على الشركات الاستعداد لفترة الانكماش الاقتصادي التالية

6 دقائق

يتوقع العديد من خبراء الاقتصاد حدوث انكماش، إن لم يكن ركوداً تاماً، في غضون 12 أو 24 شهراً من الآن. لقد شهدنا إحدى أطول الفترات التوسعية في التاريخ الحديث، فقد تراجعت المؤشرات الرئيسة في دول كثيرة، وأسواق الأوراق المالية متقلبة، والكثير من المخاطر تلوح في الأفق. ومن الطبيعي أن يدرس قادة الأعمال سبل التمركز الأفضل للتعامل مع أوضاع الاقتصاد الكلي الأصعب.

وإذا كان لنا في التاريخ من عبرة، فستقوم الكثير من الشركات بالاستعداد بشكل أقل جداً، في وقت متأخر جداً، وفي وضعية دفاعية جداً. ولكن تحليلنا لأكثر من 5,000 شركة تتوزع على الدورات الاقتصادية الأربعة الأخيرة يشير إلى أنّ تباطؤ الأداء يجلب الفرص فضلاً عن التحديات. وقد كانت بعض الشركات قادرة على التأثير إيجاباً على المنافسة خلال فترة الانكماش وبعدها، وساهمت مجموعة مشتركة من الإجراءات في الوصول إلى ذلك النجاح.

ويمتلك مشهد الأعمال اليوم ميزات فريدة وكثيرة، ما سيضيف تعقيدات جديدة على الخطط التاريخية. وهذا ما يجعل من المهم بالنسبة لقادة الأعمال الاستعداد لظروف معينة تتعلق بفترة الانكماش التالية، إضافة إلى استخلاص العبر من الدروس الصحيحة من الماضي.

حققت بعض الشركات مكاسب من الانكماش الاقتصادي

قمنا بدراسة جميع الشركات العامة في الولايات المتحدة والتي بلغت مبيعاتها السنوية أكثر من 50 مليون دولار خلال فترات الانكماش الأربع الماضية، ولا تقتصر هذه الفترات على الركود فحسب، بل تضم أيضاً فترات نمو بطيء بشكل ملموس (عرّفنا الانكماش ليشمل الركود "فترات نمو الناتج المحلي الإجمالي" إلى جانب فترات الهبوط التراكمي في نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لـ 1% على الأقل على مدار عامين)، ووجدنا أنّ حوالي ثلاثة أرباع هذه الشركات شهدت انخفاضاً في نمو الإيرادات. وعلى أي حال، لم تكن 14% من الشركات قادرة على زيادة وتيرة النمو فحسب، بل أيضاً زيادة الربحية.

المخاطر التنافسية عالية: قامت هذه الشركات المتفوقة بزيادة المبيعات بنسبة 9% سنوياً خلال فترة الانكماش وزادت هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب (EBIT) بمتوسط 3%، بينما انخفضت مبيعات الشركات الأخرى بنسبة 2% وتقلص هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب بنقطتين مئويتين. ارتفع مستوى تقلب القدرة التنافسية، مقاساً بالتغير في تركيب لائحة "فورتشن 100" وتصنيفها، بنسبة 3% في فترات الانكماش الأخيرة، ما يشير أيضاً إلى توفر الفرص بالنسبة للبعض. وتجدر الإشارة إلى أنّ تقلب القدرة التنافسية ارتفع بنفس القدر تماماً خلال فترات الانكماش الأكثر اعتدالاً وفترات الركود الشديد.

ومالت الشركات التي تصمد في وجه الانكماش إلى الإجابة على نحو مختلف في بعض المحاور الرئيسة:

استجابت في وقت مبكر. يمكن أن نتفهم امتناع القادة عن القيام بإجراءات مهمة حتى يروا دليلاً واضحاً على تأثرهم بالرياح الاقتصادية المعاكسة. وعلى أي حال، وجدنا أنّ الشركات التي تكتشف المخاطر بشكل استباقي، من خلال مناقشة احتمال انكماش في مكالمات الأرباح التي جرت قبل الركود الاقتصادي الذي بدأ بشكل رسمي في ديسمبر/كانون الأول 2007، حققت إجمالي عائد للمساهمين (محددة كإجمالي العائدات للمستثمرين بما فيها مكاسب رأس المال والأرباح) أفضل بـ 6 نقاط مئوية في فترة الانكماش مقارنة بالشركات التي لم تتعامل مع التحديات مبكراً.

اعتمدت منظوراً طويل الأجل. يجب على القادة معالجة المسائل قصيرة الأجل خلال فترة الانكماش لضمان قدرتهم على الوفاء بالالتزامات الحالية. ولكن الفرص التنافسية الحقيقية تنتظر القادة الذين يستطيعون أيضاً إبقاء عين واحدة مفتوحة على الصورة في الأمد البعيد. استخدمنا خوارزميات معالجة اللغات الطبيعية لتقييم توجه الشركات على المدى البعيد من سجلات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، ووجدنا أنّ الشركات ذات المنظور طويل الأجل حققت نمواً سنوياً أعلى بـ 4 نقاط مئوية خلال فترة الانكماش، إلى جانب ارتفاع بنقطتين مئويتين في إجمالي العائد للمساهمين.

ركزت على النمو، وليس على خفض التكاليف. تحتاج الشركات إلى نهج متوازن للأداء لتتجاوز مجرد بقائها وتكتسب ميزة مستدامة. سعت الأقلية الصغيرة من الشركات، التي حققت إجمالي عائد محسوب سنوياً للمساهمين يتألف من رقمين في فترات الانكماش، إلى تحقيق الكفاءة وتحسين هوامش ربحها. ولكن الدافع الأكثر أهمية كان نمو الإيرادات، والذي مثّل حوالي 50% من العائد على المساهمين فيها، وهو ما يعادل ضعف حجم تأثير خفض التكاليف. (وكان الباقي مدفوعاً بتوقعات المستثمرين).

المخاطر الحالية بالنسبة للاقتصاد

على الرغم من أنّ الدروس التاريخية قد تساعد قادة الأعمال على الاستعداد لتباطؤ الأداء، إلا أنّ ثمة ميزات فريدة عديدة لمشهد الأعمال اليوم يجب أن تؤخذ أيضاً بعين الاعتبار.

التوقعات الاقتصادية هي علم غير دقيق في أحسن الأحوال، ولكن الآراء متباينة بشكل خاص في هذه الأيام، وتتراوح بين إمكانية انقضاء الأسوأ إلى توقع حدوث ركود أشد في الأجل القريب. تتأثر حالة عدم اليقين بمخاطر مرتفعة على جبهات كثيرة: المخاطر التكنولوجية، بما فيها الأمن السيبراني والثقة؛ ومخاطر السياسة الاقتصادية، بما فيها التحديات التي تواجه المؤسسات الدولية، والمخاطر الاجتماعية، بما فيها زيادة عدم المساواة في دول كثيرة، والمخاطر الكوكبية، بما فيها التغير المناخي. وكما قالت كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي مؤخراً: "يواجه الاقتصاد العالمي مخاطر كبيرة للغاية... وتتداخل هذه المخاطر الآن على نحو متزايد".

ونقوم بتنظيم المخاطر بالغة الأهمية القائمة بالنسبة للاقتصاد حسب هذه التصنيفات:

  1. مخاطر تكنولوجية، بما فيها حوكمة الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات والثقة.
  2. مخاطر اقتصادية، بما فيها النمو وعدم اليقين والتجارة والمواجهة بين الولايات المتحدة والصين.
  3. مخاطر مجتمعية، بما فيها مستقبل العمل وعدم المساواة والدمج والترابط.
  4. مخاطر كوكبية، بما فيها المواد البلاستيكية والاحتباس الحراري والمياه النظيفة.

كان انخفاض معدلات النمو الاقتصادي بمثابة القضية المهيمنة في الكثير من فترات الانكماش السابقة. ومع ذلك، يتعين النظر إلى تباطؤ النمو في فترات الانكماش التالية على أنه القوة المزعزعة الوحيدة، وقد لا يكون أهم تلك القوى. وسيكون على القادة الاستمرار في مواجهة الزعزعة التكنولوجية وآثارها على المنافسة، وزعزعة سلسلة التوريد القائمة على القيود التجارية، والزعزعة التنافسية التي يسببها وجود جهات فاعلة تعتمد نماذج أعمال جديدة.

ويعتبر تباين الأداء بين الشركات، مقاساً بمتوسط الفرق في هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب بين الشركات في الربع الأعلى من قطاعاتها بالمقارنة مع الربع الأدنى، أعلى مما كان عليه في أي وقت في التاريخ الحديث. وقد ارتفعت كل من أموال الشركات وديونها إلى مستويات قياسية، وستكون لدى الشركات الموجودة في طرفي طيف الميزانية العمومية مخاوف مختلفة، حيث سيكون للشركات عالية المديونية أداء أسوأ بكثير خلال فترات الانكماش، مع ضبط عامل القطاع وغيره من العوامل. ونظراً لحديث الأعمال التجارية من أوضاع متباينة جداً، فإنها ستحتاج إلى تخصيص استجاباتها وفقاً لذلك.

كيف تستعد لفترة الانكماش التالية؟

من خلال الجمع بين ما نعرفه عن أداء الشركات في فترات الانكماش الماضية والميزات الخاصة للوضع القائم، نستطيع تحديد أمور كثيرة يتعين على الشركات أخذها بعين الاعتبار في استعدادها لفترة الانكماش التالية:

تلاعب بمتوسط استجابتك. قد تتأثر شتى الوحدات الجغرافية ووحدات العمل في شركة ما على نحو مختلف بفترة الانكماش. فمثلاً، على الرغم من توقع حدوث بطء في النمو في معظم البلدان النامية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتزايد وتيرة النمو في الهند وأفريقيا، وأن تبقى قوية في جنوب شرق آسيا. كما سيكون لفترات الانكماش آثار على قطاعات معينة. فبينما كان لفترات الانكماش السابقة تأثير قوي على قطاعات المنتجات الاستهلاكية الكمالية، كانت قطاعات المنتجات الاستهلاكية الرئيسة (مثل المنتجات الغذائية) أقل تأثراً. ويجب على القادة أن يفهموا البيئة الخاصة التي تعمل فيها أنشطتهم التجارية، وأن يقوموا باختيار تخصيص مواردها، إضافة إلى اختيار نهجهم للاستراتيجية المتبعة، وفقاً لذلك.

ابن مرونة إلى أقصى قدر ممكن. يواجه الاقتصاد العالمي الكثير من الشكوك. ولا بد للقادة من التأكد من قدرة أعمالهم على التحمل في مختلف السيناريوهات، وليس فقط توقعاً واحداً. فعلى سبيل المثال، ستكون الشركات التي تحتفظ باحتياطات مالية أفضل في الاستجابة للتهديدات أو الفرص غير المتوقعة، ويمكن للشركات ذات دورات التخطيط الأقصر أن تتكيف بشكل أفضل مع المعلومات الجديدة. وقد يساعد اختبار التوتر تجاه مجموعة من السيناريوهات على اختبار المرونة.

استثمر في النمو. تجعل فترات الانكماش النمو أكثر صعوبة على المدى القصير، لكنها لا تقوض بالضرورة فرص النمو على المدى البعيد، ما لم يحرم القادة شركاتهم من الاستثمار المطلوب. يعتبر تحقيق النمو المستدام أصعب من أي وقت مضى، لكن دراستنا تبين أنّ الشركات التي تواصل الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار ستحظى بأفضل فرصة للنمو بنجاح على المدى البعيد.

لا تغفل أجندة التحول على المدى البعيد. ذات مرة قال خبير الاقتصاد بول رومر: "الأزمة هي شيء من الفظيع إهداره". يمكن لفترات الانكماش أن تسلط الضوء على صحة الأعمال على المدى البعيد، فتكشف مواطن الضعف التي ربما لم تكن ظاهرة في الأوقات الجيدة. ويتعين على القادة استخدام فترات الانكماش كفرصة لخلق إحساس بالجاهزية داخل مؤسساتهم، ما يساعد على إحداث تغيير على نطاق واسع سيكون ضرورياً للنجاح في المستقبل.

ركز على القدرة التنافسية في المجال التكنولوجي. يعيد التغير التكنولوجي تشكيل جميع القطاعات، ويجعل المراكز التنافسية أكثر هشاشة. كما تميل فترات الانكماش إلى زيادة التقلبات التنافسية، ما يعني أنّ من الأرجح أن تؤدي فترة الانكماش التالية إلى زيادة المخاطر المحتملة للزعزعة الرقمية ومكافآتها إلى حد بعيد. ولن يتوقف التقدم التكنولوجي خلال فترة الانكماش، وبالتالي لن يكون بوسع الشركات تحمل تعليق أجندتها الخاصة بالتغيير الرقمي.

المساهمة في حل المشاكل المشتركة بشكل جماعي. لا يمكن التعامل مع المخاطر التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والبيئة الملحة اليوم دون اتخاذ إجراءات جماعية. وعلى أي حال، فقد تؤجج فترة الانكماش التالية توترات اجتماعية، وتقلص من قدرة الحكومات على التعامل مع هذه القضايا. ويجب على قادة الأعمال القيام بدور استباقي للتعامل مع أكبر تحديات عصرنا، من خلال التعاون مع جميع الأطراف المعنية والانتقال من دائرة النقاش إلى الإجراءات العملية.

ستكون فترة الانكماش التالية عقبة في وجه الكثير من الدول، ولكن القليل من هذه الدول ستغدو أكثر قوة على المستويين التنافسي والمالي. وسيكون القادة الذين يستخلصون العبر من الرابحين في فترات الانكماش السابقة، ويولون اهتماماً خاصاً بالميزات الفريدة للبيئة الحالية، في أفضل وضع يمكنهم من النجاح.

اقرأ أيضاً: نقاط الضعف في الشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي