دراسة جدوى توفير التأمين الصحي للموظفين منخفضي الدخل

4 دقائق
التأمين الصحي للموظفين

يبدو أن حكومة ترامب في صدد اقتراح مشروع قانون رعاية صحية جديد بعد المفاوضات الفاشلة حول إلغاء قانون "أوباما كير" التي دارت في شهر مارس/آذار الماضي. وفي حين ما تزال تفاصيل المشروع غامضة، فإنه من المرجح ألا يشمل القانون الجديد العديد من الأميركيين ذوي الدخل المنخفض الذين سيبقون بلا تأمين صحي، فماذا عن التأمين الصحي للموظفين في الشركات؟

أعتقد أن هناك قضية يجب بناؤها فيما يخص امتلاك القطاع الخاص حافزاً قوياً للتدخل إن أصبح هذا القانون ساري المفعول. إن اشتراط وجود التأمين الصحي من قبل المؤسسات هو قرار تجاري منطقي – خاصة للأفراد من ذوي الدخل المنخفض. تسلط مجموعة من الدراسات، بما فيها دراسة شاركت فيها، الضوء على أن تغطية التأمين الصحي قد تكون مفيدة للدخل الصافي للشركات، وينبغي على المدراء المطالبة بها كاستراتيجية مؤسسية ملائمة إن أرادوا زيادة إنتاجيتهم.

فوائد التأمين الصحي للموظفين

يشكل فرض التأمين الصحي على الموظفين من ذوي الدخل المنخفض تجارة رابحة لثلاثة أسباب: يرتبط ذلك بمستويات أدنى من التوتر واتخاذ قرارات ذات مدى أبعد وزيادة في القدرات الإدراكية، فضلاً عن زيادة في الصحة الجسدية (وذلك واضح على الأغلب) – وكل هذه عناصر تسهم في تحقيق أداء مؤسسي أفضل.

يمكن للتأمين الصحي أن يقلل من التوتر

يمكن للتأمين الصحي أن يقلل من مستويات التوتر التي يتعرض لها الموظفون بشكل كبير، بحسب ما أظهرته إحدى الدراسات في ورقة عمل نُشرت مؤخراً، وتلك واحدة فقط من بين نتائج أخرى إيجابية لتطبيق التأمين الصحي. عمل يوهانس هاوشوفر من جامعة "برينستون" وعدد من زملائه مع مؤسسة في نيروبي في كينيا، واختاروا عشوائياً بعض الموظفين من العمال المتخصصين في المعادن في جمعية "كاموكونجي جوا كالي" (JKA) ليحصلوا على تأمين صحي مجاني لمدة عام واحد. بمعنى آخر، وفّر الباحثون خطة رعاية صحية لجزء من موظفي "كاموكونجي جوا كالي"، بينما تابع الموظفون الآخرون عملهم كالمعتاد.

وقام الباحثون، بالإضافة إلى جمعهم البيانات عبر استبانات الرأي (حول الصحة العامة التي كان الموظفون يشعرون بها وحول خصائص منازلهم مثلاً) بأمر غير اعتيادي، فقد جمعوا عيّنات لعاب من جميع المشاركين وفحصوها لاحقاً ليقيسوا مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول). حصلت عمليات القياس هذه في نقطتين زمنيتين، في بداية الدراسة وعند نهايتها.

كانت النتائج التي توصلوا إليها صاعقة، حيث لم يذكر الموظفون الذين حصلوا على تأمين صحي مجاني أنهم يشعرون بمستويات أقل من التوتر فحسب، بل كان ذلك مرتبطاً أيضاً بانخفاض في مستويات الكورتيزول التي قيست في عيّنات اللعاب. كان هذا الانخفاض في مستوى الكوليسترول يضاهي الفرق البالغ 60% تقريباً بين الأشخاص الذي كانوا مصابين بالاكتئاب وأولئك الذين لم يعانوا منه.

إن هذه النتائج ذات أهمية بالغة للمؤسسات لأن الموظفين الذين يمرون بمستويات أعلى من التوتر هم أكثر عرضة للإنهاك، ومن المستبعد أن يحققوا مستويات أداء عالية. يؤثر الموظفون المصابون بالتوتر سلباً على الدخل الصافي للمؤسسة، ويمكن للإجراءات التي تقلل مستويات التوتر أن تقي من هذه الحالات.

التأمين الصحي يؤدي إلى عمليات اتخاذ قرار ذات مدى أطول

للتأمين الصحي فوائد أخرى أيضاً. تتناول ورقة بحثية شاركت فيها مع إلك ويبر من جامعة "برينستون" وجايديب برابو من جامعة "كامبريدج"، ونُشرت مؤخراً ضمن أعمال مؤتمرات "الأكاديمية الوطنية للعلوم"، أحد الأسباب التي تجعل الأفراد ذوي الدخل المنخفض يواجهون صعوبات في الهروب من وضعهم المعدم. يقدّم البحث أدلة على أن الفقراء يميلون أكثر إلى اتخاذ قرارات تُعنى أكثر بالمدى القصير، حتى حين تشمل تلك القرارات الحصول على عوائد أقل في وقت قريب بدلاً من الحصول على دفعات أكبر في المستقبل.

وجدنا في دراستنا أن ذلك يُعزى جزئياً إلى أن الأفراد ذوي الدخل المنخفض يواجهون قدراً أكبر من الاحتياجات المالية الملحة مقارنة بنظرائهم الأكثر ثراء. كما أنهم غير قادرين على التفكير في الحصول على رواتب أعلى في المستقبل بسبب انشغالهم الزائد بتدبير أمورهم. على هذا النحو، يبقون عالقين فيما دعاه يوهانس هاوشوفر وإرنست فهر من جامعة "زيورخ" بـ "حلقة الفقر المفرغة".

ولكن ما وجدناه أيضاً هو أن التدخلات التي تسهم في تقليل مستويات الحاجات المادية التي تواجه الأفراد ذوي الدخل المنخفض يمكنها أن تساعدهم على اتخاذ المزيد من القرارات ذات المدى الأبعد، وقد تكون إحدى تلك التدخلات فرض التأمين الصحي؛ فحين يملك الأشخاص الفقراء شبكة أمان يمكنهم الاعتماد عليها حين يواجهون مشاكل صحية قد تصبح مشاكلهم المادية غير ملحة، ونتيجة لذلك، سيتخذون المزيد من القرارات بعيدة المدى.

يجب أن يؤدي هذا إلى تحسينات كبيرة للمؤسسات أيضاً. تطلب الشركات من موظفيها اتخاذ العديد من القرارات ذات المدى البعيد. وفي كثير من الحالات، قد يكون التوجه بعيد المدى أمراً لا بد منه لكي تزدهر الشركات.

عدم امتلاك تأمين صحي قد يتسبب بتدهور القدرات الإدراكية

أخيراً، يمكن للتأمين الصحي أن يمنح الأفراد منخفضي الدخل راحة البال والطمأنينة. عملت دراسة ترأستها أناندي ماني من جامعة "ووريك" على التحقيق في مسألة العواقب الإدراكية للفقر. وجد الباحثون أن عدم امتلاك المال يشغل تركيز الأشخاص وهذا ما يتوافق مع الأدلة المتزايدة على ذلك. وفي حين أن الدراسة لم تركز تماماً على التأمين الصحي، يمكننا بسهولة استنتاج الإجابات عن مسألتنا الراهنة. ونظراً لأن جميع الناس يملكون مقداراً محدوداً من التركيز، فكلما ازدادت مصادر القلق لدى الناس، قل التركيز الذي يمكن أن يولوه لأي من مصادر القلق تلك.

لكي نوضح هذه النتائج، تخيلوا حالة إحدى موظفات الدخل المنخفض التي تستخدم سيارتها للذهاب إلى العمل كل يوم. إنها تعيش على راتبها الذي يكفي لشهر واحد فقط وتعتمد على دخلها المستقر. وهي تشعر بالقلق كل يوم إزاء ما ستفعله لو تعطلت سيارتها حتى لو كانت لا تقودها. تدور تلك الأفكار في رأسها باستمرار طوال الوقت، مهما حاولت التركيز على أمور أخرى.

إنه لأمر واضح أن تلك الأفكار لها آثار ضارة على أدائها. حالات التفكير المستمر بالهموم تجعل من الصعب التركيز على المهمات التي يجب تأديتها في الوقت الحاضر. قوموا الآن باستبدال السيارة في السيناريو السابق بصحتها، لنفترض أنها مصابة بحالة مرضية مزمنة تتطلب العناية الطبية في كل مرة تصيبها. هذه ليست حالة نادرة، إن ما تزيد نسبته على 34% من الموظفين مصابين بحالات طبية مزمنة، وهي منتشرة أكثر حتى بين الأفراد ذوي الدخل المنخفض.

على الرغم من أنه قد لا يوجد شفاء للعديد من تلك الأمراض، فإنه يمكن شفاء أضرارها المعنوية والإدراكية التي تترافق معها. يمكن تجاوز أسئلة مثل: "كيف سأدفع للطبيب أجرته؟ وكيف سأتحمل تكاليف العلاج؟" عن طريق فرض التأمين الصحي. إن ذلك مهم خصوصاً للأفراد ذوي الدخل المنخفض الذين من المرجح أكثر أن يكون لديهم مثل هذه الهموم. وحين يملك الموظفون قدرة أكبر للتركيز على عملهم، فمن المرجح أكثر أيضاً أن يصبحوا أعضاء منتجين في مؤسساتهم.

وفي نهاية الحديث عن موضوع التأمين الصحي للموظفين في الشركات، يخيم غموض حول ما سيحصل في العاصمة واشنطن خلال الأشهر القليلة القادمة. هل سيتم إلغاء "أوباما كير"؟ وهل سيفقد ملايين الموظفين منخفضي الدخل تأمينهم الصحي؟ في غياب وجود قرار، قد يضطر المدراء للتدخل. يجب أن تؤدى دراسة جدوى لتوفير التأمين الصحي للموظفين، وهو ما قد يجعلهم أقل توتراً، ويحسّن من قراراتهم طويلة الأمد، ويؤدي إلى الوصول إلى مستويات أعلى من الانتباه فيما يخص المهمة التي يعملون عليها، وذلك ضروري خصوصاً للموظفين ذوي الدخل المنخفض.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي