ملخص: دفعت الجائحة العديد من الموظفين إلى إمعان النظر في أكثر الأمور أهمية لهم وكيف يمكنهم قضاء المزيد من الوقت في التركيز على ما يُشعرهم بأن وجودهم له غاية وهدف. وكلما ازدادت قدرة المدير على فهم الاحتياجات الوجودية لدى الموظفين ودعمها، ازدادت قدرته على استبقائهم والاستفادة من قوة عاملة يحفزها فهم معنى الحياة. يقترح المؤلف 3 طرق لزيادة اندماج الموظفين الذين يبحثون عن معنى لحياتهم واستبقائهم. أولاً، لا تحصر تفكيرك بالرواتب والامتيازات المادية الأخرى وفكر فيما يجري كي تتمكن من مساعدة الموظفين على تلبية حاجتهم إلى فهم معنى الحياة. ثانياً، ساعد جميع موظفيك، بغضّ النظر عن مناصبهم، ليشعروا بأن وظائفهم تخدم غاية وجودية مهمة. ثالثاً، إذا أصبح العمل عن بعد شائعاً، فاحرص على قضاء وقت أطول من المعتاد في التركيز على تيسير الفرص الاجتماعية وتقديم الإرشاد والتوجيه للموظفين وقاية لهم من الشعور بالوحدة.
لدى الإنسان حاجة أساسية إلى فهم معنى الحياة تنبع من شعوره بأن وجوده له غاية وأهمية، وهي ليست أمراً جديداً. لكن مشاعر الخوف والقلق والعزلة والحزن المستمرة على مدى فترة زمنية مطولة نتيجة للجائحة دفعت كثيراً من الناس إلى إعادة النظر فيما يمنح حياتهم معنى. تبين دراسات عديدة أن الإنسان عندما يفكر في الموت والمواضيع الوجودية المهمة الأخرى يزداد تركيزه على ما يمنحه شعوراً بأن حياته مرضية، لأن المعنى يخفف القلق الوجودي لدى الإنسان بمنحه شعوراً بأنه جزء مما هو أكبر وأطول أمداً من حياته الفانية القصيرة. يمكن أن يؤثر هذا البحث عن معنى الحياة في السلوك الوظيفي وعملية صناعة القرار التي تشمل اختيار مكان العمل.
يغتنم كثير من الموظفين هذه الفرصة لإعادة تقييم مدى تلاؤم عملهم مع حياتهم. في دراسة استقصائية أجريت في شهر مارس/آذار، قال 26% من الموظفين الأميركيين إنهم يخططون لترك وظائفهم الحالية والبحث عن وظائف جديدة بعد انتهاء الجائحة. (ترتفع هذه النسبة إلى 34% من موظفي جيل الألفية الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوة العاملة الحالية). يمكن للمدراء اتباع الطرق التالية من أجل دعم الموظفين الذين يصارعون هذه الأسئلة الوجودية على أمل استبقائهم.
طرق لفهم الاحتياجات الوجودية لدى الموظفين ودعمها
فكر فيما يتعدى الرواتب
عندما يزداد تركيز الموظفين على المخاوف الوجودية قد تصبح الغاية أهم من المال بالنسبة لهم. لذا يجب على المدراء عدم الاكتفاء بالنظر إلى الرواتب والامتيازات المادية الأخرى والتفكير فيما يجري كي يتمكنوا من مساعدة الموظفين في تلبية حاجتهم إلى فهم معنى الحياة.
على سبيل المثال، في دراسة استقصائية جديدة قال 60% من المشاركين إنه من الممكن أن يقبلوا بأجر أقل مقابل زيادة المرونة، كالقدرة على العمل عن بعد. قد يكون نظام العمل عن بعد أو ساعات العمل المرنة جذاباً بالنسبة لكثير من الموظفين الذين يرغبون في التركيز أكثر على معنى الحياة إذا كان سيتيح لهم قضاء وقت أطول مع أسرهم وأصدقائهم خارج العمل. وبالفعل، توصل الفريق الذي يعمل على بحثي إلى أن "العلاقات الوطيدة مع العائلة والأحبة" هي الجواب الأكثر شيوعاً عن السؤال الذي طرح على الموظفين عما يمنح حياتهم معنى.
كما يمكن أن يعزز المدراء ثقافة مكان العمل التي تثمن عالياً "الانفصال الكامل" عن العمل عن طريق وضع حدود واضحة بين الوقت المهني والشخصي (مثلاً، عدم إرسال رسالة إلكترونية للموظفين خارج ساعات العمل). سيزداد هذا التوازن صعوبة وأهمية مع استمرار العمل عن بعد. تبين الأبحاث أن مراقبة البريد الإلكتروني خارج ساعات العمل يخفض مستوى رفاهة الموظفين ويزيد معدلات الدوران الوظيفي. كلما ازدادت قدرة المدير على المساعدة في دعم رغبة الموظفين في تحقيق التوازن بين العمل وعيش حياة مرضية خارجه، ازدادت احتمالات قدرته على جذب الموظفين واستبقائهم واحتمالات أن يكون هؤلاء الموظفون سعداء ومندمجين في العمل.
وقد يكون ذلك على قدر كبير من الأهمية في عالم ما بعد الجائحة عندما يزداد تفكير الكثير من الموظفين في التغيير الذي تسببت به الجائحة في حياتهم العائلية. سأل مركز "بيو للأبحاث" مواطنين أميركيين بالغين عن الآثار السلبية والإيجابية التي أوقعتها الجائحة على حياتهم، فكانت العلاقات الشخصية الجانب الذي وقع عليه أشد أثر سلبي من الحياة الشخصية، إذ قال 41% من المشاركين في الاستقصاء إنهم يفتقدون العائلة والأصدقاء. وفي نفس الوقت، أشار 33% من المشاركين إلى أن الجائحة أتاحت لهم قضاء وقت أطول مع شركاء الحياة أو الأولاد أو غيرهم من أفراد العائلة. بعبارة أخرى، رفعت الجائحة وعي كثير من الناس لأهمية علاقاتهم الشخصية بتوضيح شكل الحياة عندما لا يستطيعون قضاء الوقت مع أحبائهم أو عندما تسنح لهم الفرصة لقضاء وقت أطول معهم. يجب أن يتوقع المدراء أن يزداد تركيز القوة العاملة بعد الجائحة على الرضا الذي يشعر به الموظفون نتيجة لقضاء الوقت مع أحبائهم.
احرص على منح العمل معنى أكبر
هذا لا يعني أن العمل لا علاقة له بالمعنى، بل على العكس تماماً. فالعمل يتيح للموظف دعم العائلة التي تتمتع بقيمة كبيرة لديه والمساهمة في مجتمعه. تقول الأبحاث إن الموظف يتمتع برضا وظيفي والتزام أكبر إذا شعر بمعنى لعمله. لذا يجب أن يسعى المدراء إلى مساعدة جميع موظفيهم بغض النظر عن مناصبهم ليشعروا بأن وظائفهم تخدم غاية وجودية مهمة.
ضع توصيفاً وظيفياً لكل دور يحدد بوضوح كيف يخدم هذا الدور الرسالة الأشمل في الشركة. وعند الإمكان أتح للموظفين فرصة المشاركة في تحديد واجباتهم الوظيفية وطريقة تعاملهم معها، الأمر الذي يزيد المعنى الذي يستمدونه من عملهم.
تقول شركة "غالوب" إن واحداً من كل 3 موظفين حول العالم يؤيد بشدة أن رسالة الشركة وغايتها تمنحانه شعوراً بأهمية وظيفته. قد تكون طبيعة الجائحة التي تشكل تهديداً وجودياً قد زادت رغبة الموظفين في العمل لدى مؤسسات يعتبرونها مؤثرة في المجتمع من حولهم والعالم. وقد توصل الفريق الذي يعمل على بحثي إلى أنه كلما ازداد حماس الموظفين في سعيهم للعثور على معنى الحياة ازداد حماسهم لتحقيق أهداف اجتماعية مثل تحسين المجتمع. لذلك يجب أن يؤكد المدير مساهمة شركته المؤثرة في المجتمع الأوسع من أجل مساعدة الموظفين على ربط جهودهم الشخصية برسالة أسمى. خصص بعض الوقت في اجتماعات الفريق والشركة والاحتفالات من أجل التعريف بمستجدات مساهمة الشركة وتسليط الضوء على تأثير رسالتها ومساهمة الموظفين في تحقيقها.
عزز علاقات العمل المتينة
لا يزال الوقت مبكراً جداً على معرفة جميع الجوانب الإيجابية والسلبية لنقل أعداد كبيرة من الموظفين من البيئة المكتبية التقليدية إلى العمل عن بعد، ولا يزال من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث. قد يستفيد بعض الموظفين كثيراً من العمل عن بعد لأنه كما قلنا من قبل يتيح لهم فرصة قضاء وقت أطول مع الأشخاص الذين يمنحون الحياة معنى. لكن هذا لا يعني عدم وجود أثر سلبي محتمل للعمل عن بعد على الغاية من الحياة.
تشير الدراسات الاستقصائية إلى أن موظفي جيل الألفية يقولون إنهم يشعرون بوحدة شديدة أكثر من الموظفين الأكبر سناً. مثلاً، في دراسة استقصائية أجرتها شركة "يوغوف" (YouGov) أشار 30% من موظفي جيل الألفية إلى شعورهم بالوحدة غالباً أو دائماً مقارنة بنسبة 20% من موظفي جيل إكس و15% من موظفي جيل طفرة المواليد. وتشير دراسة استقصائية شملت مجموعة موظفين من جيل زد الأصغر سناً إلى أنهم الجيل الذي يشعر بأعلى درجة من الوحدة على الإطلاق، كما لاحظت دراسة جديدة أن البالغين اليافعين شعروا بوحدة كبيرة في أثناء الجائحة.
قد يبدو العمل عن بعد جذاباً جداً لأنه نظرياً يتيح للموظفين حرية أكبر في اختيار مكان السكن ويخفض الوقت الذي يقضونه في المواصلات ويوفر مرونة أكبر عموماً، لكنه أيضاً ينطوي على إمكانية توليد شعور أقوى بالانفصال عن العلاقات الاجتماعية المهمة خاصة لدى الموظفين الأصغر سناً.
يجب أن يفكر المدراء في الآثار بعيدة المدى المحتملة للعمل عن بعد على كل من العلاقات وبناء الفرق وتقديم الإرشاد والتوجيه. قد يصعب على كثير من الموظفين اعتبار عملهم ذا معنى إذا لم يشعروا بما يربطهم بزملائهم ومدرائهم. وقد تكون الخيارات الهجينة، التي تتيح درجة من المرونة مع إنشاء بيئة العمل الشخصية التي تساعد الموظفين على بناء علاقات قوية والحفاظ عليها، مفيدة في تحقيق توازن بين المعنى في العمل وخارجه.
إذا أصبح العمل عن بعد شائعاً، فمن الضروري أن يقضي المدراء وقتاً أطول من المعتاد في التركيز على تيسير الفرص الاجتماعية وتقديم الإرشاد والتوجيه. يمكن أن يشمل ذلك تنظيم مناسبات اجتماعية من حين لآخر يحضرها الموظفون شخصياً ليتعرفوا من خلالها على زملائهم أكثر، وإنشاء نموذج للإرشاد والتوجيه يجمع بين الموظفين ذوي الخبرة والموظفين الجدد، وتحديد أوقات معينة يكون المدراء وأفراد الفريق في أثنائها متصلين بالإنترنت ومتاحين للتحدث بشأن المشاريع، وعقد اجتماعات افتراضية منتظمة للفريق، واستخدام برامج مساحة العمل الافتراضية التي تحاكي البيئة الاجتماعية في مكان العمل ولو بصورة جزئية.
دفعت الجائحة العديد من الموظفين إلى إمعان النظر في أكثر الأمور أهمية لهم وكيف يمكنهم قضاء المزيد من الوقت في التركيز على ما يُشعرهم بأن وجودهم له غاية وهدف. وكلما ازدادت قدرة المدير على فهم الاحتياجات الوجودية لدى الموظفين ودعمها، ازدادت قدرته على استبقائهم والاستفادة من قوة عاملة يحفزها فهم معنى الحياة.