كيف تساعد فريقك في الشعور بالهدف في العمل؟

6 دقائق
مساعدة الفريق للشعور بالهدف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا أحد يرغب في العمل كالروبوت من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة الخامسة مساء، وإنما يريد الأفراد أن يشعروا أن لديهم ما يحفزهم على العمل، وأن يجدوا معنى في عملهم، وأن يروا تأثير عملهم في الآخرين سعياً منهم للانخراط أكثر في العمل ودعماً لقدراتهم على الابتكار وزيادة الإنتاجية. ولا يُعتبر ذلك سراً أو وحياً، بل إنه الحس السليم. فكيف يمكن مساعدة الفريق للشعور بالهدف؟

وفي حال كنت قائداً، فقد تكون مساعدة الآخرين في الشعور بالهدف أداة فاعلة. لكن لماذا يواجه العديد من القادة صعوبة في إضاءة شعلة موظفيهم؟

تنطوي الإجابة البسيطة عن هذا السؤال على أنه من الصعب للغاية غرس الهدف في الآخرين، إذ يتطلب غرس الهدف أكثر من مجرد محادثات تحفيزية أو خطابات سامية أو توضيح رسالة الشركة. في الواقع، قد تأتي هذه الأساليب بنتائج عكسية في حال كانت مبالغاً فيها أو غير صادقة، وهو ما يقود بدوره إلى ردود فعل ساخرة.

اقرأ أيضاً: كيف ترشد فريقك في الظروف الغامضة؟

مساعدة الفريق للشعور بالهدف

إن الهدف في الواقع هو كلمة كبيرة، لكنها تنطوي في النهاية على مساعدة الأفراد في رؤية تأثيرهم على الآخرين ومساعدتهم في توضيح سبب حبهم لعملهم. ومن المحتمل أن تجد النجاح إذا وضعت ذلك في الاعتبار واتخذت منهجاً شخصياً وصادقاً ومستمراً.

اجعل الهدف شخصياً

أولاً، يجب أن يكون الهدف شخصياً، كما أنه من الضروري أن يكون محسوساً، ذلك أنه يرمي إلى التماس رد فعل عاطفي، ولذلك من الخاطئ التحدث عن الهدف فقط.

تخيل أنك رئيس كلية تجمع التبرعات للمساعدة في تمويل المنح الدراسية للأطفال الفقراء. كيف تحفّز المتطوعين؟ وفقاً لدراسة أجراها آدم غرانت، إذا وقفت أمام المجموعة وتحدثت عن أهمية عملهم، فمن المحتمل ألا يسفر اتباعك هذا النهج عن تحسين أداء أي شخص، ولكن إذا قمت بدعوة طالب حاصل على منحة لمشاركة قصته الشخصية، سيكون تأثير ذلك كبيراً. في الواقع، جمع المتطوعون ما يقرب من 400% من المال أكثر من المتوسط بعد أن استمعوا إلى الطالب الحاصل على المنحة، حسبما جاء في الدراسة التي أجراها غرانت.

وعندما كنت أخبر بعض القادة من شركة “هوفمان-لاروش” (F. Hoffmann-La Roche AG)، التي تُعتبر واحدة من أكبر شركات الأدوية في العالم، عن دراسة جمع التبرعات، اتّقد حماس أحد الحاضرين وأفصحت قائلة: “لقد حدث ذلك معنا أيضاً!”.

اقرأ أيضاً: كيف تدير معنويات فريقك عندما يغادر موظف محبوب العمل؟

وتحدّثت عن فريقها الذي كان يعمل في قسم الأجهزة الطبية والذي تعرّض إلى نظرات استياء من قِبل أفراد آخرين في المنظمة الذين اعتقدوا أن الكيمياء كانت مجالاً “أكثر جاذبية” من الهندسة. وكان انخراط الكثير من أفراد مجموعتها في العمل قليلاً، كما كانت معنويات الفريق منخفضة للغاية. وفي أحد الأيام، طلبت القائدة من أحد الزبائن أن تتحدث مع الفريق عن قصتها الشخصية.

كانت هذا الزبونة مصابة بمرض السكري، وكانت تضطر إلى إجراء اختبار على دمها يومياً للتأكد من أن جرعة الأنسولين كانت صحيحة. لسوء الحظ، أخطأت هذه المرأة المسكينة في فهم مقدار الدم اللازم لإجراء الاختبار، وكانت توخز إصبعها أكثر من اللازم من أجل الحصول على الدم. كانت تشعر بالألم يومياً، إلى أن أصبح وخز أصابعها شيئاً تخاف منه حتى، فضلاً عن أن ذلك كان يؤذي أصابعها أيضاً. كانت تسحب الدم من إصبع واحد إلى أن يتورم ويلتهب في بعض الأحيان، لتنتقل بعد ذلك إلى الإصبع التالي. لقد تضررت يداها إلى درجة أنها كانت تجلس عليها أحياناً لإخفاء الضرر عن الآخرين، كما أنها أحجمت عن الخروج لتناول العشاء لأنها كانت تشعر بالإحراج الشديد.

اقرأ أيضاً: كيف تضمن شعور الأعضاء الجدد في فريقك بأنهم مندمجون منذ اليوم الأول؟

ثم أخبرت المجموعة عن الفارق الذي أحدثوه في حياتها عندما اخترعوا جهازاً صغيراً لوخز الإصبع تضعه على رأس إصبعها فقط وتضغط عليه. يسحب هذا الجهاز الحد الأدنى المطلق من الدم دون أن يتسبب بأي آلام أو يترك جروح. وأخبرتهم كيف أسهم هذا الجهاز في شفاء يديها وأتاح لها الخروج لتناول العشاء دون أن تشعر بالخجل من نفسها. وقالت لهم: “لقد تغيّرت حياتي بفضلكم”.

أخبرتنا قائدة “لاروش” أن فريق الجهاز الطبي تأثر حقاً بشهادة المريضة هذه، وأن الاجتماع كان عاطفيٌ جداً، وشعر الأفراد بقيمة هدفهم لعدة أشهر لاحقة.

وبالتالي، لا يهم القطاع الذي تعمل فيه، فإذا أدرك الأفراد السبب والنتيجة بين مدخلاتهم وتقدّم فريقهم، أو فهموا تأثير حصول الزبون على المنتج في الوقت المحدد، أو اختبروا أهمية دورهم في مساعدة الآخرين سيتولّد لديهم إحساس بالهدف.

اجعل هدفك صادقاً

من المهم أن تصدق ما تقوله وما تفعله، ذلك أن هذا هو ما يصنع كل الفرق. فإذا كانت محاولاتك لخلق هدف لا تتماشى مع سلوكياتك القيادية الأخرى، سيعتبر الموظفون تكتيكاتك أنها مخادعة وليست ملهمة.

بعد أن شاركت المرأة في شركة “لاروش” قصتها الملهمة، على سبيل المثال، رفع رجل على الجانب الآخر من الغرفة يده وقال: “نعم، لقد اختبروا هذا الهراء علينا أيضاً”.

اقرأ أيضاً: كيف تضع معايير عمل للفريق التنفيذي وتضمن الالتزام بها؟

أعرف مديراً لم يتحدث عن أي شيء سوى الأرباح الفصلية وتحقيق أهداف الشحن. لا بدّ أنه حضر كلية لندن للأعمال أيضاً وسمعك تتحدث عن هذه الدراسة، ذلك أنه جلب لنا أحد المرضى إلى اجتماعنا الأسبوعي وطلب منها أن تروي لنا قصتها حول كيف أنقذت العقاقير حياتها. أقصد أنهم حاولوا استغلال عواطفنا لجعلنا نعمل بجدية أكبر، واستخدموا قصص المرضى للتلاعب بنا! وهذا عمل دنيء جداً”.

ويمكننا أن نستقي الكثير من المعلومات هذا الحديث.

إذا كنت قائداً وتحاول حثّ موظفيك على الإحساس بالهدف دون أن تقتدي نفسك بهذا الهدف، فقد تسفر رسالتك عن نتائج عكسية. ويمتلك البشر في الواقع قدرة الكشف عن الحقيقة، إذ إننا منجذبون بفطرتنا إلى الصدق ودحض الأكاذيب والنفاق.

لذلك تصرف بحكمة، وإذا كنت تشعر بالإلهام شخصياً من خلال الاستماع إلى الزبائن، وتؤمن حقاً بما تقوله، فاتبع هذا النهج. بيد أنك اتباعك هذا النهج دون إيمان منك بفاعليته قد يولّد مشاعر التلاعب أكثر من الإلهام.

اجعل الهدف دائماً

حتى إذا جعلت هدفك شخصياً وصادقاً، فلا يمكنك القيام بذلك مرة واحدة فقط، بل لا بدّ لك من جعله روتيناً.

وتشجع الدكتورة دوروثي ريتز، المديرة العامة لشركة “مايكروسوفت” في النمسا، موظفيها على الخروج إلى الميدان والاطّلاع على مشكلات العملاء بشكل مباشر. على سبيل المثال، أمضى أحد فرق الشركة أسبوعاً واحداً في الشارع مع ضباط الشرطة في محاولة لتقصي فاعلية البيانات عن بُعد في مساعدة عناصر الشرطة. في حين أمضى فريق آخر يومان في المستشفى بهدف دراسة أهمية تطبيق النظام اللاورقي في المستشفى.

وقالت ريتز أن تجارب الانخراط مع العملاء هذه كانت مفيدة للموظفين، وأنها أسفرت عن اتقاد حماسهم. وكان من الواضح لها أن خبرات الموظفين الشخصية زادت من إحساسهم بالهدف، ذلك لأنهم أدركوا أهمية عملهم. كما لاحظت ريتز انخراط الموظفين في مشاريعهم بمزيد من الطاقة والحماس بعد أن أدركوا احتياجات العملاء بأنفسهم.

وبعد عام من تجربة هذه المبادرة، طبّقت ريتز نهجاً أكثر أماناً، حيث اختارت مجموعة من الزبائن الرئيسين الذين تدعوهم الشركاء في قطاعات تتراوح من صناعة السيارات إلى تجار التجزئة والمستشفيات. وطلبت من فريق مكوّن من 15 موظفاً من مايكروسوفت يتراوح من كبار القادة إلى الشركات الزميلة التوجه إلى موقع كل شركة والتحدث مع عدة أشخاص من مستويات مختلفة وسؤالهم عن التحديات التي يواجهونها. وتحدثوا أيضاً إلى أشخاص متخصصين في تكنولوجيا المعلومات ومع صانعي القرار في الشركات عبر وظائف مختلفة على حد سواء.

وفي “تيسلا” (Tesla) على سبيل المثال، أخبرتني ريتز كيف تمكن موظفو “مايكروسوفت” من مختلف المستويات من إجراء محادثة تمحورت حول احتياجات “تيسلا” بدلاً من منتجات “مايكروسوفت”. حيث ركّز الفريق على مواضع الخلل في العملية التي تحتاج شركة “تيسلا” إلى معالجتها. وفي أحد متاجر التجزئة الكبرى، قام أحد موظفي “مايكروسوفت” الذي كان يقف بجانب جهاز “إكس بوكس” بطرح بعض الأسئلة الأساسية حول المشكلات المتعلقة بوحدة التحكم، وهو ما أسفر عن مناقشة عملية مفيدة بدلاً من الكلام التنفيذي الرفيع المستوى، وساعد في تركيز المحادثة على إيجاد حلول عملية يمكن للفريق العمل على تطبيقها. كما تمكنت فرق “مايكروسوفت” هذه من بناء علاقات جديدة. لكن ريتز قالت أن الأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الفرق فهمت أهداف المشاريع استناداً إلى تجربة مباشرة للمواقف والاستماع إلى قضايا الشركات بشكل مباشر.

استثمرت ريتز بعمق في تجارب العملاء التي سمحت للموظفين اختبار تأثير وظائفهم بشكل مباشر، وهو ما ساعدهم في بناء علاقات عاطفية مع العميل والعمل، وساعدت “مايكروسوفت” في الاستكشاف والتعلم كمؤسسة.

وبالتالي، يمكن أن يكون الهدف أداة قوية للقادة الذين يرغبون في إلهام الأفراد على تحقيق أفضل ما لديهم. لكن يتّفق معظم القادة أن الموظفين لا “يعون” هدف مؤسساتهم تماماً، وذلك لأن الهدف شخصي وعاطفي، وغالباً ما يدار بشكل سيئ من قبل قادة الصفقات الذين يلقون خطابات حول الأهداف المجتمعية السامية بدلاً من المساعدة في جعل الموظفين على تواصل مباشر مع الأشخاص الذين يقومون بخدمتهم. لكن يمكن للهدف أن يصنع العجائب فيما يتعلق بمساهمات الموظفين عندما يتبع القادة نهجاً شخصياً وصادقاً ومستداماً في سبيل مساعدة الفريق للشعور بالهدف.

مقتبس من كتاب “فاعل في العمل: أهمية علم الأعصاب في مساعدة موظفيك على حب ما يقومون به” (Alive at Work: The Neuroscience of Helping Your People Love What They Do) بقلم دان كيبل.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم برامج اليقظة والتنبه الذهني لزيادة الإبداع لدى فريق العمل؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .