إنّ غزارة المعلومات لا تعني دوماً سهولة اتخاذ القرارات. يمكنك تأمل ما وقع في مجال السفر: فمع ازدحام شبكة الإنترنت – منذ العقد الأول من الألفية الثالثة – بمواقع السفر؛ تولى المستهلكُ بنفسه مسئولية التخطيط لسفره، ومن ثم بدأ وكلاء السفر يتكبدون خسائر فادحة في أنشطتهم التجارية. وإذا قفزنا بالزمن حتى نصل إلى يومِنا هذا، نجد شركة إم إم جي واي (MMGY) المتخصصةَ في التسويق لخدمات السفر والترفيه، تُطالعنا بإحصائية تقول أن معدلات الاستعانة بخدمات وكلاء السفر زادت بنسبة 50% بين عامي 2014 – 2015.
والسبب في ذلك هو أن المستهلكين غرقوا في لُجة المعلومات وكثرة الخيارات؛ فلجأوا مرةً أخرى إلى وكلاء السفر للحصول على تخطيط لرحلاتهم.
تكررت الأحداث بالتسلسل ذاته في مجال شراء الخدمات والمنتجات بين الشركات (B2B). وتماماً مثلما حدث في مجال السفر، فقد تولى المشترون بأنفسهم – مع سهولة الوصول إلى ثروة معلوماتية ضخمة – إنجاز الكثيرِ من أعمالهم. وبحلول عام 2012، أثبتت أبحاثنا أن حوالي 60% من قرارات الشراء التقليدية بين الشركات – مثل البحث عن الحلول وخيارات التصنيف وقياس الأسعار، ... إلخ – كانت تُتخذ قبل أن يفكر المشتري في محادثة المورد. ولكن سهولة البحث عن المتطلبات الشرائية من قبل الزبون، لا تعني بالضرورة أن تتم العمليةُ الشرائيةُ بالسهولة ذاتها. وكما شرحنا في المقال الأخير من هارفارد بزنس ريفيو العربية الذي يحمل عنوان: "قواعد البيع الجديدة"، فإن غزارة المعلومات، وكثرة الخيارات، وتنامي أعداد مجموعات المتسوقين وتنوعها؛ أدى إلى نوعٍ من الشلل الشرائي: بمعنى أن يستغرق الزبائنٍ وقتًا أطول من المعتاد من أجل إتمام عملية الشراء، أو يُعرضون عن الشراء في أغلب الأحيان. في الوقت ذاته، يتزايد الانتقاد والتشكيك من قبلِ الزبون، كما يتزايد الإحساس بالندم بعد إتمام عملية الشراء، بينما يتراجع الولاء. وعندما تصبح عملية الشراء أكثر تعقيداً من ذي قبل، يزداد الأمر صعوبة وهنا يبحث المشترون عن بائعين يمكنهم أن يجعلوا عملية الشراء أيسر. ولكن عمليات الشراء بين الشركات لم تصل – بالتأكيد – إلى تلك الدرجة من السوء، أليس كذلك؟ جرب هذا التمرين البسيط: تأمل في آخر عملية شراء هامة شاركت فيها كأحد أعضاء لجنة المشتريات، ربما كانت لشراء أحد حلول إدارة علاقات الزبائن (CRM)، أو مشاركة استشارية، أو للاتفاق على تركيب بنية تحتية جديدة. والآن فكر في فئة أصحاب المصالح في اليوم الأول، ثم تأمل كيف تغيرت تلك الفئة في اليوم المائة. فكر في المعلومات التي كنت تستشير فيها في بداية الأمر، وكيف تغير ذلك بمرور الزمن. تأمل في تعاقب الخبراء والزملاء والموردين والمتخصصين. تأمل في عدد الخيارات التي تبدو لا حصر لها، والتي كانت تحتاج منك أن تدرسها. والآن اسأل نفسك: إذا كان لديك الخيار، فهل كنت ستتصرف على هذا النحو مجدداً؟ ربما لا. وبحسب بحثنا، فإن شركات التوريد الكبيرة – بمجرد أن أصبحوا "وكلاء السفر" لزبائنهم – فإنها تقوم بتحويل التحديات التي تواجه الزبائن إلى مكاسب تجارية هائلة. فهي تخفف أعباء الزبائن عن طريق توجيههم نحو القرارات والخيارات الصائبة، كما تنمي معدلات الربح من مبيعات الحلول عالية الجودة بنسبة تصل إلى 60%.
وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح كيف تسهل الشركات عملية الشراء في ثلاث صناعات، والوسائل المستخدمة على وجه التحديد:
شركة توريد المنافع الصحية للموظفين، تستخدم التسويق بالمحتوى.
تعتبر البرامج التي تكفل الرعاية الصحية للموظفين وتُبقي نفقاتها تحت المراقبة، من أنواع الخدمات الجديدة بعض الشئ.
ولهذا السبب، لم تقم كثير من إدارات الموارد البشرية بشراء ذلك النوع من الخدمات. وبمجرد أن يسعى الموظفون إلى أن يتعرفوا على هذا السوق؛ تبدأ – كالعادة – حشود من الوسطاء ومندوبي المبيعات ودعاة حقوق الموظفين وغيرهم في إغراق صناع القرار بسيل من المعلومات.
وبمجرد أن لاحظت إحدى الشركات الموردة للمنافع استغراق عملائها المتزايد، بدأت في إنشاء محتوى لتسويق المبيعات يركز بشكل خاص على أفضل الممارسات لشراء المنافع الصحية. هذا المحتوى إرشادي للغاية، حيث أنه يوجه الزبائن خلال مراحل اتخاذ القرار، ويُقيم مدى استعدادهم لتوفير المنافع الصحية، ويقودهم خلال التدريب على مقاييس الأداء، وخلال إنشاء طلبات تقديم العروض (RFP). ولا ينحاز هذا الإرشاد إلى بائع بعينه، فهو لا يروج للحل الخاص بالمورد، ولكنه، عوضاً عن ذلك، يوجه الزبائن المحتملة خلال عملية الشراء، ويقدم النصائح والتحذيرات العملية حول المخاطر التي قد يواجهونها. وببراعة شديدةٍ ومن خلال المحتوى، يوجه المورد الزبائن نحو أبرز مواطن قوته دون طرح الحل الخاص به صراحة. وقد أثمرت هذه الحملة عن زيادات كبيرة وملحوظة في التسويق لعمليات البيع المحتملة والمبيعات.
تقوم بعض شركات أتمتة التسويق بإنشاء عروض تقديمية حسب الطلب.
إذا رفض صناع القرار في الشركة الزبونة تلك الحلول المعروضة عليهم، فقد يتعذر إتمام عملية الشراء، ومن ثم تفشل الصفقات أو تتعثر. تأمل في ذلك الموقف المألوف حينما يتقدم مدير التسويق نحو المدير التنفيذي لتقنية المعلومات طالباً التصديق على شراء أحد حلول التسويق المؤتمت، فإذا كان المدير التنفيذي لتقنية المعلومات يعتقد – كما يحدث غالباً – أن الحل الذي تستخدمه إدارة علاقات الزبائن في الشركة كاف، ويؤدي بالفعل مهمة التسويق المؤتمت؛ فإنه يَحُولُ دون إتمام عملية الشراء.
ولمعالجة هذه المشكلة، صنع أحد الموردين سلسلة نماذج عروض جاهزة للمسوقين لعرضها على الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات، وأصحاب المصلحة بقرار الشراء. يحتوي نموذج العرض على أدوات لقياس الأداء، وحاسبات العائد على الاستثمار قابلة للتخصيص، ومحتويات أخرى من أجل إبراز التأثير المحتمل للحل الذي تملكه الشركة. والأعظم من ذلك هو أنهم يستخدمون اللغة والمقاييس الخاصة بأصحاب المصلحة الذين يشترونه.
في مستهل عملية البيع، تستخدم إحدى شركات برمجيات الرعاية الصحية فعاليات بناء العلاقات.
عادة ما يستعين البائعون – في المراحل الأخيرة من عملية بيع معقدة – ببعض زبائنهم السابقين كمراجع للتذكية من أجل الفوز بزبائن جدد.
معظم البائعين يتعاملون مع الأمر بالطريقة ذاتها:
ففي مرحلة متأخرة من عملية البيع، تحاول الشركة إجراء تواصل هاتفي بين أسعد زبائنها (السابقين) مع الزبون المحتمل، ثم يطلبون من الزبون أن يتغنى بشركتهم. وتنتهج شركة البرمجيات هذه نهجاً آخر، فهي تطلب من الزبون الذي أتم – مؤخراً – عملية شراء مهمة، تشبه تلك التي يقيمها الزبون المحتمل، أن يقضيَ – بمفرده – شطر يوم مع الزبون المحتمل في مستهل عملية الشراء. ثم يتم الإعلان عن هذا اللقاء كفعالية لبناء العلاقات، وتبادل الممارسات المثلى، ومن ثم تنتفع كلتا الشركتين. إلا أن شركة البرمجيات تطلب من الزبون الذي اتخذوه مرجعاً للتذكية أن يناقش عملية الشراء بكل صراحة، بما في ذلك الأخطاء التي وقعوا فيها، والمخاطر التي تجنبوها، والمعلومات التي استشاروا فيها، والنصائح الخاصة بطلبات تقديم العروض التي قدموها لشركة البرمجيات، وما هي أفضل سبل العمل مع شركة البرمجيات. ولأنها فرصة حقيقية للعمل بنظام الربط الشبكي بين الأقران، فلا يفوتها إلّا قلة من الزبائن المحتملين. وكنتيجة لنهج المشاركة المرجعية بالتذكية؛ فقد لاحظت شركة البرمجيات انكماش الدورة الزمنية لعملية البيع، وزيادة معدلات الفوز بالصفقات.
وعلى نهج هذه الشركات، يحتاج الموردون من أجل بيع خدمات شركاتهم للشركات الأخرى، إلى أن ييسروا عملية الشراء على الزبائن إلى حد بعيد. فما الفرص التي تملكها لتُصبح وكيل السفر لزبائنك؟
اقرأ أيضاً: مهارات مندوب المبيعات