كيف تستخدم الشركات التكنولوجيا لمنح الموظفين استقلالية أكبر؟

5 دقائق
البلوك تشين
الرسم التوضيحي: سيمول ألفا

ملخص: في حين أن الرواية المهيمنة حول التكنولوجيا اليوم هي أن الآلات تحلّ محل البشر في اتخاذ القرارات، لا سيما في قاعدة المخطط التنظيمي، فالحقيقة تضم تفاصيل أدق من ذلك بكثير. أجرى المؤلفون بحثاً في شركات لامركزية يتمتع موظفوها باستقلالية كبيرة. ولاحظوا أن التكنولوجيا تحديداً، كالذكاء الاصطناعي وأنظمة البيانات المتطورة و البلوك تشين وغيرها، هي ما يتيح للموظفين اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر. وبالنسبة لمن يحملون مخاوف بشأن الأتمتة ونهضة التكنولوجيا في الأعمال، يبين هذا المقال أن التكنولوجيا قادرة على القيام بالتوجيه والرقابة والحوكمة مع ترك الخيارات الأهم في الشركة بيد البشر، حيث يجب أن تكون.

 

"إنهم يراقبونك في العمل"، "الذكاء الاصطناعي منتشر في كل مكان"، "ما يكرهه الموظفون في الخضوع لإدارة الخوارزميات". اعتدنا هذه العناوين التي تستحضر صور الخيال العلمي عن مستقبل تحلّ فيه الإدارة الآلية محلّ البشر في القرارات والإبداع والمبادرات. تقول الرواية المهيمنة فيما يتعلق بالتكنولوجيا في العمل إن الآلات تحل محلّ البشر في اتخاذ القرارات وبالتالي فهي تجعل العمل تكنوقراطياً وخاضعاً للرقابة بدرجة أكبر.

لكن من الضروري أن نروي قصة مختلفة عن المؤسسات التي تستخدم التكنولوجيا لتعزيز استقلالية موظفيها، ما يتيح لقادتها اتخاذ قرارات استراتيجية بدرجة أكبر.

على اعتبارنا باحثين في البنية التنظيمية نرى أدلة على أن التكنولوجيا هي في الحقيقة جوهر جهود الشركات التي تضع الموظفين محوراً لتنظيمها بدلاً من الإدارة. والشركات التي نجحت في إعادة تصميم بنيتها التنظيمية وأعمالها الروتينية وممارساتها لتدور حول دافعية موظفي خطوطها الأمامية وإبداعهم وقراراتهم تمكنت بدرجة كبيرة من فعل ذلك بفضل التكنولوجيا. نعتقد أن هذه النماذج تشكل دروساً مهمة لجميع الشركات التي تسعى لتعزيز استقلالية موظفيها والعمل التعاوني الأفقي بينهم.

التنسيق من دون منسقين

خذ مثلاً شركة "بورتزورغ" (Buurtzorg)، أكبر مزود للرعاية الصحية المنزلية في هولندا والوحيدة التي تقدم خدماتها على مستوى الدولة بأكملها؛ لديها جيش من الموظفين يضم أكثر من 10,000 ممرض وممرضة لكنها لا تتبع تراتبية متعددة الطبقات ومعقدة لإدارة عملياتها، وليس لديها سوى مكتب صغير يضم قرابة 50 موظفاً و25 مدرباً.

ومن أجل تمكين الممرضين والممرضات من التعاون فيما بينهم تعتمد الشركة على منصة تكنولوجيا المعلومات "بورتزورغ ويب" (BuurtzorgWeb) المصممة خصيصاً لها.

لكن هل تعمل التكنولوجيا والخوارزميات التي أعدتها إدارة الشركة على مراقبة الممرضين وإدارتهم وتوجيه التعليمات إليهم؟ لا، بل يعمل الممرضون على تنظيم أنفسهم في ألف فريق ذاتي الإدارة، ويحمل كل فريق مسؤولية تقديم الرعاية الصحية المنزلية ضمن منطقة جغرافية محددة. لم يتم تعيين قادة محددين للفرق، بل يتخذ أفرادها قراراتهم بالإجماع ومنها تعيين أفراد الفريق وإقالتهم.

تعزز منصة "بورتزورغ ويب" هذه الفرق عن طريق تقديم نماذج لإدارة نفسها، مثل عقد اجتماعات الفريق والتعامل مع ديناميات الفريق الصعبة. كما أنها تقدم جميع البيانات التي يحتاج إليها كل فريق بشفافية كي يتمكن أفراده من فهم أدائهم، مثل مستوى إنتاجية الفريق ورضا العملاء وأفراد الفريق ودرجات مستوى الفريق. وربما كان الأهم هو أن المنصة تعمل كنقطة تجمع مركزية تصل الفرق بعضها ببعض وتتيح لجميع الممرضين والممرضات طرح المشكلات والأسئلة التي يواجهونها ومشاركة الأفكار فيما بينهم. بهذه الطريقة تدعم المنصة التعلم الموزع وتبرز أفكار العاملين على الخطوط الأمامية.

هذا بعيد كل البعد عن الأوتوقراطية؛ فالتكنولوجيا هنا تمنح أفراد الفرق توجيهاً بأسلوب إداري وتترك الخيارات النهائية في أيديهم في نفس الوقت.

المراقبة من دون مراقبين

يمكن لمنصات تكنولوجيا المعلومات تحميل فرق الموظفين المسؤولية في غياب الأدوار الإدارية التقليدية. خذ مثلاً شركة "هاير" (Haier)، إحدى أكبر الشركات المنتجة للأجهزة، إذ تم تقسيم موظفيها إلى ما يزيد على 4,000 مؤسسة صغيرة تدير كل واحدة منها الأرباح والخسائر الخاصة بها وتعين أفرادها وتقيلهم وتحدد المؤسسات الصغيرة الأخرى التي ستتعاون معها بناء على ديناميات السوق الداخلي.

من أجل ضمان تحمل المسؤولية في هذا النظام المتطور، أنشأت شركة "هاير" منصة تكنولوجيا المعلومات "إي إم سي وورك بنش" (EMC Workbench) الخاصة بها لتعمل على أتمتة عملية تقديم العطاءات للمهام وإبرام العقود. تقوم المؤسسات الصغيرة بإدخال عقودها إلى النظام حيث يمكن لجميع الموظفين فيها وفي المؤسسات الأخرى رؤية الأهداف التي يحددها العقد وقياس أداء أفرادها نسبة لهذه الأهداف. تشكل هذه الشفافية أساس التزام المؤسسات الصغيرة وأفرادها بالأهداف المتعاقد عليها، وإذا لم يحقق أحد الأفراد هدفه فسيتم استبداله. كما أن العلاوات الإضافية التي تحدد بناء على الأداء المتعلق بالأهداف تحسب وتوزع عن طريق المنصة بصورة آلية باستخدام تكنولوجيا البلوك تشين.

في حين أن المنصة تتيح لشركة "هاير" إدارة هذا السوق الداخلي الكبير والمعقد بأقل قدر ممكن من النفقات المؤسسية العامة والإدارة الوسطى، فالنظام لا يحدد ما تفعله كل مؤسسة صغيرة بل يترك الخيار للموظفين.

التوجيه من دون مدراء

تتمثل الطريقة الثالثة لاستفادة الشركات اللامركزية من منصات تكنولوجيا المعلومات وأدواتها في تقريب موظفي الخطوط الأمامية من العملاء أكثر والسماح لهم باتخاذ قرارات مبنية على المعلومات بأنفسهم بدلاً من الاعتماد على توجيهات الإدارة.

خذ مثلاً سلسلة متاجر "فكوسفيل" (VkusVill) الأسرع نمواً في روسيا لبيع الأغذية بالتجزئة، فهي منظمة كشبكة تضم ما يزيد على 1,200 متجر مستقل للبقالة والمستلزمات اليومية، يعمل كل متجر بإدارة فريق يضم 5 - 10 أشخاص يتمتعون بصلاحية واسعة النطاق لاتخاذ القرار تشمل اختيار المنتجات والعروض الترويجية التي يقدمها المتجر.

ولدعم مستوى استقلالية الموظفين تعتمد شركة "فكوسفيل" على منصة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها لوصل المتاجر بزبائنها مباشرة عن طريق مجموعة من الحلول الرقمية (كالتطبيقات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي)، إذ يتلقى الزبون بعد كل زيارة إلى المتجر وصلاً إلكترونياً يتيح له تقييم كل سلعة اشتراها على مقياس 1 - 5 وإضافة التعليقات عليها.

وعن طريق هذه القنوات يتلقى كل فريق باستمرار تقييمات الزبائن للمنتجات وآراءهم حول المتاجر القريبة منهم، وبناء على هذه البيانات يتخذ فريق إدارة المتجر قراراته بشأن إعادة ترتيب السلع وتحديد أماكن عرضها وأسعارها. في حين تستخدم شركات كثيرة البيانات من أجل صنع القرارات، تتميز شركة "فكوسفيل" بديناميتها وآراء الزبائن ذات الطابع المحلي التي تجمعها وإمكانية الوصول إلى البيانات التي تتيحها لموظفي الخطوط الأمامية. على خلاف معظم شركات تجارة التجزئة، حيث تنحصر البيانات وحقوق صنع القرارات في المقر الرئيس، فإن نموذج عمل شركة "فكوسفيل" المتمثل في صناعة القرار اللامركزي ناجح لسبب محدد؛ تطوره التكنولوجي.

الحوكمة من دون حكام

في أقصى الحالات، بدأنا نشهد ظهور مؤسسات من دون كيان مؤسسي مركزي على الإطلاق، إذ تستعيض عنه بتكنولوجيا البلوك تشين التي تقوم بأعمال المراقبة والإدارة للتفاعلات التي تتطلب عموماً عمليات حوكمة مركزية معقدة والإجراءات الروتينية البغيضة المتأصلة فيها.

وفي حين يعتقد الكثيرون أن تكنولوجيا البلوك تشين مصممة لإجراء عمليات المقايضة (مثل العملات المشفرة)، فالتكنولوجيا نفسها التي تتيح لشخصين لا ثقة بينهما تبادل العملات من دون وسيط تستخدم أيضاً للسماح لعدة أشخاص بتنسيق عملهم من دون تدخل مدير وسيط. يمكن أن توفر تكنولوجيا البلوك تشين حلولاً لا مؤسسية لمشكلات التنظيم الأساسية الأربعة: تقسيم المهام وتخصيصها وتوزيع المكافآت وتبادل المعلومات، عن طريق استخدام التكنولوجيا بدلاً من الآدميين في تنفيذ الإجراءات وعمليات التسليم المشمولة في إنجاز الأعمال المعقدة.

خذ مثلاً شركة "شيب شيفت" (ShapeShift) التي عملت كمؤسسة مركزية على مدى الأعوام السبع الماضية أعلنت مؤخراً انتقالها إلى إطار عمل لامركزي يحافظ على الإخلاص والثقة عن طريق تكنولوجيا البلوك تشين. في حين لن يكون باستطاعة جميع الشركات الانتقال إلى اللامركزية بنفس الطريقة، فهناك عدد لا محدود من الطرق المحتملة التي تتيح بها تكنولوجيا البلوك تشين للبشر القيام بعملهم على أكمل وجه لتعمل التكنولوجيا على ربط هذا العمل وجمعه في المنتجات والحلول المعقدة.

على الرغم من أن قلة من هذه المنصات تستخدم أحدث الحلول التكنولوجية المتطورة، فالجديد حقاً في هذه الحالات هو استخدام التكنولوجيا لإبراز إبداع الموظفين في الخطوط الأمامية وقراراتهم بدلاً من ممارسة مزيد من الرقابة عليهم أو تقليص المساحة المتاحة لهم لاتخاذ القرارات.

في حين أن الأتمتة هي اللامركزية الصرفة، لا يتمثل أفضل استخدام للتكنولوجيا في أتمتة عمل موظفي الخطوط الأمامية بل في أتمتة وظائف الإدارة، لا سيما الإدارة الوسطى (كالتنسيق والمساءلة والتوجيه والحوكمة). وبما أن التكنولوجيا ستقوم بالعمل الذي نقوم به نفسه، فلم لا نستخدمها لأداء الأعمال التي لا نحبها حالياً، كالتنسيق المعقد والأعمال الروتينية والإجراءات البيروقراطية وعملية صناعة قرارات القيادة والسيطرة (التي يقوم بها أشخاص لا يملكون أفضل البيانات اللازمة لصنع هذه القرارات) وأساليب الامتثال البالية، بدلاً من أن تحلّ محل زملائنا الأعزاء في أداء الأعمال التي نحبها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي