبناء المرونة النفسية.
2. الخطوة الثانية: تحذير الموظفين مسبقاً من الجهود التي تهدف إلى التأثير على أفكارهم مستقبلاً
بعد تحديد المفاهيم الخاطئة الشائعة، تتمثل الخطوة التالية في تحذير الموظفين من أنهم قد يواجهون معلومات مضللة أو تلاعباً أو رسائل قائمة على الخوف تتعارض مع أفكارهم حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهذا التحذير ضروري لأنه ينبه الأفراد إلى مفهوم التهديد الذي يمثل عنصراً أساسياً في نظرية التحصين. ووفقاً لوصف كومبتون وآخرين في دراسة منشورة عام 2021، يحفز التهديد استجابات دفاعية تنبه الموظفين إلى احتمالية تقويض أفكارهم أو التلاعب بها.
من خلال إعلام الموظفين باحتمال تلقي معلومات مضللة من مصادر خارجية، مثل التقارير الإعلامية أو الزملاء، يصبحون مستعدين ذهنياً أكثر للدفاع عن وجهات نظرهم، وهذا الوعي المتزايد أمر بالغ الأهمية لتحفيز الأفراد على صياغة الحجج المعرفية المضادة، وهو جانب أساسي من جوانب تدخلات التحصين، فالتحذير المسبق ينشط دفاعاتهم المعرفية ويجهزهم لمقاومة أي تحديات قادمة.
علاوة على ذلك، فإن نموذج تحفيز الذاكرة الذي اقترحه ميرتنز وآخرون في دراسة منشورة عام 2023، يؤكد أن الأفراد عندما يتوقعون تعرض أفكارهم إلى هجوم فإن ذلك يعزز الحافز الطويل الأمد لديهم لمقاومة المعلومات المضللة، ويشجع هذا النهج الاستباقي على تبني عقلية دفاعية ومرنة في مواجهة محاولات الإقناع المحتملة.
3. الخطوة الثالثة: تزويد الموظفين بصيغ ضعيفة من التهديد الوشيك
بعد تحذير الموظفين مسبقاً، فإن الخطوة التالية هي عرض صيغة مخففة من المفهوم الخاطئ، يتضمن ذلك تقديم المفهوم الخاطئ بطريقة تتيح للموظفين التعرف إليه لكن دون تأييده بالكامل، ومن خلال عرض صيغة مخففة من التهديد، يمكن للموظفين التعامل معه في بيئة منخفضة المخاطر، ما يساعد على إعداد دفاعاتهم المعرفية لمواجهة نسخ أقوى من المعلومات المضللة نفسها في وقت لاحق.
إن تقديم صيغة مخففة من التهديد يسمح للموظفين ببناء المقاومة تحت ظروف تسهل إدارتها، وعلى غرار اللقاح البيولوجي، يساعد هذا التعرض التدريجي الموظفين على تطوير قدرتهم على التحمل وصياغة الحجج والحجج المضادة رداً على هذه المفاهيم الخاطئة المخففة، ما يجعلهم مستعدين لمواجهة محاولات الإقناع المستقبلية. تعتمد هذه المرحلة على عملية إنشاء الحجة المضادة الوقائية التي تعد جوهر نظرية التحصين، ما يسمح للموظفين بتعزيز دفاعاتهم النفسية ضد الهجمات التلاعبية المستقبلية.
4. الخطوة الرابعة: الدحض الوقائي
تنطوي الخطوة الأخيرة على الدحض الاستباقي، حيث يحصل الموظفون على معلومات ملموسة واستراتيجيات ومهارات لمقاومة المعلومات المضللة أو التلاعب مستقبلاً، ومن خلال تسليحهم بالحجج المضادة وتعليمهم تقنيات التلاعب المحددة، مثل التلاعب العاطفي، أو المغالطات المنطقية أو التفكير التآمري، فإنك تعزز قدرتهم على التعرف إلى محاولات الإقناع المستقبلية ومقاومتها.
يعزز الدحض الاستباقي المرونة المعرفية من خلال تزويد الموظفين بالأدوات اللازمة للاستجابة إلى المعلومات المضللة بفعالية، وبدلاً من مجرد مواجهة الحجج الفردية المضللة، تعلمهم هذه الخطوة أيضاً استخدام التفكير النقدي عند مواجهة استراتيجيات التلاعب الأوسع نطاقاً، ويدعم هذا النهج طريقة التحصين المبني على التقنية الذي لا يبني المقاومة ضد حجج محددة فقط، ولكن ضد أساليب التضليل عموماً.
تتعزز فعالية رسالة التحصين بصورة كبيرة عندما يتولى وسطاء إيصالها، ويمكن أن يكونوا أقراناً أو قادة يحظون بالاحترام داخل المؤسسة. عندما يسمع الموظفون من زملائهم الذين تمكنوا من التعامل مع التغيير والذين يجسدون المعايير الإيجابية التي يجري الترويج لها، فمن المرجح أن يعدلوا تصوراتهم، على سبيل المثال، في أثناء اجتماعات الفريق أو الاتصالات الداخلية، يمكن للموظفين المؤثرين مشاركة تجاربهم الشخصية مع النظام الجديد، ما يدحض التصور الخاطئ ويعزز فكرة أن معظم أقرانهم يدعمون التغيير، علاوة على ذلك، يمكن أن يكون للدليل الاجتماعي الإيجابي دور حاسم في هذه العملية، إن مشاركة الشهادات أو الأمثلة الناجحة على دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي من داخل المؤسسة أو القطاع تساعد على توضيح فوائده، على سبيل المثال، أفادت الفرق التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي بانخفاض كبير في المهام الروتينية، ما يسمح لها بالابتكار وتحسين عملياتها.
يمكن لنظرية التحصين أن تعزز نجاح مبادرات إدارة التغيير، فمن خلال تحديد المفاهيم الخاطئة في وقت مبكر، وتقديم صيغة ضعيفة منها، ثم دحضها، يطور الموظفون دفاعات معرفية أقوى ضد سوء الفهم في المستقبل، وهذا يقلل احتمال أن يتوصلوا إلى تفسيرات خاطئة خلال عملية التغيير، إذ إنهم واجهوا المعلومات غير الصحيحة ورفضوها مسبقاً. يؤدي استخدام هذه التقنيات التي ترتكز على العلوم السلوكية إلى تقليل مقاومة التغيير وزيادة الثقة بين الموظفين والإدارة وتعزيز ثقافة الانفتاح والتعاون، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين مشاركة الموظفين ما يزيد التزامهم بمبادرات التغيير. وفي النهاية، فإن المؤسسات التي تواجه المعلومات المضللة بفعالية تكون مستعدة أكثر لمواجهة تعقيدات التغيير والخروج منها أقوى من قبل.