تعرف على قوة الاستماع لمساعدة الموظفين على التطور

7 دقائق
قوة الاستماع

يُعد تقييم الأداء من أكثر الطرق شيوعاً، والتي يساعد المدراء من خلالها موظفيهم على التعلم والتطور، ومع ذلك، أظهرت البحوث أنّ التقييم يمكن أن يضر بالأداء: منذ أكثر من 20 عاماً، قام زميلي كلوغر بتحليل 607 تجارب على فعالية التقييم، ووجد أنّ التقييم هو السبب وراء انخفاض الأداء في 38% من الحالات. حدث هذا مع التقييم الإيجابي والسلبي على حد سواء، ونتج معظمها عندما هدد هذا التقييم نظرة الموظفين إلى أنفسهم.

إنّ أحد الأسباب التي تجعل التقييم (حتى عندما يكون إيجابياً) غالباً ما يأتي بنتائج عكسية؛ هو إشارته إلى أنّ المدير هو القائد وهو الحكم. وهذا يمكن أن يجعل الموظفين مرهقين وفي موقف دفاع؛ ما يجعل من الصعب عليهم تقبل رأي شخص آخر. على سبيل المثال، يمكن للموظفين التعامل مع التقييم السلبي عن طريق التقليل من أهمية الشخص الذي يقيمهم أو التقليل من أهمية التقييم نفسه. قد يقوم الموظفون حتى بإعادة تشكيل شبكاتهم الاجتماعية لتجنب مصدار التقييم؛ وذلك من أجل استعادة تقديرهم لذواتهم. بعبارة أخرى، يدافعون عن أنفسهم من خلال تعزيز مواقفهم ضد الشخص الذي يقيمهم.

أردنا اكتشاف ما إذا كان الحديث الأكثر لطفاً، أي طرح الأسئلة والاستماع، يمكن أن يمنع هذه النتائج. فبينما يكون هدف التقييم هو إخبار الموظفين بأنهم بحاجة إلى التغيير، فإنّ الاستماع إلى الموظفين وطرح الأسئلة عليهم؛ قد يجعلهم "يريدون" التغيير فعلاً. أثبتت لنا دراسة بحثية حديثة أنّ اختبار الاستماع الجيد (الانتباه، التعاطف، تجنب إصدار الأحكام) يمكن أن يشكل بشكل إيجابي عواطف ومواقف المتحدثين.

على سبيل المثال، في إحدى التجارب المختبرية، قمنا بتعيين 112 طالباً جامعياً ليكونوا إما متكلمين أو مستمعين، ثم جلس كل متكلم مقابل مستمع معين. طلبنا من المتكلمين التحدث لمدة 10 دقائق حول مواقفهم تجاه مقترح تحديد الحد الأدنى لدخل الفرد، والأساسيات التي يحتاجها، حيث يجب على جميع طلاب الجامعة التطوع أيضاً. وطلبنا من المستمعين "الاستماع كما يستمعون عندما يكونون في أفضل حالاتهم"، لكننا عملنا على صرف انتباه نصف المستمعين بطريقة عشوائية عن طريق إرسال رسائل نصية لهم (على سبيل المثال، ما هو الموقف الذي أثار غضبك مؤخراً؟)، وطلبنا منهم الإجابة بطريقة مقتضبة (فشعر المتحدثون بأنه تم تشويش أفكارهم). بعد ذلك، سألنا المتحدثين أسئلة حول ما إذا كانوا قلقين بشأن ما فكر فيه شريكهم، وما إذا كانوا قد اكتسبوا أية أفكار أثناء الحديث، وما إذا كانوا واثقين من قناعاتهم.

وجدنا أنّ المتحدثين المقترنين بمستمعين جيدين (مقابل أولئك الذين اقترنوا بمستمعين قد تم تشتيت انتباههم) شعروا بقلق أقل، وكانوا أكثر وعياً لذواتهم، وتكلموا بوضوح أكبر عن مواقفهم حول المواضيع المطروحة. كما أفاد المتحدثون الذين تم إقرانهم مع المستمعين غير المشتتين أنهم يرغبون في "مشاركة" موقفهم مع أشخاص آخرين، على خلاف المتحدثين المقترنين بمستمعين مشتتين.

كما وجدنا فائدة أخرى للاستماع الجيد وهي أنه يساعد المتحدثين على فهم جانبي المناقشة (وهو ما نسميه الموقف بمختلف جوانبه). ووجدنا خلال دراسة أخرى أنّ المتكلمين الذين تحدثوا مع مستمع جيد، أفادوا عن مواقف كانت أكثر تعقيداً وأقل تطرفاً. بعبارة أخرى، ليست أحادية الجانب.

في تجربة مختبرية أخرى، أصدرنا تعليمات إلى 114 طالباً جامعياً في إحدى كليات إدارة الأعمال للتحدث لمدة 12 دقيقة حول ما إذا كانوا مناسبين لأن يصبحوا مدراء في المستقبل. قمنا بتعيين هؤلاء المتحدثين بشكل عشوائي إلى واحدة من ثلاث مجموعات استماع (جيدة، معتدلة، وسيئة). تكلم المتحدثون في ظروف استماع جيدة إلى مستمع مدرب، حيث كان إما مدرباً معتمداً للإدارة أو طالباً متدرباً في مجال العمل الاجتماعي. وطلبنا من هؤلاء المستمعين المدربين استخدام جميع مهارات الاستماع لديهم، مثل طرح الأسئلة والتفاعل. بينما تكلم المتحدثون في ظروف إصغاء معتدلة إلى طالب جامعي آخر في كلية إدارة الأعمال، وكان يُطلب منه الاستماع كما يفعل عادة. أما المتحدثون في ظروف إصغاء سيئة، فقد تكلموا مع طلاب من قسم المسرح الذي طُلب منهم التصرف لتشويش الجلسة (على سبيل المثال، النظر جانباً وتفقد هواتفهم الذكية).

اقرأ أيضا: ما هي أهمية التعلم مدى الحياة؟

بعد المحادثة، طلبنا من المتحدثين الإشارة بشكل منفصل إلى مدى اعتقادهم بأنهم مناسبين لأن يصبحوا مدراء. استناداً إلى هذه الإجابات، قمنا بحساب الموقف بمختلف جوانبه (إذا ما كانوا يرون نقاط القوة والضعف التي من شأنها أن تؤثر على قدرتهم على أن يكونوا مدراء)، والتطرّف (ما إذا كانوا يرون جانباً واحداً فقط). وجدنا أنّ المتحدثين الذين تكلموا إلى مستمع جيد رأوا نقاط القوة والضعف أكثر من أولئك الموضوعين في الظروف الأخرى. إنّ المتحدثين الذين تكلموا إلى مستمع مشتت الانتباه وصف أغلبهم نقاط قوتهم وبالكاد اعترفوا بنقاط ضعفهم. ومن المثير للاهتمام، أنّ المتحدثين في ظروف الإصغاء السيئة هم أولئك الذين أفادوا، بمعدل وسطي، بأنهم أكثر ملاءمة لأن يصبحوا مدراء.

قمنا باختبار مدى ملاءمة هذه النتائج المختبرية في ثلاث دراسات ميدانية أُجريت بين موظفي مجلس المدينة، والعاملين في مجال التكنولوجيا المتطورة، والمدرسين (180 عاملاً في المجمل). في هذه الدراسات، طلبنا من الموظفين التحدث عن زملائهم، أو مشرفهم، أو عن تجربة مفيدة في العمل، قبل وبعد المشاركة في تجربة الاستماع المعروفة باسم "دائرة الاستماع"؛ حيث يتم فيها دعوة الموظفين للتحدث بصراحة وصدق حول موضوع معين، مثل تجربة مفيدة مروا بها في العمل، ويتم تدريبهم على الاستماع دون مقاطعة، ويقوم شخص واحد فقط بالتحدث في كل مرة.

قمنا بتكرار جميع النتائج المختبرية، وتحديداً، الموظفون الذين شاركوا في دوائر الاستماع والذين أفادوا عن قلق اجتماعي أقل، ومواقف ذات جوانب مختلفة أعلى، وانخفاض في موقفهم المتطرف تجاه مواضيع مختلفة متعلقة بالعمل (مثل الموقف تجاه المدير)، بالمقارنة مع الموظفين الذين شاركوا في الحالات التي لا تشمل المستمعين المدرّبين.

بشكل متناسق، أشارت نتائجنا إلى أنّ الاستماع يجعل الموظف أكثر ارتياحاً، وأكثر وعياً لنقاط قوته وضعفه، وأكثر استعداداً للتفاعل بطريقة غير دفاعية. وهذا يمكن أن يجعل الموظفين أكثر استعداداً للتعاون (بدل التنافس) مع زملائهم الآخرين، حيث يصبحون أكثر اهتماماً بمشاركة مواقفهم، ولكن ليس بالضرورة محاولة إقناع الآخرين بتبنيّها، وأكثر انفتاحاً لتفهم وجهات نظر الآخرين.

وبالعودة إلى التقييم، من المؤكد أننا لا نّدعي أنّ الاستماع يجب أن يحل محل التقييم، ولكن، يبدو أنّ الاستماع إلى الموظفين الذين يتحدثون عن تجاربهم الخاصة أولاً؛ يمكن أن يجعل تقييم الموظفين أكثر إنتاجية من خلال مساعدتهم على الشعور بالأمان من الناحية النفسية وجعلهم أقل دفاعية.

للاستماع أعداؤه

تُثبت النتائج التي توصلنا إليها فكرة أنّ المدراء الذين يستمعون بشكل جيد يُنظر إليهم على أنهم قادة، ويولّدون المزيد من الثقة، ويعملون على تنمية المزيد من الرضا الوظيفي، ويرفعون من مستوى إبداع فريقهم. لكن، إذا كان الاستماع يعود بكل هذه المنفعة على الموظفين والمؤسسات، فلماذا لا يُعد ثقافة سائدة في المؤسسات؟ لماذا لا يتم الاستماع إلى معظم الموظفين بالطريقة التي يريدونها؟ تظهر البحوث أنّ هنالك بعض العوائق التي تقف حيال ذلك:

  1. فقدان السلطة. أظهرت البحوث التي أجراها فريقنا أنّ بعض المدراء قد يشعرون أنه ربما يتم النظر إليهم على أنهم ضعفاء إذا ما استمعوا إلى موظفيهم. ولكن في الوقت نفسه، تبين أنه إذا كنت مستمعاً جيداً يعني أنك تكسب النفوذ، لذلك يبدو أنّ على المدراء إجراء مقايضة بين الحصول على مركز قائم على الترهيب أو الحصول على مركز قائم على التقدير.
  2. الاستماع يستهلك الوقت والجهد. في كثير من الحالات، يستمع المدراء إلى الموظفين تحت ضغط الوقت أو عندما يكونون مشتتين بسبب أفكار أو أعمال أخرى. لذا، فإنّ الاستماع هو قرار استثماري: يجب على المدراء أن يخصصوا وقتاً للاستماع لكي يجنوا الفوائد المستقبلية.
  3. الخوف من التغيير. يمكن أن يُعد الاستماع الجيد مجازفة لأنه ينطوي على تقبّل وجهة نظر المتحدث من دون محاولة إصدار الأحكام، ومن المحتمل أن تغيّر هذه العملية مواقف المستمع وتصوراته. لاحظنا عدة مرات أنه عندما قمنا بتدريب المدراء على الاستماع الجيد؛ اكتسبوا آراء هامة عن موظفيهم، فقد صُدموا عندما علموا مدى ضآلة معرفتهم عن حياة الأشخاص الذين عملوا معهم لسنوات عديدة.

على سبيل المثال، قال العديد من المدراء أنه عندما حاولوا الاستماع إلى الموظفين الذين يواجهون صعوبة في الحضور إلى العمل في الوقت المحدد، علموا أنّ هؤلاء الموظفين كانوا يمرّون بظروف قاسية من أجل دعم أحد أفراد العائلة (الزوجة التي تموت بسبب السرطان، أو الشقيق الذي يعاني من إعاقة عقلية). هذا الإدراك يهدد مواقف المدراء ونظرتهم إلى أنفسهم، وهي تجربة تسمى باسم "التنافر المعرفي"، والتي يمكن أن تكون صعبة على المدير.

نصائح لتصبح مستمعاً أفضل

إنّ الاستماع يشبه العضلة، يتطلب التدريب، والمثابرة، والجهد، والأهم من ذلك، هي رغبتك في أن تصبح مستمعاً جيداً؛ يتطلب الأمر تصفية ذهنك من التشويش الداخلي والخارجي، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، قم بتأجيل المحادثة إلى أن تجد نفسك قادراً على الاستماع حقاً من دون أي معوقات. إليك بعض الطرق التي يمكنك تطبيقها من أجل استماع أفضل:

امنح 100% من اهتمامك، أو لا تستمع. ضع هاتفك الذكي أو جهاز الآيباد أو الكمبيوتر المحمول الخاص بك جانباً، وانظر إلى المتكلم، حتى لو لم يكن ينظر هو إليك. في المحادثة العادية، ينظر المتحدث إليك من حين لآخر لمعرفة أنك ما زلت تستمع؛ حيث أنّ المتحدث يشعر من خلال الاتصال المباشر بالعين بأنك مهتم لما يقوله.

لا تقاطع المتكلم. قاوم رغبتك في المقاطعة قبل أن يشير المتحدث إلى ذلك. في ورشة العمل الخاصة بنا، نقدم للمدراء التعليمات التالية: "اذهب إلى موظف ما في عملك؛ والذي يصعب عليك الاستماع إليه عادة، وأخبر الموظفين أنك تتعلم الإصغاء وأنك اليوم سوف تستمع فقط لمدة دقائق (حيث يمكن أن تكون المدة 3 أو 5 أو حتى 10 دقائق)، ولا تقم بتقديم ملاحظاتك إلا عندما ينتهي وقت الاستماع المحدد مسبقاً، أو حتى يمكنك تأجيل ذلك إلى اليوم التالي".

يشعر المدراء غالباً بالدهشة من النتائج؛ حيث قال أحدهم: "في 6 دقائق، أكملنا معاملة كانت لتستغرق أكثر من ساعة". وقال آخر لنا: "شاركتني موظفة أشياء كنت قد منعتها من قولها لمدة 18 عاماً".

لا تصدر الأحكام ولا تقيّم. استمع من دون القفز إلى الاستنتاج وتفسير ما تسمعه، ربما ستقوم بإصدار الأحكام بينك وبين نفسك، لكن قم بتجاهلها. وإذا لاحظت أنك فقدت مسار المحادثة بسبب أحكامك، اعتذر للمتحدث بأنّ ذهنك مشوش، واطلب منه تكرار ما قاله؛ لا تتظاهر بأنك تستمع.

لا تفرض حلولك الخاصة. يتمحور دور المستمع في مساعدة المتحدث على إيجاد حلول بنفسه، لذلك، عند الاستماع إلى زميل أو موظف لديك، امتنع عن اقتراح الحلول. إذا كنت تعتقد أنه لديك حل جيد وتشعر برغبة في مشاركته، قم بطرح سؤال مثل: "أتساءل ما الذي يمكن أن يحدث إذا اخترت أن تفعل كذا؟"

اسأل المزيد من الأسئلة (الجيدة). يقوم المستمعون بتشكيل المحادثات عن طريق طرح الأسئلة التي تفيد المتحدث، حيث يتطلب الاستماع الجيد التفكير حول ما هو الشيء الذي يحتاجه المتحدث أكثر من غيره، وصياغة الأسئلة التي من شأنها أن تقود المتحدث للبحث عن إجابة؛ حاول طرح الأسئلة لمساعدة الموظف على التعمق في أفكاره وتجاربه.

قبل أن تسأل، قم بسؤال نفسك: "هل هذا السؤال يهدف إلى إفادة المتحدث أو أنه يرضي فضولي؟". من المؤكد أنّ هنالك مجال لكليهما، ولكن المستمع الجيد يعطي أولوية لاحتياجات الآخر. إنّ أحد أفضل الأسئلة التي يمكنك طرحها هو "هل هناك أي شيء آخر؟"، وكثيراً ما يكشف هذا السؤال عن معلومات جديدة وفرص غير متوقعة.

فكر بعمق. عندما تُنهي محادثة ما، فكر في ما استمعت إليه وفي الفرص الضائعة (لحظات تجاهلتها، دلائل محتملة أو بقائك صامتاً بدلاً من طرح الأسئلة). عندما تشعر بأنك مستمع ممتاز، فكر في الأشياء التي اكتسبتها، وكيف يمكنك تطبيق هذا النوع من الاستماع في ظروف أكثر تحدياً.

اقرأ أيضاً: السيكولوجية النفسية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي